البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

الخميس، 24 نوفمبر 2011

النقد العربي المعاصر و روافد العولمة الثقافية


النقد العربي المعاصر و روافد العولمة الثقافية

                                                  الدكتور: محمد الأمين شيخـة

                                                                                 الجزائر

                                                                           

                                                                        

لاشك فِي أنّ العربَ من الشُّعوب التي مارست نقد الشعر أو نقد الكلام ، قبل ظهور مصطلح (النَّقد) كممارسة أو تقنية خاصة في معاملة النَّص الأدبي,فميزوا بين جيِّد الكلام و رديئه , الحكم عليه. و غير خافٍ أيضًا أنَّ تاريخ النقد الأدبي عند العرب شهد تطورا كبيرا في ذهنيات النقاد ،ومناهجهم في تناول الآثار الأدبية وأعلام الأدب, كما أهتم الغربيون أيضا بالنقد ففي مادة    (  criticism ) يقول  هاري شو  ( shaw harry ) في معجم المصطلحات الأدبية ((... تقييم و تحليل فكري متعدد الجوانب ،وتنحدر كلمة ( criticism ) من الكلمة الإغريقية kritiko التي تعني القاضي )) (1) ومن هنا يَبرُز النقد في صورة تلك العملية التي تزن و تقيم و تُحكم بتحديد خاصيات الجودة ,و الرداءة أو المقابلة بين مظاهر الإخفاق من جهة و التَّمييز من جهة أخرى .
و قد تطور مفهوم النقد في أوروبا تطورا مشهودا ,ففي العصر الحديث فُهم النقد على أساس تجريده من الطابع الأيديولوجي ,و المتيافز يقي و استناده إلى قواعد ذات طابع موضوعي ينطوي على نظرية في المعرفة كالمرفقة الاجتماعية,أو النفسانية،أو الجمالية ,و قد ظهر أو تجسَّد هذا الاتجاه في مؤلفات رولان بارط و غيره, فعُومل  النقد بعلمية ( scienticifite decritique )، أمَّا في العصر المعاصر فقد فُهم على أنَّه ذلك الاتجاه الذي يدفع دراسة الأثر الأدبي نحو العلوم الوضعية بهدف إطلاق و إصدار التعميمات الاصطلاحية الواسعة الـنابعة من مناهج المشاهدة ,و الاستقراء ،و الفروض لـيحقق في النهاية نظرة كلـَّية  مجردة تستند إلى مبادئ الكلية ,و القوانين العامة التي تـضبط الأثر الأدبي (2) و في ظل هذه الـتطورات، و التحولات الكبرى التي شَهِدَها النقد الغربي , ظل النقد العربي متأرجحا بين هذا و ذاك سالكا سُبلاً متباينة ,و متطابقةـ أحياناـ  فَمشدودا إلى خلفيات مرجعية متنوعة تُمازج بين الأصل النابع من خُصوصِياته القوميّة ,و الفكريَّة ،و الدينيَّة ,و الاجتماعية ،و بين دخيل أمْلتهُ عليه الظروف الراهنة في شكل ضُغُوطات خارجية , ومستمرة تُحاول هي بدورها تجاوز حَاضِرها ,والتَّطلع إلى الرؤية مستقبلية غير واضحة (3) .
إنَّ من أهم المفاهيم الفكرية و الحضارية التي أثرت بشكل واضح على تَوجُّه و بنية النقد الأدبي العربي مفهوم المعاصرة (   modernisation ) التي نَتصورُها في شكل العُملة ذات الوجهين :الوجه الأول فيها هو: الحَداثَة ( modernisme ),والوجه الثاني هو العَولَمَة        globalisation)رغم الفروقات الواضحة بين هذه المصطلحات عند الكثير من النقاد والمفكرين من الغرب و العرب في مجالات أخرى، إلا أنَّها قـد تتحد في أشكال و أنماط عديدة لـتتخذ من الأصالة الإبداعية الفكرية موقفا موحدا ،و إذا اعتبرنا أنَّ المعاصرة بمفهومها العام؛ هو العيش في إطار زمني معين ,و التفاعل مع مؤثرا ته و ظروفه الخاصة ,فإننا نُقرّ مع الدكتور البحراوي ( أستاذ بجامعة القاهرة سابقا ) بأن المعاصرة و الحداثة في الأدب الغربي تـنطلق من الفترة الزمنية بعد الحرب العالمية الثانية ,و هو ما يوافق التحولات الشكلية ,و الفنية التي شهدها الأدب العربي و النقد الأدبي بعد أربعينات القرن الماضي و ظهور ما يسمى بقصيدة النثر, و التأسيس لها من منابرها و أهمها مجلة (شعر) في لبنان ,و بعض الآراء و الأفكار النقدية الجَريئة عند بعض النقاد ممن تأثروا بالمناهج الغربية و الأوروبية (4) . أما الحداثة(*) وهو الوجه الأول للمعاصرة فقد أرتبط عند الغربيين – أولا – بإبداع التَّمدن في مقابل إبداع الطبيعة ,و الإنسان و هذا يظهر من خلال ديوان ( أزهار الشّر ) لشارل بودلير عندما ربط الشعر بالمدينة في كل تناقضاتها من خلال الخلفية الاجتماعية للإنسان في خيره,وشره، ثم انتقل –ثانيا- إلى مفاهيم تاريخية ترتبط بشعور الفرد الأوروبي بأزمة وغُربة في حياته الراهنة بعد الحرب العالمية الثانية ؛هذه الأزمة التي استدعت الـتَّخلي عن الـمفاهيم الأوروبية الـسابقة ،و التَّطلع إلى أحاسيس جديدة تُواكب الواقع المادي ،والمتغير في وتيرة سريعة (5) ,فالحداثة الغربية هي معنىً و موقفٌ يعتمد على الحركة ,والتخطّي لما هو أصيل ,أو قديم و قائم مستبدلا الواقع المفروض بالرؤيا الكلية المنسجمة في واقع حضاري جديد ،فهي لا تعني في الأدب إنتاج نص شعري حديث بقدر ما هي الطموح لإنضاج تجربتها في بنية اقتصادية و اجتماعية و ثقافية شاملة (6) .
و لقد تمظهرت الحداثة الغربية في الإنتاج الفكري ,و الأدبي الغربي ضمن ما يسمى بالاتجاه الوضعي (**) في صورة مفاهيم ,و فَلسفات ,و مناهج عديدة اتسمت جلُّها أو غالبيتها بالتطرف و الجرأة إزاء الإبداع الأدبي فكرا و نقدا،أفرزت ـ  فيما بعد ـ بعض الطروحات ,و المقولات الشائعة ,ومنها مقولة (مَوتُ الإنسان) على لسان  ميشال فوكو  في كتابه (الكلمات والأشياء)       1966م و مـقولة كلود ليفي شترواش ((بأنَّ الـعلم بـدأ بدون إنسان و ينتهي بـدونه)) إلى أنْ وصلت هذه الطروحات للبحث عن بدائل أخرى في ظل ما يسمى بـ(ما بعد الحداثة )وهي فترة حاولت التخفيف من وطأة ضغط هذه المناهج البنائية على الطروحات الفكرية ,و الإبداعية من خلال التركيز على الأبعاد الدلالية , أو الما ورائية(***) للشكل الفني من خلال مناهج السِّيمياء ،و التفكيك ,و التأويل ،و القراءة التي آلت كليا و مع مرور الزمن إلى الهدف و غاية نفسها ،بل تَحوَّل بعض رُوادها إلى فلاسفة و ليسوا نقادا و منهم الفيلسوف /الناقد الفرنسي  " جاك دريدا " الذي حَذّر من قرب الانشطار الحضاري الذي سيعصف بالمعرفة الإنسانية جراء تراكم هذه المناهج الجريئة كما يشير غيره من المفكرين أمثال " فوكو ياما " و " أوسفالد ستنغلر " إلى فكرة نهاية التاريخ أو سقوط الحضارة (7) ,فهذه المفاهيم كلها انعكست على النقد الأدبي العربي بكيفيات عديدة ،و درجات مختلفة فمِنَ النقاد من رفض الحداثة قَلبا وقالبا ووضع الحداثة ((كرديف للتغريب أواللاعروبة، بينما يضع الآخرون الحداثة مرادفا اصطلاحيا للبديع؛أي تحوّل في الشكل الفني و في طرق الأداء ))(8),ومنهم مَنْ نقَّب عن ملامح الحداثة في الموروث العربي القديم محاولا تَعقبها في ثوب جديد مثلما سعى أدونيس( علي أحمد سعيد) إلى بعث تَجربة " النفري " الصوفية ،والتي تتلائم مع نظرته أو رؤيته النقدية من خلال كتابه (الثابت و المتحول) (9) ،و البعض الآخر حاول تقليد الحداثة الغربية في شقها التطبيقي النقدي من خلال غَربلة النقد الغربي بتطبيقات إجرائية تعتمد على النَّـقل ،أو التعريب لتحفيز النقاد العرب, وتشجيعهم على خوض التجربة  النقدية الغربية ،و أبرزهم في ذلك طائفة من الباحثين من أمثال الدكاترة ( صلاح فضل /عبد السلام المسدي/ميشال زكريا/إبراهيم أنيس ... ) و منهم من وقف موقفا وسطا إزاء الحداثة داعيا إلى عدم تضييع الفرصة،و اقتناص إيجابيات الحداثة ,و مناهجها مع التمسك بالموروث العربي  كالمفكر المُستعرب رجاء غارودي الذي يقر بمشروعية البنيوية كمنهج علمي للاستقصاء ونبذ البنيوية عندما تزعُم أنَّها فلسفة تعطى لنفسنا الحق في تحليل الواقع الإنساني تحليلا جامعا (10) . كما نلمس هنا التوافق مع الحداثة عند الدكتور عبد الله الغدامي عندما يُعرّف الحداثة بأنها (( تلك الرؤية الواعية لإقامة علاقات دائمة التجديد بين الظرف الإنساني و بين الجوهري الموروث)) (11) .
أمَّا بخصوص العَولمة ؛و هي الوجه الثاني للمعاصرة و الذي شاع تداوله  في تسعينات القرن الماضي بعدما أشار إلى مفهومها الناقد الأمريكي فريديريك جيمسون  في أواسط السبعينات بوصفها(( ثقافة عالمية حقيقية لم تتخل يوما عن مسعاها إلى امتصاص كل غريب عنها))(12 ) فلا نراها إلا مرحلة انتقالية للحداثة و سيرورة طبيعة للحركية التاريخية ,و الحضارية للأمم , وما تشهده من تحولات اقتصادية و سياسية ,و علمية ,فتنعكس بالضرورة على جوانب ثقافية, و فكرية, و إنسانية ,فإذا كانت العولمة قد اقتحمت أسوار الأسرة و المدرسة ,و الثقافات القومية  والمحلية بفضل تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات ،فلا محالة أنها صَالت و جَالت ميادين الفكر و الإبداع،والثقافةبصفة عامة (13) ، فالعولمة الثقافية هي هَيمنة في شكليها الحضاري  الشعبي (الملبس , والمأكل ,وأنماط الحياة العامة....) ,والأدبي ( اللغة,والكتابة,وأساليب  التفكير ,والإبداع...)(14) ،و العولمة ببساطة تعني جعل الشيء عالمي الانتشار في مداه مع إزاحة كل الحواجز،والأسوار بين الدول والثقافات,وإنْ كانت في جـوهرها عولمة اقتصادية ثـم سياسة و اجتماعية ،فلا محالة أيضا أن تكون ثقافية (culturel globalisation)ما دامت تملك وسائل التثقيف,والتشهير ( الإشهار )،وبذلك تمتلك بصورة غير مباشرة سلطة تحديد واحتكار الوعي الحضاري الذي يسود العالم ،و الذي أصبح بمثابة  القرية الكونية الواحدة التي تطغى عليها ثقافة عالمية مُوحّدة في شقيها العقائدي و الأخلاقي , فالعولمة في حد ذاتها فـكرة إيجابية أي أنْ نجعل الشيء عالميا  أُريدَ لها أن تكون سلبية من خلال منابر العولمة الاقتصادية ( الشركات متعددة الجنسيات/ مجموعة الثمانية الكبار/ صندوق النقد الدولي /البنك الدولي/ منظمة التجارة العالمية )والذين جَعلوا من العولمة فكرة ,ونهج ,وأسلوب ,و نظام ,وتيار عارم و جارف يحاول فرض نسق فكري و حضاري عالمي يسعى إلى محو الهويات الثقافية للشعوب،وطمس خصوصياتها الدينية,والحضارية,والفكرية من خلال بعض الشعارات المُقنَّعة,والتي تدعو إلى الانفتاح و التبادل والترابط للوصول إلى الاندماج ,وإلى تعميق العلاقات والصِّلات العالمية,  في جميع المجالات السياسية ,و الاقتصادية , و الإعلامية .... من جهة و من جهة أخرى تسعى إلى بث بعض النصائح من وراء البحار لتشجيع ذلك التمايز,وترسيخ الاختلاف بين الهويات و دعوة إلى التنافس العلمي  لتحقيق الذاتية وهي دعوات ليست كلها بريئة (15) .
و لا يمكننا بهذا الصدد أن ننظر إلى النقد الأدبي العربي المعاصر في ظِّل العولمة الثقافية نظرة  تلك العملية الفنية الشكلية التي تسعى إلى مقاربة الإبداع الأدبي العربي بمعزل عن التأثيرات الاجتماعية و الثقافية والأيديولوجية ,بل بنظرة آنيّة ومستقبلية تسعى إلى تتبع تحولات هذا النقد وتوجهاته الفكرية ,و كذلك دوره في بلورة الوعي الفكري والثقافي و الإبداعي الإيجابي الفعَّال في تغيير أوضاع الحياة الفكرية  للمبدع و المتلقي العربي في ظل هذه التحولات العالمية ،وبذلك نجد أنفسنا و هذا النقد في حِراك و عِراك شديدين مع مختلف الطروحات الفكرية التي تسعى إلى قلب الأسس و المعايير الأصلية التي قام عليها , فبعد الأزمة التي شهدها النقد العربي في مرحلة الحداثة أو التحديث وجد نفسه أمام مرحلة تالية,وهي مرحلة العولمة التي تتسلح بوسائل و أدوات فعَّالة تسعى إلى ممارسة ضغوط مباشرة و غير مباشرة لفرض أنساق و أنماط و توجهات معينة يسير فيها النقد وفق برامج مُعدَّة سالفا و يمكننا بعد ذلك أن نرصد بعض المعالم التي كـشفت من بعيد أومـن قريب تـأثير العولمة على النقد الأدبي المعاصر في نقاط أهمها :
أ- تكريس مبدأ المصطلح العلمي و التكنولوجي, و ربما النقدي الموحَّد  والمشَاع لمواجهة جـهود المجامع اللغوية في إيجاد بـدائل لغوية بالاعتماد على الاقتباس و الاجتهاد في النحت و الاشتقاق  مَا أمكن حتَّى لا تُتهم اللغة العربية بالجمود ,و التأخر عند بعض المفكرين  (16) ومن أمثلة ذلك على سبيل الذكرـ مصطلح ( الإبستمولوجيا) أو الوعي الممكن(conscience possible )،وهو ((نمط من الوعي الخيالي أو التصويري يتشكل حسب رأي لوسيان جولدمان من بنية الوعي الضمني الذي يتكون من مجموعة تصورات ترتبط بفكر الكاتب أو هو نشوء إمكانية رؤية متماسكة تتميز بالشمول و الجماعية)) (17) ،وقد تعامل النقد العربي مع هذا المصطلح بمصطلحات عديدة ( المَعرفية / النَّفعية ....)   
ب- تحديد مصادر العلم و البحث في مواقع معينة من وراء البحار، و فتح المجال أمام الدارسين العرب للتطلع إلى الدراسات  الغربية و الترويج لها بتقديم الوسائل المادية( الكومبيوتر /الميكروفيلم ..) مع السَّعي إلى تقزيم المصادر العربية التي تسعى إلى مواكبتها ماديا و تنظيما
ج- تسخير وسائل الإعلام و الطباعة للطروحات الفكرية النقدية الخاصة التي تسعى إلى تجريد اللغة النقدية من الخلفيات الحضارية و الأدبية الخاصة ،و الوصول بهذه اللغة إلى لغة علمية تجريدية تنتفي فيها صفة الإبداع ،فتعمل على اختصار التجربة النقدية في رموز و اصطلاحات نقدية مشتركة تمَّحي فيها معالم الذوق و الحس النقدي (النقد كوني ) وخاصة في مجال البحث اللغوي ( اللساني) النقدي،ومن أمثلة ذلك النقد اللغوي في ظل الاتجاه النسقي (القلوسيماتيك) الذي ساد في أوروبا في العصر الحديث بقيادة لويس هلمسلايف وهو نوعٌ من النقد اللغوي  العالمي الموحّد  والرياضي( الرياضيات) ذي طابع منطقي كلي (universal ) سعى إلى فهم جميع النصوص الأدبية العالمية ،إذْ يعلّق الدكتور أحمد مؤمن  على هذا النقد ((....ولكن الرموز الجبرية و القوانين الرياضية التي استعملتها النظرية الغلوسيماتية غير ملائمة للدراسة اللغوية فحسب بل إنها أساءت إليها أكثر مما أفادتها...)) (18).
د- تشجيع المبادرات الإبداعية التي تسعى إلى إيجاد نسق نقدي موحد أو دائم من دون الخوض في خلفيات هذا النسق الحضارية و الثقافية ما دام يسعى إلى تكريس تسوية القيم الحضارية  بين الشعوب, و إلى تحقيق مبدأ النشاط الفردي الذي يتحرك بدون روابط أو عقل جماعي مما يفتح المجال أمام بعض الاجتهادات الاصطلاحية الخاصة كتعبير الباحث يحيى الرخاوي عن مصطلح (المُولَّد)  في الدراسة المعجمية ,وهو الوحدة المعجمية التي يشعر فيها المتكلم وكأنها حديثة العهد في دالها و مدلولها بمصطلح آخر وهو (اللغة الجديدة) وعندما يترجمه في سياق حديثه يستعمل مصطلح (جَدْ لُغَة )أي رَطانٌ صَوتِيٌ بلا دلالة (19 ), أو لجوء بعض الـنقاد إلى تَرجمات حرفية لـبعض المصطلحات الغربية من مـثل ثنائية ( teneur/vehicule ) أي ( المشبه والمشبه به) المُترجمان إلى العربية بمصطلحات عديدة ومنها(الفَحْوَى/المَرْكبَة) عند الباحث مجدي وهبة ,و( المَغْزَى/النَّاقل) عند الباحث صبحي حديدي,وأقربُها إلى العربية ترجمة الباحث محي الدين صبحي ( الفَحْوَى /الأداة )، فلا يهم التقيد بالدلالة المعجمية الأجنبية بل التعبير الذي يؤدي إلى إجلاء المعنى بشكل واضح (20)،أومن جهة أخرى السعي إلى ترديد بعض المبادرات الفكرية الغريبة ، ومن أبرزها فكرة ( موت المؤلف) أو قتله عند بعض رواد هذه الفكرة( رولان بارط/ جاك دريدا ...) أو الدعوة إلى أنَّ المنهج  في الـدراسة اللغو يه الحديثة هو ببساطة  (اللامنهج ).
هـ- السَّعي إلى إيجاد نسق لغوي عام يعمل على تحجيم القيم الأخلاقية و الجمالية و تكريس لغة الإبتدال و التَّسليع لتحقيق قيم ذاتية معينة كاعتماد بعض المصطلحات النقدية (العِلميَّة) مثل (الجهاز المَرجعي / التشابك المفهُومي/   القنوات المَصْرُوفة بلاغيا ...) (21).
و- التقليل من ارتباط الأنساق اللغوية و النقدية بالأنساق النَّصية المبررة  و البحث عن بدائل نَظمية جديدة تتصف بالعالمية ،مثلما فعل لوسيان جولدمان مع الرواية الفرنسية الحديثة عندما أسس لمصطلح (reification) أو( التشيؤ) كبديل عن اختفاء الشخصية في الرواية الفرنسية وتعويضها بأشياء مادية ومستقلة عن العالم تغطي عن كل مبادرة إنسانية(22).
ز- نقل ساحة الصراع الحضاري و الفكري من أروقة المكتبات و الجامعات إلى الفضاء الكوني عن طريق الأقمار الصناعية ,أين تَرجَح الكفة إلى الطرف الذي يمتلك هذه الوسائل ومنه يمتلك الحق في عرض طروحاته الفكرية بشكل واسع مما يُوقع الطرف الآخر في عزلة وتخلف مهما كانت قيمة الطروحات التي يحملها ,وما دام لا يشارك في إنجازات الحضارة إلا بالقليل ,و بذلك نرى أن لا الحداثة و لا العولمة في ظل المعاصرة  تستطيع أن تقدم بوضوح الأهداف,أوالمقاصد المستقبلية التي يسعى المبدع و المتلقي إلى وضعها, و الوصول إليها لتحقيق ذلك التعايش السلمي الهادئ في ظل ما يسمى بحوار الحضارات الذي يثمر و يرسخ القيم الفكرية ،و الحضارية, و الإيديولوجية العُليا ... و لا يمكن أيضا أن تعطينا تفسيرات مُقنعة خاصة بالتغيرات الجمالية عبر العصور للوصول إلى مبدأ أو نظرية كلية موحدة (23) فإذا سلمنا مع الدكتور محمد بنيس في نظرته للشعر المعاصر عندما يرى أنَّ (( أساسه الرؤية إلى الشعر العربي بارتباطه مع الخارج في ضوء قيم قادمة من الغرب هي تحديدا معيار المُعاصر )) (24) ,فهذا يعني أنَّ المعاصرة هو أن يلقي الشخص نفسه في تيار الظواهر المعاصرة ،و أنْ يستخدم حساسيته من دون قيد فكري ,أو نقدي ,و هو ما سيوقعه في مزالق كثيرة قد تؤدي به إلى الذوبان في إحدى التيارات أو الظواهر المعاصرة ,و لذلك حاول بعض النقاد وضع بعض المعايير،أوالضوابط الفكرية التي يجب على الباحث أنْ يتسلح بها في مواجهة الآثار السليبة لمثل هذه الظواهر أو الأطروحات من أهم هذه السبل ما يلي :
أ- التركيز في عملية البحث على عـلاقة الموضوع بالمقومات الـثقافية العربية,وأهمها اللغة و محاولة مسايرة هذه اللغة للحركة النقدية التي تخدم و تدعم هذه المقومات .
ب- تحديد أساليب و مناهج قراءة الموروث البِنيوي,واللغوي و تحليله في ضوء المعارف والعلوم اللغوية المحايدة كعلم اللسان و فروعه .
ج ـ البحث عن طروحات نقدية و فكرية مشابهة للطروحات النقدية العربية ,و التفاعل معها من خلال التركيز على القواسم المشتركة بين الثقافات الأجنبية,والثقافة العربية في القيم الإنسانية المشتركة ( العدل / الأخلاق / الحرية ...) .
د- تشجيع المبادرات الفردية التي تسعى إلى بعث الموروث النقدي القديم في أشكال جديدة للوصول إلى تأميم العملية النقدية و إعطاءها السِّمة المميزة .
هـ- الاعتداد بالموروث الثقافي,وعدم الشعور بالنقص إزاء الطروحات الجديدة ,فالحضارة الإسلامية واجهت نفس الظروف في العصور القديمة(  الأموي /العباسي)  و استطاعت أن تصمد أو تفرض رؤيتها الخاصة .
و- الاطلاع على الطروحات النقدية الجديدة و الجدِّية التي تخدم الوعي الثقافي العربي
ح- لا معاصرة بدون أصالة فالأصالة هي المنبع و المعاصرة هي المصب .
ط-المعاصرة في الأدب أن يرتبط هذا الأخير بواقع المجتمع و يخدمه فـكرا و خـلقا و سلوكا و يعبر عن طموحاته و آماله  .
الهوامش و الإحالات :
1- التفكير النقدي عند العرب : عيسى على العاكوب دار الفكر ، دمشق 2000 م ,سوريا ص 21
2- ينظر : قاموس مصطلحات النقد الأدبي المعاصر : سمير سعيد حجازي ، دار الآفاق  العربية ط1 القاهرة 2001 م مصر ص 119
3- ينظر : القراءة و الحداثة : حبيب مونسي منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 2000  سوريا ص 20
4- ينظر : أحاديث في الأدب و النقد : مجد الظاهر يحياوي شركة الشهاب 1999 الجزائر ص 311
(*) مصطلح نستخدمه  للدلالة على الانتقال من مرحلة الفكر النقدي و الأدبي التقليدي إلى مرحلة جديدة تعتمد على أساس نظري و وصفي مباشر للوصول إلى الحقائق الأدبية أو النقد الذي تأسس على تحولات في ثقافة المجتمع ,أنظر قاموس مصطلحات النقد الأدبي المعاصر ص 93
5- ينظر : أحاديث في الأدب النقد : محمد الطاهر يحياوي ص 311
6- ينظر : إشكالية الحداثة (مقال) : عبد الرحمان عبد السلام محمود عالم الفكر ع مج13 لمجلس و.ث.ف 2001 م الكويت ص 70
(**) نظرية يقينية تعتمد على الواقع اليقيني و تمهل كل أنماط التفكير التجريدي وتنعتمد على التجربة العلمية و تظهر في النقد المعاصر من خلال دعوات( بارط )إلى إنشاء علم مستقل للأدب و دعوة (تودورف) إلى تحليل الأثار الأدبية تحليلا شكليا أنظر قاموس مصطلحات النقد الأدبي المعاصر ص 103
(***) الماورائية: metha-physique فرع من فروع الفلسفة يدرس الحقائق النهائية و في النقد يعد التفسير المتافيزيقي تفسيرا يواجه حملات شديدة من الرفض رغم ما يقوم به من إثراء النقد و مفاهيمه , أنظر قاموس مصطلحات النقد من المعاصر ص 85
7-ينظر : القراءة و الحداثة : حبيب موسى ص 101
8- إشكالية الحداثة (مقال) : عبد الرحمان عبد السلام محمود: ص 71
9- ينظر : أحاديث في الأدب و النقد : محمد الطاهر يحياوي : ص 313
10- ينظر : البنيوية فلسفة موت الإنسان : رجاء غارودي ، ت جورج طرابلسي ط3 – بيروت 1985 ص112
11- تشريح النص : عبد الله الغدامي : دار الطليعة ط1 لبنان – بيروت 1987 لبنان ص 10
12 ـ دليل الناقد الأدبي:ميجان الرويلي,سعد البازعي ,المركز الثقافي، بيروت ،الدار البيضاء ص122
13- ينظر : المدخل المنظومي و تحديات العولمة (مقال) :عمر روينة مجلة البحوث و الدراسات ع4- المركز الجامعي الوادي 2007 م – الجزائر ص 135
14ـ ينظر :المرجع السابق،ص123
15- ينظر : قضايا فكرية في ليلة عربية  محمد العربي المؤسسة الوطنية للكتاب 1986 م الجزائر ص 24
16-ينظر المرجع نفسه :ص27
17ـ  قاموس مصطلحات النقد الأدبي المعاصر: سمير سعيد حجازي , ص 29
18ـ اللسانيات النشأة والتطور : أحمد مؤمن ديوان المطبوعات ط2 الجزائر 2005 م ص168
19ـ ينظر : الأسلوبية وعلم الدلالة، ستيفن أولمان ، ت ـ محي الدين محسب ، دار الهدى ،المنيا 2001 م مصر ص 90
20 ـ ينظر : المرجع نفسه ،ص103
21  ـ ينظر : الإتجاه الأسلوبي البنيوي في نقد الشعر العربي ، عدنان حسين قاسم ،مؤسسة علوم القرآن/ دار ابن كثير  ط1(عجمان/ بيروت)  1992 الإمارات / لبنان ص11
22ـ  ينظر:قاموس مصطلحات النقد الأدبي المعاصر:سمير حجازي ، ص115
23ـ ينظر : التفضيل الجمالي : شاكر عد المجيد عالم المورفة ع 287 المجلس و.ث.ف2001 م الكويت ص 337
24- إشكالية الحداثة (مقال) : عبد الرحمان عبد السلام محمود ص 79   




ليست هناك تعليقات: