البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

السبت، 23 أغسطس 2014

تعليمية اللغات: المبادئ والمفاهيم


ارتبط مفهوم التعليمية بكل شيء يتعلق بتعليم اللغات ، وهي أحد الحقول المعرفية الحديثة التي أفردت باهتمام الباحثين مع اختلافات تخصصاتهم ومجالات اهتماماتهم البحثية. وقد ظهرت أول ما ظهرت في كندا وبعض بلدان أوربا في نهاية الأربعينيات بمفاهيم مختلفة لارتباطها بتخصصات تتلاقى معها ففي إيطاليا وسويسرا ارتبطت بعلم النفس البيداغوجي واللسانيات النفسية ، في بلجيكا ارتبط مفهومها بالبيداغوجيا. وعلى كل حال نستطيع القول أن التعليمية أحد الفروع الرئيسية للسانيات التطبيقية ولقد كانت ثمرة لتطورات مناهج وطرق التعليم بحيث أصبحت امتدادا طبيعيا لهذه الخيرة تطور من اللسانيات التطبيقة
مبادئ ومفاهيم تعليميّة اللغات: تعتبر تعليميّة اللّغات علما حديث النشأة اقترن ظهوره باللّـسانيّات التّطبيقـيّة، يهتم بطرق تعليم اللّـغات، ثمّ اتّسعت دائـرة اهتمامه فأصبح يهتم بمتغيرات العملية التّعليميّة التـّعلميّة، فينظر في المحتويـات، فينتقيها وينظّمها لتتماشى مع الأهداف الموضوعة لها، ثمّ يحدد الطرائق والوسائل التي تكفـل نجاح العمليّة التّعليميّة التّعلّمـيّة.
وتعلميّة اللّغات(*) ميدان تتجسّد فيه ثمرة تكامل وتعاون جهود الإنسان في كثير من المجالات المعرفيّة باختلاف اتّجاهاتها وتخصّصاتها، فطبيعة الموضـوع الذي تعالجه وهو كيفيّة تعليم وتعلّم اللّغة، يتطلب منها هذا الارتباط الوثيق بينـها وبين حقول معرفية مختلفة، ولذا فالمشتغل في حقل التّعليمـية، لا يكتفي بمعطيات حقل معرفيّ دون آخر فلكلّ ميدانه الخاصّ به، فإذا كان اللّسانيّ يتناول البنى اللغـويّة التي بنيت عليها الأ لسنة البشرية ويبحث في وظائفها، وكيفية آدائها لها، فلا يمكننا أن نطمئن إليه، لكي يمدّ نا بنظرية متكاملة في كيفية اكـتساب اللـغة البشرية وتعّلمها؛ والأمر نفسه بالنسبة للبيداغوجي أوعالم النّـفس فهو الآخر وإن كان يهتم بظاهرة اكتساب اللّغة، لا يمكنه أن يفيدنا في التّعرف على أسرار البنى اللّغوية، لأنّ ذلك من اختصاص اللّسانيّات وحدها "وهذا دليل واضح على أنّ البحث الجماعي المتفاعل الممنهج المنتظم هو الذي يكفل-في هذه الميادين التّطبيقيّة (المتداخلة)- النتائج الإيجابية والحلول الناجعة...، وقد أيقن الباحثون أنّ هناك حقيقة قد يتجاهلها اللّسانيّون والمربون الذين يعملون كلّ واحد بمعزل عن الآخـرين، وهو أنّ بين البنى اللغوية وكيفيات اكتسابها علا قات ثابتـة وقوانين خفيـّة، يجب أن يكشـف عنها الغطاء، وأن تصاغ على ما تتطلبه الصّياغة العلمية الدقيـقة.(1) "ولذلك فتّعليميّة اللّغات تراهن على الجمع بين ثمـار فنون وعلوم عديـدة، لكونها ميـدانا فسيـحا، يتجسـّد فيه العمل الجماعيّ المتكامل والمثمر، وتتـقاطع فيه معـطيات اللسانيات، وعلم النّفـس اللّغوي، وعلم الاجتماع اللّغوي، وعلوم التّربية، ونظريات الاتـّصال، إلاّ أنّ الوظيفة الكبـرى للتّعليميـّة تتجسّد في إمكانية تكييف هذه المعطيات النّظريةالمجرّدة بإ يجاد نوع من التناغم بينهـــا ثم كيفية الاستفادة منها، وهي تتصدى لمعالجة موضوع اختصاصها وهو تعليم اللّغة وتعلـّمها، فالمشاكل المترتبة عن هذه المهمة، لا تنحصر في مستوى اللّغة المراد تعلّمها بل هناك مشاكل نفسية، يجب على المشتغل بالتّعليم أن يراعيها،لأ نّه يتعامل مع كائن بشري يعيش بكل أبعاده الذّهنية، والنّفسيّة، والجسد ية، داخل مجتمع معيّن له خصوصيته التي ينفرد بها. وتعليميّةاللّغات تتكفل بالإجا بة عن مثل الأسئلة التّاليّة:ماذا نعلم؟ من نعلم؟ لماذا ؟ كيف نعلم ؟ وانطلا قا من هذه التّساؤلات تحدّد التّعليمية أقطاب العمليّة التّعليميّة التّعلميّة المتمثلة في العناصر التالية:
- المتعلّم ( من؟ ) للتّعرف على الخصائص الذهنية والنّفسيّة للمتعلّم.
- المحتوى ( ماذا؟) لتحديد المضامين المعرفيـة المراد تعليمها.
- الأهداف ( لماذا؟) لتحديد أهداف ومرامي التّعليم.
- الطريقة ( كيف؟) لاختيارالطّرق والتقنيات البيداغوجية.
ونظرا لطبيعة عمل هذه الأقطاب المتداخل ونوعية العلاقة الرابطة بينها، فإنّ العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة تمثّل نظاما ترتبط فيه هذه الأقطاب فيما بينها ارتباطا عضويا، يؤثر كل عضو منها في الآخر ويتأثر به، بحيث لا يمكن أن نستغني عن أحدها ؛ وهذا التّصوّر يفيدنا كثيرا في حل كثير من المشاكل المرتبطة بالعمليّة التّعليميّة لوضعها في سياقها السّليم، ومـن ثمّ نتـفادى الارتجالية الناجمة عن النـّظرة القاصرة التي تتناول هذه العناصر معزولة بعضها عـن البعض. ويمكن أن يوضّح الارتـباط العضوي بين هذه العناصر بحيث يكـون المتعلّم المحور وبؤرة الاهتـمام بالشـّكل البياني التّالي:

المتعلم

غير أن التعليمية بصفة عامة وتعليمية اللغات بصفة خاصة تواجه مشكلات متعددة تفرضها طبيعة موضوع بحثها وأدواته الإجرائية.وترتبط هذه المشكلات بمجموعة مفاهيم إجرائية تعتبر من
والسّؤال الأساس الذي يمسّ صميم عمل تعليميّة اللّـغات، هو كيف يمكن تحويل المعرفة اللّسانيّة ذات الطّابع العلمي المجرّد إلى مـبادئ عملية إجرائية يمكن الاستفادة منهـا في الميدان التّربوي؟ ثمّ كيف تتمّ عمليّة تكييف محتوى المادة اللّغويّة لتنسجم مع الطرق التّربوية وتستجيب لحاجـيّات المتعلم اللّغـوية؟
التّكييف التّعليمي: إنّ مفهـوم التّكييف أوالتّحويل التّعليمي للمعارف النّظريــــة didactique La transposition يخص ّتلك العمليّة المتعلقة بالمراحل التي يمكن أن تتحول فيها المفاهيم المراد إكسابها للمتعلم في مستوى تعليمي معين،من معارف مرجعية Savoirs savants إلى معارف تعليمية Savoirs enseignés مع العلم أنّ هذه العملية، أي عمليّة التكييف، تخضع لمعايير لغويّة، ونفسية، واجتماعية، وبيداغوجية.(1) وهذا المفهوم لعملية التكييف له أهميته القصوى لدى المختصين في تعليميّة اللغات بصـفة عامة وتعليميّة النّحو بصفة خاصة فالنّحو التّعليمي يختلف عن النّحو العلمي، فإن كان علم النّحو يصف الأبنية اللّغوية معزولة عن سياقات استعمالها وصفا معمما ومجردا وتلك طبيعة عمله العلمي الدقيـق، فإنّ النّحو التّعليمي لا يأخذ هذه المعطيات النّحوية المجردة كما هي، بل يقوم بتطويعها وتكييفها من أجل أغراض تعليميّة صرفة، ولذا يرى التّعلميّون المهتمون بموضوع تعليم النّحو، أنّ الأمر يحتاج إلى بناء استراتيجيّة واضحة المعالم، محددة الغايات، تقوم على أسس علمية، وأخرى بيداغوجية بحيث تحدد فيها أهداف تعليم النّحو تحديدا واضحا ودقيـقا، فينتـقى فيها المحتوى النّحوي انتقاء يخضع لمعايير وضوابط علميّة وبيداغوجيّة، بعيدة عن الأهواء والأراء الشّخصيّة، يكون فيها المتعلّم محور العمليّة التّعليميّة التّعلميّة، فيقدم له النّحو والصّرف لا على أساس قواعد نظريّة جافـة معزولة عن أحوال الخطاب، تحفظ عن ظهر قلب بل كمثل عمليّة، تكتسب بكيفيـة خاصة(2) وذلك بتوفير نوع من النّـشاط وعفويّة التّعبير أثناء حصص القواعد التّلقينيّة و باعتماد نصوص وحوارات مفعمة بالحيويّة مستوحاة من واقع المتعلمين، بحيث لا تُقدّم لهم إلاّ البنى اللغويّة التي يكثر جريانها على الألسنة والتي يحتاجونها في استعمالهم الفعلي للغة. ومن هذا المنطلق يغدو النّحو وسيلة لتكوين ملكة لسانيّة سليمة، ويكون الهدف الأساس من وراء اختيار المحتوى النّحوي،هو إكـساب المتعلم ملـكة
تبليغيّة مشافهة وتحريرا، بحسب ما تقتضيه أحوال وظروف الخطاب المختلفة وإكساب المتعلم لهذه الملكة التّبليغيـة، لا يعني بأيّة حال من الأحوال أن يفهم، ويعبر، ويقرأ، ويكتب الجمل فقط ،بل أيضا أن يعرف كيفيّة استعمالها و توظيفها، في مختلف ملابسات الحدث التّواصلي. وإذا كنا قد حدّدنا الهدف الأساسي من تعليم النّحو، وهو تكوين ملكة لسانيّة تواصليّة لدى المتعلّم، فما هوالمـحتوى الذي ينبغي تعليمه؟ وماهـي مقاييس اختـياره ليكون منسجما مع هذا الهدف المحـدّد؟
معا يير اختيارالمحتوى النّحوي: من البديهي أنّه لا يمكننا أن نُدّرس النّحوكلّه للمتعلم، وهو ينتمي إلى مستوى تعليمي معين، ومرتبط بجدول زمني محدد؛ ولذلك فإنّ مسألة اختيار المحتوى وانتقـائه انطلاقا من الأهداف المسطرة، تصبح مسألة جوهرية، لأنّها أهمّ عنصر في العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة، وتُؤثّر في بقيّة العناصر تأثيرا كبيرا. فما هو إذن المحتوى الذي ينبغي اختياره عند تصميم مناهج تعليم قواعد اللغة العربيّة في مرحلة التّعليم الثّانوي؟ وماهي المقاييس والمعايير التي ينبغي اعتمادها، والتّقيّد بها أثناء عملية الانتقاء أوالاختـيار؟
يرى كثير من المربين المهتمين بدراسة وتصميم مناهج تعليم اللّغات، أنّ عمليّة اختيار محتوى المادة اللّـغويّة المراد تعليمها، ينبغي أن تتمّ على مستويين أساسيين اثنين هـما(1):
- اختيار النّمط اللّغوي.
- اختيار البنى الصّرفية والنّحويّة.
أ ـ اختيار النّمط اللّغوي أوالمستوى الأدائي: بيّنت العديد من الدّراسات في حقل علم الاجتماع اللّغوي، أنّ التّنوع اللّغوي أو المستويات اللغوية، ظاهرة تعرفها أغلب اللّغات البشرية، وهذه المستويات اللّغوية، هي التي تعرف بالأنماط اللّغوية و" أنّ أيّة لغة لا يمكن أن تكون نمطا واحدا، وإنّما هي تنتظم متنوعات ومتعددة، منها اللّهجة الإقليميّة، واللهجة الاجتماعية، واللهجات الخاصة، ومنها المستوى الفصيح على درجات متعددة أيضا (2)" فما هو النّمط اللّغوي الذي يصلح في عملية انتقاء المادة النّحوية للغة العربيّة؟ ويجيب التّعليميّون عن مثل هذا التـساؤل بأنّ النّمط اللّغوي المفضل في اختـيار المحتوى النّحوي هو النّمط الذي له امتـداد تاريخي وبعد ثقافي، ولذا فإنّ النّمط المناسب لتعليم اللّغة العربيّة ونحوها، هو المزج بين الفصيحة المعاصرة وفصيحة التّراث، والذي يكون أقـرب إلـى
الأحوال الخطابيّة التي تستلزمها الحياة اليوميّة للمتعلّم لأنّ الكلام المنطوق هوالأصل، أمّا لغة التّحرير ففرع عليه (1)، فإذا اعتمد في تدريس النّحو على نمط اللّغة (المكتوبة) اعتماد كلّيّا وأهمل أو استصغر أمر اللغة المنطوقة، أدّى ذلك حتما بالمتعـلّم المتخرج إلى أن يخاطب غيره بلغة مصطنعة لا تمتّ بصلة إلى الواقع المعيش، لأنّ استصغار ما يتطلبه الخطاب اليومي من مستوى لغوي يتميز بالخفة والاقتصاد والمرونة، يساهم بقسط وافر في عجز المتعلّم بالجملة على فهم واستيعاب قواعد اللغة العربيّة، ومن ثمّ يصعب عليه تمثل مختلف الأنـماط والبنى اللّغويّة، ونتيجة لكلّ ذلك يصعب على المتعلّم استعمال وتوظيف ما تعلّمه من بنى وأنـماط لّغويّة في حياته اليوميّة؛ وهذا ما يجعل رقعة استعمال العربية تتقلص وتتحول إلى لغة أدبيّة محضةلا لغة تخاطب ومشافهة، ثمّ ينتهي بها الأمر إلى أن تحرم الدخول إلى البيوت والنزول إلى الشوارع، وتحرم أيضا من الولوج إلى الميادين النّابضة بالحياة والحيويّة، ومن هنا فإنّ اختيار النّمط اللّغوي الفصيح، هو الذي يحتاج إليه المتعلّم للتعبير عن شتى أغراضه التّبليغيّة في مختلف المواقف الخـطابية انطلاقا من وظيفة اللغة الأساسية كوسيـلة للتبليغ والاتّصال " ولهذا فينبغي أن تراعى في تدريس العربية الأساليب التي تتصف بالخفة والابتذال، أي الكثيرة الاستعمال ( زيادة على الأسلوب التحريري) مع ثبوتها عن العرب، وهي أوصاف اللّـغة التي تستعمل في التخاطب العادي(2)" ولذا فإنّ اعتماد مستوى من التعبير الفصيح المتّسم بالخفّة والابتـذال والعفويّة في تلقين القواعد اللّغويّة، يؤدي بالمتعلّم إلى إدراك أنّ اللّغة العربيّة، لا تختلف عن العاميّة واللّغات الحيّة الأخرى من حيث وجود هذه المستويات التّعبيريّة التي تتّصف بالعفوية والخـفّة والاقتصاد فيمثّل له ذلك حافزا يجعله يُقبل على تعلّمها وتعلّم قواعدها بكل شـوق وحماسة، ممّا يسّهل تحقيق الأهداف المرتبطة بتعليم النّحو باعتباره وسيلة في إكساب الملكة اللّسانيّة التّواصليّة.
بـ - اخـتيارالمحتوى( الأ بنية الصّرفيّة والنّحويّة): ينطلق التّعليميّون في تحديد واختـيار
المحتوى النّحوي من السّؤال التالي: هل المعرفة النّحويّة غاية في حد ذاتها، أم وسيلة لتعلم اللغة؟ ولمّا كان هذا السّؤال يتعلّق بتحديد الهـدف الأساس من تعليم النّحو، فإنّه يمثل معيارا
أساسيّا في عملية اختيار المحتوى، لكون النّحو وسيلة جوهرية في تعليم اللّغة وتعلّمها لأنّ تعلّمها لا ينحـصر في معرفة أنـساقها الشّكلية، بل كذلك في معرفة قواعـد استعمالها
في عمليّة التّـواصل مع مراعاة سياقاتها " فالاخـتيار مسألة حتميّة، وهو لا يمكن أن يكون نافعا في التّعليم إلا إذا كان مستندا إلى معايير موضوعية(1)" فالمتعلّم في مرحلة التّعليم الثّانوي، يحـتاج إلى كل ماهو وظيفي وأساسي من البنى الصّرفية، والتّركيبية، المستعملة في جميع فنون المعرفة، بالإضافة إلى ثبوت كثرة استعمالها لدى العرب قديما، والشّائعة في كتابات المحدثين، والمتّصفة بحيويّة الاستعمال العام في زمننا الحاضر، فلا يُقدم له إلاّ الصّيغ الصّرفية، والبـنى النّحوية الأساسيّة الأكثر شيوعا، والأوسع استعمالا، والأقلّ صعوبة من حيث تعليمها وتعلّمها " إذ ليست كلّ البنى النّحوية متساوية من حيث الشّيوع، ولا من حيث التوزيع، ولا من حيث قابليّة التّعلّم والتّعليم...،هناك بنى بسيطة، وأخرى مركبة، وهناك بنى مركزية لا يستغني عنها الاستعـمال اللّغوي، وأخرى هامشية...(2)" لا تستعمل إلاّ في حالات نادرة، وهكذا يختارالمحتوى النّحوي انطلا قا من قوائم تتضمن البنى الأساسية، تلك التي يُتوصـل إليها عن طـريق الدّراسات الميدانـيّة الإحصائـيّة التي تؤسـس على مبدإ حصر وتحديد مختلف البنى اللّغـويّة التي يحتاجها المتعلّم في استعماله الفعلي للّـغة.
معايير تنظيم المحتوى النّحوي: ترتبط بعملية اختيار المحتوى النّحوي، عمليّة في غايـة الأهميّة، وهي عمليّة تنظيم الوحـدات التي يتكوّن منها، وهي ما يعرف بالتّدرج(*) الذي يقوم بربط الخبرات السّابقة باللا حقة، خاصّة أنّ دراسات علم النّفس المعرفي، تؤكّد أنّ للمتعلّمين معارف سابقة عن المواضيع التي يدرسونها، وأنّها تلعب دورا كبيرا في عمليّة التعلّم، ولذا ينبغي في عملية انتقاء المحتوى النّحـوي وتنظيمه، أن ننطلق من " الفرضية القائلة: أنّ اللّغة
أيّة لغة ليست عبارة عن لائحة من الكلمات والتراكيب، وإنّما هي ضوابط وقوانين ومتون تأتلف جميعا لتكوّن النّسق العام للّغة (3)" ولكي نُكسب المتعلّم هذا النّسق العام للّغة لابدّ مـن
مراعاة عملية التّدرج، وذلك بربط معارفه الجديدة بمعارفه السّابقة، ممّا يساعد ذلك المتعلّم على أن يستضمر بشـكل أسهل وأسرع، وبقدر كبيرمن الفعاليّة والنّـجاعة ما يتعلّمه. والتّدرّج الدوري هوالأ نسب في تنظيم وترتيب المادة النّحويّة، لانّه يراعي مستوى المتعلّم ويستجيب لمختف حاجياته، كما ينسجم مع أحوال وظروف الخطاب المختلفة التي يتطلبها الاستعمال الفعلي للّغة، فلا تُقدّم البنى والأنساق اللغويّة للمتعلّم إلاّ من خلال سياقات استعمالها في شتّى ملا بسات الخطاب.والأمرالذي ينبغي أن نؤكده في اختيار المحتوى، هوالأخذ بعين الاعتبار الاتّجاه الوظيفي الذي يربط بين البنى النّحوية وأحوال وظروف الخطاب، وهذا ما يجعلنا نفضّل التدريج الدوري"والذي لا شكّ فيه أنّ التّدريج الدّوري أكثر ملاءمة لتعليم اللّغة من التّدريج الطّولي،لأنّه يتيح فرصة طبيعية لمراجعة المادة في سياقات مختلفة..،وهو يجعل تعليم اللّغة أسرع حين يجد المتعلم نفسه قادرا على استعمال مايتعلمه(1)" كما ينبغي أيضا أن تستجيب المادة النّحوية المنتقاة إلى احتياجات المتعلمين، وتراعي ظروفهم الاجتماعية والثقافية المحيطة بهم، لأنّ أحسن وأجدى وسيلة في ترغيب المتعلّم ليُقبل على تعلّم القواعد بكل حماسة وفعاليّة، تحسيسُهم بأنّ ما يتعلمونه له قيمة في حياتهم، فيساعدهم في استقامة لغتهم، ومن ثمّ قدرتهم على توظيف وتنويع مختلف أساليبـها في شتى أحوال الخطاب.
(*) ينظر: . R.Galisson et D.Coste, Dictionnaire de didactique des langues,Paris:1976,Hachette,p150-151-152
(1) عبد الرحمن الحاج صالح " أثر اللسانيات في النهوض بمستوى مدرسي اللغة العربية " مجلة اللسانيات، الجزائر:73ـ1974،العدد 4، ص 25 ـ 24.
(1) إبراهيم حمروش "التعليمية: موضوعها،مفاهيمها،الآفاق الي تفتحها" المجلة الجزائرية للتربية،الجزائر: 1995،وزارة التربية الوطنية،العدد2،ص69.
(2) عبد الرحمن الحاج صالح " أثر اللسانيات في النهوض بمستوى مدرسي اللغة العربية" مجلة اللسانيات،الجزائر: 73 ـ 1974، العدد4، ص23.
(1) عبـد ه الراجحي، علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية، مصر:1998،دار المعرفة الجامعية،ص64.
(2) المرجع نفسه، ص 84.
(1) عبد الرحمن الحاج صالح "الأسس العلمية واللغوية لبناء مناهج اللغة العربيةفي التعليم ما قبل الجامعي" مقال غير منشور.
(2) عبد الرحمن الحاج صالح "علم التدريس اللغات والبحث العلمي في منهجية الدرس اللغوي" مقال غير منشور.
(1) عبده الراجحي، علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية، ص68.
(2) المرجع نفسه، ص71.
(*) التّدرج = Gradation : عمليّة ترتيب محتويات التّعليم درجة درجة بعد تحديد المعطيات المراد تدريسها ...تسعى عمليّة التّدرج إلى حلّ مشكلتين رئيسيتين: ماهي عناصر المحتوى التي يمكن تجميعها؟ ماهي العناصر التي تسبق أو تتلو غيرها؟ والتدرج نوعان: 1ـ تّدرج طولي، ويعتمد أساسا على تناول ومعالجة الموضوع المقرر تدريسه دفعة واحدة بكل تفاصيله، ثمّ يتمّ الانتقال إلى موضوع آخر.2 ـ تّدرج دوري: ويستند إلى النّظريّة البنويّة التي تنظر إلى اللّغة على أساس أنها نظام من العلاقات لا يمكن فهم عنصر لغوي إلا من خلال مجموع العلاقات التي تربطه بالعناصرالأخرى داخل النظام، واستنادا إلى هذا المفهوم، فالموضوع المقرر لا يعالج دفعة واحدة ،وإنما يوزع على وحدات المقرر، كلّ وحدة تتناول منه جانبا واحدا فقط. ينظر عبد اللطيف وآخرون، مرجع سابق،ص156.
(3) المصطفى بن عبد الله بوشوك، تعليم وتعلّم اللّغة العربية وثقافتها، ص78.
(1) عبده الراجحي، علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية، ص 75.

                                                                                   ـ   المؤلف مجهول  الهوية  ـ

عناصر العملية التعليمية التعليمية


مُساهمة الأستاذة:  حميدة عبد الحميد 
بسم الله الرحمن الرحيم


تتكون العملية التعليمية التعليمية من عناصر يتفاعل كل عنصر مع الآخر بطريقة تبادلية التفاعل والتأثير وهذه العناصر هي :
التدريس
• يعتبر التدريس نشاطاً متواصلاً يهدف إلى إثارة التعلُّم وتسهيل مهمة تحقيقه، ويتضمن سلوك التدريس مجموعة الأفعال التواصلية والقرارات التي يتم استغلالها وتوظيفها بكيفية مقصودة من المدرس الذي يعمل كوسيط في إطار موقف تربوي تعليمي.
من المفاهيم الواردة في التدريس
• التدريس عملية متعمدة لتشكيل بيئة المتعلم المعرفية بصورة تمكنه من تعلم ممارسة سلوك معين أو الاشتراك في سلوك معين وذلك وفق شروط محددة ...
( يُقصد بالشروط ) متطلبات حدوث التعلُّم : وهي شروط خاصة بالمتعلم، وأخرى خاصة بالموقف التدريسي، وثالثة خاصة بالمعلم ... وغيرها من متطلبات التعلُّم الجيد .
من المفاهيم الواردة في التدريس
• كلما زادت المبادرات من قِبل المتعلم، وكلما كان المدرس مشجعاً متقبلاً لأفكار المتعلمين ومشاعرهم .. كان التدريس غير مباشر.
• وإذا ما ركز المدرس على سلوك الشرح والنقد والتوجيهات والأوامر كان التدريس مباشراً ...
من المفاهيم الواردة في التدريس
 إن الحوار في التدريس يتطلب إيضاحاً لكل من :
 المحتوى التعليمي .
 حالة الطالب أثناء التعليم وحدوث التعلم.
 المساعدة التي يؤديها المعلم لتسهيل التعلم .
 البيئة المدرسية كمجال حيوي .
من المفاهيم الواردة في التدريس
 التدريس مجموعة من الأحداث المتتالية التي تسير وفق توقيت محدد لما يتم تنفيذه .
 إن التدريس يضم مجموعة من الأحداث الخارجية التي صممت من أجل دعم العمليات الداخلية للتعلم .
من المفاهيم الواردة في التدريس
في التدريس تدور محتويات التواصل بين المدرس والطالب حول مجموعة من الأسئلة :
 ماذا يدرس ؟
 كيف يدرس ؟
 متى يدرس ؟
من المفاهيم الواردة في التدريس
من المفاهيم الواردة في التدريس
 علم التدريس يبحث التفاعل بين المعلم والطالب والمحتوى الدراسي .
ويهدف إلى إنشاء معايير للتطبيق ، ومعايير فعالة من أجل تفسير وتخطيط ، وتنظيم نشاط كل من المدرّس والطالب .
 و يمر تخطيط التدريس وتنظيمه كنشاط في مراحل ثلاث :
 التخطيط الإعداد وصياغة الأهداف .
 تنفيذ وتطبيق ما تم استنادا إلى تقنيات ووسائل تربوية .
 التقويم التكويني والشامل والتغذية الراجعة ، والحكم على فاعلية النشاط التدريسي .
[صـ16-17]
فما تعريف التدريس
من وجهة نظرك ؟
من تعريفات التدريس
يمكن تعريف التدريس بأنه *: عملية تفاعلية
 بين العلاقات (Relationships )
 والبيئة (Environment )
 واستجابة المتعلم (Learner Response )
ويعرّف التدريس
” بأنه العملية التي تتم فيها معالجة مُدخلات التدريس ( التلاميذ ـ المنهج ـ المجتمع المدرسي والمحلي ـ المدرسة وإمكانياتها ) بأسلوب تعليمي محدد، لينتج في النهاية التغيير السلوكي المطلوب لدى المتعلمين "
الفرق بين التدريس والتعليم
يرى بعض الباحثين إن التعليم يعد حالة خاصة من التدريس لاعتبارين هما :
 تحديد السلوك الذي يشكل هدفاً للتعلم ، والظروف أو الشروط التي تلائم ذلك السلوك ؛
 درجة الضبط التي تتم ممارستها للسيطرة على البيئة بهدف جعل المكونات السلوكية مكيفة للمواقف التعليمية
من الفروق بين التعليم والتدريس
 تتضح الفروق بين التعليم والتدريس من المقارنة بينهما في الجوانب التالية :
 الهدف من التعليم والتدريس
 أدوار المعلم في التعليم والتدريس
 أدوار المتعلم في التعليم والتدريس
 دور المحتوى الدراسي والخبرات في التعليم والتدريس
عملية التعلم
عملية التعلم
عملية التعلم عبارة عن موقف يتضمن العناصر التالية :
 حالة تعليمية عناصرها الرئيسية : الخبرة , والمتعلم , والمشرف على التعلم ( المعلم ) .
 نشاط تعليمي في الموقف يقوم به المشرف والهدف منه وهو تهيئة المتعلم لتقبل الخبرة الجديدة والتفاعل معها .
 التفاعل بين المتعلم وعناصر الموقف .
 نشاط تعليمي يقوم به المتعلم و يمارس فيه السلوك الجديد ويتدرب عليه والهدف منه هو أن يكتسب سلوكاً جديداً .
 السلوك الناتج أو الاستجابة المتعلمة .
ماذا يقصد بأسلوب التعلم ؟
التدريب الثاني : ( فردي) خلال عشر دقائق
المطلوب : الكتابة عن مفهوم أسلوب التعلم (في ضوء الأفكار المعروضة سابقاً عن التدريس والتعليم والتعلم )
أسلوب التعلم
أسلوب التعلم هو الأسلوب والطريقة التي يدرك بها المتعلم موضوعا ما ، ويتفاعل معه ويستدخله ويتمثله . ويتم على أثرها معالجة المعلومات والمهارات والاتجاهات بما يتوافر لديه من استعدادات وقدرات واستراتيجيات وعمليات ذهنية .
 ومع أن الاتجاه السلوكي يركز على التغييرات الظاهرة والأداء الظاهر الذي يمكن ملاحظته وقياسه بدرجات الأداء ، فإن جانييه ومن يتبنى الاتجاه المعرفي يهتمون بعمليات الفرد الذهنية وكيفية تفعيلها . إذ أنهم يهتمون بطرائق تشغيل العمليات العقلية بالمعلومات ، وإعادة بنائها في أنماط ذات المعنى .
 يقصد بأسلوب التعلم الطريقة التي يتمثل بها الفرد ويستوعب ما يعرض عليه من خبرات تعليمه .
 كما أنه الطريقة المفضلة التي يستخدمها الفرد في
تنظيم ومعالجة المعلومات والخبرة
ويشير هذا التعريف إلى نوع العمليات التي تتوسط بين مثيرات البيئة وبين الاستجابة لها .
وتشكل الأساليب المعرفية أداة تقنية للمعرفة المستقبلية إذ يتم إدراك ، وتعديل وإدماج ، وإعادة بناء المعرفة لتصبح خبرات فردية مذوته (ويرى نيسر ( Neisser ). أن المنبهات البيئية والعمليات النفسية الداخلية عوامل مهمة تؤثر في عملية التعلم .
( Koopman and Newtson, 1985,P213 ). [صـ588]
أن أسلوب التعلم يتكون من مجموعة من الأداءات المميزة للمتعلم . التي تعد الدليل على طريقة تعلم المتعلم ، وكيفية استقباله للمعلومات التي يواجهها في البيئة بهدف التكيف .
وعند تحليل هذه الأداءات وتصنيفها
يمكن النظر إليها من وجهات النظر الآتية :
• في عمليات الإدراك :
يدرك المتعلم البيئة المحيطة إما بأسلوب مادي محسوس ،
أو بأسلوب مفاهيمي مجرد ، أو بالأسلوبين معا ً.
• في أسلوب معالجة المعلومات :
يستخدم الفرد أسلوب الاستقراء ، أو أسلوب الاستنتاج ،
أو الأسلوبين معاً .
• من ناحية اجتماعيه :
• قد يفضل المتعلم التعلم بصورة منفردة ، أو مع مجموعة رفاق ،
أو الأسلوبين معاً .
• من ناحية بيئية :
• تتأثر العمليات العقلية ( التفكيرية ) بعوامل بيئية كدرجة الحرارة ، ودرجة الرطوبة ، ومستوى الإضاءة ، ومستوى شدة الصوت .
• من ناحية جسمية :
• تتأثر العمليات العقلية بعمر المتعلم ، ومرحلة النمو الجسمي ، ومرحلة النمو الانفعالي التي تؤثر بالتالي على أسلوب تلقيه للخبرات التي يواجهها ، والتفاعل معها .
أنواع السلوك التي تحدث من التعلم :

 معرفي ( ويندرج تحته كل ما يشتمل التذكر والتعرف ) .
 عقلي ( ويندرج تحته كل ما يرتبط بالعمليات العقلية المباشرة التفكير , الإبداع , التميز , التضحية , التشكيل )
 حركي ( ويشمل ما يتعلق بالمهارات الحركية )
 انفعالي ( ويشمل أنواع السلوك التي تظهر في صورة انفعالات نفسية ، الحب , العداوة , الانتقام )
 اجتماعي ( ويشمل أنواع السلوك التي تظهر في صورة عادات اجتماعية , الاحترام, التقدير , التعاون , الالتزام , المحافظة )
بين التعلم والتعليم

 هناك مجموعه من العوامل تؤثر في عمليتي التعليم والتعلم منها : خصائص المتعلم والمعلم , وسلوك المعلم والمتعلم , والصفات الطبيعية للمدرسة وخصائص المادة التعليمية , وصفات مجموعه الأقران, والقوى الخارجية التي تؤثر في فاعلية التعليم .
 وبذلك يمكن القول : إن عملية التعلم متعلقة بالمتعلم نفسه , وهي ذات علاقة وطيدة بعملية التعليم من حيث أنها نتيجة لها , أي أن عملية التعلم نتيجة عملية التعليم ومحصلتها ,
ونحن نستدل على أن الفرد (تعلم ) بعد عملية التعلم من خلال القيام بأداء معين لم يكن قادراً على أدائه قبل عمليتي التعليم والتعلم .
بين التدريس والتعلم ..

 يرى جانييه وبرجز( Gagne and Briggs,1979,153 )

أن الهدف من التدريس : هو دعم عملية التعلم ، إذ ينبغي أن تضمن أحداث التدريس علاقة مناسبة ووثيقة عما يحدث داخل المتعلم ، عند حدوث التعلم ، لذلك لا بد من أن توضع في الاعتبار الخصائص المرغوبة في الأحداث التدريسية التي تسهم في عمليات التعلم لدى الطلبة
 وعليه فإن التدريس وسيط يهدف إلى تحقيق التعلم .
عملية التدريس
المكونات الأساسية لعملية التدريس*

تتضمن عملية تصميم التدريس أربعة مكونات أساسية هي :
 المقاصد وتشمل الأهداف العامة والأهداف الخاصة ونتائج التعلم
 المحتوى و يشمل المعلومات والبيانات والرسائل المراد تدريسها أو إيصالها إلى المتعلمين .
 الأنشطة وتشمل استراتيجيات التدريس وإجراءات التعلم والتمارين أو الأسئلة التي تطرح أثناء عملية التدريس .
 التقويم ويشمل وضع (التدريبات ) والاختبارات لتقويم المتعلمين ومعرفة مدى تقدمهم ومدى تحقق الأهداف المحددة
مراحل العملية التدريسية
أن العملية التدريسية نشاط يتضمن المراحل التالية:
1 ـ مرحلة تخطيطية تنظيمية، يتم فيها تحديد الأهداف العامة والخاصة والوسائل والإجراءات.
2 ـ مرحلة التدخل، وتتضمن الاستراتيجيات التعلُّمية والتدريسية ودور كل من الطالب والمدرس والأساليب التقنية.
3 ـ مرحلة تحديد وسائل وأدوات القياس وتفسير البيانات.
4 ـ مرحلة التقويم وما يترتب عليها من تغذية راجعة، تزود المعلم بمدى تحقق الأهداف، ومدى ملاءمة الإجراءات والأساليب والأنشطة، ومدى ملاءمة الأسئلة التي تضمنتها أدوات التقويم، وما يترتب على ذلك من تعديل أو تغيير التخطيط من أجل الدروس اللاحقة.
ويمكن القول إنه كلما زادت المبادرات من قِبل المتعلم، وكلما كان المدرس مشجعاً متقبلاً لأفكار المتعلمين ومشاعرهم كان مُدرساً غير مباشر، وإذا ما ركز المدرس على سلوك الشرح والنقد والتوجيهات
والأوامر كان مدرساً مباشراً ...

"وتبقى عملية التدريس عملية متشابكة تتداخل فيها عناصر العوامل الأربعة الأساسية وهي:


الموقف التدريسي وعملية التدريس


• إن المواقف التدريسي هو نتاج لخصائص الطلبة وقدراتهم واستعداداتهم، وخصائص المعلمين وقدراتهم ومستوى تأهيلهم، والمنهج التدريسي وعناصره
• يُعد الموقف التدريسي موقفاً متشابكاً تتداخل فيه أدوار المعلم والطلبة والوسائل والإجراءات، مما لا يسمح بدراسته وضبطه والتنبؤ بالإجراءات التي يمكن أن تحدث، خاصة مع وجود عناصر إنسانية غير قابلة للضبط التام يصعب إخضاعها للتجريب والتحقق.
محتوى التدريس..
حتى نتبين معنى (مفهوم محتوى التدريس ) نعرض أهم الأسئلة التي يمكن أن تدور في ذهن مصممي التدريس ونحوهم عندما يتصدون لمهمة التدريس.

 ماذا ندرّس ؟
 لماذا ندرّس ؟
 كيف ندرّس ؟
 كيف نعرف أثر ما درّسناه ؟

 إن ما نسعى إلى أن يتعلمه طلابنا من محتوى ـ ليس كله ذا طبيعة واحدة ـ
فالمحتوى يأتي في صورة معلومة أو مهارة أو أمر وجداني, وعليه يمكن تقسيم محتوى التدريس إلى ثلاثة أصناف أساسية:
 المحتوى المعلوماتي,
 والمحتوى المهاري
 والمحتوى الوجداني
 وهذا التقسيم لا يعني أن هذه الأصناف منفصلة عن بعضها بعضاً كلّ له هويته الخاصة : فالعلاقة بينها متداخلة, وهي علاقة تأثير وتأثر معاً, كما أنه لا يعني أن كلاً منها يتعلمه الطلاب بمعزل عن الآخر دائماً.
أنواع المعرفة في محتوى التدريس
أولاً ـ المعرفة الافتراضية التقريرية
 هي معرفة ذات طبيعة إعلامية، تتضمن المفاهيم والمصطلحات الفنية المتفق عليها، وما تتضمنه المادة الدراسية من مبادئ وتعميمات، ونظريات وأبنية، وتصنيفات وفئات، واتجاهات وميول وأعراف ومعايير وحقائق محددة.
ثانياً ـ المعرفة الإجرائية
 تتعلق بالمعارف والمعلومات ذات الطبيعة العملية، وما يؤديه المتعلم من أعمال وأفعال وأداءات مختلفة بعد مروره بخبرات وأنشطة تعلميه، وتحدد الأعمال والأفعال بدقة حتى يتسنى للمتعلم إنجاز المهمة التي تم تحديدها خطوة خطوة،
ويمكن تحديد هذه المعرفة بالإجابة عن الأسئلة التي تبدأ بـ كيف؟ وما الأداءات التي يقوم بها المتعلم لتحقيق هدف؟ .
ثالثاً ـ المعرفة الشرطية
 هي المعرفة التي يتم فيها تقرير الاستراتيجية المحددة التي ستنجح في تحقيق الهدف دون غيرها، وتحديد متى ما ينبغي استخدام الاستراتيجية المحددة في موقف تعلمي، أو على وفق ظروف أو شروط تعليمية محددة.
وتتضمن المعرفة الشرطية الإجابة عن الأسئلة التي تبدأ
بـ ( لماذا ؟ ) ، ( وكيف يمكن أن ؟ )
وكذا إيجاد العلاقة بين المهارة أو المعرفة المهارية والاستراتيجية، وبين متطلبات الأداء في العملية أو الموقف.
تحليل المحتوى التدريسي

يتم تحليل المحتوى التدريسي على صورة حقائق، ومفاهيم، ومبادئ، وإجراءات يهدف إلى مساعدة المعلم والمصمم التدريسي على تعيين هذه المكونات وتحليلها ووصفها على صورة قوائم تحت عناوين للوحدات أو الموضوعات الدراسية أو الموضوعات الفرعية، لكي تصبح نواتج مستهدفة ليتم تحقيقها.
مخطط التدريس
يمكننا تعريف مخطط التدريس بأنه: تصور منظومي ( نسقى ) يعده مصمم التدريس مسبقا بغرض استخدامه في تنفيذ عملية التدريس .
وعادة ما تنضوي مخططات التدريس على عدد من العناصر الأساسية ، من أبرزها :

1/ الأهداف التدريسية .
2/ مفردات المحتوى محل التدريس .
3/ استراتيجية التدريس .
4/ الوسائل التعليمية .
5/ أساليب التقويم وأدواته .

( 2/ ص744 )
أنواع مخططات التدريس :


ثمة ثلاثة أنواع رئيسية لمخططات التدريس هي :
 مخططات تدريس المقررات (البرامج التعليمية )
 مخططات تدريس الوحدات التدريسية .
 مخططات تدريس الدروس اليومية .
الإجراءات التدريسية
هي التحركات والنشاطات التعليمية التعلمية التي تتكون منها العملية التدريسية وتمثلها العناصر التالية :
 الأهداف الخاصة , المعلومات ، والأمثلة ، والتمارين ، والممارسات ، والاختبارات ، الدافعية ، والإثراء ، والمعالجة ، والمتطلبات السابقة ، والتغذية الراجعة
ويتضح من هذا أن إجراءات التدريس هي :
الخطوات المتتالية المتتابعة المتكاملة التي توظف فيها الأنشطة والوسائل والاستراتيجيات لتحقيق الأهداف .
 *الحيلة / طرائق التدريس واستراتيجياته ، ص55 /2002

تصنيف طرائق التدريس :
تصنف طرائق التدريس إلى عدد من الطرق حسب معايير معينه
يتبناها رجال التربية , ولذلك يمكن القول إ نه لابد من
أن يتم ذلك من خلال معايير محددة , ومن هذه المعايير
والتي يجمع عليها رجال التربية :

 دور المعلم والمتعلم ,
 والوقت المتاح ,
 وطبيعة المادة ,
 والتعليم الحاصل ,
 ويرى الذين يتعاملون مع طرائق التدريس باعتبارها ” مصدراً للمعرفة ” أنها تقع في ثلاث مجموعات رئيسية على النحو التالي *:
 طرائق العرض والإصغاء ، وفيها يكون المعلم هو المسيطر في طريقة التدريس .
 طرائق أنماط التعليم ، وتكون فيها طريقة التعليم تشاركية بين المعلم والمتعلم .
 طرائق تفريد التعليم ، ويكون فيها الدور الرئيس للمتعلم .
( طرائق التدريس العامة / مرعي والحيلة 2002 / ص 35 )

وهناك تصنيف آخر
تنقسم طرائق التدريس إلى ثلاثة أنواع :

 طرائق تعتمد في مراحلها على جهد المعلم وحده
 طرائق تعتمد على التعاون بين المعلم والتلاميذ
 طرائق تعتمد على الجهد الذاتي للتلاميذ .
التدريب الثالث : ثنائي ( مشترك ) مدته عشر دقائق
ما الفرق بين كل من :
طرائق التدريس ، أساليب التدريس ، استراتيجيات التدريس ؟
يتم تحديد الفروق بالتشاور .
تعتبر طرائق التدريس عنصراً أساسياً
من عناصر العملية التعليمية

فماذا نقصد بطرائق التدريس ؟
طرائق التدريس
هي مجموع الأفعال والأداءات والأنشطة التي يقوم بها المعلم بقصد جعل التلاميذ يحققون أهدافاً تعليمية محددة .

ما الفرق بين كل من :
طرائق التدريس ، أساليب التدريس ، استراتيجيات التدريس ؟
طريقة التدريس :
يقصد بها الطريقة التي يستخدمها المعلم في توصيل المحتوى العلمي إلى التلاميذ أثناء قيامه بالعملية التعليمية . ويمكن لأي معلم أن يقوم بالتدريس بالطريقة التي تتناسب مع طبيعة المحتوى المراد تقديمه ، ومستويات التلاميذ وإمكانياتهم .


أسلوب التدريس :
يقصد به مجموعة الأنماط التدريسية الخاصة بالمعلم التي يفضلها ،

أي أن أسلوب التدريس يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالخصائص الشخصية للمعلم .


استراتيجيات التدريس

يقصد بها مجموعة تحركات المعلم التي تحدث داخل الفصل بشكل منظم ، ومتسلسل ، بهدف تحقيق الأهداف المعدة مسبقاً .
من طرائق التدريس العامة :

طريقة الإلقاء

 وهي الطريقة التي تعرض فيها المعلومات والحقائق في عبارات متسلسلة ، بحيث يتم شرح الموضوع المراد تدريسه تحدثاً من قبل المعلم ويقتصر دور التلاميذ فيها على التلقي والاستماع دون المشاركة .

طريقة المناقشة

وهي الطريقة التي تعتمد على المحادثة التي تدوربين المعلم وتلاميذه في الموقف التعليمي ،وتعتمد على الحوار والمناقشة والجدل للتوصل إلى الجواب .

ولهذه الطريقة أشكال في الحوار والمناقشة :
 المناقشة الحرة : يشترك فيها الجمع ويكون المعلم ضمن المناقشين ، ويكون دوره حفظ النظام ،وتنظيم الحوار ...
 الحوار السقراطي : يكون المعلم فيه أكثر فاعلية ، ويقوم بدور الموجه والمرشد ، ويعد الأسئلة ،ويساعد التلاميذ على الإجابات الصحيحة .
 الحوار المشترك : بحيث يشارك جميع التلاميذ في الحوار ، ولكن هذا اللون قليل الفائدة
وعلى المعلم أن ينظم الفصل أثناء المناقشات والحوار
حسب الأسلوب الذي يراه محققاً أهدافه

طريقة الاكتشاف
وهي الطريقة التي عن طريقها يحدث التعلم نتيجة معالجة المعلومات وتركيبها حتى يصل المتعلم إلى المعلومات
أو النتائج ، أو الأفكار الجديدة .

والعنصر الجوهري في هذه الطريقة :
أن يقوم المتعلم بدور نشط في تكوين المعلومات الجديدة ،والحصول عليها .


الطريقة القياسية
 وهي الطريقة التي ينتقل المعلم فيها من الكل إلى الجزء ، ومن القاعدة إلى الأمثلة
 كما تقوم على مناقشة القواعد العامة أولاً ، ثم تطبيقها على الأمثلة ، والقضايا للتحقق من صحتها
 وهي عكس الطريقة الاستقرائية ( الاستنباطية ) التي تقوم على عرض ومناقشة الأمثلة ، ثم يتم استنتاج القواعد .
الطريقة الاستنباطية
 وتسمى أحيانا الطريقة الاستنتاجية أو طريقة (هر بارت)
وذلك لاستخدامها لخطوات هر بارت الخمس التي هي :
( التمهيد – عرض الأمثلة – الموازنة والربط – القاعدة أوالاستنتاج أو الاستنباط – التطبيق )
استراتيجيات التدريس
مدخل تعريفي
• إن مصطلح استراتيجية في أصله مصطلح عسكري يعني فن توظيف الإمكانيات المتاحة ،والاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن

• ثم ما لبث أن انتقل إلى ميدان التربية وشاع استخدامه، حيث ارتبط بعمليتي التعليم والتعلم، فظهر مصطلح استراتيجيات التدريس، ومصطلح استراتيجيات التعلم .
تعرّف الاستراتيجيات بشكل عام :
• بأنها طرق محددة لمعالجة مشكلة أو لمباشرة مهمة ما، وهى أساليب عملية لتحقيق هدف معين، وهى أيضا تدابير مرسومة و محددة للتحكم فى أمر ما .
• وقد يتصور البعض أن استراتيجيات التدريس هي نفسها استراتيجيات التعلم، وأن المصطلحين مترادفان .
• لكن هذا التصور غير صحيح، فمع أن العلاقة بينهما جد وثيقة، فإن ثمة فارق بينهما يتضح بتعريف كل منهما0
استراتيجية التدريس
تعرف استراتيجية التدريس – كما تشير الموسوعة العالمية في التربية – بأنها
"مجموعة التحركات أو الإجراءات التدريسية Teaching Actions أي أن استراتيجيات التدريس ترادف إجراءات التدريس
وحول هذا التعريف
تدور معظم تعريفات استراتيجيات التدريس، ومنها
(أنها "مجموعة تحركات المعلم داخل حجرة الصف، التي تحدث بشكل منظم ومتسلسل، وتهدف إلى تحقيق الأهداف التدريسية المعدة مسبقا" ممدوح سليمان، 1988، ص 130)
**************************
ومفاد هذا التعريف أن المعلم قد يسير وفقا لأسلوبه الخاص في التدريس ناهجاً أية طريقة تدريس يختارها ، لكنه لا يخرج عن إطار عام يحدد إجراءاته التدريسية العامة يعرف بالاستراتيجية
تابع استراتيجية التدريس
 كما تعرف بأنها "مجموعة من إجراءات التدريس المختارة سلفاً من قبل المعلم، أو مصمم التدريس، والتي يخطط لاستخدامها أثناء تنفيذ التدريس بما يحقق الأهداف التدريسية المرجوة بأقصى فاعلية ممكنة، وفى ضوء الإمكانات المتاحة".
 (حسن زيتون، 1999، ص 281)
تركيز استراتيجيات التدريس
تركز استراتيجيات التدريس على تدريب الطلاب مع معالجة المعلومات واسترجاعها والتفكير المستقل بحيث يمتلك الطالب القدرة على معالجة المعلومات واسترجاعها ، وكيف يفكر تفكيراً منطقياً سليماً مستقلاً .
 إنه اتجاه يركز على الفهم ، وتنمية المهارة لدى الطالب في أن يتعلم كيف يتعلم .ويكون متعلماً مستقلاً ، وأن يصبح معلماً لذاته ،متعلماً بذاته ، كما تنمي استراتيجيات التدريس في الطالب جوانب التفكير المتعددة التي تتمثل في القدرة على الفهم واستيعاب والتطبيق والتحليل والتوليف والاستنتاج وحل المشكلات وصنع القرار ونمو مهارة التفكير النقدي والتفكير الإبداعي .
التدريس الاستراتيجي
إن مفهوم التدريس الاستراتيجي ينطوي على العديد
من المهام المطلوبة من المدرس والمتمثلة في الآتي :
 معرفة متقنة بالمادة المدرسية والمحتوى الدراسي .
 تقييم دقيق لمعرفة الطلبة القبلية واحتياجاتهم .
 تحليل جيد لمادة الكتاب المدرسي والمقرر الدراسي لاستعمالها في التدريس .
 فهم جيد لعمليات التعلم والتفكير (محمد محمود الحيلة : رائق التدريس واستراتيجياته ، 2000 ، ص 78 )
متى يكون التعلم استراتيجياً ؟
بما أن الاستراتيجيات هي إجراءات أو طرق محددة لتنفيذ مهارة معينه ,
 فإن التعلم يكون استراتيجياً عندما يعي المتعلمون المهارات والاستراتيجيات ( الإجراءات والطرق المحددة ) الخاصة التي يستعملونها في التعلم . ويضبطون محاولاتهم لاستعمالها .
 (محمد محمود الحيلة : طرائق التدريس واستراتيجياته ، 2000 ، ص 80 )
من التساؤلات الهامة ؟
إذا كانت هذا مفهوم وتعريف استراتيجيات التدريس ..
فماذا تعني استراتيجيات التعلم ؟
وهل ثمة فرق بين استراتيجيات التعلم واستراتيجيات التدريس ؟
استراتيجيات التعلم
تعرّف استراتيجيات التعلم بأنها :
"مجموعة خطوات أو سلوكيات واعية يستخدمها المتعلم لكي تعينه على اكتساب المعلومات الجديدة، وتخزينها، والاحتفاظ بها، واسترجاعها
ويمكن تصنيفها إلى:
 استراتيجيات تعلم مباشرة كالاستراتيجيات المعرفية .
 واستراتيجيات تعلم غير مباشرة كاستراتيجيات
ما بعد(ما فوق ) المعرفة .
أحداث التدريس في تعليم استراتيجيات التعلم المعرفية :
حدد جانييه ( Gagne, 1985 ) تسعة أحداث تدريسية لتعليم استراتيجية التعلم المعرفية من أجل دعم العمليات الذهنية في عمليات الانتباه الاختياري ، والترميز ، والاسترجاع التي ينبغي توافرها من أجل تعلم المتعلم
وهذه الأحداث هي :
 جذب الانتباه .
 إعلام المتعلم بالهدف .
 إثارة الخبرات السابقة .
 تقويم المعلومات الجديدة .
 توجيه المتعلم .
 استدعاء أداءات المتعلم .
 تزويد المتعلم بالتغذية الراجعة المناسبة .
 تقويم الأداء .
 تعزيز التذكر ونقل التعليم لمواقف جديدة .
• كما حدد ديفيدسون وسميث ( Davidson and Smith , 1990, 232 ) الاستراتيجيات المعرفية التي ينبغي أن تتوسط التدريس حتى يكون مناسباً لتحقيق أهداف تصميم التدريس وفق الاتجاه المعرفي بالآتي :
– حصر الانتباه ، وإبلاغ المتعلم بالهدف واسترجاع الخبرات السابقة لديه .
– تقديم المواد ، وتوجيه التعلم .
– تقديم وعرض الأداء ، والتزويد بالتغذية الراجعة .
– تقديم المواد ، وتوجيه التعلم .
– طلب تقديم وعرض الأداء والتزويد بتغذية راجعة .
شكر لكم جميعا

للجميع منا وافر الشكر والتقدير ...





معاينة صفحة البيانات الشخصي للعضو

الثلاثاء، 25 فبراير 2014

الكاتبة : راجية عبد الرحمان 
مدخل عام

إن الإسهامات اللغوية لأسلافنا المفكرين في التراث العربي، لم ينل البحث فيها ما يستحقه من عناية واهتمام، فما زالت مجالات كثيرة في التراث العربي اللغوي بكراً تحتاج إلى نظرة لغوية علمية واعية وإن وجدت هناك أبحاث لغوية ذات قيمة إلا أنها محمولة على الرصيد المعرفي للتراث العربي، وتجتر عطاءً معرفياً لأسلافنا الباحثين، ولم يخرج جهدها إذ ذاك من عملية نقل أو تصنيف دون أن يكون لروح العصر الحديث لمسات على هذا التراث ليبعث فيه التجديد. وفي غمرة الصراع بين دعاة الأصالة وأنصار المعاصرة يضيع البحث اللغوي، ويتجرد من كل خلفية علمية حضارية، فإذا نظرنا إلى المعوَّل عليه عند دعاة الأصالة، فإنه لا يعدو أن يكون جرداً سلبياً رتيباً دون أدنى جهد لخرق تلك الرتابة والولوج داخل التراث المعرفي لبحث بنيته الداخلية لكي يسهم في تحقيق النظرية اللسانية العامة، أما فئة أنصار المعاصرة فإنها أقحمت المعطيات اللسانية الغربية في دراستها للظواهر اللغوية العربية، دون أدنى اعتبار لأصالة وخصوصيات الفكر واللسان العربيين وهذا الخلل المنهجي أحدث قطيعة معرفية بينالتراث العربي والاحتياجات العلمية اللغوية للإنسان المعاصر، وكان وراء التخلف في مجال البحث العلمي اللغوي المعاصر عند الدارسين العرب، بينما إذا نظرنا- على سبيل المقارنة- إلى الفكر اللغوي الغربي فإننا لا نلمس تلك القطيعة المعرفية بين تراثه العلمي واللساني، ومتطلبات العصر اللغوية ولذلك جاءت أبحاث الدارسين في الغرب، امتداداً لجهود أسلافهم اللغويين وكانت نظرياتهم تتويجاً لتراكمات معرفية في تراثهم التاريخي.

إذا أردنا أن نؤسس فكراً عربياً معاصراً في مجال البحث اللغوي، فإننا ملزمون ضرورة بالقيام بعملية جرد للفكر اللغوي لتراثنا العربي، وتمحيصه وتحديد مجالاته وفرز عطاءاته الإيجابية وسقطاته على مستوى الأسس المعرفية في الموضوع والمنهج، وهذا لا يتم إلا بعودة تقويمية حضارية إلى الفكر العربيبشكل عام، والفكر اللغوي بشكل خاص، وتتم هذه العودة عبر تتبع المسار التطوري للدرس اللغوي عند العرب الأقدمين والبحث عن الأسس المعرفية والفلسفية التي انبنى عليها التراث الفكري العربي، وذلك بربطه بالعلوم الإنسانية المختلفة، فنحفظ أصالة تراثنا المعرفي ونقف على المنهج الفكري الذي كان يشرف على تأطير الأبحاث والدراسات في هذا التراث، وبذلك يتحقق مشروع النظرية اللسانية العربية المعاصرة، ويظهر منهجها في مجال العطاء الفكري الإنساني، وبالتالي تكون شرعية النشأة على المستوى المعرفي. هذا المشروع اللساني العربي لا يستقيم له أمر إلا إذا أخذنا بما حققته النظريات اللسانية الغربية، واستوعبنا مادتها استيعاباً واعياً، وحاولنا تكييف هذه النظريات مع خصوصيات اللسان العربي في المجالات المختلفة، وأجرينا إسقاطات منهجية على التراث اللغوي العربي بعد تقويمه وتمحيصه من أجل بعثه بعثاً جديداً وإعادة صياغته صياغة تدفعه لمواكبة التطور الحضاري للمجتمع البشري، مع ضرورة الأخذ بالمناخ الفكري الذي ساد نشأة وترعرع الفكر اللغوي العربي، "لأن فهم المنهج العربي في أي علم من العلوم العربية التراثية ينبغي أن يلتمس من داخل الحياة العقلية العربية ومن خلال المناخ العقلي العام الذي نشأ وتطور وتأصل في ظل القرآن، فمن المعلوم أن المفكرين المسلمين بدأوا بما هو عملي قبل أن يصلوا إلى وضع "منهج نظري" لكل فرع من فروع البحث، وكانت- مثلاً- قراءة القرآن عن طريق التلقي والعرض أسبق من وضع كتب تحدد منهج القراءات…"([1]). فإذا تحققت هذه العملية في إطارها العلمي المنهجي ستؤدي حتماً إلى تفكير لساني حديث تتمخض عنه نظرية لسانية عربية قادرة على تقديم التفسير الكافي لكل مستويات الدراسة اللغوية الصوتية والتركيبية والدلالية، بهذه الطريقة نربط الفكر اللغوي العربي القديم بالفكر اللساني العالمي الحديث، لأن التحول العلمي للنظرية اللسانية في العصر الحديث أضحى يتوخى الشمولية في التعامل العلمي مع الظاهرة اللغوية، بوصفها طبيعية إنسانية. قد تغطي اهتمامات الإنسان المعاصر، إذ لم تعد تعترف بالحدود المعرفية مع انتقال العالم اللساني إلى بحث اللسان البشري بحثاً موضوعياً متخذاً اللغة الإنسانية مادة للتطبيق باعتبارها تخضع لنواميس متجانسة تسمح بوضع منهج لساني عام يشمل كل اللغات، وبمثل هذا التعامل الواعي نحمي تراثنا اللغوي بأن ننفخ فيه من روح العصرنة والحداثة فينبعث ليساير التطور الإنساني في كل مجالات الفكر العلمي، ونعيد الصلة التي انبتّت بين تطلعاتنا الفكرية اللغوية المعاصرة، والجهود النظرية المنهجية التي أغنى بها أسلافنا تراثنا المعرفي.

وفي هذا المجال النظري البين المعالم يندرج هذا البحث كخطوة مرحلية نحو معاينة لعطاءات التراثا العربي في حقل اللغة، مستحضراً الاهتمام في إسهامات عالم من علماء أصول الفقه، وربما كان ارتباط علم الدلالة- موضوع بحثنا النظري- بعلم أصول الفقه، أقوى من ارتباطه بأي علم آخر من العلوم، ذلك أن علماء الأصول قدموا نماذج متقدمة جداً في تعاملهم مع اللغة كمنظومة من العلامات اللسانية الدالة تخضع في حركيتها الخطابية إلى نواميس متحكمة في أداء وظائفها الدلالية، وساهموا منذ أوّل الآماد المبكرة في معالجة مشكلات لغوية، وما أضفى على نتاجهم المعرفي طابع الدقة والموضوعية هو اتخاذهم القرآن الكريم منطلقاً لاستنباط أحكامهم الفقهية العامة بالاستناد على الأحكام اللغوية التي من أظهر خصوصياتها الدلالة، وقد كان هؤلاء العلماء يحملون وعياً معرفياً أملى عليهم أن يتعاملوا مع القرآن الكريم باعتباره كتاب لغة محكمة يحمل شبكة من النواميس العميقة التي تتحكم في ضبط الدلالة بأدوات وقفوا عليها وحددوا على أساسها أحكاماً وقواعد أضحت فيما بعد مبادئ للتشريع. إذن، فالتناول الدلالي في التراث المعرفي العربي كان ضمن اهتمامات لغوية أخرى، امتزج البحث فيه بضروب معارف مختلفة من غير أن يحمل عنواناً مميزاً، له استقلال في موضوعاته ومعاييره الخاصة. فسعياً منا إلى تحقيق مقاربة علمية بين تراثنا الدلالي المتنوع، والمناهج الغربية الحديثة في ميدان علم السيمياء، حصرنا بحثنا في استنطاق بنية التراث اللغوي الدلالي، عند عالم أصولي يعد مفخرة القرن السادس الهجري بما توافر بين يديه من تراكم معرفي زاخر، أخرجه في كتابه الموسوم "بالإحكام في أصول الأحكام" هذا العالم هو سيف الدين الآمدي الذي نوه بعلمه المؤرخ ابن خلدون وذكره ضمن أربعة علماء متقدمين في علم أصول الفقه..

إن منهجنا في عرض بنية التفكير الدلالي عند الآمدي يقوم على أساس تفكيكها، والاطلاع على أسسها العلمية، لنعيد تشكيلها تشكيلاً يحفظ لها طابعها المعرفي الأصيل برؤى تتطلع إلى استفادة تخدم العصر وتحرك فاعلية تلك الأصول التراثية الدلالية وتساعد على تنمية قدراتها في عصرنا، خاصة إذا علمنا أن علم الدلالة حديثاً يلقى من بالغ الاهتمام في عصرنا في كل أنحاء العالم، ما يجعله نقطة التقاء لأنواع من التفكير الإنساني يقول (ليش: Leach) (السيمانتيك نقطة التقاء لأنواع من التفكير والمناهج مثل الفلسفة وعلم النفس وعلم اللغة، وإن اختلفت اهتمامات كلٍّ لاختلاف نقطة البداية([2])."

يقع هذا البحث في بابين رئيسيين: باب نظري عام يضم ثلاثة فصول، حاولت أن أبسط فيها معالم الدرس الدلالي الحديث مستهلاً بالبحث عن نشأة علم الدلالة، منذ عهد الهنود الأوائل ثم اليونان فالرومان وصولاً إلى العصر الوسيط فعصر النهضة إلى أن أعلن (بريال) عن ميلاد علم جديد يعتني بدراسة المعنى اصطلح على تسميته "بالسيمانتيك سنة 1883م. ولم يفتني أن أعاين اهتمامات اللغويين والعلماء العرب القدامى بشأن الدلالة، معاينة سريعة ما دمت خصصت لذلك فصلاً كاملاً في الباب الثاني من البحث، كما اجتهدت أن أرسم إطاراً مفهومياً لماهية الدلالة انطلاقاً من قواميس اللغة، وورودها في القرآن الكريم، وأقوال بعض العلماء العرب القدامى وبعض علماء الدلالة المحدثين من الغرب، وقدمت أهم المباحث التي تشكل موضوعات علم الدلالة الحديث، وختمت ذلك بفصل عرضت فيه لمختلف النظريات الدلالية التي أسست الفكر الدلالي الحديث.

أما الباب الثاني فهو باب تطبيقي، استهللته بتلخيص للمناخ المعرفي العام الذي وفّر- بدون شك- للآمدي، الجو المناسب لكي يؤسس أفكاره الدلالية في كتابه "الإحكام"، واهتديت إلى أن أمثل لكل قرن معرفي تقريباً بعالم تكون لعطاءاته العلمية أكبر الأثر في عصره، وما بعد عصره، وبدأت ذلك من القرن الثاني الهجري إلى القرن الخامس الهجري.

هذا كان في الفصل الأول أما الفصول، الثاني، الثالث والرابع، فقد عرضت فيهم ما تناوله الآمدي من مسائل تخص الدلالة محاولاً أن أبرز جهوده في ضوء ما خلصت إليه البحوث الدلالية الحديثة، وذلك خدمة للأهداف التي أومأنا إليها في المدخل، ولا أدعي أني أتيت على تحقيق تلك الأهداف كلها، فحسبي إثارتي لمسائل لا زالت لم تمتد إليها اهتمامات الباحثين المعاصرين امتداداً ترتد على إثره تلك المسائل، حية فاعلة في التفكير اللساني الحديث، مع اعتقادي أن الدرس اللغوي بمختلف فروعه هو عند غير اللغويين من علمائنا أغزر وأدق مما هو عند اللغويين في تراثنا المعرفي، وهذا ما يشجع- حقيقة- على استثمار جهود أولئك العلماء فيما يخص إرساء نظرية لغوية شاملة..

إن مسالك البحث في التراث المعرفي تكتنفها الوعور الصعبة، التي لا تقطعها دون أن تنال منك نيلاً يتبدى- دون شك- في مباحثك. فهناك تعترضك اللغة وهي في كامل عنفوانها ونضجها وسلطتها، لغة تنفق معها- ضرورة- صبراً كبيراً لتصل إلى فك شبكتها والولوج إلى نصوصها، وهذا ما عايشته مع لغة الآمدي المنطقية، العلمية، فضلاً على ذلك فإن الرجوع إلى المصادر التي أفاد منها العالم أو التي ذللت مضان كتابه أمر لا غنى عنه، خاصة وأن الآمدي مزج في كتابه "الإحكام" بين علوم العربية وعلم المنطق وعلم أصول الفقه.

الفصل الأول:
علم الدلالة: النشأة والماهية

تمهيد:

يرى فريق من الدارسين أن البحث عن المصطلح العلمي في التراث المعرفي العربي القديم، قد لا يقدم للدرس اللغوي الحديث شيئاً ذا أهمية عدا أنه يضع يد الباحث، على التاريخ الأول لميلاد المصطلح ويطلعه على الإطار العام الذي دارت حوله موضوعات "الدراسة" في طورها البدائي، وقد يحصل تطور جذري في مفهوم المصطلح، فينتقل مفهومه من حقل دلالي معين، إلى حقل دلالي آخر خاضعاً لسنن التطور الدلالي الذي يمس بنية اللغة وعناصرها عبر مسارها التاريخي المتجدد، ويخشى على الباحث أن يضيع جهده سدى في خضم البحث عن الولادة الأولية لصيغة المصطلح ودلالته.

لكن الموضوعية العلمية في الدرس اللغوي الحديث، تملي بل تفرض على الباحثين ضرورة تأطير بحثهم تأطيراً علمياً دقيقاً، خاصة إذا كان البحث يتوخى تأصيل الدراسة، والتنقيب عن جذورها في التراثالمعرفي المتنوع، سعياً منه إلى ربط الحقائق العلمية الحديثة بأصولها الأولى، وإذا كان دور التأريخ للمصطلح العلمي ينحصر في تحديد نشأة هذا المصطلح، وماهيته الأولى تحديداً دقيقاً أو يحيل على الظاهرة اللغوية التي يمكن أن يشرف عليها المصطلح العلمي الحديث، فإن ذلك يعد فضلاً علمياً في غاية الأهمية خاصة إذا صحب ذلك وعي الباحث وتمكنه من أدوات بحثه بكيفية تعينه على الغوص فيالتراث المعرفي بمنهجية دقيقة ووسائل ملائمة، مما يتيح فرصة التوصل إلى نتائج علمية مؤكدة قد تلقي أضواء على جوانب هامة من التراث العلمي الزاخر وبالتالي تفتح مجالات واسعة لإعادة اكتشاف هذاالتراث اكتشافاً علمياً واعياً، بإدراجه ضمن حركية العلوم الحديثة، وسعياً منا إلى تأطير هذه الدراسة وضعنا منهجية واضحة تمثل قاعدة هذا البحث وهي تشمل فصلاً أولاً بعنصريه: نشأة علم الدلالة، والذي عرضنا فيه للمسار التطوري الذي تبلور من خلاله علم الدلالة الذي انفصل من جملة علوم لغوية مختلفة ليختص بجانب المعنى والدلالة، وآخر علم كان لعلم الدلالة معه وشائج متصلة وهو علم الألسنية بمختلف مباحثه. أما العنصر الثاني من هذا الفصل فقد بسطنا فيه ماهية علم الدلالة، ومختلف المفاهيم التي وردت بها كلمة "دلالة" وما يراد فيها بدءاً من نصوص القرآن الكريم باعتباره كتاب ضبط اللغة العربية وأول أسلوب بياني عجز من مجاراته فصحاء العرب وبلغائهم، وإليه انتهى الإنتاج الأدبي واللغوي الذي يمثل قمة ما أبدعته القريحة العربية الجاهلية، ثم نقلنا الشروحات التي وردت في معاجم اللغة المشهورة وتتبعنا مادة "دلّ" وما اشتق منها. وأنهينا هذا العنصر من الفصل الأول بتقديم تعاريف ومفاهيم كل من اللغويين والعلماء العرب الأقدمين، وعلماء الغرب المحدثين حول الدلالة ومتعلقاتها وحقول مباحثها.
أولاً- نشأة علم الدلالة
1-
نشأة علم الدلالة: المسار التطوري التاريخي:

لقد استقطبت اللغة اهتمام المفكرين منذ أمد بعيد، لأن عليها مدار حياة مجتمعاتهم الفكرية والاجتماعية، وبها قوام فهم كتبهم المقدسة، كما كان شأن الهنود قديماً حيث كان كتابهم الديني (الفيدا) منبع الدراسات اللغوية والألسنية على الخصوص التي قامت حوله، ومن ثمة غدت اللسانيات الإطار العام الذي اتخذت فيه اللغة مادة للدراسة والبحث. وكان الجدل الطويل الذي دار حول نشأة اللغة قد أثار عدة قضايا تعد المحاور الرئيسية لعلم الألسنية الحديث فمن جملة الآراء التي أوردها العلماء حول نشأة اللغة قولهم: "بوجود علاقة ضرورية بين اللفظ والمعنى شبيهة بالعلاقة اللزومية بين النار والدخان."([3]) إن المباحث الدلالية قد أولت اهتماماً كبيراً علاقة اللفظ بالمعنى، وارتبط هذا بفهم طبيعة المفردات والجمل من جهة وفهم طبيعة المعنى من جهة أخرى، فلقد درس الهنود مختلف الأصناف التي تشكل عالم الموجودات، وقسموا دلالات الكلمات بناء على ذلك إلى أربعة أقسام:

1-
قسم يدل على مدلول عام أو شامل (مثل لفظ: رجل)

2-
قسم يدل على كيفية (مثل كلمة: طويل)

3-
قسم يدل على حدث (مثل الفعل: جاء)

4-
قسم يدل على ذات (مثل الاسم: محمد)([4])

إن دراسة المعنى في اللغة بدأ منذ أن حصل للإنسان وعي لغوي، فلقد كان هذا مع علماء اللغة الهنود، كما كان لليونان أثرهم البين في بلورة مفاهيم لها صلة وثيقة بعلم الدلالة، فلقد حاور أفلاطون أستاذه سقراط حول موضوع العلاقة بين اللفظ ومعناه، وكان أفلاطون يميل إلى القول بالعلاقة الطبيعية بين الدال ومدلوله، أما أرسطو فكان يقول باصطلاحية العلاقة، وذهب إلى أن قسم الكلام إلى كلام خارجي وكلام داخلي في النفس، فضلاً على تمييزه بين الصوت والمعنى معتبراً المعنى متطابقاً مع التصور الذي يحمله العقل عنه. وقد تبلورت هذه المباحث اللغوية عند اليونان حتى غدا لكل رأي أنصاره من المفكرين فتأسست بناء على ذلك مدارس أرست قواعد هامة في مجال دراسة اللغة كمدرسة الرواقيين.([5]) ومدرسة الاسكندرية ثم كان لعلماء الرومان جهد معتبر في الدراسات اللغوية خاصة ما تعلق منها بالنحو، وإليهم يرجع الفضل في وضع الكتب المدرسية التي بقيت صالحة إلى حدود القرن السابع عشر بما حوته من النحو اللاتيني، وبلغت العلوم اللغوية من النضج والثراء مبلغاً كبيراً في العصر الوسيط مع المدرسة السكولائية (Scolastique) والتي احتدم فيها الصراع حول طبيعة العلاقة بين الكلمات ومدلولاتها، وانقسم المفكرون في هذه المدرسة إلى قائل بعرفية العلاقة بين الألفاظ ودلالاتها وقائل بذاتية العلاقة.

وبقي الاهتمام بالمباحث الدلالية يزداد عبر مراحل التاريخ، ولم يدخر المفكرون أي جهد من أجل تقديم التفسيرات الكافية لمجمل القضايا اللغوية التي فرضت نفسها على ساحة الفكر، ففي عصر النهضة، أين سادت "الكلاسيكية" بأنماطها في التفكير والتأليف امتازت الدراسات اللغوية في هذه المرحلة بالمنحى المنطقي العقلي، وأحسن من يمثل هذه الفترة رواد مدرسة (بوررويال) الذين رفعوا مقولة: أن اللغة ما هي إلا صورة للعقل، وأن النظام الذي يسود لغات البشر جميعاً قوامه العقل والمنطق.([6])

وفي حدود القرن التاسع عشر الميلادي، تشعبت الدراسات اللغوية، فلزم ذلك تخصص البحث في جانب معين من اللغة، فظهرت النظريات اللسانية وتعددت المناهج، فبرزت الفونولوجيا التي اهتمت بدراسة وظائف الأصوات إلى جانب علم الفونتيك الذي يهتم بدراسة الأصوات المجردة، كما برزت الأتيمولوجيا التي اعتنت بدراسة الاشتقاقات في اللغة، ثم علم الأبنية والتراكيب الذي يختص بدراسة الجانب النحوي وربطه بالجانب الدلالي في بناء الجملة.

وفي الجانب الآخر من العالم، كان المفكرون العرب قد خصصوا للبحوث اللغوية حيزاً واسعاً في إنتاجهم الموسوعي الذي يضم إلى جانب العلوم النظرية كالمنطق والفلسفة علوماً لغوية قد مست كل جوانب الفكر عندهم، سواء تعلق الأمر بالعلوم الشرعية كالفقه والحديث، أو علوم العربية، كالنحو والصرف والبلاغة، بل إنهم كانوا يعدون علوم العربية نفسها وتعلمها من المفاتيح الضرورية للتبحر في فهم العلوم الشرعية، ولذلك "تأثرت [العلوم اللغوية] بعلوم الدين وخضعت لتوجيهاتها. وقد تفاعلت الدراسات اللغوية مع الدراسات الفقهية، وبنى اللغويون أحكامهم على أصول دراسة القرآن والحديث والقراءات، وقالوا في أمور اللغة بالسماع والقياس والإجماع والاستصلاح تماماً كما فعل الفقهاء في معالجة أمور علوم الدين".([7]) ولما كانت علوم الدين تهدف إلى استنباط الأحكام الفقهية ووضع القواعد الأصولية للفقه، اهتم العلماء بدلالة الألفاظ والتراكيب وتوسعوا في فهم معاني نصوص القرآن والحديث. واحتاج ذلك منهم إلى وضع أسس نظرية، فيها من مبادئ الفلسفة والمنطق ما يدل على تأثر العرب بالمفاهيم اليونانية ولذلك يؤكد عادل الفاخوري أنه "ليس من مبالغة في القول إن الفكر العربياستطاع أن يتوصل في مرحلته المتأخرة إلى وضع نظرية مستقلة وشاملة يمكن اعتبارها أكمل النظريات التي سبقت الأبحاث المعاصرة."([8]) فالأبحاث الدلالية في الفكر العربي التراثي، لا يمكن حصرها في حقل معين من الإنتاج الفكري بل هي تتوزع لتشمل مساحة شاسعة من العلوم لأنها مدينة "للتحاور بين المنطق وعلوم المناظرة وأصول الفقه والتفسير والنقد الأدبي والبيان."([9]) هذا التلاقح بين هذه العلوم النظرية واللغوية هو الذي أنتج ذلك الفكر الدلالي العربي، الذي أرسى قواعد تعد الآن المنطلقات الأساسية لعلم الدلالة وعلم السيمياء على السواء، بل إنك لا تجد كبير فرق بين علماء الدلالة في العصر الحديث وبين علماء العرب القدامى الذين ساهموا في تأسيس وعي دلالي هام، يمكن رصده في نتاج الفلاسفة واللغويين وعلماء الأصول والفقهاء والأدباء، "فالبحوث الدلالية العربية تمتد من القرون الثالث والرابع والخامس الهجرية إلى سائر القرون التالية لها، وهذا التأريخ المبكر إنما يعني نضجاً أحرزته العربية وأصّله الدارسون في جوانبها."([10])

إن هذه الجهود اللغوية في التراث العربي لأسلافنا الباحثين، وتلك الأبحاث التي اضطلع بها اللغويون القدامى من الهنود واليونان واللاتين وعلماء العصر الوسيط وعصر النهضة الأوروبية، فتحت كلها منافذ كبيرة للدرس اللغوي الحديث وأرست قواعد هامة في البحث الألسني والدلالي، استفاد منها علماء اللغة المحدثون بحيث سعوا إلى تشكيل هذا التراكم اللغوي المعرفي في نمط علمي يستند إلى مناهج وأصول ومعايير، وهو ما تجسم في تقدم العالم الفرنسي (ميشال بريال M.Breal) في الربع الأخير من القرن التاسع عشر إلى وضع مصطلح يشرف من خلاله على البحث في الدلالة، واقترح دخوله اللغة العلمية، هذا المصطلح هو "السيمانتيك" يقول بريال: "إن الدراسة التي ندعو إليها القارئ هي نوع حديث للغاية بحيث لم تسم بعد، نعم، لقد اهتم معظم اللسانيين بجسم وشكل الكلمات، وما انتبهوا قط إلى القوانين التي تنتظم تغير المعاني، وانتقاء العبارات الجديدة والوقوف على تاريخ ميلادها ووفاتها، وبما أن هذه الدراسة تستحق اسماً خاصاً بها، فإننا نطلق عليها اسم "سيمانتيك" للدلالة على علم المعاني.([11])

إن العالم اللغوي (بريال) انطلق- دون ريب- في تحديد موضوع علم الدلالة ومصطلحه من جهود من سبقه من علماء اللغة الذين وفروا مفاهيم مختلفة تخص المنظومة اللغوية من جميع جوانبها يقول الدكتور كمال محمد بشر: "إن دراسة المعنى بوصفه فرعاً مستقلاً عن علم اللغة، قد ظهرت أول ما ظهرت سنة 1839، لكن هذه الدراسة لم تعرف بهذا الاسم (السيمانتيك) إلا بعد فترة طويلة أي سنة 1883 عندما ابتكر العالم الفرنسي (م.بريال) المصطلح الحديث."([12]) إلا أن المؤرخين اللغويين لظهور علم الدلالة يجمعون على أن فضل (بريال) يكمن في تخصيصه كتاباً استقل بدراسة المعنى هو كتاب (محاولة في علم المعاني) بسط فيه القول عن ماهية علم الدلالة، وأبدع منهجاً جديداً في دراسة المعنى هو المنهج الذي ينطلق من الكلمات نفسها لمعاينة الدلالات دون ربط ذلك بالظواهر اللغوية الأخرى. ويمكن أن نرسم معالم هذا المنهج اللغوي الجديد انطلاقاً من النص الذي أورده (بريال) في سياق تعريفه بعلم الدلالة:

أولاً: إذا كانت اللسانيات تهتم بشكل الكلمات، فإن علم الدلالة (السيمانتيك) يهتم بجوهر هذه الكلمات ومضامينها.

ثانياً: الهدف الذي ينشده علم الدلالة هو الوقوف على القوانين التي تنتظم تغيّر المعاني وتطورها، والقواعد التي تسير وفقها اللغة، وذلك بالاطلاع على النصوص اللغوية بقصد ضبط المعاني المختلفة بأدوات محددة وفي هذا سعي حثيث إلى التنويع في التراكيب اللغوية لأداء وظائف دلالية معينة، وهذا التنويع هو الذي يثري اللغة إثراء يحفظ أصول هذه اللغة، ولا يكون حاجزاً أمام تطورها وتجددها ويمكن في خضم البحث عن هذه النواميس "خلق" نواميس لغوية جديدة لكي تشرف على النظام الكلامي بين أهل اللغة لأن "عالم اللسان يكون همه الوعي باللغة عبر إدراك نواميس السلوك الكلامي"!!([13])

ثالثاً: اتباع المنهج التطوري التأصيلي الذي يقف على ميلاد الكلمات ويتتبعها في مسارها التاريخي، وقد يردها إلى أصولها الأولى "لأن اللغة مؤسسة اجتماعية تحكمها نواميس مفروضة على الأفراد، تتناقلها الأجيال بضرب من الحتمية التاريخية، إذ كل ما في اللغة- راهناً- إنما هو منقول عن أشكال سابقة هي الأخرى منحدرة من أنماط أكثر بدائية، وهكذا إلى الأصل الأوحد أو الأصول الأولية المتعددة"([14]) فالنظام اللغوي، نظام متجدد ما دامت الكلمات لا تخضع لقانون ثابت يلزمها بمدلولاتها، فاللغة تنتظمها نواميس خفية تعود إلى اقتضاءات تعبيرية هي جزء من النظام الكلي الذي تسير وفقه اللغة، وتصرف دلالات تراكيبها.

هذه النقاط الثلاث هي الأطر الكبرى التي يندرج ضمنها منهج (ميشال بريال) في علم الدلالة ومعه تحديد لمجمل فروع البحث في هذا المجال.
2-
بين علم الدلالة وعلم اللسانيات:

إن نشأة علم الدلالة، لم تكن نشأة مستقلة عن علوم اللغة الأخرى. إنما كان يعد هذا العلم جزءاً لصيقاً بعلم اللسانيات الذي كان يهتم بدراسة اللسان البشري، إلا أن عدم اهتمام علماء اللسانيات بدلالة الكلمات- كما أشار إلى ذلك (بريال)- هو الذي كان دافعاً لبعض العلماء اللغويين إلى البحث عن مجال علمي يضم بحثاً في جوهر الكلمات ودلالاتها، لكي يحددوا ضمنه موضوعاته ومعاييره وقواعده ومناهجه وأدواته وما كان ذلك يسيراً خاصة إذا علمنا ذلك التداخل المتشابك الذي كان يجمع بين علوم اللغة مجتمعة وعلم الألسنية الذي ذهب علماؤه إلى تفريعه إلى مباحث جمعت بين حقول مختلفة من العلوم كما هو شأن اللسانيات النفسية (psycolinguistique)، ومبحث اللسانيات العصبية neuro-linguistique وما إلى ذلك. إن العلم اللساني كان يهتم بوصف الجوانب الصورية للغة ويتجنب الخوض في استبطان جوهر الكلمات ومعانيها الذي أصبح من اهتمامات علم الدلالة (الحديث)، ثم إن ضرورة الإحاطة ببعد اللغة الاجتماعي والثقافي والنفسي وتتبع سيرورة المعنى الديناميكي كل هذه حواجز وقفت أمام علماء اللسانيات، فاستبعدوا بذلك الخوض في دراسة المعنى وركزوا بحوثهم على شكل الكلمات، إلى أن برز علم الدلالة ليسد هذا الفراغ في الدراسات اللغوية من جهة ويعمق البحث في الجانب الدلالي للغة من جهة أخرى، ويجتاز تلك الحواجز التي حالت دون أن يخوض اللسانيون في دراسة المعنى، "لأن علم الدلالة هو ميدان يتجاوز حدود اللسانيات التي يتعين عليها وصف الجوانب الصورية للغة قبل كل شيء، فالدلالة ليست ظاهرة لغوية صرفاً وإذا كان بالإمكان بناء الحقول الدلالية فإنه ينبغي آنذاك الاعتماد على المعطيات الخارجية فقط.. (…)

إن بعد اللغة الاجتماعي والثقافي من العوائق التي تقف أمام الدراسات الدلالية الحديثة ويمكن تحديد ذلك فيما يلي:

أ- تعدد القيم الحافة بدلالة الألفاظ المركزية.

ب- إن دلالة اللفظ ليست ظاهرة قارة ذلك أنه يمكنها أن تعتني دوماً بحسب التجارب الجديدة (اللغوية وغيرها التي يخبرها المتكلم)"([15]).

إن هذه المباحث المتشعبة التي هي من صميم اهتمامات علم الدلالة، هي التي دفعت علماء الألسنية ومنهم التوزيعيين([16]) إلى إبعاد دراسة الدلالة من اللسانيات. والحقيقة التي لا مراء فيها أن دراسة المعنى لم تخل منه أي مباحث لغوية سواء أكانت قديمة أم حديثة، ذلك أنه لا يمكن تصور دراسة الكلمات وهي جوفاء خالية من الدلالات. وهذا ما عبر عنه سوسير في سياق حديثه عن الدال والمدلول وشبه اتحاد الكلمات ودلالتها بوجهي الورقة الواحدة.

إن علم الدلالة كمبحث من المباحث اللغوية حسب ماهية اللسانيات، يهتم بحلقة من حلقات علم اللسان البشري، هذه الحلقة تكمن في المظهر الإبلاغي وما يتعلق به، فالرسالة الإبلاغية هي التي تضطلع بنقل دلالة الخطاب إلى المتلقي بحيث يتم- في الحالات العادية- استيعابها استيعاباً كافياً، "فالدراسة اللسانية لا تقف عند تشخيص الحدث اللغوي في مستواه الأدائي، ولكن في سلكه الدائري إذ تهتم اللسانيات بتولد الحدث وبلوغه وظيفته ثم بتحقيقه مردوده عندما يولد رد الفعل المنشود، وهكذا يكون موضوع علم اللسان اللغة في مظهرها الأدائي ومظهرها الإبلاغي وأخيراً في مظهرها التواصلي.([17])

لقد ولجت اللسانيات كل مجالات الاتصالات الإنسانية حتى غدت ملتقى لكل العلوم الإنسانية واعتمدت في الخطاب بأنواعه، ولا يمكن أن نقيم هذا الدور الرائد في مجالات الحياة للألسنية دون أن نقر بحضور الدلالة في ذلك، كفرع أساسي ومهم في فعالية الخطاب "فاللسانيات تستلهم الظاهرة اللغوية ونواميسها من مصادر لسانية وغير لسانية فتعمد إلى إجراء مقطع عمودي على كل منتجات الفكر، بمنظور مخصوص فبعد البحث عن خصائص الخطاب الإخباري والخطاب الشعري الأدبي، تعمد اللسانيات إلى دراسة نواميس الخطاب العلمي والقضائي والإشهاري والديني والمذهبي.([18])

ولم يكن للألسنية هذا الاهتمام الواسع باللغة الإنسانية، إلا بعد أن ظهرت في أوربا مدارس بنيوية عاينت الظاهرة اللغوية من كل جوانبها: الجانب الصوتي، والجانب المعجمي، والجانب التركيبي والجانب الدلالي، واستقر لديها أن "الألسنية هي دراسة اللغة بحد ذاتها دراسة علمية، وتحليل خصائصها النوعية، بغية الوصول إلى نواميس عملها"([19]). وأن "اللغة تنظيم، وهذا التنظيم وظيفي، يتوسله الإنسان للتعبير عن أغراضه ولعملية التواصل" فلم تعد الألسنية تهتم بشكل الكلمات فحسب، بل أعطت لجوهر هذه الكلمات أهمية كبيرة، وذلك بعد ما تأكد لدى علماء الألسنية، أن البحث الألسني يبقى ناقصاً ما لم يهتم بجوانب اللغة جميعها، ويظل حكمه على الظواهر اللغوية يفتقد إلى طابع المعيارية التي تسم ديناميكية اللغة وفعاليتها بسمة التقعيد. ولم يحصل هذا الوعي اللغوي في البحث الألسني إلا مع العلماء اللغويين المتأخرين كالعالم الأمريكي "بلومفيلد" الذي كان يرى أن الدراسة الألسنية، لا تنحصر بدراسة الأصوات والدلالات اللغوية بذاتها، بل تشمل دراسة الارتباط القائم بين أصوات معينة ودلالات معينة (…)، وجدير بالذكر أن مفهوم ارتباط الصوت اللغوي بالدلالة، قد تبنته الألسنية بصورة عامة.([20])

وبعد هذا التزاوج الذي لزم علم الألسنية الأخذ به، تبين لعلماء اللغة المحدثين أن الجانب الدلالي في اللغة لا يزال البحث فيه هزيلاً كما كان في القديم، وأنه محتاج إلى نظرة أخرى على مستوى البحث وعلى مستوى المنهج، رغم ما قدمته العلوم المستحدثة من نظريات أنارت جوانب مهمة من علم الدلالة كنظريات الإعلام والتواصل والمعلوماتية. يقول في ذلك الكاتبان: ريمون طحان ودينر بيطار طحان: "يقترن الكلام أو الأصوات، بنظريات الدلالة العامة، وكان علم الدلالة الجزء الهزيل من النظريات الألسنية، وقد أصبح يفضل نظريات الإعلام والتواصل والمعلوماتية، مزوداً بمؤشرات سليمة منها أن المتكلمين بلغة واحدة يتبنون المعنى الواحد في الكلام الواحد أو الجملة الواحدة"([21]).

وبعد ذلك توفر لعلم الدلالة وجود مستقل، وإن بقيت تربطه بعلوم اللغة الأخرى- وخاصة الألسنية- وشائج تتجلى بصورة واضحة في مجالات البحث. حيث يبرز التقاطع بين هذه العلوم مجتمعة. ولكن ما يميز البحث الدلالي، هو عمق الدراسة في معنى الكلمات والتراكيب متخذاً في ذلك منهجاً خاصاً يتوخى المعيارية في اللغة والكلام، "والعلوم إذا اختلفت في المنهج تباينت في الهوية وقوام العلوم ليست فحسب مواضيع بحثها وإنما يستقيم العلم بموضوع ومنهج".([22]) وتبعاً لذلك اتسع نطاق البحث الدلالي، وأحرز علماء العرب سبقاً في هذا المجال حيث برز لغويون كثيرون وضعوا نظريات مختلفة وأرسوا بذلك قواعد أضحت مدارس دلالية، تنظر إلى قضية "المعنى" بنظريات مختلفة، وداخل المنهج الأوحد للبحث الدلالي ظهرت مناهج فرعية رأى أصحابها نجاعتها في تقديم الأجوبة الكافية لمختلف المسائل التي طرحت في الدراسات الدلالية، والتي عجز عنها البحث اللغوي قبلها، ولكن ما هي القضايا الأساسية التي طرحها الدرس الدلالي الحديث؟ وما هي المباحث اللغوية التي اختص بها علم الدلالة حتى غدت مجالاً خاصة به، تعبر عن خصوصية هذا العلم واستقلاله عن بقية العلوم اللغوية الأخرى؟

هذا ما سنحاول الإجابة عليه في المباحث التالية.
ثانياً- ماهية الدلالة بين القديم والحديث
I-
مصطلح "الدلالة" في القرآن الكريم ومعجمات اللغة:

تمهيد: الحديث عن المصطلح الدلالي- كيف نشأ وكيف تطور- يدعو إلى تحديد المفهوم اللغوي الأول لهذا المصطلح، لأن الوضع اللغوي الذي تصالح عليه أهل اللغة قديماً، يلقي بظلاله الدلالية على المعنى العلمي المجرد في الدرس اللساني الحديث "فالمصطلح يتشكل مع نمو الاهتمام في أبواب العلم وبالاحتكاك الثقافي."([23]) وقد وقع اختلاف بين علماء اللغة المحدثين في تعيين المصطلح العربيالذي يقابل مصطلح "السيمانتيك" بالأجنبية الذي أطلقه العالم اللغوي "بريل" سنة 1883 على تلك الدراسة الحديثة، التي تهتم بجوهر الكلمات في حالاتها الإفرادية المعجمية وفي حالاتها التركيبية السياقية وآلياتها الداخلية التي هي أساس عملية التواصل والإبلاغ، فاهتدى بعض علماء اللغة العرب إلى مصطلح "المعنى" باعتباره ورد في متون الكتب القديمة لعلماء أشاروا إلى الدراسة اللغوية التي تهتم بالجانب المفهومي للفظ كالجرجاني الذي يعرف الدلالة الوضعية، بأنها كون اللفظ بحيث متى أطلق أو تخيل فهم منه معناه للعلم بوضعه.([24]) ومن علماء العرب المحدثين الذي استعمل مصطلح "المعنى" الدكتور تمام حسان إذ يقول، في سياق حديثه عن العلاقة بين الرمز والدلالة: "ولبيان ذلك نشير إلى تقسيم السيميائيين للعلاقة بين الرمز والمعنى إلى علاقة طبيعية وعلاقة عرفية وعلاقة ذهنية."([25]) وفي مقام آخر يستعمل الكاتب نفسه مصطلحي الدال والمدلول في حديثه عن العلاقة الطبيعية بين الرمز الأدبي ومعناه إذ يقول: "وهناك طريقة أخرى للكشف عن هذه الرموز الطبيعية في الأدب الطريقة هي عزل الدال عن المدلول أو الشكل عن المضمون، ثم النظر إلى تأثير الدال في النفس بعد ذلك".([26])

وقد آثر لغويون آخرون استعمال مصطلح "الدلالة" مقابلاً للمصطلح الأجنبي: "لأنه يعين على اشتقاقات فرعية مرنة نجدها في مادة (الدلالة: - الدال- المدلول- المدلولات- الدلالات- الدلالي)"([27]). ولأنه لفظ عام يرتبط بالرموز اللغوية وغير اللغوية، أما مصطلح "المعنى" فلا يعني إلا اللفظ اللغوي بحيث لا يمكن إطلاقه على الرمز غير اللغوي، فضلاً على ذلك أنه يعد أحد فروع الدرس البلاغي وهو علم المعاني.

فدرءاً للبس وتحديداً لإطار الدراسة العلمية، استقر رأي علماء اللغة المحدثين على استعمال مصطلح "علم الدلالة"، مرادفاً لمصطلح "السيمانتيك" بالأجنبية وأبعدوا مصطلح "المعنى" وحصروه في الدراسة الجمالية للألفاظ والتراكيب اللغوية وهو ما يخص "علم المعاني" في البلاغة العربية.
1-
لفظ "الدلالة" في القرآن الكريم:

لقد أورد القرآن الكريم صيغة "دلّ" بمختلف مشتقاتها في مواضع سبعة تشترك في إبراز الإطار اللغوي المفهومي لهذه الصيغة، وهي تعني الإشارة إلى الشيء أو الذات سواء أكان ذلك تجريداً أم حساً ويترتب على ذلك وجود طرفين: طرف دال وطرف مدلول يقول تعالى في سورة "الأعراف" حكاية عن غواية الشيطان لآدم وزوجه: "فدلاّهما بغرور"([28]). أي أرشدهما إلى الأكل من تلك الشجرة التي نهاهما الله عنها. فإشارة الشيطان دال والمفهوم الذي استقر في ذهن آدم وزوجه وسلكا وفقه هو المدلول أو محتوى الإشارة، فبالرمز ومدلوله تمت العملية الإبلاغية بين الشيطان من جهة، وآدم وزوجه من جهة ثانية، وإلى المعنى ذاته، يشير قوله تعالى حكاية عن قصة موسى عليه السلام: "وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون"([29]) كما ورد قوله تعالى في سورة "طه" حكاية عن إبليس: "قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى"([30]). فهاتان الآيتان تشيران بشكل بارز إلى الفعل الدلالي المرتكز على وجود باث يحمل رسالة ذات دلالة. ومتقبل يتلقى الرسالة ويستوعبها وهذا هو جوهر العملية الإبلاغية التي تنشدها اللسانيات الحديثة، فإذا تم الاتصال الإبلاغي فواضح أن القناة التواصلية سليمة بين الباث والمتقبل. وتبرز العلاقة الرمزية بين الدال والمدلول- قطبي الفعل الدلالي- في قوله تعالى من سورة الفرقان: "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً".([31]) فلولا الشمس ما عرف الظل، فالشمس تدل على وجود الظل فهي شبيهة بعلاقة النار بالدخان الذي يورده علماء الدلالة مثالاً للعلاقة الطبيعية التي تربط الدال بمدلوله، ويمكن تمثل هذه العلاقة في أي صيغة أخرى، ولقد دلت الأرضة، التي أكلت عصا سليمان عليه السلام حتى خرّ، أنه ميت في قوله تعالى من سورة سبأ: "فلما قضينا عليه الموت ما دلّهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خرّ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين".([32]) فتعيين طرفي الفعل الدلالي كما تحدده الآية، ضروري لإيضاح المعنى؛ فالدابة وأكلُها العصا دال، وهيئة سليمان وهو ميت مدلول، فلولا وجود "الأرضة" (الدال) لما كان هناك معرفة موت سليمان- عليه السلام- (دال عليه)، ومن السورة السابقة ورد قوله تعالى: "وقال الذين كفروا هل ندلّكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد."([33]) فهذه الآية تؤكد على ضرورة وجود إطار للفعل الدلالي، عناصره الدال والمدلول والرسالة الدلالية التي تخضع لقواعد معينة، تشرف على حفظ خط التواصل الدلالي بين المتخاطبين، وإلى المفهوم اللغوي ذاته يشير قوله تعالى على لسان أخت موسى عليه السلام: "إذ تمشي أختك فتقول هل أدلّكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقرّ عينها ولا تحزن."([34])
هذه الآيات التي ورد ذكر لفظ "دلّ" بصيغه المختلفة، تشترك في تعيين
الهوامش:


([1])
د.علي سامي النشار- مناهج البحث عند مفكري الإسلام، ص31.

([2]) Semantics
، ص9.

([3])
د.أحمد مختار عمر، علم الدلالة- ص19.

([4])
المرجع السابق، ص19.

([5])
الرواقيون (stoiciens) ينتسبون إلى ريتون القيسيوني (ت244ق.م) ربطوا المسائل اللغوية بالفلسفة.

([6])
زبير دراقي محاضرات في اللسانيات العامة والتاريخية، ص25.

([7])
فنون التعقيد وعلوم الألسنية: ص26.

([8])
علم الدلالة عند العرب، ص5.

([9])
المرجع السابق، ص5.

([10])
فايز الداية، علم الدلالة العربي، ص6.

([11]) Les grands courrants de la linguistique moderne. Le roy Maurice- p.46.

([12]) تأليف ستيفن أولمن، دور الكلمة في اللغة، مقدمة، ص6.

([13])
د. عبد السلام المسدي، اللسانيات وأسسها المعرفية. ص 104

([14])
المرجع السابق، ص161.

([15])
سالم شاكر، مدخل إلى علم الدلالة، ترجمة محمد يحباتين، ص28.

([16])
التوزيعية: نظرية تزعمها العالم اللغوي الأمريكي بلومفيلد وهي نظرية عامة للألسنية ترى أن اللغة تتألف من إشارات معبرة تتدرج جميعاً ضمن نظام اللغة لمنطق يكون التعبير على مستويات مختلفة والجملة تحمل إلى مؤلفاتها المباشرة بواسطة قواعد التوزيع والتعويض والاستبدال.

([17])
د.عبد السلام المسدي، اللسانيات وأسسها المعرفية، ص81.

([18])
المرجع السابق، ص168.

([19])
ريمون طحان، دينر بيطار، فنون التقعيد وعلوم الألسنية، ص92.

([20])
د.ميشال زكريا، انظر الألسنية (علم اللغة الحديث): ص232-233.

([21])
فنون التقعيد وعلوم الألسنية، ص105.

([22])
عبد السلام المسدي، اللسانيات وأسسها المعرفية، ص41.

([23])
فايز الداية، علم الدلالة العربي: ص77.

([24])
السيد شريف الجرجاني، التعريفات، ص215.

([25])
تمام حسان، الأصول، ص318.

([26])
المرجع السابق، ص321.

([27])
فايز الداية، علم الدلالة العربي، ص9.

([28])
الآية رقم 22، انظر تفسير القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج13، ص37.

([29])
سورة القصص: الآية 12، انظر تفسير الكشاف للإمام الزمخشري، ج4، ص217.

([30])
الآية: 120، انظر تفسير ابن كثير، ج4، ص542.

([31])
الآية: 45، انظر تفسير الكشاف للإمام الزمخشري، ج4، ص120.

([32])
الآية: 14، انظر تفسير الكشاف للإمام الزمخشري، ج5، ص62.

([33])
الآية: 7، انظر تفسير القرطبي: الجامع لأحكام القرآن.

([34])
سورة طه: الآية 40، انظر تفسير ابن كثير، ج4، ص506.