البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

نافذة نقدية على منهج فلادمير بروب (الشكلي / البنائي) في تحليل القصة



1-منهج بروب والتحليل الوظائفي للقصة‏

تصدر منهجية (بروب) الشكلانية، في تحليل القصة الخرافية، عن رؤية هيكلية ترى الحكاية بنية مركبة معقدة التركيب وذات بنية علائقية متشابكة يتم الكشف عن آليات الربط التي تربط فيما بينها بطريق التفكيك واستنباط تلك العلاقات والوظائف التي تؤديها في سياق قصص معين. واعتمد (بروب) في منهجه هذا على نموذج حكائي روسي موروث هو الحكايات الخرافية فجمع ما يناهز المئة حكاية مستقياً منها ما دعاه بـ (المثال الوظائفي) الذي يعني به: عمل الفاعل معرفاً من حيث معناه في سير الحكاية (1) فالحدث إذن –بهذا المنظور –يعد وظيفة ما دام رهين سلسلة من الأحداث السابقة التي تسوغه، ومن الأحداث اللاحقة التي تنتج منه (2). ولعل اعتماد بروب على مقدمات منهجية رصينة، جعل اهتمام نقاد عصره ومن بعدهم يتوجه إلى عمله بالإشادة والمناقشة ومحاولة استيفاء جوانب النقص فيه ولا سيما في الصعيد الدلالي، السيمائي، وسنعرض بإيجاز لهذه الآراء، فكان تحديده الواضح لنماذجه الحكائية بـ مئة حكاية خرافية، واستيفاء جانب حضور الشخصية الحكائية (البطل) من خلال تصنيف الوظائف وترتيبها، جعل عمل (بروب) تجربة رائدة في مجال نقد القصة، وأصبح هذا المنهج قالباً منهجياً خليقاً بتطبيقه على المتون الحكائية لشعوب وقوميات مختلفة، فضلاً عن أن منهجية (بروب) هذه أثبتت موضوعية بحثية تجعل (النص) هو منطلق النظر النقدي.‏

2-أساسيات المنهج ومقولاته‏

يرتكز منهج (بروب) الوظائفي، على الملامح البنيوية الثابتة التي تتكرر أشكالها في الخرافات على الرغم من تنوع الملامح الخاصة وتغير الشخصيات وأوصافها وكذلك عناصر التحفيز التي تسبق الأفعال. فحدد بروب سبعة أنماط من الشخصيات هي: المعتدي، الواهب، المساعد، الأميرة، المرسل، البطل، والبطل الزائف. وتتوزع الوظائف على هذه الشخصيات في كل خرافة بهذا يتجاوز (بروب) منهجية من سبقه في جميع (أجناس) أو أنواع القصص والحكايات فقط ليحدد تصنيفاً يصلح لتطبيقه على متون حكائية مختلفة (3). من هنا لا يعد منهج. (بروب) تحليلاً نصياً لأنه لم يعن بجوانب اللغة والأسلوب والدلالة.‏

توزعت الوظائف في منهج بروب، على إحدى وثلاثين وظيفة في مجمل الخرافات المئة التي درسها، ظهر أن تسلسل الوظائف كان متشابهاً بصورة واضحة في المتون، ولكن هذا لا يعني استغراق كل خرافة لكل الوظائف، إنما ثمة استثناء في ذلك، فقد تفقد خرافة بعضاً من الوظائف في حين أخرى تضيف إليها، إلا أن الباحث يجد أن ثمة نظاماً تسلسلياً يتجلى في مجمل الخرافات، ورمز بروب للوظائف بالحروف اللاتينية الكبيرة؛ فعلى سبيل المثال، فإن وظيفة الإساءة يرمز لها بالحرف (A)، والزواج بـ (W)، والأداة السحرية بـ (F).... الخ... تبدأ الوظائف بـ (وظيفة النأي) وتنتهي بوظيفة (تمجيد) البطل أو مكافأته بالزواج أو تتويجه ملكاً أو مكافأة مالية أو تعويض آخر (4)، والنهايات سعيدة دائماً بعد انكشاف الحقيقة، وزوال السحر، وفي ذلك إيحاء يسعى الذهن البشري إلى خلق صورة المستقبل السعيد الذي يرنو إليه هارباً من واقع مرير ومتصارع وقاتم. يمثل هذا الجانب الوجه الثاني لصورة الغيب في ذهن الإنسان، فالوجه الأول هو (الغيب /الماضي) الذي تمثل في شكل فلسفة (الماضي /الذهبي) (5) التي توفرت عليها حضارات الإنسان في كل بقاع الأرض بعد تصور لفردوس طرد منه. أما الوجه الثاني فهو (الغيب /المستقبل) في انتظار انجلاء الغمام وأسفار الغد عن حلول إيجابية، وفرج وحصول الأمنيات وتحقق المرامي.‏

التي ظهرت في ميثولوجيا الديانات العالمية جميعاً في صورة المبعوث في آخر الزمان يحرر العالم من شروره وتصبح الأرض في خير ونعيم وحق وعدل وجمال وحرية وإخاء.‏

وما بين (الغيب /الماضي) و(الغيب /المستقبل) تتأرجح تلك الفسحة الزمنية المضطربة التي تسمى (الحاضر) زمن التجربة والكتابة والحلم.‏

الحقيقة، ما كنت أبغي استرسالاً في هذا الأمر، إلا لكي أصل إلى حقيقة، مهمة أغمض عنها منهج بروب الوظائفي إلا وهو الجانب الرمزي التأويلي في صياغة الوظائف وترتيبها، والحق أن الرجل أعلن عن ذلك في مقدمة كتابه حين حدد (تاريخ المشكل) وبين عدم عنايته بهذا الجانب، فهو الجانب المسكوت عنه الذي يفسح المجال أمام دراسات قادمة لاستيفاء جوانب البحث فيه بعد تحديد وجدولة الوظائف السردية.‏

من خلال تحديد الوظائف وتصنيفه، يظهر أن الحكاية الخرافية تتركب من ثلاثة اختبارات:‏

1-اختبار ترشيحي، يتمحور حول شخصية الفاعل، والمانح.‏

2-اختبار رئيسي، يحدث فيه الصراع الأساسي الفاصل.‏

3-اختبار تمجيدي، يحدث فيه التعرّف على البطل ومكافأته.‏

هذه البنية التركيبية يتكرر وجودها في جميع القصص، بوصفها فلسفة إجمالية لمنطقية الحدث القصصي وفعل الشخصية فيه، وهو يشبه إلى حد كبير أركان الهرم الدرامي المتكونة من عناصر (المقدمة، العقدة، الحل والخاتمة)، فمنطقية هذا التركيب، كأنما حلت بديلاً لخرافية أحداث الحكاية التي يبرز فيها واضحاً ذلك التخلخل بين الواقع والخيال إن لم يكن الانفصال التام.‏

يحدد (بروب) الصياغة العامة لمنهجه على وفق محاور أربعة هي (6):‏

1-العناصر الثابتة، والمستمرة في الخرافة هي وظائف الشخصيات، على تنوعها في الجنس والصفة وطريقة الوظائف. بمعنى أن الخرافة متكونة بشكل أساس من مجموعة وظائف أو بتعبير آخر أن الوظائف هي المكون الأساس الذي يصيغ شكل الخرافة النهائي.‏

2-عدد الوظائف في الخرافة، محدود، وهو في الغالب يخضع لمنطق الحرية أو العفوية في نظر غير (بروب)، أما بروب فيعتقد أن تتابع العناصر في الخرافة يخضع لقانون صارم التناظر، والحرية فيه محدودة على هذه الصفة تنبني الفقرة القادمة.‏

3-تتابع الوظائف متشابه دائماً في الخرافة، مع ملاحظة مهمة في هذا الصدد هي عدّ النتاجات الخرافية التي حفظها الفلكلور الشعبي ولم تخضع لأشكال التصنع والتحريف.‏

وهذا التشابه لا يعني أن تتوفر كل خرافة على كل الوظائف بيد أن هذه الوضعية لا تتغير في شيء من قانون تتابعها (7).‏

4-إن الخرافات العجيبة تنتمي –في ما يتصل بينها –إلى نفس النمط، بمعنى أن ثمة تشابهاً في نمطية البناء في الخرافات فيما يخص ترتيب الوظائف الذي يخضع لبنية عقلية معينة حفظت مخزوناً كبيراً في وعيها، ولا وعيها من مدركاتها الحسية والمعنوية قدراً هائلاً من المعلومات والأفكار والأديان والخرافات والتصورات بملامحها الاجتماعية والدينية والنفسية والسياسية والطبقية.‏

وبحسب هذه المحاور الأربعة أو كما يسميها بروب –أطروحات –أنجز عمله حسب منهج استنباطي صارم، ينطلق من المتن ويصل إلى الخلاصات.‏

بهذا يقدم بروب مادة دسمة لدراسات نقدية تتعمق في دراسة الجانب الدلالي والعلامي والرمزي فيما يمكن أن يترشح من خلال ترتيب الوظائف وتعاقبها واقتراح حلولها، وأسباب استهلالها بأساليب معينة فضلاً عما يمكن أن تتيحه منهجية القراءة والتلقي والتأويل من آفاق لسبر أغوار النفس الإنسانية، وكشف بنية المجتمع، والفكر الديني، والبنى الاقتصادية والسياسية لمجتمع ما جعل من القصص والحكايات والأساطير والخرافات ميداناً يبث من خلاله قناعاته وأحلامه وتصوراته وثقافته أيضاً.‏

3-الثابت والمتغير في منهج بروب‏

تحيلنا طبيعة المناهج –بصورة عامة –إلى وجود محددات وطوابع خاصة تطبع جنساً أدبياً بنوع من المقومات البنائية وتبنى على الأكثر الأعم، وتعترف كذلك بالشاذ أو الاستثناء.‏

تلك طبيعة الظواهر في الكون في تعذر مطابقة قالب معين لمادة ما، وإن تطابقت فلا تتطابق جميع أصناف تلك المادة أو نظيراتها. لذا كان من أهم الأسس الموضوعية للمبحث العلمي عدم الادعاء باستغراق منهج ما لمتن أدبي معين تمهيداً لنجاح ذلك المنهج لأنه يتوفر على قاعدة تطبيقية واسعة في النماذج....‏

ما فعله (بروب) في منهجه، إنه بنى فكرة (الوظائف السردية) بعد استقراء لمجمل الحكايات الخرافية الروسية (وانتقى) منها (مئة) حكاية، أصبحت نموذجاً مناسباً لبناء منهج لدراستها والتطبيق عليها. علماً أن الكم الأكبر من الخرافات الأخرى لم يكن ليضيف جديداً إلى منهجه عدا تضخيم صفحات كتابه –كما يقول - ومن الناحية النظرية، المهم الاكتفاء بمتن محدود يمثل بعمق وصدق مجال تحرك النظرية، ويصلح مصداقاً عليها.‏

عد (بروب) (الوظائف) أو الأفعال التي تقوم بها شخصيات الخرافة، هي (القيمة الثابتة) في سردية الخرافة. والدليل على ذلك هو التشابه في هذه الوظائف من خرافة إلى أخرى على مدى الخرافات المئة التي درسها بروب.‏

أما (القيمة المتغيرة)، فهي الشخصيات التي تصدر عنها هذه الوظائف، أو تقوم بها في سياق الحكاية الخرافية. على أساس ذلك تتغير وتتبدل أسماء الشخصيات وصفاتها.‏

ويدخل العنصر (الكمي) في تحديد عدد الوظائف المتكررة في الخرافات ليصح أن تكون لها تسمية القيم الثابتة. ومن خلال استقراء بروب للوظائف وجد أن شخصيات الخرافة على اختلافها. جنساً وعمراً وشكلاً ومهنة، تنجز في الغالب نفس الأفعال (8)، أي أن الخرافة تسند أفعالاً متشابهة لشخصيات متباينة.‏

وقد لوحظ هذا التشابه في الأفعال وتكرارها من مؤرخي الأديان في الأساطير والمعتقدات، لكنه لوحظ متأخراً من قبل مؤرخي الخرافة. فيلاحظ أن الشخصيات كثيرة والوظائف قليلة. وهذا يفسر الخاصية المزدوجة للخرافة وتنوعها المدهش، واطرادها ورتابتها من جهة أخرى (9) ولعل سمة التكرار والاطراد واردة في منجزات الأمم التراثية في أساطيرها وملامحها وتوزيع الأدوار على الآلهة كما في التراث البابلي العراقي القديم (10) والتراث اليوناني واللاتيني القديم (11).‏

وبسبب من توفر هذا الإرث على هذه السمات المتشابهة، برز الاهتمام واضحاً (بالحدث) وليس الشخصيات ولا سيما عند (أرسطو) في تناوله التراجيديا فيقسمها إلى ستة أجزاء هي: القصة، الأخلاق، العبارة، الفكر، المنظر، والغناء (12)، ويقول بعدها أن الشخصية ليست بذات ثقل في العمل الفني إن لم يكن هامشياً (إن التراجيديا ليست محاكاة للأشخاص بل للأعمال والحياة)(13).‏

فتساوقت الرؤيا الناقدة (طرح أرسطو) مع الرؤيا الإبداعية (المنجز الأدبي آنذاك)، فحين يطرح الأدب في مرحلة ما بنية خاصة به، يشخصها النقد المتزامن معه أو التالي له، ولا يعني هذا أن هذا التشخيص صحيح أو عام، بدليل أن المدارس الكلاسيكية في عصر النهضة وما بعدها، سارت في رؤيتها النقدية على الضد من الرؤيا القديمة (الأرسطية) حتى صار عمل الروائي الحقيقي هو خلق الشخصيات (14) ومدى قدرة الكاتب الروائي على خلق شخصية تتوازن فيها الأفعال –على تضاربها –فتصح عن بنية تركيبية مهمة وحقيقية.‏

4-تقويم عام لمنهج بروب‏

من خلال الصفحات الماضية عرض البحث لمنهج بروب فكرة الوظائف، هذا الاستعراض لم تخل بعض فقراته من أحكام وتصورات تقويمية عن سلامة هذا المنهج وعلميته أو المآخذ التي سجلت عليه، وفي هذا الموضع نود صياغة هذه الإيجابيات والمآخذ في تصورات محددة في الإضاءات الآتية:‏

-إضاءة (1): صدر إنجاز بروب المنهجي من حيث الأهمية، من أنه طور منهج ليفي شتراوس في تحليله للأسطورة، وكذلك في بلورته مفهومي البنية والتحولات قبل زمن طويل من استخدام تشوفسكي لمفهوم التحويل: ( Trans formation) وساعد كذلك على إدراك التمايز بين بنية الحكاية وبنية القصيدة في جانب عمق الدلالة وهو ترتيب الوظائف في كل منهما، وعلاقة هذا الترتيب بالرؤية العميقة التي تجسدها القصيدة أو الحكاية (15).‏

-إضاءة (2): مثل بحث رؤية البنيويين (لفكرة النص) على أنه هيكل منسجم العناصر والأجزاء. التي تعد من أهم المسلمات النظرية عند الشكلانيين الذين نشدوا تجنب القراءات الذاتية التذوقية والرؤى المسبقة التي تعد النص انعكاساً مباشراً أو بسيطاً لواقع مكاني وزماني فقام بروب بربط الظاهر الوظائفي بالخطاب القصصي، وعدّه البنية الضمنية لكل الحكايات الشعبية في العالم، والذي يدل على صحة هذه النظرة هو التشابه بين الوظائف (16).‏

-إضاءة (3): اقتصار منهجية بروب على صنف قصصي معين جعل عمله هذا يتحدد بحدود نتائج ذلك الصنف، فالنموذج الذي اختاره بروب وظائفه منظمة مقولبة لها مسار محدد ذو طبيعة غائية واضحة تبدأ بـ (حدوث إساءة) وتنتهي بـ (إصلاح الضرر الحاصل)، وقد قام (كلود بريمون) في كتابه (منطق الحكاية) Logique durecit بنقد مثال بروب ورأى أن تركيب القصة يكمن أن يتفرع ويتوزع في اتجاهات متعددة متشعبة. فضلاً عن إلغاء النظرية الشكلانية أو القراءة الشكلانية للبعد الذاتي للأثر القصصي (17).‏

على أساس ذلك ما علاقة الوظائف في القصة بمرجعيات القصة والمؤلف وسياقها التاريخي والفكري والأدبي على صعيد (التناص) مع نصوص أدبية متزامنة معها؟؟ هذه الأسئلة هي محور الإضاءة الأخيرة.‏

-إضاءة (4): أثار (ليفي شتراوس) في نقده (لمورفولوجيا الخرافة) قضية الفرق بين (البنيوية) و(الشكلانية) وعلى حسب فهمه لهذا الفرق بين الاثنين، يرى أن الشكل يتعرف بمقابلته لمحتوى خارج عنه، أما البنية فلا محتوى لها إذ هي المحتوى ذاته وقد أدرج في تنظيم منطقي باعتباره خاصية من خصائص الواقع (18).‏

ويعتقد أن الشكلانيين يحاولون الفصل بين مهمة إنتاج التركيب عن مهمة إنتاج المعنى؛ فبروب يهتم بتركيب الخرافة وهيكلة وظائفها ويدع المعنى جانباً(19).‏

وإذا ما رمنا المفاضلة بين النظريتين، يلحظ أن المسألة اصطلاحية أكثر منها مفهومية. وذلك يعنى بنظرهم وحسب تصريح تود ورف، الشكل هو كل ملامح الأثر الأدبي وكل أجزائه يتواكب معها، ولا يوجد إلا كعلاقة بين العناصر بعضها ببعض. وعلى الرغم من نجاح تودورف في الدفاع إلا أن القضية التي عمل عليها بروب هو التركيز على وظائف الشخصيات، ولا يعني ذلك أنه طبق المنهج البنيوي كله عليها، فهو لم يفرز المستوى النوعي لتلك الوظائف فلقد اكتفى بالتصنيف ولم يتعرض للغرض thema الأساس الذي يستشف ويستنتج من مجمل تطورات الأثر. وكانت منهجية بروب مقاربة سياقية لم تأخذ بعين الاعتبار أن الدلالة لا توجد في نهاية السرد فقط بل على امتداده، فالذي مارسه (بروب) هو قراءة أفقية سياقية، إنما المطلوب قراءة عمودية جدولية تهدف إلى جمع المتشابهات بين العناصر الحكائية استنتاج معنى يمكن تأويله من مجمل العناصر النصية في الحكاية.‏

بعد هذا كله، هل يصلح منهج بروب طريقاً لتحليل القصة؟‏

يعد منهج (بروب) إنجازاً نقدياً مهماً عل صعيد تحليل القصص، هذه الأهمية لا تعني كما لـه، بدليل أن اكتشاف آليات تشكل البنية في القصص لا يتوصل إليها إلا من خلال تفكيك وحداتها، ومن ثم كشف العلاقات الرابطة بينها وبين وظائفها التي تؤديها في نظام الحكي.‏

فإن يتم اكتشاف ذلك الخيط المشترك الذي يضم عناصر متشابهة في قصص متعددة، لا يعني تقديم تصور متكامل عن بنية العمل القصصي، هذا البتر والاكتفاء بالتشخيص دون المعالجة جعل الجهد المركزي الذي نهض به بروب في مجال البحث الأدبي يتمحور حول (اكتشافه نموذجاً عاماً لتفسير القصص) (20) وما يمكن أن يفتحه من آفاق تعتمد على الوحدات الصغرى (الوظائف). فضلاً عن، أي منهج (بروب) قام على قاعدة نصية يجسدها شكل حكائي بدائي ذو طبيعة (مشاعية)؛ لا يعرف مؤلف مخصوص لهذه القصص فلقد اصطنعتها الذاكرة الجمعية لآجال متعاقبة عبرت بها عن همها الاجتماعي والنفسي والجمالي والفلسفي أيضاً.‏

إذن، فإلى أي مدى يمكن تطبيق المنهج على قصص وروايات عالمية تنتمي لقوميات ووضعيات متباينة اجتماعية متباينة؟ يظهر أن مجال التطبيق سيكون محدداً في أنماط معينة من القصص تحمل نسقاً موضوعياً معيناً كأن تكون روايات الحرب، أو الروايات الاجتماعية أو القصص العاطفية، التي يتسنى فيها تحديد وحداتها الوظائفية الصغرى على وفق ما انبثقت منه من بنية موضوعية متجانسة ويظل العمل النقدي قاصراً عن تقديم رؤية متكاملة عن مجمل مفاصل العمل الأدبي بدءاً من محدداته المعنوية والرمزية.‏

5-صلاحية منهج بروب لتحليل القصة الصوفية:‏

لنصل الآن إلى السؤال الأكثر أهمية:‏

وهو مدى صلاحية منهجية بروب لدراسة القصة (العربية) (الإسلامية) (الصوفية)؟‏

إن هذه المحددات المهمة، القومية والعقيدية والمذهبية (عربية، إسلامية، صوفية)، تحمل في تضاعيفها خصوصية في الماهية والتصورات والآفاق المحتملة لكونها أساس تمايز الشعوب، وتكوينها الحضاري والأخلاقي والقيمي. على أساس ذلك، هل يجوز تطبيق قالب موحد على مواد متباينة تتشيأ كل بحسب معطيات وجودها وتكوينها الحضاري المخصوص..؟‏

للإجابة عن ذلك، ينبغي التنبيه على مسألة مهمة هي أن ظاهرة التثاقف، وتلاقح الحضارات الإنسانية، تعد من الفكر الإنساني على وجه الأرض، ينهض بهذا الجانب (الدرس المقارن) في مجالات المعرفة المتعددة، ومنها الأدب المقارن في بحث عناصر التأثر والتأثير في انتقال لون أدبي معين وتشخيص السبق الزمني والريادي لإنتاج ذلك اللون الأدبي كما حدث مع (ألف ليلة وليلة) أو (رسالة الغفران) للمعري.. وغيرها، هذا أمر والأمر الآخر، يندرج ضمن منظور إنساني عام، لا يتحدد بمقوم المعطي والآخذ، ولا النظر في تأثير ثقافة على أخرى، وأسباب هجرة هذه الثقافة.. إنما يتصور هذا المنظور في حقيقة كون العمل الإنساني يمتلك بنية وعي وإدراك كلية، تظهر في أنماط أدبية معبرة عن هم إنساني ضمن بنيته الجزئية أو الخاصة. على الرغم من تباين الأزمنة والأمكنة والأعراق، تجد ثمة تشابهاً في الهم الذي يطرح أسئلة الإنسان الوجودية أمام عالمه الذي يحكم وعي الإنسان في مشاعر متضاربة بين الحب والكراهية، الحياة والموت، الصدق والكذب، الرغبة والرهبة، الطمع والإيثار، العاطفة والمادة... الخ. لذا تجد أن الشعور الإنساني واحد في الطرح الحكائي لدى عجائز جنوب العراق مثلاً، والخرافات الروسية في بناء الثيمة الأساس للقصة على مبادئ أخلاقية ينتصر في نهايتها العنصر الخير، ثم احتوائها على بنية عددية معينة ككثرة استخدام العدد (ثلاثة) أو (سبعة) أو (عشرة) أو (أربعين) أو (سبعين)، كعناصر تشويقية وتهويلية أيضاً.‏

فتشابه الطرح –على اختلاف مصادره –دليل على وجود نظام عام يحكم التفكير الإنساني إزاء أسئلة الوجود الإنساني في علاقة الإنسان والطبيعة والإنسان والله، الإنسان والمادة، الإنسان والإنسان.‏

لأجل ذلك أمكن تطبيق منهج الوظائف السردية على الشعر ومنه دراسة كمال أبي ديب (21) في تحليل الشعر الجاهلي بعد أن تحصل ذلك الشبه بين بنية القصيدة وبنية الحكاية، فإذا ما أمكن تطبيق منهج (بروب) على الشعر، فإن تطبيقه على متون حكائية عربية هو ادعى لدرء الاعتراض وأجلى فائدة.‏

تبقى ثمة قضية (حرفية) المنهج، والمدى الانتقائي الذي بإمكان الباحث في القصة العربية الصوفية، أن يتوفر على (حرية) في توظيف مقولات المنهج إلى المدى الذي تخدم فيه (خصوصية) الأثر الأدبي بهويته العربية الإسلامية، وهذا ما أدعيه في هذا البحث، وهو انتصاري لخصوصية الأسلوب والفكر العربي الإسلامي في القصة الصوفية التي انبثقت أساساً، وتشكلت على وفق أهداف تعليمية تربوية أي أن الموضوعية الأخلاقية المذهبية كانت الغاية من القول. والحقيقة أن (بروب) صرح بهذه المرجعية التي تشكل بواعث قول الحكايات فالحياة والأفكار تذهبان وتبقى مضامينهما في الحكايات فتحمل آثارها النفسية والاجتماعية والحضارية، حتى أن كل واحد من هذه الآثار في حاجة إلى كتاب متخصص يكفي لفهمه فهماً عميقاً (22) ولهذا يستنتج بروب أن عناصر القصة تكشف كماً هائلاً من الترسبات الثقافية والدينية واليومية، مما يصلح لدراسة مقارنة تدخل ضمن البحث التكويني (23). تساءل بروب عن الأسباب التي جعلت الحكايات الخرافية تخضع لسلسلة وظيفية واحدة في تركيبها؟ فرأى أن من الأسباب ما ينبغي تلمسها في الواقع الثقافي الذي نشأت فيه وخاصة في المعتقدات الدينية. هذا يعني أن النقد الشكلاني لا يكفي وحده لقيام نقد حقيقي للأعمال القصصية.‏

والذي أصل إليه، من خلال ما سبق، إن عمل بروب الوظائفي إنما يقدم مادة خاماً ذات رؤية منهجية مرتبة تصلح أن تكون مادة بحث تأويلي وسيميائي بالغ الأهمية، من خلال قراءة الواقع الذي أنتج ذلك الهيكل البنائي الوظائفي.‏

ثمة إشكال آخر، قبل البدء بمزاولة التصنيف الوظائفي للقصة الصوفية، يتمثل في ما يصفه بروب لـ إمكانية الوصول إلى تعميمات في دراسة الحكاية رافضاً رأي (سبرنسكي) في استحالة حصول هذه التعميمات (24).‏

على اعتبار أن بروب يؤكد في صنيعه هذا، إن ثمة أشكالاً نمطية يمكن فرزها مورفولوجياً وتصنيفها، من هذه النقطة، يتضح إشكالٌ مهم يتعلق بطبيعة القصص الصوفي من ناحية فرادة التجربة، إذ تقوم الفكرة الصوفية على أساس التفرد والخصوصية والمنزلات والمراتب، فما قد يصل إليه التلميذ المريد، يعجز عنه الشيخ صاحب المنزلة والقطب المتبوع، وفي ضوء هذا التنوع جرى تصنيف الحكايات الصوفية على ثلاثة أصناف؛ ذاتي وموضوعي واسترجاعي، وسيكون اعتمادنا في هذا الفصل على هذه الأنماط اعترافاً منا بخصوصية التجربة الصوفية إذا ما شاء الباحث تقديم صورة واضحة عنها ولائقة بمرتبتها فيجب أن يكون النموذج الحكائي فوق القالب وليس العكس، فعدم مطابقة النموذج للقالب دليل على بنية تشكيل الرؤية والتفكير والمكونات مختلفة في إنتاج الحكاية وتحمل بذور تطور في البناء يجب مراعاة خصوصيته وليس لَيْ عنقه ليتسق مع المنهج الجاهز. استكمالاً للفائدة ولسعة الرؤية المنهجية، يفيد البحث من منهج آخر في دراسة الوظائف السردية هو منهج (رولان بارت) في الوحدات الوظائفية إذ قدم مشروعاً ذا رؤية تجميعية صنفت الوظائف إلى ضربين: أساسية وثانوية؛ فالأساسية تمثل الخط الأفقي عند (بروب) وهي الأعمال والثانوية هي الخط الشاقولي عند (بروب) وهي الأوصاف.‏

ويتيح منهج (بارت) للتحليل عدة مزايا، منها:‏

1-هذا التميز بين نوعين من الوظائف يتيح بعض المرونة لعملية قراءة النص بين عناصره الثابتة والمتغيرة.‏

2-اتكاءه على أساس ألسني يجعله طيعاً للتطبيق (25).‏

من هنا يمكن القول بضرورة الاستضاءة بأكثر من منهج مادامت توفر رؤية أوضح لمميزات النص وأهدافه. من دون إرباك في الرؤية المنهجية الأساس للبحث، إنما استكمالاً وتأصيلاً لجوانب نصية سكت عنها المنهج الأصل.‏

(1)-ينظر: مورفولوجيا الخرافة: تر: إبراهيم الخطيب، وأثر اللسانيات في النقد الحديث: توفيق الزيدي، مدخل إلى نظرية القصة م19 –20 وتقنيات السرد الروائي /54، موروفولوجيا الخرافة /17.‏

(2)-ينظر: مدخل إلى نظرية القصة /20، والنص الروائي /83.‏

(3)-ينظر: موروفولوجيا الخرافة /8 –9.‏

(4)-ينظر: نفسه /68.‏

(5)-فكرة طريفة استنبطها طراد الكبيسي بعد تقصي هذه الظاهرة الإنسانية عند شعوب العالم، ينظر: كتاب المنزلات، 2 /137، في الشفاهي والشفاهية، 3 /41، سيموطيقيا الشكل والدلالة.‏

(6) -مورفولوجيا الخرافة /35 –36.‏

(7) -نفسه /36.‏

(8)-مورفولوجيا الخرافة /34.‏

(9)-نفسه /34.‏

(10)-ينظر: مقدمة في أدب العراق القديم: طه باقر، الفصل الأول الخصائص الفنية لأدب وادي الرافدين.‏

(11)-ينظر دراسات في تاريخ الفلسفة: عبدة الشمالي، 35.‏

(12)-ينظر: فن الشعر /50‏

(13)-نفسه /52.‏

(14)-نحو رواية جديدة /34، نظرية الدراما من أرسطو إلى الآن /72 وقال الراوي، الفصل الثاني، وفي نظرية الرواية /83.‏

(15) -ينظر: الرؤى المقنعة: كمال أبو ديب /7.‏

(16) -ينظر: مدخل إلى نظرية القصة /61 –62.‏

(17) -ينظر: مورفولوجيا الخرافة، المقدمة /9.‏

(18) -ينظر: مورفولوجيا، المقدمة /9.‏

(19) -نفسه /9.‏

(20) -ينظر مقدمة المترجم، موروفولوجيا الخرافة /11.‏

(21)-الرؤى المقنعة، نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر الجاهلي /طبع عام 1986.‏

(22) -ينظر: الرؤى المقنعة /31.‏

(23) -ينظر: الرؤى المقنعة /30.‏

(24) -نفسه /30 –31.‏

(25) -ينظر الألسنية والنقد الأدبي: موريس أبو ناضر /24، ونظرية البنائية /409 –410.

الخميس، 15 ديسمبر 2011

بين الأسلوبية والبنيوية


الأسلوبية والبنيوية 

للكاتب الأنجليزي
 هنري جيفورد   ترجمة  موسى عاصي 


اقترن عنوان النقد الحديث بسوء الطالع دائمًا، شأنه شأن الحداثة التي انبثق منها في بعض وجوهه، لأ  ن زمنًا سيحلّ قريبًا لن يبقى فيه جديد أو حديث.وفي خض م السنوات الثلاثين الماضية انطلقت محاولات عديدة مندفعة من ج  راءالمأزق الواضح المتعّلق بثبات الن  ص الأدبي والنقد الحديث. إ  ن أحد الأمثلة التي لا تحمل عنوانًا عامًا، لكّنه قابل للتطابق بيسر مع تط  ور كليات الجامعات الخاصة بالفنون المسرحية ودراسات المسرح، هو الإصرار بأ  ن المسرحيات ليست قصائد مأساوية، بل هي قابلة للفهم بصورة أفضل "وقد يستسيغ البعض القول إّنها قابلة للفهم، بوصفها نصوصًا مخ  صصة للتجسيد على الخشبة  في سياق تاريخ المسرح ونظريته. لم يثر هذا فهمنا لقانون المسرح التقليدي وحسب، بل و  سع مداركنا كثيرًا للأركان التي تشكِّل الدراما الموثوقة  على سبيل المثال، وجد قيمة في مسرح الشارع وفي مسرح الحواشي وفي مسرح العلاقات القبلية كما في مسرح الجماهير وكذلك في المسرح الإيمائي والمسرح الموسيقي، وهذه المسارح كّلها تتبدى جلية في خصوصيتها، لكّنها ُتسهم أيضًا في توضيح التقاليد المسرحية العظيمة. لك  ن المسألة التي لم تحظ بحلٍّ هي إذا كانت تط  ورات دراسات المسرح قادرة على انتزاع دراسة الدراما من النقد الأدبي، أو من حيث استق  رت منذ زمن أرسطو، لتشّ كل فرعًا مستق ً لا أو نوعًا من الطرائق النقدية أو  النقد الأحدث من الحديث 
تأكيد طرائق نقدية مشروعة خاصة بها.
إ  ن التط  ورات المتعّلقة بالدراما ليست سوى أعراض لتط  ورات أخرى في النظرية النقدية التي يقترن الكثير منها مع ما يطلق عليه على نطاق واسع: نظرية التواصل، والتي هي بدورها مزيج من الرؤى المستمدة من علم اللسانيات وعلم الاجتماع وعلم النفس. ونستطيع أن نعتبر "الأسلوبية والبنيوية" طريقتين نقديتين برهنتا على أّنهما مثمرتان، رغم أّنه ليس يسيرًا أن نحدد دائمًا موقع نهاية إحداهما وبداية الأخرى. تم استخدام "الأسلوب" مصطلحًا نقديًا على نطاق واسع طيلة قرون، وغالبًا ما اقتصر ذلك على طريقة انطباعية نسبيًا، في محاولة لجذب الاهتمام ناحية ميزات الاستخدام اللغوي أو غرابته في ن  ص أدبي محدد، أو لدى مؤّلف معين، أو في مرحلة محددة. بيد أ  ن الأسلوبية الحديثة محاولة لمقاربة قضية الأسلوب نقديًا في سطور أكثر دقة وأكثر منهجية، وليست فرعًا من فروع المعرفة بذاتها، بل هي أشبه بمعبر يوصل بين علم اللسانيات، الذي يعتبر النصوص الأدبية مج  رد مادة
مستقّلة ُتثير الاهتمام في الدراسة المتع  مقة للغة وبين النقد الأدبي. وينطلق ذلك من الافتراض بأ  ن أي فكرة أو مفهوم يمكن توضيحها/ توضيحه في واحدة من عدة طرق متباينة، وأ  ن المؤلف يمارس خيارًا "عن وعي أو دون وعي، ويمليه عليه ذوقه الشخصي، أو متطلبات القارئ، أو الجنس الأدبي أو أي شيء آخر" في تقرير شكل الكلمات الدقيق التي يتو  جب استخدامها. إ  ن هذا الافتراض اتفاقي، وقد ح  رمه النقد الحديث الذي يرفض التفريق بين شكل الأدب ومضمونه: ما ُ كتب قد ُ كتب.
تفرض "الأسلوبية" لنفسها مه  مة إخضاع مدى الخيار اللغوي ال  متاح للمؤلفين وتصنيفه، وتحدد الطرائق التي تتبدى فيها معالم الشكل اللغوي لن  ص مثيرة للاهتمام في أسلوبها التعبيري، أو في طرائق أخرى يمكن أن تكون "طليعية"...ومصطلح "طليعية" مصطلح مفتاحي في الأسلوبية الأدبية. بعدئذ يمكن تطبيق التصنيفات على ن  ص محدد، أو على عدد من النصوص، بصورة ما ُتم ّ كن من إنارة ميزاتها اللفظية الغريبة. ويمكن تطبيق الإجراء السابق على عدد من الاستخدامات: على سبيل المثال، إقامة الدليل للتأكيد أو للنفي بأ  ن أحاسيسنا الانطباعية تش ّ كلت من ج  راء معالم محددة من معالم الأسلوب التي هي ميزات لأشكال محددة في الأدب أو لمراحل معينة منه. لك  ن المسألة الأكثر خلافية هي أ  ن بالإمكان استخدامها حتَّى في محاولة لعزل البصمات الأدبية لمؤلف بالذات، وربما لتحديد المؤّلف الحقيقي، من خلال مشهد، لنصوص أدبية مجهولة المؤّلف، أو مختلف عليها. لك  ن هذا الإجراء مفيد للغاية للنقد الأدبي في حال تطبيقه على نصوص بطريقة تشير إلى أ  ن النصوص ليست مج  رد بنى لفظية، وكما يطبق النقد الحديث في الغالب الأعم، وليست مج  رد مجموعات صرفة من الرسائل، بمعنى أنها معلومات فنية عن الأفكار، بل هي شيء متف  رد بذاتها، وهذه أمثلة ُتطلق الأسلوبية عليها لقب "الحديث أو المحادثة". ولعلّ حالة "المحادثة" هذه، والتي يعتمدها مؤّلف في ن  صه، هي التي تحدد الطريقة التي يعيها القارئ بوساطتها، ولذلك، فالتناسب طردي بين تعليل تلك الحالة وتحديدها وبين التفسير، أو التعبير عن كيفية أداء النص الأدبي لدوره.
لا تطرح الأسلوبية نفسها بدي ً لا عن النقد الأدبي كما كان معروفًا في الماضي، بل تطرح بعض التشذيب عليه. وإ  ن غالبية مؤيدي "الأسلوبية" الأدبية مستعدون للاعتراف بأ  ن النصوص الأدبية التي يختارونها ويخضعونها لطرائق تحليلهم الخاصة هي نصوص شائقة أو قيمة في المقام الأول لعدد من التعليلات التي يمكن ملامستها مستقلة بذاك التحليل، فالأسلوبية ُتسهم في وصف الأبعاد اللغوية بصورة مميزة لإبراز التشويق أو القيمة. أ  ما بالنسبة للناقد الحديث الذي يقدم قراءة مقنعة لقصيدة مهجورة منذ زمن بعيد فيمكن أن يأمل من خلال ذلك أن يجعل ق  راء نقده يعيدون النظر في تقييمها، والناقد الذي يطبق منهجًا أسلوبيًا يستطيع حقًا أن يأمل في أن يجعل ق  راء نقده يرونها رؤية جديدة من خلال جعلهم ينعمون النظر في المعالم اللغوية التي ُتش ّ كلها. ويبقى العمل الأخير" تقييم الأدب" بعد أن تقول الأسلوبية كلمتها.
يعتبر استخدام الأسلوبية الاستخدام الأمثل للناقد، لأ  ن الأسلوبية تقدم له المفردات لوصف التفاصيل الخاصة بالظلال اللفظية الدقيقة، دون الخضوع إلى الكوابح الفنية الخاصة بالنقد الحديث "بمنأى عن وضع النص الأدبي في حلقة مفرغة، تعمد الأسلوبية إلى مقارنته مع عدد كبير من الاستعمالات اللغوية المتعددة قدر المستطاع" ودون تفضيل أنواع معينة من الثروات اللفظية  مثل الغموض
والسخرية والعبارات المثيرة للجدل وغيرها. على أي حال، تتمّتع الأسلوبية الأدبية بسمة الارتداد المشتركة مع النقد الحديث: تقنيات علم اللسانيات أكثر استعدادًا لتبّني منمنمات قصيدة غنائية وتأويلها، من دراسة رواية طويلة. إ  ن المشكلة في النشر هي كيفية انتقاء قطعة أدبية نموذجية، وتحديد المعالم لدراستها، ومشكلة الانتقاء لابد أن تكون غاية في الدقة، وقد لا يكتمل التحليل الأوسع تفصي ً لا والأكثر جلاء, ويأسف نّقاد تقليديون ُ كثر لمعلم الأسلوبية الأدبية الذي يتمّثل في لجوء الأسلوبية إلى اعتماد مفردات خاصة، تم استيراد غالبيتها من علم اللسانيات، وتتشابه كثيرًا مع مفردات علم البيان التقليدي القديم، العلم الذي تشترك الأسلوبية الأدبية في الكثير معه. وأ  ن من المؤسف حقًا نزوع الأسلوبية إلى وضع عائق بين النّقاد الذين يختارون استخدام علم المصطلحات الفنية الخاصة وبين أولئك الذين لا يختارونه، أو في سياق أعم: تخلق عائقًا جليًا بين النقد وجمهور القراءة العام.
إ  ن الخصوصية اللغوية التي تنفرد بها الأسلوبية تجعلها أشبه بالعلم، أوبصورة أوضح مساقًا جامعيًا، وقّلما تحوذ على اهتمام القارئ العام أو اهتمام الكاتب العادي، ويرى الكثيرون أ  ن هذا هو الثمن الباهظ الذي يدفع عادة لقاء الفوائد الحقيقية التي تقدمها الأسلوبية للنقد الأدبي. وإذا كانت الأسلوبية قد حظيت باهتمام مشوب بالحذر لهذه الأسباب، خاصة في إنكلترا،، فإلى أي مدى ينطبق ذلك على البنيوية. إ  ن البنيوية ظاهرة يصعب أو علم Simetics التفريق بين تطبيقها على النقد الأدبي وبين علم الدلالات يف  ضل المصطلح الأول على نطاق واسع في الولايات  .Semiology الإشارات المتحدة الأمريكية تقديرًا لمبتكره عالم الفيزياء وعالم المنطق الأمريكي سي. إس. بيرس " ١٨٣٩  ١٩٤١ "، ويف  ضل الأوروبيون المصطلح الثاني تي  منًا بمبتكره عالم اللسانيات فردناد ساوسر " ١٨٥٧  ١٩١٣ ". أ  ما البنيوية فهي اللقب الذي أُطلق على جملة من الأفكار التي تحدت بصورة رئيسة المفاهيم الأوروبية الغربية عن الواقعية، إذ تبدأ من الفرضية "التي غدت بوساطتها مفهومة جدًا عقب الهجوم الرئيس على فهمنا لكلّ من الإنسان والمجتمع والكون من قبل دارون وماركس وفرويد وأنشتاين"، بأ  ن العالم لم يتك  ون من أشياء مستقّلة يمكن معرفتها وتصنيفها في مصطلحات مطلقة. فالأشياء موجودة فع ً لا بقدر إدراكنا لها، وهذا الإدراك محكوم بعوامل لا ُتحصى، وهي التي تجعل الموضوعية أمرًا مستحي ً لا، لذلك فإننا نخلق لحد ما، ما ُندركه. ويلي ذلك أ  ن كل ما نستطيع معرفته حقًا هو العلاقة بين المراقب والشيء الذي يراقبه. وهذا هو قوام الواقع من حيث الجوهر. ويعقب ذلك أ  ن لا شيء أو لا تجربة متأ  صلة بصورة بارزة تكتسب أهميتها فقط عند فهمنا لها في إطار العلاقات والبنى التي تش ّ كل جزءًا منها.
على ضوء هذه النظرة للأشياء، إ  ن عملية التعبير بالإشارات الموحية بالمضامين، والواسعة الانتشار بصورة تفوق التوّقع عامة، فسلوك البشر الاجتماعي كّلهم  تناول الطعام أو ممارسة الرياضة أو ارتداء الثياب أو التطيب أو العمل في الحقل السياسي، أو سرد الحكايات... أو مهما يكن  ما هو إلاعملية أداء إشارات حول علاقاتنا بالعالم المحيط بنا. إ  ن جانبًا كبيرًا من التفكير البنيوي، مثل ذاك الذي سعى إليه عالم الإنسان ليفي شتراوس، مخصص للكشف عن القواعد الخفية التي تتم ّ كن عملية أداء الإشارات هذه من العمل بوساطتها في المجتمع. واللغات المحكية واللغات المكتوبة هي م  جرد طرائق خاصة تتم من خلالها عملية أداء هذه الإشارات: الأدب مج  رد طريقة واحدة من طرائق استخدام اللغات.
إ  ن الإشارات التي نؤديها، بما فيها الأدب، ليست مبهمة لأنها ُتشير إلى واقع موضوعي ما غير قائم، أو على الأقل غير  مدرك، بل لأّنها تنسجم وتتواءم مع عملية إدراك العلاقات "البنى" التي من خلالها نعمل على خلق الواقع الذي نعيشه.وإ  ن هذه العملية تنشأ افتراضًا من عمل الدماغ ذاته، الدماغ الذي لا نعرف عنه إلا القليل بالتأكيد. إ  ن الافتراض المفتاحي هو أننا نشيد إحساسنا بالبنى من خلال الملاحظة عبر المتناقضات، أو العلاقات المتناقضة بين الأشياء  الأحمروالأخضر على سبيل المثال، أو الدوائر والمربعات، لا تعني شيئًا بذاتها، إلا أنها تكتسب أهمية أو معنى من خلال بنية شمولية "على سبيل المثال، الأحمر يعني التوقف والأخضر يعني السير". إ  ن هذا المعنى يعني الفهم طبقًا لثقافة أو مجتمع اعتمد تلك البنية الخاصة. وبالإمكان ملاحظة الأمر ذاته في العملية اللغوية نفسها،فالكلمات، على الأقل في لغات أوروبا الغربية، لا ُتمثل عادة الظواهر التي بيت" في اللغة " House تفس  رها. فلا يوجد شيء في الأصوات أو في شكل الكلمة في اللغة اللاتينية" يشير Clomus في اللغة الفرنسية، أو Maison الإنكليزية "أوإلى بناء من الآجر أو الحجارة أو الخشب للعيش فيه، فالكلمات اكتسبت معانيها من الاستخدام في إطار البنى المفهومة التي ُتشكل اللغات جزءًا منها.
حاول ساوسر أ  ن يف  سر كيفية حدوث هذه العملية في الممارسة التطبيقية في اللغة Langue تعني الكلمة .Parole و Langue بالتفريق بين كلمتي الإنكليزية "اللغة" وطبقًا لاستخدامها في تعابير الإنكليزية، فهي مجموعة مج  ردة من الحديث"، " Parole القواعد، أو ميثاق خاص بالتواصل في مجتمعنا. أ  ما الكلمة Parole فهي الأمثلة اليومية الخاصة باستعمال الكلمات. ولو نظرنا إلى الكلمة "الحديث". بصورة مستقّلة من الحوار، فتبدو مش  وشة أو من غير شكل، ويغدو لها معنى تواصلي فقط عند الالتزام بالقواعد اللغوية في إطار المجتمع. أورد ساوسر مثا ً لا "لعبة الشطرنج"، أو أي لعبة محددة، حيث يصبح لها معنى عندما يتم القبول
المتبادل للقواعد المقبولة والأعراف الخاصة بها، وواقع الحال هو أ  ن "البنية" هي علم الألعاب المماثلة كّلها، وينطبق هذا المعيار على أي لعبة رياضية معروفة.
وقد كان الشاغل الأكبر لعلماء اللسانيات خلال القرن الماضي محاولة الشغل عبربهدف التو  صل إلى تعريف المصطلحات الكونية للغة. Parole الحديث فيما يتعّلق بالأدب بالإمكان القول إ  ن الفعالية المركزية للنّقاد البنيويين هي فهم لغة الأدب على اعتبار أ  ن النصوص الأدبية المنفردة تش ّ كل أمثلة للحديث.ويوصف ذلك عادة بأّنه بحث عن "الشاعرية" في الأدب. يرجع ذلك إلى المصطلح
الذي أرساه أرسطو، والذي لا يقتصر تطبيقه على الشعر حصرًا. ومن هذا المنظور يمكن النظر إلى النقد البنيوي على أّنه امتداد لدراسة الأدب عن طريق دراسة الجنس الأدبي، في سبيل التو  صل إلى معرفة المصطلحات والطريقة التي تتواصل فيها عبر أدبيته الصرفة. يعتبر كتاب "تحليل النقد" لمؤّلفه نورثروب فراي، والصادر سنة ١٩٥٧ ، عم ً لا مفتاحيًا للكثيرين في هذا السياق. بيد أ  ن السمة
الغالبة لدى العديد من الباحثين عن "الشاعرية" في الأدب، خاصة أولئك الذين يكتبون في اللغة الفرنسية هي أ  ن الن  ص الأدبي، وليس أي مثال من الحديث الأدبي، يمكن أ  ن يكون نقيًا أو بريئًا في علاقته مع الشاعرية، أو مع اللغة الأدبية 􀂃 هنري جيفورد 􀂃
التي تكتسب معناها من خلالها. إ  ن الأدب، شأنه شأن أي نظام إشارات، هو طريقة لتسجيل العلاقات الإدراكية "وليس في الإحساس الأبسط للواقع"، بل طريقة تهدف إلى فهم الصورة الحقيقية التي تتك ّ شف في عملية التسجيل وضبطها. وبهذا يميط الأدب اللثام عن مقدرته الخاصة على تغيير الحقيقة أو الواقع الذي يسجله. يعد هذا بالنسبة لغالبية البنيويين من أبرز ملامح الفن ومعالمه، والأدب على وجه الخصوص، فكلّ خيار للكلمات، وكلّ خيار للأشكال يمّثل إمكانات إجراء خيارات بديلة للكلمات والأشكال التي تخلق وقائع جديدة وبديلة. "يجب أن يكون واضحًا أ  ن خاصية التحليل البنيوي المتميزة للنص الأدبي قادرة أن تماثل الخاصية المطبقة في الأسلوبية  والمتمّثلة في شرح مسهب ومف  صل للمعالم اللغوية في النص في علاقتها بصيغ أخرى محتملة، لكن المنطق الكامن خلفها يختلف كثيرًا". ونظرًا لقدرة الأدب على تضمين الوقائع البديلة، فإن الأدب كّله يمكن وصفه بأّنه ثوري في تأثيره، رغم أّنه محافظ في مضمونه طبقًا لما يبدو عليه، في عملية فهم إشاراته، بحيث يغدو القارئ أكثر معرفة للطريقة القسرية التي يتعامل بها، ويعي الحقيقة بأّنها لا تتمّتع بدلالات ثابتة وإنما دلالات ومعان متعاقبة نظريًا، معان لا محدودة، وذلك اعتمادًا على فهمنا للبنية الكلية. ولذلك، فهي تتحدانا لكي نبني واقعنا الخاص الجديد، وهذا ما يساعد في تفسير محاباة عامة واضحة في الكثير من النقد البنيوي لنوع الكتابة  انظر كتاب "تريسترام شاندي" وأعمال المؤلفين الأيرلنديين جيمس جويس " ١٨٨٢  ١٩٤١ " وصموئيل بيكيت ولد سنة ١٩٠٦ 
الأعمال التي تشد الانتباه إلى قسريتها لما تّتسم به من نظام إشارات خاص، إ  ن هذه الكتابة ُتعتبر ضمنيًا أكثر نزاهة من الأدب شبه الواقعي، وُتف  سر لنا كيف أ  ن للناقد الفرنسي رولاند بارتس، ،Z/S الأعمال الرئيسة للنقد البنيوي حتَّى الآن الصادر في باريس سنة ١٩٧٠ ، والمترجم إلى الإنكليزية سنة ١٩٧٤ ... وهومك  رس خصوصًا لغرض ما يراه من زيف الروايات الواقعية ودجلها، عن طريق تحليل مسهب للقصة القصيرة "ساراسين" للمؤّلف الواقعي بلزاك.
لا يقتصر تأثير البنيوية على حقلي الأدب وعلم اللسانيات وإنَّما يشمل علم الإنسان وعلم الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد... وحتى الفيزياء. وث  مة شكوك محدودة بأ  ن التأثير الشمولي الصرف للبنيوية "بوصفها المفتاح للعلاقات كّلها، يعد عام ً لا وحيدًا في جعل العديد من النقاد الإنكليز والأمريكيين يرتابون فيها، شأنها شأن الماركسية، التي تدعي الإغراء بأّنها قادرة على الإجابة عن الأسئلة كلَّها، لكن من العسير القبول ببعض إجاباتها ما لم يتم قبولها كاملة. ويرتبط هذا بحقيقة أ  ن المفاهيم الصعبة التي تحاول البنيوية معالجتها قادت إلى تب  ن مفرط للغة المتخ  صصة التي يطابق بعض منها اللغة المستعملة في الأسلوبية، والتي أعاد المن ّ ظرون المتعاقبون تعريفها لكي تناسب أغراضًا خا  صة. وث  مة ارتياب في أ  ن البنيوية غالت في محاولاتها النظرية لتفسير نفسها وتحديد ماهيتها على حساب مواد مثل النصوص الأدبية التي تسعى إلى تأويلها. يتع  زز هذا الارتياب من خلال وجود العديد من الطرائق النقدية مثل الشكلانية وعلم الظواهر والتفكيكية التي تتصل بوضوح بالاتجاه السائد للبنيوية  إذا توافر مثل هذا الأمر، لك  ن البنيوية تدعي نقاء خاصًا وفوائد.
وبما أ  ن البنيوية في المصطلحات العامة تعرض الطرائق الممكنة لدراسة الأدب بموضوعية ودون تحيز ضمن السياق الأوسع للثقافة والتواصل، فإ  ن ث  مة مشكلة أكثر تطرفًا في النقد البنيوي، ولن ُنطلق عليه انحيازًا ثوريًا، تكمن في تقييم النصوص الأدبية بمصطلحات الطرائق التي بواسطتها تدافع أو تنتقد المجتمع الفاسد الحالي الذي أنتجها. وحين لا يتضح هذا البعد السياسي، ينطلق تضمين أوسع، ويرهب بعض الناس بصورة مساوية، وهو أ  ن الأدب لا يدور حول شيء على الإطلاق، بل يدور حول ذاته فقط: بمعنى أ  ن أهم شيء في النص الأدبي هوكيفية الجمع بين الشكل والأسلوب معًا لتسجيل ضرب من التواصل، يكون المؤّلف ومادة موضوعه المختار أمرين عرضيين في عالم موضوعي حيث كلّ شيء من صنع الإنسان فيه يرتبط بشيء آخر. قد تكون هذه ذريعة منطقية للجدل، بيد أ  ن الإحساس العام يقترح أّنها في منأى عن الأسباب التي تدفع أكثر الناس إلى كتابة الأدب أو قراءته. إ  ن غالبية النّقاد الأنجلو سكسون أثبتوا بالآراء العلمية بأّنهم يرفضون هذه الذريعة قلبًا وقالبًا.
يبدو جليًا، في ضوء ذلك كّله، أ  ن البنيوية تؤ ّ كد حقيقة، أ  ن الأدب وسيلة من وسائل التواصل العديدة، وهي التي تجعلنا ندرك هذا الجانب للأدب. وإن الكتب المطبوعة للمدارس وللمجتمع ككل تتمّتع بمكانة هامة، بوصفها وسيلة من وسائل الاتصال الأكثر تأثيرًا والأكثر امتيازًا في المجتمع الغربي منذ عصر النهضة: لك  ن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو، إلى أي مدى أسهم ذلك في تكوين تفكيرنا عن العالم، أو إلى أي مدى حقًا خلق مفهومنا الشمولي عن الواقع؟.
نعرف أ  ن تاريخ النقد الأدبي بدأ بأفلاطون الذي عارض الكتب والكلام المكتوب، واعتبرهما بعيدين عن الحقيقة، وأيد الحوار المفتوح والمناظرات، طبقًا لما أخذه عن معّلمه سقراط. ومع ذلك ُتقدم البنيوية لنا منظورًا مستساغًا نتم ّ كن من خلاله ملاحظة الصراع الدائر بين السينما والتلفاز وبين ذاك التحدي المتنامي بين الكلمة المكتوبة والكتابة المطبوعة.

الأربعاء، 7 ديسمبر 2011

من قال أنّ نظرية الحقول الدلالبة نظرية غربية ؟؟؟ تابع معنا هذا البحث




بحث للدكتور :  أحمد عزوز


اّلعناية بالدلالة من أقدم اهتمامات الإنسان الفكرية عبر الزمن، وفي مختلف الحضارات والمدنيات. فلقد شغلت على مـر العصور المف ّ كرين الصينيين والهنود وفلاسفة اليونان والرومان وغيرهم.وازداد البحث في قضايا الدلالة في القرنين الأخيرين باعتبارها تهم كلّ مستعملي اللغة التي تعتبر وسيلة أساسية في التعبير والتفاهم والتواصل بين الأفراد والمجتمعات البشرية، وكان ذلك لأول مرة مصطلح (M.Breal) خاصة ابتداء من ١٨٩٧ م حين و ّ ظف ميشال بريل وإليه يعود ،(Essais de Semantique) " في كتابه "مقالات في علم الدلالة (Semantique) الفضل في الاهتمام العلمي بالدلالة إذ لفت بذلك أنظار اللغويين إلى المعنى وتغيره ومشكلاته.
وكان للعرب والمسلمين من لغويين وبلاغيين وغيرهم نصيب أوفر في معالجة كثير من المسائل المتعلقة بدلالة الكلمات، فكتبوا عن مجاز القرآن وغريب ألفاظه، والعلاقة بين اللفظ والمعنى، وتطور معاني الألفاظ والترادف والأضداد والمشترك. وتحقق ذلك منذ جمع وتدوين مفردات اللغة العربية انطلاقًا من مشافهة الأعراب، أو شرح مفردات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة واستخراج معاني الألفاظ منهما، وهو جانب أثارالمحافظة على سلامة اللسان العربي من خلال فهم النص القرآني الذي كان السبب في إثارة الكثيرمن القضايا العلمية التي غدت علومًا مستقلة، والبحث عن المسائل الدلالية في ديوان العرب الذي تضمن ثروة لغوية دلالية جديرة ببحث مشكلاتها وتناول مك  وناتها.وكان ما سبق عام ً لا في تطور الدراسة اللغوية في وقت مبكر في مختلف مظاهرها الصوتية منها والصرفية والتركيبية والدلالية، أعطت نتائج أثرت علم الدلالة إثراء كبيرًا، وأنتجت معاجم المعاني ومعاجم الألفاظ، جعلها تتسم بالمنهجية والدقة والسعة والتنظيم والوضوح. ومعاجم المعاني أو الموضوعات هي التي ترتب الألفاظ في مجموعات تنضوي كل منها تحت فكرة واحدة، أو محور عام، ويفيد منها الكتاب والمنشئون والمترجمون الذين يحضرهم المعنى ويكونون في حاجة إلى لفظ يعبرون به، فتساعدهم وتيسر مهمتهم في البحث عن مطلبهم والحصول عليه في أسرع وقت ممكن( ١). وهي معاجم أسبق في الوجود أو معاصرة للمعاجم العربية المرتبة بحسب الألفاظ، وإن كانت بدايتها في شكل كتيبات صغيرة تناول كل واحد منها موضوعًا من .( الموضوعات( ٢
والملاحظ أن معجم "العين" للخليل بن أحمد الفراهيدي ( ١٨٠ ه) قد شغل الدارسين عن مؤلفات كانت متزامنة معه، وكان مؤلفوها معاصرين له، وظل يشار إليها لمدة غير قصيرة على أنها تؤسس فقط المراحل الأولى لبداية التأليف المعجمي العربي، ولكن لو كانت كذلك لما استمرت حتى بعد ظهور عدد من المعاجم الشاملة. ومن هنا فإن معاجم المعاني لم توف حقها، إذ مر عليها الباحثون مرورًا عابرًا بسبب انشغالهم بالمعجم العربي الكامل أكثر من سواه، كما ركزوا على الخليل ومعجمه( ٣)، أو من حذا حذوه في التأليف المعجمي، وظل اهتمام الدارسين بكتب الموضوع الواحد غير متلائم مع قيمة مضامينها، إذ-غالبًا- ما جاءت الإشارة إليها تمهيدًا للحديث عن التأليف المعجمي الشامل، وكأن هذه الكتب لا يمكن أن توجد إلا بتعلقها بتأليفات أخرى.
وكانت بداية معاجم المعاني مما ألف في الرسائل التي جمع فيها الرواة الألفاظ التي تمحوربعضها حول موضوع واحد كالنبات، والشجر وخلق الإنسان للأصمعي (ت ٢٠٤ ه)، والخيل والغنم والوحوش والسباع والطير لأبي عبيد ( ٢٢٤ )، واللبن والمطر والشجر لأبي زيد الأنصاري، والنبات لأبي حنيفة الدينوري، وألف- أيضًا- في اللباس والطعام والمعدنيات والأنواء والسحاب والبئر، وهي رسائل ضمت مجموعات دلالية تعلقت بموضوع واحد، وكانت هذه الأعمال اللبنة الأساسية في .( وضع المعاجم العربية كما عرفت فيما بعد( ٤
وتعد كتب الحشرات أولى الرسائل من حيث الظهور بسبب تأثر أصحابها بالقرآن الكريم الذي أشار إلى طائفة منها كالنحل والنمل والذباب والعنكبوت والجراد والبعوض، وتناولها المفسرون .( بالبحث والمعالجة مما أدى باللغويين إلى التأليف فيها، فبلغوا فيها غايتهم ومبتغاهم( ٥ ولا شك في أن هذه الرسائل هي التي أنتجت معاجم المعاني أو الموضوعات، واكتمل التأليف فيها في منتصف القرن الخامس، فكان من ثمارها "الغريب المصنف" لأبي عبيد القاسم بن سلام ٤ ه)، وتهذيب الألفاظ لابن السكيت ( ٢٢٤ ه)، وفقه اللغة وأسرار العربية للثعالبي ) ٤٣٠ ه)، والمخصص لابن سيده ( ٤٨٥ ه)، وأساس البلاغة للزمخشري ( ٥٣٨ ه)، ونظام ) الغريب في اللغة للربعي، وكفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ لابن الأجدابي( ٦) والألفاظ الكتابية للهمذاني ولم تتوقف هذه الكتابات بل استمرت لأهميتها للباحث والمتعلم، فقد ألف الزجاجي (ت ٣١١ ه) كتابًا عن خلق الإنسان، وابن دريد (ت ٣٢١ ه) عن السرج واللجام، والمطر والسحاب، وابن خالويه (ت ٣٧٠ ه) عن الشجر، وغيرهم كثير، ممن ألف في الموضوع نفسه مثل أحمد بن فارس (ت ٣٩٥ ه)، والزجاج ( ٤١٥ ه)، والإسكافي (ت ٤٢١ ه)، وعبد الله بن سعيد الخرافي (ت ٤٨٠ ه)، ومن المتأخرين الصاغاني (ت ٦٥٠ ه)، وشرف الدين علي بن يوسف بن حيدرة .( الطبيب (ت ٦٦٧ ه)، وجلال الدين السيوطي وغيره( ٨ وليس هذا العمل إلا تصنيفًا للغة بحسب المعاني أو الموضوعات، وهو ينم عن أن فطاحله شعروا بمسؤوليتهم العلمية والتربوية تجاه اللغة العربية والأجيال التي يتعلمونها ويعلمونها، فأسهم
كل واحد بالقدر الذي يغني الثقافة العربية ولغتها وبناء حضارتها المتميزة ومشاركًا بحبة حصاة في الصرح الحضاري والإنساني.
وكانت هذه الأعمال الجليلة المدونة لألفاظ اللغة العربية ومعانيها مدعاة إلى اهتمام المستشرقين رسالة "خلق الإنسان" للأصمعي (Auguste Hafner) بها في بداية هذا القرن، فنشر أوجست هفنر ضمن كتابه "الكنز اللغوي في اللسان العربي" الذي صدر في بيروت عام ١٩٠٣ ، وفي ليبزغ سنة ١٩٠٥ ، كما عني فريتش كرنكوي بنشر كتاب "الخيل" لأبي عبيدة معمر بن المثنى، ونشر وليام
رسالة "صفة السرج واللجام لابن دريد". (William Right) رايت ثم توالت العناية بهذا التراث الضخم من قبل الدارسين العرب في العصر الحديث، فنشر عزة حسن "النوادر لأبي م  سحل" بدمشق في سنة ١٩٦١ م، ونشر إبراهيم السامرائي "كتاب خلق الإنسان"
للزجاج ببغداد في ١٩٦٣ ، ورمضان عبد التواب "كتاب البئر" لأبي زيد الأنصاري بالقاهرة في ٩). وما تزال العناية بهذا التراث مستمرة، محاولة اكتشاف كنوزه الفكرية والمعرفية، وجعله )١٩٧٠ مسايرًا لتطور الحضارة والتقدم العلمي.
مفهوم الحقول الدلالية:
من المعروف أن التحليل الدلالي لبنية اللغة من الأمور الضرورية والأساسية في معالجة دلالة الكلمات سواء أكانت الدراسة تاريخية أم مقارنة أم تقابلية، مما أدى إلى ظهور نظرية الحقول الدلالية التي صارت تسهم في تحديد الدلالة وعناصرها بطريقة محكمة وموضوعية.
ومن أهم مبادئها أن الوحدة المعجمية لا تشترك في أكثر من حقل، ولا توجد واحدة ليس لها .( مجال محدد، ويتطلب في ذلك مراعاة سياق الكلمات وموقعها في التركيب اللغوي( ١٠ويعتمد أصحاب النظرية على الفكرة المنطقية التي ترى أن المعاني لا توجد منعزلة الواحدة تلو الأخرى في "الذهن الذي يميل دائمًا إلى جمع الكلمات وإلى اكتشاف عرى جديدة تجمع بينها، فالكلمات تثبت في الذهن دائمًا بعائلة لغوية"( ١١ )، أي إن الكلمات لا تشكل وحدة مستقلة، ولا معنى لها بمفردها، ولكنها تكتسب معناها في علاقاتها بالكلمات الأخرى، وأن معنى هذه الكلمة أو تلك لا يتحدد إلا ببحثها مع أقرب الكلمات إليها في إطار مجموعة واحدة. فلفظ الإنسان- مث ً لا- الذي يعد مطلقًا لا يمكن أن نعقله إلا بالإضافة أو بالنسبة إلى حيوان، .( ولفظ رجل بإضافته إلى امرأة، ولفظ حار لا يفهم إلا بإضافته إلى بارد وهكذا( ١٢ فالحقول الدلالية تقوم على فكرة المفاهيم العامة التي تؤلف بين مفردات لغة ما، بشكل منتظم يساير المعرفة والخبرة البشرية المحددة للصلة الدلالية بين الكلمات، وبذلك فإن معنى الكلمة كما .( هو محصلة علاقاتها بالكلمات الأخرى داخل الحقل المعجمي( ١٣ (John Lyons) يقول جون ليونز تصنف المدلولات في حقول مفهومية ألفها الفكر البشري، تربط مجموع كلماتها دلالة أسرية
مشتركة كحقل الألوان في اللغة العربية، فهي تقع تحت المصطلح العام "لون"، وتضم ألفاظًا مثل:أحمر- أزرق- أخضر- أبيض- أصفر... أو حقل القرابة، أو السكن، أو الحيوانات الأليفة
والمتوحشة أو باعتماد علاقة الاشتمال، الترادف، التضاد، الجزء بالكل، الكبير بالصغير، التنافر، أوعلاقة التدرج.
فالكلمات التي تمثل تقديرات في جامعة ما نحو: ممتاز- جيد جدًا- حسن- مقبول- متوسط- ضعيف- ضعيف جدًا، لا يمكن فهم كل منها إلا بالتي فوقها أو في مستواها أو دونها، وتحدد قيمة .( كل منها من خلال المجموعة التي تنتمي إليها( ١٤وقد أصبح لمنهج نظرية الحقول الدلالية تطبيقات كثيرة على الخطاب الأدبي، يذكر منها (Gouffre) " حين تحليله معنى لفظ "الهاوية (Pierre Guiraud) الدراسة التي قام بها بيير جيرو حيث أوضح الملامح (Baudelaire) لبودلير (Les Fleurs du Mal) " في ديوان "أزهار الشوك المرتبطة به مثل: سواد- ظلام- دامس- بارد- مثلج- مؤدي إلى الخوف والدوار، كما بحث عن الكلمات التي تعوضها في قيمتها أو تناقضها نحو: خطيئة- جحيم، واستنتج أن الديوان يخضع .( لتخطيط وبناء وتنظيم( ١٥ الفصل الأول من كتاب "الأيام" لطه حسين، (Odette Petit) كما درست أوديت بيتي واستنتجت أن ملامح شخصيته متجلية في لغته التي تكشف عن متناقضات كثيرة( ١٦ )، وأورد محمد العبد في كتابه "اللغة والإبداع الأدبي" فص ً لا بعنوان "حقول السياب الدلالية" فرأى أن معجم شعر السياب لا يختلف عن شعراء الاتجاه الوجداني بما احتواه من ازدواجية، وذلك أن "أولى صور الازدواجية هو ما تفرضه الرومانطيقية من نزاع بين قوة الحب وقوة الموت، أو ألم الفقد، حتى ليرتجف فرقًا من الحب الرهيب، وهو بين هاتين القوتين يحاول أن يجد رجاءه في الخلاص منهما .( معًا"( ١٧وتستثمر نظرية الحقول الدلالية في الترجمة وبناء المعاجم الثنائية أو غيرها فتساعد الدارس على البحث عما يقابل اللفظ من بين مجموع الكلمات والمعاني الواردة في لغة الهدف، وكذلك تسهم في تصنيف المعاني والمدلولات والموضوعات في العملية التربوية، لتقريب الدلالات إلى ذهن الطفل.
وفي ضوء ما سبق يمكن تعريف الحقول الدلالية بأنها مجموعة من الوحدات المعجمية التي تشتمل على مفاهيم تندرج ضمن مفهوم عام يحدد الحقل ويعبر عن مجال معين من الخبرة بأنها: "قطاع متكامل من المادة (Stephane Ullman) والاختصاص، وقد عرفها استيفان أولمان .( اللغوية يعبر عن مجال معين من الخبرة"( ١٨ تفطن اللغويون العرب القدامى في وقت مبكر إلى فكرة الحقول الدلالية من خلال تأليفهم للرسائل الدلالية الصغيرة والمتنوعة، التي ظهرت مع بداية التدوين ثم تصنيف المعاجم الموضوعية بعد ذلك في هذا الميدان.
وكان الهدف منها تعليميًا وعام ً لا مساعدًا للكاتب والشاعر، إذ تمدهما المعاجم بالكلمات التي يريانها أكثر ملاءمة من غيرها للبحث عن ضالتهما وعرض أفكارهما في دقة وأناقة حول موضوع .( محدد( ١٩ وتختلف أعمالهم عن مثيلاتها عند الغربيين في هذا العصر، لأسباب أهمها تغير الزمان وتطوره، وتوسع آفاق الدرس الدلالي، وعمق تقنياته بفضل التقدم العلمي والمعرفي، وليس فيما سبق ضير يلحق بما قدمه العرب القدامى الذين كانت لهم اليد الطولى في هذا الميدان، ولكن اهتمامهم المبكر بالرسائل ومعاجم المعاني لم يصل بطبيعة الحال إلى مستوى تأسيس نظرية قائمة بذاتها الحقول دلالية لأن عملهم كان تطبيقيًا أكثر منه تنظيريًا، وعلى الرغم من ذلك فإن التراث اللغوي العربي يحمل في طياته أفكارًا رائدة لا تزال في حاجة إلى من يزيدها دراسة وتحلي ً لا وتجديدًا.
ويكفي في هذا الصدد أن نذكر معجم المخصص لابن سيده لندرك التقارب بينه وبين المعجمات الموضوعية الحديثة التي تبنى على أساس الحقول الدلالية، على الرغم من الفارق الزمني الذي يفصله عنها، وهو عمل ضخم يضع صورة شاملة للغة العربية، فجمع الكلمات حول بعض المحاور الرئيسية المختلفة، ووضع ما يتعلق بالسماء والنجوم في فصل، وكذلك الأرض وأجواؤها، والإنسان وما يتعلق به من أسماء وأعضاء وصفات وأخلاق، ووضع النباتات وأنواعها في فصل وكذلك المسائل النحوية والصرفية، وهو عمل لا يخرج عن تطبيقات نظرية الحقول الدلالية.
وقد سار في ذلك على أساس التدرج المعتمد على المنطق والعقل ويوضح ذلك حيث يقول: "فأما هذا الكتاب، من قبل كيفية وضعه فمنها تقديم الأعم فالأعم على الأخص فالأخص، والإتيان بالكليات قبل الجزئيات، والابتداء بالجوهر والتقفية بالأعرض، على ما يستحقه من التقديم والتأخير، .( وتقديمنا كم على كيف، وشدة المحافظة على التقييد والتحليل"( ٢٠
تطورت نظرية الحقول الدلالية في العصر الحديث حين بدأ يهتم بها عدد من اللسانيين بدراسة (Trier) " السوسريين والألمان والفرنسيين والانجليز وغيرهم، فقام على سبيل المثال "ترييرتنتمي إلى القطاع المفهومي حيث تناول مفردات المعرفة أو الألفاظ في اللغة الألمانية المنتمية إلى فترة ما بين ١٢٠٠ م و ١٣٠٠ م فلاحظ أن الحقل المفهومي في ١٢٠٠ م كان مغطى بحقل معجمي الصنعة أو -List) ،( الفن -Kunst) ،( الحكمة -Wisheit) : متكون من ثلاث كلمات وهي المصطنع)، ولكن بعد قرن من الزمان أي في ١٣٠٠ م صار مغذى بحقل معجمي مشتمل على أي المعرفة)، وأوضح أنه حدث تغيير في معاني الكلمات الثلاث Wizzen- Kunst- Wisheit)
.( ضمن تحديد كلي لبنية الكلمة ولرؤية العالم التي تعبر عنها وتعكسها( ٢١ واهتم الباحثون بدراسة ألفاظ الأصوات والحركة، وكلمات القرابة على نحو ما قام به جورج ،(٢٢)(Clefs Pour la Semantique) " في كتابه "مفاتيح علم الدلالة (Georges Mounin) مونان
واعتنوا أيضًا بمعاني كلمات الألوان والأمراض والنبات والأدوية وغيرها، وأدت مثل هذه البحوث إلى التفكير في تأليف معاجم لغوية تتناول الحقول الدلالية. وسايرت هذه النظرية في العشرينيات من هذا القرن الاتجاه التاريخي الذي كان سائدًا آنئذ، ثم اعتمدت على المنهج الوصفي الذي نص على أن اللغة نظام من العلامات تكتسب قيمتها من خلال علاقاتها بالعلامات الأخرى. وهي الفكرة التي لفت بها فردينان دي سوسير الانتباه حين تحدث عن علاقات التداعي التي تنشأ بين الكلمات الآتية: (ارتاب- خشي وخاف)، وذهب إلى أنها محددة بمحيطها وسياقها، شأنها في ذلك شأن قطعة الفارس في لعبة الشطرنج التي لا تستمد قيمتها إلا بوجودها في علاقة بالقطع .( الأخرى( ٢٣والكلمة من هذا المنظور تشبه الإنسان الذي لا ينظر إليه منعز ً لا عن بيئته وأفراد مجتمعه، وإنما لمعرفة قيمته ووظيفته ينبغي النظر إليه في علاقاته مع الآخرين.
وقد صار منهج تصنيف المدلولات إلى حقول دلالية أكثر المناهج حداثة في علم الدلالة، لأنه تجاوز تحديد البنية الداخلية لمدلول الكلمات، بكشفه عن بنية أخرى تؤكد القرابة الدلالية بين .( مدلولات عدد ما منها( ٢٤في ١٧٧٢ ، وهمبولت (Herder) وقد اعتنى بها الألمان أكثر من غيرهم مثل هردر ١٩٣٤ ، وويسجردر (Jost Trier Porzig) في ١٨٣٦ ، وأسهم في تطويرها تراير (Humbojdt)وآخرون. (Ipsen) وإيبسن (Lweisgerder) ، في ١٩٣٤ (Karl Bruler) ومن الناحية الفلسفية كانت محل دراسة من قبل كارل بروليروهي تنص على معالجة الألفاظ في علاقاتها بعناصر الكلام، وتركز على الطابع الشمولي للنظام من الذين لاحظوا هذه الظاهرة في ١٩١٠ عندما بحث الرتب (Meyer) ويعتبر ماير ،( العسكرية، وبين أن كل مصطلح تشتق قيمته من ضمن جدول الرتب التي تكون نسقًا دلاليًا( ٢٦ حين صنف الكلمات ذات الصلة بالأغنام، وتربيتها في اللغات الهندو-أروبية، (Ipsen) وكذلك إبسن وفي العصر الحديث جورج مونان في كتابه "مفاتيح علم الدلالة" لما صنف مدلولات الحيوانات .( المنزلية والكلمات المتعلقة بالسكن( ٢٧ولكن العلماء البارزين في تطبيق نظرية الحقول الدلالية في تحليلاتهم اللسانية هم: تراير الفرنسي. (Goerges Matore) وأولمان وجورج ماطوري
ومن المعاجم التي صنفت على أساس المفاهيم في اللغات الأجنبية هي:
وطبع في ١٨٥٢ م. (Roget) - معجم روجيه الانجليزي الموسوم بالمعجم القياسي للغة الفرنسية (Boissiere) - المعجم اللغوي لبواسيير
وقد نشر في ١٨٨٥ م. (Dictionnaire Analogique de la Langue Francaise) بعنوان: "الكلمات الألمانية في مجموعة ،(Dornseif) - معجم اللغوي الألماني دورنزايف مبوبة"، واشتمل على عشرين حق ً لا دلاليًا رئيسيًا، وظهر في ١٩٣٣ م. Dictionnaire ) " الموسوم "بالمعجم القياسي (Maquet) - معجم اللغوي الفرنسي ماكيه رتبت فيه الكلمات وفق الأفكار والمعاني ونشر في ١٩٣٦ م. ،(Analogique بالإسبانية وظهر في ١٩٤٢ م. (Cassirer) - معجم كاسيرر Greek New ) - وأحدث معجم في هذا الميدان يحمل عنوان "العهد اليوناني الجديد" أي .(٢٨)(Testament وهذا إن دل على شيء فإنما يوضح أن فكرة الحقول الدلالية قد عرفها العرب منذ القرن الثاني للهجرة، أما الغرب فلم يعرفها إلا في القرن التاسع عشر وهو ما يبين مدى تقدم الفكرة عند الأولين وتأخرها عند المتأخرين مما يدفعنا اليوم إلى مزيد من البحث في هذا التراث واستجلاء كنوزه.وأخيرًا إن الحقول الدلالية مجال معرفي وعلمي كثيرًا ما أهملته دراساتنا اللغوية عبر فترات من الزمن، على الرغم من أهميته في التحليل والتصنيف والفهم، وهو ميدان يبرز أن التراث اللغوي العربي لا يزال يحتفظ بعناصر حيوية وفاعلة، يحتاجها الدارس حين يود أن يضع نفسه في قوة اتجاه تراثه العظيم لينطلق منه للتزود من ثقافة الآخر، وبذلك يجمع ثقافتين الأولى أصيلة وراسخة رسوخ الرواسي، وأخرى حديثة تعد عام ً لا أساسيًا في التمدن ومسايرة ركب الحضارة الإنسانية.
الهوامش

١) - عمار شلواي، درعيات أبي العلاء، دراسة دلالية- الألفاظ الخاصة بالإنسان وحياته الاجتماعية والاقتصادية- )
. رسالة ماجستير، مخطوط بمعهد اللغة العربية وآدابها، سنة ١٩٩٥ ، ص: ٥٣
، ٢) - ينظر محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط: ٧، سنة ١٩٨١ )
. ص: ١٥٤
. ٣) - ينظر أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي عند العرب، ط: ١، سنة ١٩٨٧ ، ص: ١٦٢ )
. ٤) - ينظر الدكتور حسين نصار، المعجم العربي- نشأته وتطوره- دار مصر للطباعة، ج: ١، ص: ١٢٢ )
. ٥) - ينظر د.حسين نصار، المرجع نفسه، ج: ١، ص: ١٢٣ )
. ٦) - ينظر د.أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، دار الفكر، دمشق، سورية، ط: ١، ص: ٣٠٦ )
٧) - الهمذاني، عبد الرحمن بن عيسى الكاتب، الألفاظ الكتابية، راجعه وقدم له الدكتور السيد الجمييلي، دار الكتاب )
العربي، ط: ١٩٩٨ ،٢ ، بيروت، لبنان.
. ٨) - ينظر أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي عند العرب، ص: ١٦١ )
. ٩) - ينظر أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: ١٦١ )
. ١٠ ) -ينظر د.أحمد مختار عمر، علم الدلالة، عالم الكتاب، القاهرة، ط: ٢، سنة ١٩٨٨ ، ص: ٩٠ )
، ١١ ) - فندريس، اللغة، ترجمة عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة، ١٩٥٠ )
. ص: ٣٣٣
، ١٢ ) - ينظر د.كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، مكتبة الأنجلو المصرية، ط: ٢، سنة ١٩٨٥ )
. ص: ٢٩٤
. ١٣ ) - ينظر د.أحمد مختار، علم الدلالة، ص: ٣٠٣ )
. ١٤ ) - ينظر د.أحمد مختار عمر، المرجع السابق، ص: ٧٩ ، وعمار شلواي، المرجع السابق، ص: ٢٩ )
(١٥)- Marcel Cressot, Laueance James, Le Style et ses Techniques, P.U.F., 11 édition; Paris;
p:93.
١٦ ) - أوديت بيتي، تحليل نصي للفصل الأول من كتاب طه الحسين "الأيام"، ترجمة بدر الدين عوردكي، مجلة )
. المعرفة، العدد ١٨٢ ، نيسان ١٩٧٧ ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، سورية، ص: ٥٨
. ١٧ ) - محمد العبد، اللغة والإبداع الأدبي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، ط: ١، القاهرة، ١٩٨٩ ، ص: ٨٠ )
. ١٨ ) - ينظر د.أحمد مختار عمر، المرجع السابق، ص: ٧٩ ، وعمار شلواي، المرجع السابق، ص: ٢٩ )
. ١٩ ) - ينظر د.أحمد مختار عمر، المرجع السابق، ص: ٨٥ )
٢٠ ) - ابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل، المخصص، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، منشورات دار الآفاق )
. الجديدة، بيروت، لبنان، ج: ١، ص: ١٠
. ٢١ ) - ينظر عمار شلواي، المرجع السابق، ص: ٣١ )
Georges, Mounin, Clefs pour la sémantique, édition Seghers, Paris, 1972. - (٢٢

الجمعة، 2 ديسمبر 2011

مبادئ فى العروض والقافية (موسيقى الشعر)







د/عـلاء الحمـزاوي

 من مصر

دار التيسير للطباعة والنشر بالمنيا 2002

تقـديـم


الحمد الله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إن أنت العليم الحكيم.
وبعد،،
       فهذه مجموعة من المحاضرات نقدمها لطلاب لغة الضاد ومحبى إيقاع الشعر العربى وموسيقاه ، أتباع الخليل بن أحمد الفراهيدى رائد هذا العلم ، والجدير بالذكر ـ ونحن فى المقدمة ـ أن ننوه إلى أمرين ذوى أهمية أولهما أن صاحب هذه المحاضرات لم يكن له فيها إبداع وتجديد ـ وإن أبدى وجهة نظره أحيان ـ وإنما اعتمد فيها على بعض ما انتقاه من مؤلفات فى هذا العلم، وكان من أفضل ما قرأه الباحث فى ذلك من الدراسات كتاب "العروض" للأخفش تحقيق د.أحمد عبدالدايم ، وكتاب "نظرية جديدة فى العروض العربى" من وجهة نظر فرنسية للمستشرق الفرنسى ستانسلاس جويار، وكتاب "التدوير فى الشعر" للدكتور أحمد كشك، وكتاب "موسيقى الشعر" للدكتور صابر عبدالدايم، وكتاب "موسيقا الشعر" للدكتور محمد صادق الكاشف. أما الأمر الثانى فيتمثل فى مراعاة فكر الطلاب ومدى استيعابهم لهذا العلم؛ حيث إن العروض علم جديد بالنسبة لهم؛ فضلا عن أنه يدرس عاما واحدا فى الجامعة؛ من هنا حرصنا على أن يكون الأسلوب واضحا ميسرا فى عباراته وتراكيبه؛ حتى يسهل على الطلاب فهمه.
       وقد بدأنا المحاضرات بتقديم تعريف موجز العلم، وكيفية نشأته ونسبه للخليل، ثم تقديم العديد من المصطلحات الخاصة به، ثم الولوج فى الأبحر تنظيرا وتطبيقا، وختمنا المحاضرات بالحديث عن القافية فى الشعر العربى وتعريف موجز للمصطلحات الخاصة بها كما جاء عند د.الكاشف خاصة.
       وختاما نسأل الله أن ينفع الطلاب بها، وأن ينفعنا بما نعلم ويعلمنا ما ينفعنا.. إنه نعم المولى ونعم النصير.

المفهـوم والأساسـيات
       علم العروض ـ بإيجاز ـ هو علم يعرف به تصحيح أوزان الشعر العربى وفاسدها ومايعتريها من الزحافات والعلل .
       ولا نزاع بين أهله من العلماء على أنه ولد فى القرن الثانى الهجرى ، ويعود الفضل فى ظهوره إلى الخليل بن أحمد الفراهيدى ت 175هـ ، ـ لا شريك له فى ذلك ـ وإن كان ثمة اختلاف فهو محصور فى الأسباب التى دفعت الخليل لوضع هذا العلم ، وقد أورد العلماء مجموعة من الأسباب ـ لا تهمنا كثيرا هنا ـ منها أن الخليل اهتدى الى وضع هذا الفن بمعرفة علم الأنغام والإيقاع لتقاربهما ، وقيل انه مر يوماً بسوق الصفارين ، فسمع دقدقة مطارقهم على الطسوت فأداه ذلك الى تقطيع أبيات الشعر وفتح الله عليه بعلم العروض .
       وحسبنا هنا القول بأن الهدف من وضع هذا الهلم هو تقنين أوزان الشعر العربى وموسيقاه ، وحفظ الصورة الإيقاعيه المشرقه للشعر، تلك التى انبثقت من وجدان الشعراء العرب فى عصور الفطره السليمه، والبعد عن اللحن اللغوى والاضطراب الإيقاعى فى الشعر، لا سيما أن العرب كانوا يتفاخرون بالشعر ومدى جودته لغة وموسيقى ، والشعر فى نظرهم ما جاء على شاكلة المعلقات ، أو كما ذكر الأخفش فى كتابه ( العروض ) أن ما يسمى بالشعر هو ذاك الذى يكون على بناء أبنية العرب وأنه ليس شعراً ذلك يخالف أبنية العرب .
وهناك مجموعة من الأساسيات يجب على المبتدئ فى دراسة العروض أن يحيط بها علما ، نوجزها فيما يلى :
الخط : ثمة ثلاثة أنواع من الخطوط العربية :
الخط الإملائى : وهو الخط الذى نكتب به وله قواعد تعرف باسم قواعد الكتابة والإملاء .
الخط القرآنى : وهو خط خاص بكتابة القرآن الكريم ، يسمى بالخط العثمانى ، ذلك الخط الذى يحتمل شكله أكثر من قراءة ، مثل كلمات : ( السموات ، الصلوة ، الزكوة ، بكتبه ... ) فهذه الكلمات تحتمل القراءة بالجمع والإفراد . وهذا الخط لا يجوز أن نستخدمه فى الكتابة .
الخط العروضى : وهو خط خاص بعلم العروض ويعنى أن كل ما ينطق يكتب ، وكل ما لا ينطق لا يكتب ، وهو أشبه بالكتابة الصوتية فى اللغات الأجنبية . وهذا الخط لا يجوز استخدامه فى الكتابة العادية، وهذا الخط يسمى بـ(الكتابة العروضية)
الكتابة الرمزية:
     نقصد بها أن كل حرف متحرك نرمز له بالعلامة (/) وكل حرف ساكن نرمز له بالعلامة (0) فالكتابة الرمزية لـ(كتابُ) //0/
وهنا ينبغى أن نلاحظ الآتي:
ـ حروف (أصوات) اللغة العربية نوعان:
1ـ حروف تقبل الحركات الثلاث ( ــُــَــِـ ) وانعدام الحركة أو السكون (0) وتسمى الحروف الصامتة ، وهى جميع الحروف ما عدا ثلاثة (واى) .
2ـ حروف لا تقبل الحركات ولا سكون الوقف ، إنما هى دائما ساكنة سكون مــد وتسمى الحروف الصائتة أو حروف المد أو العلة أو اللين ، وهى الألف مطلقا ، والواو المضموم ما قبلها، والياء المكسور ما قبلها . ولا تأتى فى أول الكلمة أبدا . وهذا يعنى أن الواو والياء لهما صورتان :
1ـ صورة : حرفان صامتان : إذا قبلا الحركات، مثل: وَجد، يسّر
2ـ صورة: حرفان صائتان : إذا كانا مـــدّا ، أو أن الحرف السابق لهما محرك بحركة من جنس الواو أو الياء مثل: يصُـــوم ، يـبِـيـــــع ....
ـ الحرف المشدد حرفان: الأول ساكن والثانى متحرك (0/) ، ومن ثم يجب أن يفك الإدغام فى الكتابة العروضية .
ـ التنوين : نون ساكنة فى الكتابة العروضية ، وهذا يعنى أن الحرف المنون يكتب بالرمز هكذا ( / 0  ) مثل : محمّــدٌ : محممدُنْ : //0//0 .
ـ المد الموجود فى مثل ( آدم ) يكتب فى العروض ( أ ا ) والرمز ( / 0 )
ـ همزة الوصل تكتب فى العروض وفى الرمز إذا كانت فى أول الكلمة ، أما إذا سبقها شئ أغنى عن نطقها فلا تكتب عروضيا ولا رمزيا .
ـ اللام القمرية تكتب دائما فى العروض ، ورمزها سكون (0)
ـ اللام الشمسية لا تكتب فى العروض ، ولكن يكون الحرف التالى لها مشددا ، ومن ثم يجب أن يفك إدغامه ، ورمزه ( 0/ ) .
 التفاعيــل الشعرية
       التفاعيل فى علم العروض هى الأوزان الضابطه لموسيقى البحور الشعريه ومجموع هذه التفاعيل عشر تفعيلات وهى : ـ
    1 ـ فعولن .                         2 ـ مفاعيلن .
    3 ـ مفاعلتن .                       4 ـ فاعلاتن .
    5 ـ مستفعلن .                       6 ـ متفاعلن .
    7 ـ مفعولات .                      8 ـ مستفع  لن .
    9 ـ فاع  لاتن .                     10 ـ فاعلن .
والتفاعيل العشرة مكونة من عشرة حروف وهى (لمعت سيوفنا)
     ( ل ـ م ـ ع ـ ت ـ س ـ ى ـ و ـ ف ـ ن ـ ا )
       واذا أردنا أن نعرف مكونات أى تفعيله من (الحركات أو السكونات علينا أن نتبع الآتى:
أ ـ الحرف المنطوق هو الذى يحسب فى الميزان العروضى وهذا عكس الميزان الصرفى - حيث يراعى فيه كل الحروف - والأصل المنقلب عنه الحرف والمجرد والمزيد من الأفعال .
       أما الميزان العروضى فلا يراعى فيه إلا الحرف المنطوق ، ولذلك عرف فى علم العروض ما يسمى بالكتابه العروضيه .
ب ـ الحرف المشدد يحتسب بحرفين أولهما ساكن وثانيهما متحرك كما يحتسب الحرف المنون بحرفين أولهما متحرك والثانى ساكن ، وذلك كما فى كلمة ( محمّدٌ ) فإننا نكتبها حسب الكتابه العروضيه هكذا ( محممدن ) .
ج ـ تقابل الحركه من الشعر بالحركه من الميزان بصرف النظر عن أن تكون فتحه مقابله لكسره ، ويقابل السكون بالسكون ، ويمكن أن نعرف عدد الحركات والسكنات فى بعض التفعيلات بالطريقه الآتيه
* فعولن          حركتان فسكون فحركه فسكون
* مفاعيلن        حركتان فسكون فحركه فسكون فحركه فسكون
      وهكذا باقى التفاعيل :
مفاعلتن  ـ  مستفعلن  ـ  مفعولات .
      وهذه الحركات والسكنات حدد بها العروضيون مصطلحات تمثل الآجزاء التى تتكون منها كل تفعيله وهذه الأجزاء هى :
        1  ـ السبب .
        2 ـ الوتد
        3 ـ الفاصله .
أولاً : السبب : وهو ينقسم الى قسمين :
أ ـ السبب الخفيف: وهو ما تكون من حرفين أولهما متحرك والثانى ساكن مثل (فا) من فاعلن ، أو مثل قولنا ( لم ) و ( فى ) فالحرف الأول متحرك والثانى ساكن .
ب ـ السبب الثقيل: وهو ما تكون من حرفين متحركين مثل قولنا (بك، لك ، أو ( حرف العين واللام ) ( من مفاعلتن ) (عل).
ثانياً: الوتد وهو عباره عن ثلاثة أحرف متواليه فى التفعيله الشعريه، وينفسم الى قسمين :
أ ـ الوتد المجموع : وهو ما كان الحرفان الأولان فيه متحركين، والثالث ساكنا مثل ( مفا ) فى تفعيلة ( مفاعيلن )، أو قولنا: (نمــا، و سما).
ب ـ الوتد المفروق: وهو ما تكون من ثلاثة أحرف، الأول والثالث متحركان ، والحرف الثانى ساكن ، مثل ( فاع ) من ( فاع لاتن ).
ثالثاً الفاصله : وهى تنقسم الى قسمين:
أ ـ الفاصله الصغرى : وهى تتكون من ثلاثة حروف ورابعها ساكن مثل قولنا :
        ( جبلٌ ) أو ( جبلن ) .
ب ـ الفاصله الكبرى : تتكون من أربعة حروف خامسها ساكن مثل قولنا :
       ( سمكةٌ ) وتكتب هكذا ( سمكتن ) .
     وقد جمع علماء العروض الأسباب والأوتاد والفواصل فى العباره الآتيه :
  ( لـم ـ أرَ ـ على ـ ظهْـــرِ ـ  جَبَـلٍ ـ سَمَكَـــةً)

لــم     :        سبب خفيف ، متحرك فساكن
أر        :        سبب ثقيــل ، متحركـــــان
علـى     :        وتد مجموع ، متحركان فساكن
ظهــر   :        وتد مفروق ، متحركان بينهما ساكن
جبــل   :        فاصله صغرى ، ثلاث حركات رابعهما ساكن
سمـكة    :        فاصله كبرى ، أربع متحركات خامسها ساكن 
       وعلى هذا الأساس يمكن أن نتعرف على مكونات التفاعيل من الأسباب والأوتاد والفواصل :
1 ـ ( فعولن ) مكونه من وتد مجموع وهو ( فعو ) ، وسبب خفيف وهو ( لن )
2 ـ ( مفاعيلن ) : وتد مجموع وهو ( مفا ) وسببين خفيفين هما (عيلن )
3 ـ ( مفاعلتن ) مكونه من وتد مجموع وهو ( مفا ) وسبب ثقيل وهو (عل ) وسبب خفيف وهو ( تن ).
4 ـ ( فاع لاتن ) مكونه من وتد مفروق وهو ( فاع ) وسببين خفيفين وهما   (لا ـ تن )
5 ـ ( فاعلن ) مكونه من سبب خفيف وهو ( فا ) ووتد مجموع وهو (علن) .
6 ـ ( فاعلاتن ) مكونه من سبب خفيف وهو ( فا ) ووتد مجموع وهو ( علا ) وسبب خفيف وهو ( تن )
7 ـ ( مستفعلن ) مكونه من سببين خفيفين وهما ( مسـ / ـتف ) ووتد مجموع وهو ( علن ) .
8 ـ ( متفاعلن ) مكونه من سبب ثقيل وهو ( مت ) وسبب خفيف وهو ( فا ) ووتد مجموع وهو ( علن ) .
9 ـ ( مفعولات ) مكونه من سببين خفيفين : ( مف ـ عو ) ووتد مفروق وهو (لات )
10 ـ ( مستفع لن ) مكونه من سبب خفيف وهو ( مس ) ، ووتد مفروق وهو ( تفع ) وسبب خفيف وهو ( لن ) .


أقسـام البيت الشعرى :
       يقول د. صابر عبدالدايم : إن البيت الشعرى أصبح أشهر من أن يعرف ولكن العروضيين عرفوه بأنه ( كلام تام يتألف من عدة تفعيلات وينتهى بقافية) ومن مجموع الأبيات تتكون القصيده الشعريه ، وهى فى مفهوم علماء العروض لابد أن تتكون من سبعة أبيات ، أما إذا كانت أقل من ذلك ، فلها مسميات أخرى تتنوع حسب نوعها الكمى أو العددى  
       فالبيت الواحد يسمى ( مفرداً ويتيماً ) .
       ويسمى البيتان ( نتنفة )
       وتسمى الثلاثة إلى الستة ( قطعة )
       وتسمى ( السبعة ) فصاعداً ( قصيدة )
أما أجزاء البيت فهى كالآتى :
أ ـ النصف الأول من البيت يطلقون عليه ( صدر البيت ) ، أو (الشطر الأول)
ب ـ والنصف الثانى يسمونه ( عجُز  البيت ) أو ( الشطر الثانى )
ج ـ العروض - وهى التفعيله الأخيرة من الشطر الأول .
د ـ الحشو : وهو ماعدا العروض والضرب من أجزاء البيت فى الصدر والعجز
فإذا أردنا أن نتبين أجزاء البيت فى قول أبى تمام :
هى فُرقة من صاحب لك ماجد      فغداً إذابة كل دمع جامد
 فإنها تكون كالتالى :
      * صدر البيت : هى فرقة من صاحب لك ماجد .
      * عجز البيت : فغداً إذابة كل دمع جامد .
      * العروض : ( لك ماجد )
      * الضــرب : ( مع جامد ) .
      * الحشــو : (هى فرقة من صاحب)، (فغدا إذابة كل دم)
ألقاب البيت الشعرى :
       كما أن للبيت مكونات وأجزاء ، فله كذلك ألقاب تتعدد حسب عدد تفاعيله ، أو صورة قافيته أو العلاقة بين الصدر والعجز ، أو المخالفه بين هيئتى العروض والضرب .
فأما الألقاب التى تطلق على اليت انطلاقاً من التصور الكمى له فى عدد التفاعيل فهى :
1 ـ البيت التام : وهو ما استوفى كل اجزائه مثل قول شوقى فى وصف النيل .
من أى عهد فى القرى   تتدفق        وبأى كف فى المدائن   تغدق
متفاعلن   متفاعلن    متفاعلن        متفاعلن    متفاعلن   متفاعلن
    فالبيت من بحر ( الكامل ) وقد استوفى التفعيلات الست كامله ولا نقصان فيها
2 ـ البيت الوافى : وهو ما استوفى كل اجزائه مع نقص فى إحدى التفعيلات  (العروض أو الضرب ) ببعض العلل مثل قول أحمد شوقى من بحر الكامل ، فى مدح المصطفى فى عليه السلام :
وإذا رحمت فأنت أم أو أب    هذان فى الدنيا هما الرحماء
فعروض البيت هنا ( صحيحه ) متفاعلن ( مُنْ أو أَبُنْ ) متفاعلن والضرب هنا مقطوع .. والقطع هو حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان ماقبله .
والضرب فى البيت ماثل فى قوله ( رحماء ) ( متفاعل ) ؛ حيث حذفت النون من (علن) وهى وتد مجموع ، وسكنت اللام ، فعلة النقص هنا ( القطع ) حولت متفاعلن الى   (متفاعل ) .
3 ـ البيت المجزوء : وهو ما حذف جزءا عروضه وضربه، مثل قول أحمد شوقى من مجزوء الكامل :
دنياك من عاداتها      ألا تكـون لأعــزل
جعلت لحر يبتلـى      فى ذى الحياة ويبتلى
    فالبيت الشعرى هنا مكون من أربع تفعيلات والتفعيله الثانيه تسمى عروضاً ، والتفعيله الرابعه تسمى ضريا.
4 ـ البيت المشطور : وهو ما حذف نصفه ، وبقى نصفه ، مثل قول الشاعر :       
                     إنك لا تجنى من الشوك العنب
    فالبيت هنا من بحر الرجز ، وهو مكون من ثلاث تفعيلات فقط ولذلك يسمى مشطورا أى نصف بيت .
5 ـ البيت المنهوك : وهو ما حذف ثلثا شطريه وبقى الثلث الآخر
مثل قول الشاعر :     ياليتنى فيها جزع           
  أخب فيها وأضع
       * وأما الألقاب التى تطلق غبى البيت حسب صورة القافيه والعلاقه بين العروض والضرب فى هيئة اللفظ وصورة الوزن :
1 ـ البيت المصمت : وهو ما خالفت عروضه ضربه فى الروى مثل قول ابن زيدون فى مطلع قصيده له من بحر الطويل :
   لعمرى ، لئن قلّتْ اليك رسائلى    لأنت الذى نفسى عليه تذوب
  فلا تحسبوا أنى تبدلت غيركـم    ولا أن قلبى من هواك ، يتوب
2 ـ البيت المصروع : وهو ما غيرت عروضه للالحاق بضربه بزياده أو نقص .
       فمثال العروض التى تغير بزيادة للالحاق بالضرب قول ابن زيدون فى مطلع قصيدة يمدح فيها ابن جهور ويرثى أمه :
    هو الدهر فاصبر للذى أحدث الدهر   فمن شيم الأبرار فى مثلها الصبر
       فعروض بحر الطويل دائما مقبوضه ، وهى هنا جاءت تامه على وزن (مفاعيلن ) ( دث الدهر ) للإلحاق بالضرب التام وحقها أن تكون مقبوضه على وزن (مفاعلن ) لأن القبض هو حذف الخامس الساكن ، فتحذف الياء من مفاعيلن فتصير (مفاعلن) .
       ومثال العروض التى تغير بنقص للالحاق بالضرب قول ابن زيدون فى مطلع غزلى من قصيدة يمدح فيها الوزير محمد بن جهور :
    أما علمتْ أن الشفيع شباب     فيقصر عن لوم المحب عتاب
فالعروض هنا ( شباب ) على وزن ( مفاعى ) ، وتنقل الى فعولن وهذا التغيير بالنقص يسمى ( الحذف ) وهو إسقاط سبب خفيف من آخر التفعيله العروض أو الضرب حيث تتحول ( مفاعيلن ) الى (مفاعى وتنقل الى فعولن )
3 ـ البيت المقفى : وهو البيت الذى تساوى فيه العروض والضرب يلا تغيير مثل قول ابن زيدون فى مطلع قصيده يرثى فيها أم المعتضد ويمدحه .
ألا هل درى الداعى المَثوبُ إذ دعا  
بنعيك أن الدين من بعض ما نعـى
       فالعروض هنا مقبوضه ، والضرب مقبوض ، وهما كذلك فى الضوابط العروضيه لهذا البحر .
4 ـ البيت المدور : وهو البيت الذى اشترك شطراه فى كلمة واحده بأن يكون بعضها من الشطر الأول وبعضها من الشطر الثانى ، ومنه قول ابن زيدون من قصيده له وهو فى السجن يشكو سوء حاله الى ابن جهور :
أيها المؤْذِنى بظُلم  الليالـى    ليس يومى بواحد من ظلوم
قمر الأفق إن تأملت والشـم   ـس يُكسَفانِ دون النجـوم




الزحافات والعلل
 أولا ـ مدلول الزحاف :
          يعرف علماء العروض الزحاف بأنه ( تغيير يلحق بثوانى أسباب الأجزاء للبيت ، أى أنه لا يكون إلا فى السبب الثقيل أو الخفيف من التفعيله ـ وهو يتخذ صورتين من التغيير
( أ ) ـ تغيير الحركة ( ب ) حذف الحرف .
     فتغيير الحركه مثل تسكين التاء فى (متَفاعلن) فتصير (متْفاعلن) وحذف الحرف مثل حذف الألف في ( فاعلن) فتصير (فعلن) ويسمى ذلك التغيير فى شكل التفعيله (خبنا)
       ومن خصائص الزحاف أنه إذا دخل فى بيت من أبيات القصيده فلا يجب إلتزامه فى باقى الأبيات وأنه يمكن أن يدخل أجزاء البيت كلها (من صدر وعجز، وعروض وضرب وحشو).

ثانيا ـ مدلول العله :
       العله هى تغيير فى شكل التفعيله مختص بثوانى الأسباب واقع فى عروض البيت أى فى التفعيله الأخيره من الشطره الأولى ـ والضرب لازم لهم أى أنه إذا لحق هذا التغيير بعروض أو ضرب فى أول بيت من قصيده وجب استعماله فى سائر أبياتها .
       فالعله لا تدخل فى حشو البيت ، وانما تختص بالعروض والضرب أما الزحاف فيدخل فى جميع أجزاء البيت .
       وهذه التغييرات التى تطرأ على التفعيلات الشعريه فى داخل النسق الإيقاعى للبحر الشعرى ـ الذى ينظم عليه الشاعر قصيدته أو قصائده تتنوع من تغيير حركى الى تغيير يحذف بعض الحروف، الى تغيير بزياده بعض الحروف الى تغيير مزدوج باجتماع زحافين فى تفعيله واحده
       كل هذه التنويعات فى شكل التفعيله الشعريه ، لا تسبب اضطرابا فى موسيقى الشعر ، ولا خللا فى ايقاعه . بل عدها النقاد مظهر ثراء للموسيقى الشعريه وبخاصة فى ( الشعر المقفى ) لأنها تقضى على الرتابه الإيقاعيه ، وتدفع الملل عن المتلقى .
       فالايقاع فى الشعر المقفى يتمثل فى التفعيله التى تتكون من تكرارها وحدات البيت الموسيقيه ، والوزن يتمثل فى مجموع تفاعيل البيت .
       وغير صحيح أن الوحدات الإيقاعيه المتمثله فى تفعيلات البيت الواحد متساويه تماماً لأن التفعيلات تختلف تبعاً للزحافات والعلل العروضيه التى تطرأ عليها .
       فمثلاً: (متفاعلن) يمكن أن تصير (متفاعلن) أو (متفاعل) أو (متفاعل) بتسكين التاء أو تحريكها، أو تصير (متفا) أو (متفا) بتسكين التاء أو تحريكها .
       و(مستفعلن) يمكن أن تصير (فعلاتن) أو (فالاتن) أو (فاعلا) أو (فعلا) أو (فعلان). فالتفعيلات كلها تتنوع موسيقيا فى البدء والحشو والختام فى الأبيات.
       وحروف الكلمات التى تقابل حروف التفعيلات تختلف بعضها عن بعض ، ما بين حروف ساكنه وحروف طويله وحروف لينه ، وهذا الإختلاف الصوتى ينوع الموسيقى وينوع معانى الإيحاء الموسيقى فى الوزن الواحد .
       ويقول د / محمد مندور ( وأما شعرنا العربى فمن المعروف أن أساسه الموسيقى أو العناصر الأوليه فى موسيقاه فى الحركه والسكون ، ومن هذه الحركات والسكنات تتكون الفواصل المختلفه ، وكل مجموعه من الفواصل تكون تفعيله تقابل ما يسمى بالقدم عند الغربيين .
       وأوزان الشعر العربى تتكون من مجموعات من التفاعيل ( المتساويه ) أو ( المتجاوبه ) مع اختلاف بسيط تسمى ( بالزحافات والعلل) وهى الخلافات التى لا تؤدى الى تغيير النسق الموسيقى العام للبيت الشعرى ، وقد يكون بعضها مما لا تكاد تدركه الأذن ، وانما يكتشف بالتقطيع لا بالترجيع ، وبعضها الآخر يستدرج بعمليات تعويض عند إنشاد الشعر .
ومن أهم وسائل التعويض الصمت الخفيف فى بعض المواضع .
       ويؤكد د مندور أن الخروج على نظام البيت الشعرى (ذى الشطرين ) أحدث ضعفا فى الإيقاع فى ( الشعر الحر ) يقول فى معرض موازنته بين موسيقى الشعر الحر والشعر المقفى ولكننا نحس بأن هذا النوع من الشعر ( الشعر الحر ) إذا كان يحتفظ بالكم الموسيقى أى بالوحده الزمنيه التى تتكون من التفعيله ، وطريقة البناء الداخلى لكل تفعيلة إلا أن الخروج على البيت كوحده موسيقيه يضعف الإحساس بما يسمونه فى علم الموسيقى (بالإيقاع) وهو (تردد ظاهرة معينة على مسافات زمنيه متساويه أو متقاربه ، داخل الوحده الموسيقيه ، وقد تكون هذه الظاهره صمتا خفبفا أو سكونا أو حركه معينه ، زالذهاب بالإيقاع أو ضعفه فى الشعر الجديد هو الحافز للثوره ضده ، لأن ضعف الإيقاع فى هذا الشعر يقلق الآذان التى اعتادت على وضوح الإيقاع فى النمط التقليدى للشعر العربى القائم إلى اعتبار البيت كله بتفاعيله المحدوده الوحده الموسيقيه للقصيده )
       وإذا كان الزحاف فى بعض تشكيلاته يعد مظهر ثراء موسيقى وخصوبه إيقاعيه ، فإنه فى احيان أخرى إذا أكثر منه الشاعر فى قصيدته يكون مصدر خلل واضطراب .
       وقد ألمحت الى هذه الظاهره ( نازك الملائكه ) وعابت على الشعراء المحدثين من شعراء ( مدرسة الشعر الحر ) إفراطهم فى استعمال ظاهرة ( الزحاف ) وبخاصة فى ( بحر الرجز ).
       ومن الملاحظ أنها بالغت فى تضخيم فساد هذه الظاهره وهى التصرف فى تفعيلة بحر الرجز ( مستفعلن ) بالتغيير فى السببين الخفيفين ( مستف ) أو ( الوتد المجموع ) ( علن ) ، وتقول معنفة أصحاب الشعر الحر ( وإنه لعار يلحق بالشعر الحديث ان تكون ) منظومات أسلافنا التعليميه ( مثل ألفيه ابن مالك وغيرها ) أوفر موسيقى من شعرائنا المعاصرين ، ونحن أشد أسفا على ذلك لأننا ندرى أن شعراءنا لا يقلون مواهب عن أولئك القدماء غير أن الإستهانه بالقواعد وقلة المبالاه بالخطأ قد باتت فى عصرنا شبه نمط مضلل وقع فيه الجيل ، وليس الذنب ذنب الحريه كما يظن أناس يحبون التقليد والجمود ، وانما هو ذنب الجهل وضعف السمع حينا ، وذنب عدم المبالاه أحيانا .
       وتضعف ( نازك الملائكه ) الزحاف الذى يمس تفعيلة بحر (الرجز) فيحيلها من ( مستفعلن ) الى ( مفاعلن ) بأنه مرض شاع شيوعا فادحا فى الشعر الحر ، واستهان به الشعراء ، أو لم يحسوا به فتركوه يغيث فى شعرهم ويفسد أنغامه .
       والواقع أن هذا الزحاف مباح فى وزن الرجز ، وقد ورد فى شعر أسلافنا كثيرا وكان وروده جميلا مقبولا لا مأخذ عليه .
       وإنما أبيح ذلك فى وزن الرجز لأنه يدخل تنوعا وتلوينا على التفعيله ( مستفعلن ) حيث الإنتقال منها الى زحافها ، بين الحين والحين ، يدخل على القصائد الرجزيه جمالا وموسيقيه ، ولم يزل الشاعر العربى الحديث يلجأ الى هذا التنويع الذى هو صفه عامه فى بحر الرجز فى تركيبه ، والعرضيون يعترفون بها ويفسحون لها مجالا فى كتبهم وقواعدهم .
       غير أن ما لم يفعله الشاعر القديم قط ، وإنما ينزلق اليه الشاعر المعاصر ، هو أن يكتب أبياتا كامله ، وأشطر تفعيلاتها كلها مصابه بالزحاف .
       هذا مثلا نموذج من شعر ( صلاح عبد الصبور ) قال فى الرجز :
     ( وحين يقبل المساء يقفر الطريق والظلام محنة الغريب )
       وقد اعترضت ( نازك الملائكه ) على موسيقى هذا البيت لأن تفعيلات البيت كلها دخلها الزحاف وهو ( الخبن ) حذف الحرف الثانى الساكن .
       وهذا التغيير الذى طرأ على جميع التفاعيل جعلت البيت كما تقول الناقده الشاعرة (ركيك الإيقاع، ضعيف البناء، منفرا للسمع).
    وتقطيع البيت هكذا :
وحين يقـ   بل المسا     ءُ يقفر الط 
متفعلــن    متفعــلن    متفعلـن
                     ريق والظ   ظلام مِحسـ    ـنةُ الغريب
                     متفعـلن    متفعــلن     متفعـــلان
       وتعلق ( نازك الملائكه ) على هذا التصرف الموسيقى الضار بالإيقاع الشعرى قائله :
       ومن المؤسف أن يكون النادر اليوم فى قصائد الرجز هو التفعيله السليمه وأن شعرنا صار من المرض بحيث كدنا أن ننسى طعم العافيه ، وقد تفشى الزحاف الذى هو فى نظرنا مسئول الى حد كبير عن شناعة الإيقاع ، والنثريه ، وغيرهما مما يشكو الجمهور وجوده فى الشعر الحر ، والحق مع الجمهور
       وإذا كانت الشاعره نازك الملائكه تقف بحزم فى وجه الشعراء الذين يستهينون بضوابط العروض ومصطلحاته ، وتصفهم بالجهل وضعف السمع ، وعدم المبالاه .
       فإن ميخائيل يتطرف فى موقفه المضاد لموقف نازك الملائكه ويرمى عروض الخليل بالجمود والتأخر والسفسطه ، يقول معقيا على اكتشاف الخليل ( للأوزان الشعريه من مقال له تحت عنوان ( الزحافات والعلل )
       منذ ذلك الحين ياأخى ( أى بعد اكتشاف الخليل لعلم العروض ) أخذ الوزن يتغلب رويدا على الشعر الى أن أصبح الشعر لاحقا والوزن سابقا ) وأصبح كل من قدر على أن يتغلب على عروض الخليل بأوزانها وزحافاتها وعللها أهلا لأن يدعى شاعرا .
       لو نظرت ياأخى الى ما جمعناه منذ نيف وألف سنه لوجدته ـ مع استثناء قليل منه ـ معروضا للأبحر الشعريه بين طويلها وبسيطها وكاملها وخفيفها ـ الخ مع ما يطرأ عليها من ( الزحافات والعلل ) .
       لا تضحك ، فالموقف موقف بكاء لا ضحك ، أمن المضحكات أن ندفن ألف سنة من حياتنا الأدبيه بالزحافات والعلل ؟
       العروض لم يسئ الى شعرنا قط ، بل اساء الى أدبنا بنوع عام ، فبتقديمه الوزن على الشعر قد جعل الشعر فى نظر الجمهور صناعه ، إذا أحاط الطالب بكل تفاصيلها أصبح شاعرا ، وأذ أن للشاعر منذ بدء التاريخ مقاما رفيعا بين قومه أصبح كل طالب شهره يلجأ الى العروض كأنه أقرب الموارد ، وبذاك انصرف أكثر مواهبنا الى قرض الشعر ، فأفقنا اليوم ولا روايات عندنا ولا مسارح ولا غلوم ولا اكتشافات ولا احتراعات .
       ويروى ميخائيل نعيمه أن الشعر الحقيقى لا ينحصر فى عشرات من البحور ولا فى ألوف من الأبواب ، ففى كل عاطفه باب ، وفى كل فكر بحر ، بل إن فى مظهر العاطفه الواحده ، ألف باب وباب ، وفى ثنية واحده من ثنيات الفكر الواحد ألف بحر وبحر، ومتى أدرك الشعراء الجدد أن مصدر الشعر طى النفس عكفوا على درس أنفسهم ، وتفقدوا زواياها وخباياها ، حتى إذا ما عثروا هنالك على عاطفه ترتعش وفكر يتململ صاغوا لتلك العاطفه ولذاك الفكر لباسا من الكلام يليق بهما .
       وليس من الكلام ما يليق لباسا للعاطفه الحيه والفكر المستيقظ الا ما جمع منه بين ائتلاف الوان الرسام وتناسق اشكال النحات وتوازن خطوط البناء وترابط الحان الموسيقى .
       وحين نعاود قراءة مقال ( ميخائيل نعيمه ) كله ( فى كتاب الغربال ) ندرك أنه لم يقصد الى ارساء أسس نقديه ، وقوانين علميه لموسيقى الشعر العربى ، ولكنه يتكلم بعاطفة الأديب وليس بعقلية الباحث .
       وليس هناك ناقد أو أديب أو شاعر عربى له قدمه الراسخه فى ميدان النقد والشعر يعتقد أن قواعد العروض تسبق التجربه الشعريه ، وتصيح غاية للشاعر ، فقديما قال أبو العتاهيه :
        ( أنا أكبر من العروض ) ومسيرة التجديد الموسيقى فى الشعر العربى لم ينحسر مدها ، ولم ينطفئ وهجها .
       والذين ينظمون شعرهم تحت مظلة العروض ( وفقط ) ليس لهم مكان فى ساحة الشعر التى يحميها فرسان الكلمه ، وحماة فن العربية الأول ( الشعر ) وهم الشعراء الحقيقيون .
ثالثـا : أنواع الزحافات :
         ينقسم الزحاف الى قسمين :
أ ـ مــــفرد
ب ـ مركـــب
أ ـ  الزحـــــاف المفـــــرد :
             وهو الذى يدخل فى سبب واحد من أجزاء البيت .
والتغييرات فى الزحاف المفرد ثمانيه :
1 ـ الإضمــــار: وهو تسكين الثانى المتحرك فى (متفاعلن) فتصير متفاعلن بإسكان التاء .
2 ـ الخَبـْــــن : وهو حذف الثانى الساكن مثل حذف الألف من فاعلن فتصير (فعلن) ، وحذف (السين) من (مستفعلن) فتصير (متفعلن).
3 ـ الوَقْـــــص : وهو حذف ثانى التفعيله متى كان متحركا وثانى سبب مثل حذف التاء من ( متفاعلن ) فتصير ( مفاعلن ) ويلاحظ أن التغيير شاذ ونادر الوجود فى تفعيلة بحر الكامل ( متفاعلن ) .
4 ـ الطَــــــىّ : وهو حذف رابع التفعيله متى كان ساكنا وثانى سبب مثل حذف الفاء من (مستفعلن) قتصير (مستعلن) أو حذف الألف من ( متفاعلن ) فتصير ( متفعلن )، أو حذف الواو من ( مفعولات ) فتصير ( مفعلات ) .
5 ـ العَصْـــــب : وهو اسكان خامس التفعيله متى كان متحركا وثانى سبب، مثل تسكين اللام فى (مفاعلتن) بتحريك اللام، فتصير ( مفاعلتن ) بتسكين اللام .
6 ـ القَبْـــــض : وهو حذف خامس التفعيله  متى كان ساكنا وثانى سبب مثل حذف النون من (فعولن) فتصير (فعول) وحذف الياء من (مفاعلين) فتصير (مفاعلن).
7 ـ العَـقْـــل : وهو حذف خامس التفعيله متى كان متحركا وثانى سبب ، مثل حذف اللام من ( مفاعلتن ) فتصير (مفاعتن) وتنقل الى ( مفاعلن).
       ويلاحظ أن هذا التغيير شاذ ونادر الوجود فى تفاعيل بحر الوافر، ومن استقراء معظم القصائد التنى جاءت منظومه فى قالب بحر الوافر لم أعثر على هذا التغيير .
8 ـ الكَـــفّ : وهو حذف سابع التفعيله متى كان ساكنا وثانى سبب مثل حذف النون من (مفاعيلن) فتصير (مفاعيل)، ومثل حذف النون من ( مستفع لن ) فتصير ( مستفع ل) ومثل حذف النون من (فاعلاتن) فتصير (فاعلات) ومثل حذف النون من (فاع لاتن) فتصير (فاع لات) .
       ** وحين نتأمل تعريفات أنواع الزحاف المفرد نجد أنه لا يتناول من التفعيله الا الحرف الثانى أو الرابع أو الخامس أو السابع فهو لا يدخل الحرف الأول بداهة ، ولا الثالث لأنه لا يكون الا أول سبب أو ثالث وتد ، ولا السادس لأنه . أى الحرف السادس إما أن يكون أول سبب أو ثانى ( وتد ) ، وذلك لأنه لا تتوالى ثلاثة أسباب فى تفعيله واحده ، فان جاء فيها ـ سبب فوتد ـ فمجموعهما خمسة أحرف فيكون السادس أول سبب ، وان توالى سببان كان السادس ثانى وتد.
ب ـ الزحاف المركب :
       وهو الذى يلحق بسببين من الأجزاء فى البيت الشعرى ، ويتكون كل نوع منه من نوعين من الزحاف المفرد .
1 ـ الخَبْـل : وهو مركب من الخبن والطى فى تفعيله واحده كحذف سين وفاء من ( مستفعلن ) فتصير ( متعلن ) وحذف الفاء والواو من ( مفعولات ) فتصير ( معلات ) .
2 ـ الخَـذْل : وهو مركب من الإضمار والطى كإسكان التاء وحذف الألف من ( متفاعلن ) فتصير ( متفعلن ) بإسكان التاء وهذا التغيير نادر الإستعمال فى موسيقى بحر الكامل .
3 ـ الشَـكْل : وهو مركب من الخبن والكف كحذف الألف الأولى والنون الأخيره من ( فاعلاتن ) فتصير ( فعلات ) .
4 ـ النَقْـص : وهو مركب من العصب والكف كتسكين الخامس المتحرك وحذف السابع الساكن من (مفاعلتن) فتصير (مفاعلت) .
رابعا ـ أنواع العلل :
      وتنقسم العله الى نوعين :
    أ ـ الزياده                        ب ـ النقص
أ ـ أنواع علل الزياده :
1 ـ الترفيل : وهو زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع نحو (فاعلن)، فتقلب النون ألفا وتزيد سببا خفيفا فتصير (فاعلاتن) ونحو ( متفاعلن ) فتصير (متفاعلاتن).
2 ـ التذليل: وهو زيادة حرف ساكن على ما آخره وتد مجموع نحو (مستفعلن) فتصير (مستفعلتن) وتنقل الى (مستفعلان) ونحو (متفاعلن) وتصير (متفاعلان) ونحو (فاعلن) فتصير (فاعلان).
3 ـ التسبيغ : وهو زيادة حرف ساكن على ما آخره سبب خفيف نحو ( فاعلاتن ) تصير ( فاعلاتان)
ب ـ أنواع العلل التى تكون بالنقص ، وهى تسع علل :
1 ـ الحذف: وهو اسقاط السبب الخفيف من آخر التفعيله مثل (مفاعلين) فتصير ( مفاعى ) وتنقل الى ( فعولن ) وهذه العله توجد فى الضرب الثانى لبحر الهزج مثل قول الشاعر :
غــزال ليــــس لى منه      سوى الحزن الط   طويل
مفاعيلــن   مفاعيلــــن      مفاعيلـن     مفاعــى
2ـ القَطْـف: وهو اسقلط السبب الخفيف واسكان ماقبله فى نحو (مفاعلتن) فتصير ( مفاعل ) وتنقل الى ( فعولن ) وهذه العله لازمه لعروض وضرب الوافر التام، مثل قول أحمد شوقى :
إلام الخلـد بينكمو  إلا ما      وهذى الضجّة الكبرى  علاما
مفاعلتن  مفاعلتن  فعلولن      مفاعلتـن  مفاعلتـن  فعولن
3 ـ القَصْـر : وهو إسقاط ساكن السبب الخفيف وإسكان متحركه فى نحو (مفاعيلن) فتصير (مفاعيل)، ومثل (متفع لن) فى بحر الخفيف المجزوء تأتى العروض مجزوءه والضرب مخبونا مقصورا مثل قول الشاعر :
كل خطب إن لم تكـو      نوا غضِبتــم  يسيــرُ
ومنه قول محمود حسن إسماعيل :
أمـكم مصر وفى تاريخـها      ما يرد الغرب نديان الجبـينْ
فأسألوها واسمعوا فى تربهما      يزعج الآفاق صوت الراقدينْ
* فالضرب هنا على وزن : فاعلات ، والتفعيله أصلها فاعلاتن وحذفت النون وسكنت التاء.
4 ـ القطع: وهو حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان ماقبله فى فاعلن  فتصير (فاعل) وتنقل الى (فعلن).
       وهذه العله كثيرة الورود فى تفعيلة بحر ( المتدارك ) مثل قول صاحب هذه السطور من قصيدة بعنوان (دوائر النهر)
فى  نهرك ألقى أحجارى        فتمور دوائر أشعارى
تتموج فيها  أنفاســـى       وتعانق أفْـق الأغوار
ويمكن تقطيع البيت الأول هكذا :
فى نه   رك أل   قى أحـ     جارى
فعلن    فعلـن    فعلــن     فعلـن
فتمـو   ردوا   ئر أش   عـارى
فعلـن   فعلن   فعلـن   فعلــن
5 ـ التشعيث : وهو حذف أول ، أو ثانى الوتد المجموع فى نحو (فاعلن) فتصير (فالن) أو (فاعن)، فينقل الى (فعل)، ونحو (فاعلاتن) تصير (فعلاتن).
       ومثل ذلك ضرب بحر الخفيف يدخله (التشعيث) وعروضه صحيحه مثل قول الشاعر :
ليس من مات فاستراح بميت         إنما الميت ميت الحيـاء
6 ـ الحَذَذ : وهو حذف الوتد المجموع برمته فى ( مستفعلن )، فتصير ( مستف ) ، وتنقل الى ( فعلن )، وكذلك (متفاعلن) تصير (متفا) بعد حذف ( علن ) وهو الوتد المجموع ، وتكون العروض حذاء والضرب مثلها فى بحر الكامل مثل قول الشاعر :
وحــراء نبع فى تماوجه         الأرض بالعلياء تتصل
صخرٌ ومنه تفجرت شُهْب        ولها بكل منارة  شُعَـل
7 ـ الصَلْم : وهو حذف الوتد المفروق برمته من آخر الجزء فى (مفعولات) فتصير ( مفعو ) فتنقل الى ( فعلن ) .
  وتأتى هذه العله فى ضرب بحر السريع ، والعروض مكسوفه، مثل قـول الشاعر:
من لسقيم ماله عائد         وميت ليس له ناع
8 ـ الكَسْف : وهو حذف آخر الوتد المفروق فى ( مفعولات ) فتصير ( مفعولا ) وتنقل الى ( مفعولن ) .
       ومثال ذلك فى بحر السريع تأتى العروض مطويه مكسوفه ويأتى الضرب مثلها ، مثل قول الشاعر :
لله در البين ما يفعل            يَقتل من شاء ولا يُقتل
9 ـ الوَقْف : وهو تسكين متحرك آخر الوتد المفروق فى (مفعولات) فيصير ( مفعولات ) .
     وقد يجتمع الحذف والقطع معا فيسمى (بالبتر) نحو (فاعلاتن) فتصير الى (فاعل) وتنقل الى (فعلن)
     ومثال ذلك قول الشاعر :
أنضجت نار الهوى كبدى          ودموعى تطفئ النارا

                             ***
                            





أوزان البحور
      البحر الشعرى : هو الوزن الخاص الذى على مثاله يجرى الناظم  والمشهور ان الخليل بن أحمد قد وضع منها خمسة عشر بحرا وزاد عليها الأخفش ( الإمام العالم أبو الحسن سعيد بن مسعده الأخفش بحرا أسماه المتدارك ، ولكن هذا الرأى المشهور لاحظ له من الصواب ، وقد ناقش هذه القضيه وفندها د / أحمد عبد الدايم فى كتاب (العروض)  للأخفش الذى حققه تحقيقا جيدا ، وأثبت فيه أن بحر ( المتدارك ) قد عرفه الخليل ولكنه رفضه وأبى أن ينظم عليه، يقول: "والأوقع عندى أن الخليل استهجن النظم على هذا البناء على الرغم من نظمه هو نفسه عليه ، إلا أن النظم عليه لا يحتاج الى موهبه أو حرفه ، وليس فيه فن الصنعه ، بل هو بحر سوقى".
       والأدلة التى ساقها د/ أحمد عبد الدايم لنسبة هذا البحر الى الخليل مقنعه ، وقد أيده د / رمضان عبد التواب فى مقدمته للكتاب فقال مشيدا بالمحقق ومنهجه فى التحقيق: "ولم ينس وهو يقدم للكتاب ويترجم لصاحبه أن يناقش قضيتين مهمتين تتصلان بالأخفش ، وعلاقته بعروض الخليل بن أحمد أولاهما : استدراكه على الخليل ( بحر المتدارك ) والأخرى ( إنكاره للمضارع والمقتضب والمجتث ) وأظن أنه قد وضع النقط على الحروف فى هاتين القضيتين اللتين أثارهما بعض المؤلفين ، وأقنع القارئ بما وصل فيهما من نتائج ضمنها تقديمه للكتاب .
       ومن أقوى الحجج التى أثبتها د / أحمد عبد الدايم  ، أن الخفش لم ينسب الى نفسه اختراع هذا البحر ، وكذلك تلاميذه لم يتحدثوا بهذا الإستدراك على الخليل .
       والعلماء الذين ضمنوا مؤلفاتهم العروضيه ، كثيرا من آراء الأخفش مثل ابن جنى ، وحماد الجوهرى ، وابن عبد ربه ، والدمنهوى ، والتبريزى لم يتحدثوا بهذا الأمر ، ولا يعقل أن يتجاهلوه إن كان صحيحا
       ولكن الحجه التى ساقها فى نهاية مناقشته لهذه القضيه وهى استهجان الخليل فى النظم على هذا البناء ، لأن النظم عليه لا يحتاج الى موهبة أو حرفه وليس فيه فن الصناعه .
       هذه الحجه لا تقوم وحدها دليلا على رفض الخليل لهذا البحر وذلك لأن هذا الشعر الحر فى معظمه الآن ينظم على هذا البحر ، وتأتى تجارب الشعراء عميقه مؤثره لها أبعادها المتراميه وآفاقها الممتده ، واذا تصفحنا شعر ( صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطى حجازى وأمل دنقل ) ستجد أن كثيرا من نماذجهم الشعريه الرائده صيغت فى قالب هذا البحر وتصل نسية البحر فى بعض الدواوين الى 50 % كما فى ديوان تأملات فى زمن جريح للشاعر صلاح عبد الصبور .
       ويمكن أن تكون ندرة النماذج التى وردت فى الشعر القديم منظومه فى هذا القالب النغمى ( بحر المتدارك ) هى الدافع الأول لرفض الخليل النظم عليه ، ولا يعنى هذا رفض موسيقاه .

** وفى تحليل أوزان البحور نتبع لتقسيم الآتى :
أولا : البحور الصافيه ( ذات التفعيله الواحده ) وتسمى أيضا (البحور المفرده ) وهى :
   البحــر                           أجزاؤه
1 ـ الهزج :  مفاعيلن ـ مفاعيلن ـ مفاعيلن ـ مفاعيلن
2 ـ الوافر :  مفاعلتن مفاعلتن فعولن   مفاعلتن مفاعلتن فعولن
3 ـ الكامل : متفاعلن متفاعلن متفاعلن  متفاعلن متفاعلن متفاعلن
4 ـ الرجز: مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن
5 ـ الرمل: فاعلاتن فاعلاتان فاعلاتن  فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
6ـ المتقارب: فعولن فعولن فعولن فعولن   (أربع مرات)
7 ـ المتدارك: فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن   (أربع مرات)
ثانيا ـ البحور المركبه أو الممتزجه وهى :

      البحر                              أجزاؤه
8 ـ البسيط : مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن      (مثل ذلك)
9 ـ الطويل : فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن       (مثل ذلك)
10 ـ المديد: فاعلاتن فاعلن فاعلاتن   فاعلاتن فاعلن فاعلاتن
11ـ السريع: مستفعلن مستفعلن مفعولات     (مثل ذلك)
12ـ المنسرح: مستفعلن مفعولات  مستفعلن  (مثل ذلك)
13ـ الخفيف: فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن     (مثل ذلك)
14 ـ المضارع : مفاعيلن  فاع لاتن    مفاعيلن فاع لاتن
15 ـ المقتضب : مفعولات مستفعلن   مفعولات مستفعلن
16 ـ المجتث : مستفع لن فاعلاتن   مستفع لن  فاعلاتن

***
بحـر الهزج
    أجزاؤه : ( مفاعيلن / مفاعيلن         مفاعيلن / مفاعيلن )
    ويأتى هذا البحر على صورتين :
      1 ـ عروض صحيحه وضرب صحيح :
              مفاعيلن   ـ   مفاعيلن     مفاعيلن   ـ  مفاعيلن
      مثل قول الشاعر : عزيز أباظه علىلسان الرشيد فى مسرحيته الشعريه ( العباسيه )
عجبنا لم نكن حربا           على مصر ومن فيها
مفاعيلن   مفاعيلن            مفاعيل    مفاعيـل
بذلنا الأمن واليسرا            ففاضا فى   نواحيها
مفاعيلن   مفاعيلن            مفاعيـلن   مفاعيلن
فالعروض هنا صحيحه ( مفاعيلن ) ، والضرب صحيح (مفاعيلن)
2 ـ عروض صحيحه وضرب محذوف (مفاعى)
وهذا الوزن نادر الوجود فى الشعر القديم ، ومنه قول الشاعر :
متى أشفى غليــــلى      بنَيْل من بخيــــل
غزال ليس لـى منــه      سوى الحـزن الطويل
حملت الضــيم فيه من      حســود أو عـزول
مفاعيلــن  مفاعيــلن     مفاعيــلن   مفـاعى
       ويبدى د.صابر عبدالدايم عدم موافقته للدكتور أنيس فيما ذهب اليه من قوله : إن هذا اللون الثانى من وزن بحر الهزج صناعه عروضيه ، ونؤثر أن نضرب عنه صفحا ، إذ لا يصح أن نستنبط وزنا من أوزان الشعر ببيت منفرد منعزل لا ندرى شيئا عن القصيده التى أقتبس منها)
وذلك لأن البيت الذى استشهد به د / ابراهيم أنيس وهو :
وما ظهرى لباغى الضيـيم بالظهر الذلول
ليس بيتا منفردا ، بل هو من قصيده مطلعها :
متى أشـفى  غليلــى         بنيـل من بخيـــل
غزال ليس لـى  منـه         سـوى الصبر الطويل
جميل الوجه أخلانــى        من الصبر  الجميــل
حملت الضيم فيه  مـن        حسـود  أو  عــذول
وما ظهرى لباغى الضي       مِ  بالظهــر الذلــول
       وندره الأمثله لا يلغى القاعده ، فبحر المتدارك ندرت أمثلته فى الشعر القديم ، ومع ذلك بقيت أوزانه وحظى بمكانه كبيره فى ايقاع الشعر العربى المعاصر شعر التفعيله
    تنبيه :
       نبه علماء العروض الى أته ( يدخل فى حشو الهزج من الزحاف كف ( مفاعيلن ) فتصير ( مفاعيل ) وهو مستحسن ، وقيض مفاعيلن وهو مقبول بشرط أن لا يتفق الزحافان فى الجزء الواحد .
       والهزج : وزن ثقيل الصله بمجزوء ( الوافر ) ويلتبس الأمر فى بعض الأحيان فلا ندرى أيعد البيت من مجزوء الوافر أم من الهزج ؟
       والصفه التى تفرق بين الهزج ومجزوء الوافر هى أن مفاعلين فى الهزج يجوز أن تصبح مفاعيل فقط ، وقد استقبح علماء العروض هذا فى الوافر ولم يستسيغوه ، وكذلك ( مفاعلن ) لا تجئ فى وزن الهزج ، ومنه قول العقاد :
نزيل المنول الخالى      ألا تعـرف عنوانى
إذا ما طفت  حوليه      فثق أنـك  تلقـانى
فما من منزل .. إلا     وفيه بعـض  ألوانى

بحـر الوافـر
وتفاعيل هذا البحر هى :
مفاعلتن   مفاعلتن  مفاعل         مفاعلتن  مفاعلتن   فعولن
وتحــول مفاعل إلى فعولـن
ويأتى هذا البحر فى ثلاث صور :
1- أن يكون البحر تاما والعروض مثل الضرب ( فعولن )
أ- مفاعلتن  مفاعلتن   فعولن       مفاعلتن  مفاعلتن   فعولن
ومنه قول أحمد شوقى :
     أنادى الرسم لوملك الجوابا     وأجزيه  بدمـعى لو أثابا
     أنادر رسـ ملوملكل جوابا     وأجزيهى بدمعيلو  أثـابا
     مفاعلتن  مفاعلتن   فعولن     مفاعلتن  مفاعلتن  فعولن
وفعولن هنا أصلها : مفاعل ، بعد أن دخلها القطف فى العروض والضرب : وهو إسقاط السبب وإسكان ما قبله فى نحو : مفاعلتن فيصير مفاعل " فينقل إلى فعولن" .
2- أن يكون البحر مجزوءا ، أى يكون مكونا من أربع تفعيلات :
               مفاعلتن  مفاعلتن        مفاعلتن  مفاعلتن
وهذا الشكل يأتى على صورتين :
       أ- العروض مثل الضرب " صحيحة مجزوءه " ، مثل قول الشاعر إبراهيم ناجى :
       سناكِ صلا ة أحلامى       وهكذا الركـ ـن محرابى
       مفاعلتن     مفاعلتن        مفاعلـتن  مفاعلتـــن 
       به ألقــيت آلامــى      وفيه طرحــت أوصابى
       مفاعلتن     مفاعلتـن       مفاعلتـن   مفاعلتــن
ومن ذلك الشكل الشعرى قول اسماعيل عقاب فى ديوانه "هى والبحر"
أنا النيران فى  الشفق       وأنت البحـر يا نزقى
فهات الموج   دفـاقا       ليطفى جـذوه  الشفق
وأهوى حيثما أهـوى فدونك روعـة الغرق
ب- العروض مجزوة صحيحة ( مفاعلتن ) والضرب معصوب (مفاعلتن) ومنه قول الشاعر القروى من قصيدة بعنوان " الداء العياء"
وشر بلائنا حســـــد        يمضُّ نفوسنا  مضّـا
يؤسس فردُنا نفعــــا         فينقض جمعُنا نقضـا

فلو عُرض الزمان  علـى        رجال بلادنـا  عرضا

بشـــرط واحـــد ألا      ينازع بعضـكم  بعضا

 لحاول نفعَهـم عبثـــا        وكان جوابـهم رفضـا

بحـر الكامل
أ- سبب التسمية :
       وهذا البحر سماه الخليل بهذا الاسم ؛ لأن فيه ثلاثين حركة لم تجتمع فى غيره من الشعر ، وله تسعة أضرب لم يحصل عليها بحر آخر .
ب- تفاعليله وهى :
( متفاعلن / متفاعلن / متفاعلن     متفاعلن / متفاعلن / متفاعلن )
جـ- ‎‎‎‎أقسامه :
       يأتى هذا البحر تاما ومجزؤا
أولا - التام :
       يأتى فى عدة قوالب من الوزن تبعا لتنوع العروض والضرب :
(1) إذا كانت العروض صحيحة " متفاعلن " نجد لها ثلاثة أضرب 
(أ) العروض صحيحة والضرب صحيح : مثل قول الشاعر ابن زيدون :
الدهر إن أملى فصيح أعجم     يعطى اعتبارى ما جهلتُ فأعلمُ
إن الذى قدر الحوادث قدرها     ساوى لديه الشهد منها العلقـمُ
فالعروض صحيحة وكذلك الضرب صحيحة على وزن "متفاعلن"
(ب) العروض ، صحيحة (متفاعلن ) والضرب مقطوع على وزن متفاعل مثل قول جرير فى رثاء زوجه " أم حزوة "
عمرت مكرمة المساك وفارقت     مامسّها صلف ولا إقتــار
صلى الملائكة الذين تخـيروا       والصالحون عليك والأبرار
(جـ) العروض ، صحيحة والضرب أحذ مضمر على وزن "مُتْفا" حيث يحذف الوتد المجموع من آخر التفعيلة "علن" وتسكن التاء فى "متفا" ومنه قول أمرئ القيس من قصيدة له:
فلئن هلكت لقد علمت بأننى  حلو الشمائل ماجد الأصل
2ـ إذا كانت العروض حذاء ، على وزن "متفا" نجد لها ضربين:
(أ) ضرب أحذ مثلها على وزن " متفا " مثل قول الشاعر :
وحلاوة الدنيا  لجاهلها       ومرارة الدنيا لمن عقلا
وقول د.صابر عبد الدايم من قصيدة بعنوان الجبل :
أنى أسير يضمنى الجبل     فكأننى فى الصخر أرتحل
من كل زاوية ملامحـه     تبدو وفى الأجواء تنتقـل
فكأنه عين الوجـود إلى     قلب الخفايا لَمْحُها يصـل
فأعاريض القصيدة وأضربها كلها على وزن "متفا" بقتح الفاء.
       ويرى د/ إبراهيم أنيس أن الوزن نادر الوجود فى الشعر القديم ويقرر أن مثل هذا النوع من الوزن لا نكاد نرى له مثلا واحدا فى الشعر الحديث وأتى بنموذج من شعر أبى العتاهية قائلا: "..والقصيدة التى من هذا النوع قليلة فى الشعر العربى بوجه عام مثل قول أبى العتاهية :
الموت بين الخلق مشترك    لا سوقة يبقى ولا ملك
وهذا الحكم ليس مطردا، فهناك قصائد كثيرة فى الشعر الحديث تجرى على هذا النمط، ومن ذلك القصيدة "الجبل" لكاتب السطور:
       ولأبى تمام قصيدة تبلغ تسعة وأربعين بيتا يمدح بها أحمد بن عبد الكريم وكلها جاءت على الوزن عروضا وضربا .
       متفاعلن متفاعلن متفا        متفاعلن متفاعلن متفا
ومطلعها :
       شق الربيع مضايق الحجب         ويدا بوشى شقائق قشب
أما الضرب الثانى فيكون على وزن " متفا " بتسكين الفاء وهو "أحذ مضمر"، وهذا الوزن فى الشعر القديم وفى الحديث كثير ومنه قول أبى تمام:
غطت يداك على فى  لحـدى     وبقيت ما مُدّ المدى بعـدى
ورزقت منك العطف ما حملت    عينى الدموع ودام لى وحدى
نفسى بكتمــانى   معلقــة     بين النوى ومخافـة الصـد
ثانيا : الكامل المجزوء :
       ويتكون من أربع تفغيلات :
متفاعلن  متفاعلن     متفاعلن  متفاعلن
وتتشكل مادته العروضيه من أربع صور ، حيث تظل العروض صحيحة فى الحالات الأربع ، أما الضرب فيجئ على أربع صور :
       ( مرفلا - ومذيلا - وتاما - ومقطوعا )
 وأمثلته هكذا :
أ- العروض صحيحة والضرب صحيح ، ومنه قول أحمد شوقى :
       دنياك من عاداتها           ألا تكون لأعــزل
       جعلت لحر يبتلى            فى ذى الحياة ويبتلى
       فالعروض والضرب هنا وزن " متفاعلن "
ب- العروض صحيحة والضرب مرفل ، ومنه قول أبى تمام :
       نأى وشيك وانطلاق         وغليل شوق واحتراق
       بأبى هوى ودعته           تاهت بصحبته الرفاق
فالتفعيلة فى آخر البيتين على وزن " متفاعلاتن " حيث جاء الضرب مرفلا ، والترفيل هو زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع حيث صارت متفاعلتن ، متفاعلاتن .
جـ - العروض صحيحة والضرب " مذيل " ومنه قول محمود غنيم متحدثا عن جنازة السلام :
عصفت به ريح الوغى       عصفا وغطــاه القتـامْ
فمضى شــهيدا  ماله       قبر يزار ولا مقــــامْ
ليس السلام بســـائد      ما دام فى الدنيـا حطـامْ
فالتفعيله الأخيرة فى هذه الأبيات وهى " الضرب " أتت على وزن متفاعلان فهى مذيلة .
والتذيبيل هو " زيادة حرف ساكن على آخره وتد مجموع .
ومن ذلك قول الشاعر / فاروق جويدة فى قصيدة "مات الحنين" .
       اليوم  تجمعنا   الليالى   بعد   ما مات     الحنينْ
       وتوارت   الأحلام   خوفا   بين   أحزان  السنينْ
       وقضيت  كل العمر   أسأل عنك   طيف  العاشقينْ
       ونسجت  من  أيامى  الحيرى   رداء   البائســين
د- العروض صحيحة والضرب مقطوع على وزن "متفاعل" وهذا الوزن نادر الوجود وقد مثل له العروضيون بهذا البيت:
              وإذا همو ذكروا الإسا ءة أكثروا الحسنات
والقطع هو حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان ما قبله مثل متفاعلن حيث تحذف النون وتسكن اللام وتنقل إلى "متفاعل".




بحـر الرجــــز
أولا : سبب التسمية :
سمى باسم الرجز لاضطراب أوزانه كاضطراب قوائم الناقة عند القيام .
ثانيا : تفعيلاته :
يتكون هذا البحر فى صورته الموسيقية الكاملة من ست تفعيلات هى :
       مستفعلن مستفعلن مستفعلن      مستفعلن مستفعلن مستفعلن
ثالثا : أقسامه : ينقسم هذا البحر إلى أربعة أقسام :
ـ الرجز التام                     ـ الرجز المجزوء
ـ الرجز المشطور                ـ الرجز المنهوك
أـ الرجز التام : يأتى فى صورتين :
الأولى : العروض صحيحة والضرب صحيح ، مثل قول الشاعر:
لم أدرِ هل جنى سبانى أم بشرْ    أم شمسُ ظُهْرٍ أشرقت لى أم قمر
أم ناظر يهدى المنايا  طرفـه    حتى كأن الموت منه فى النظـر
الثانية : العروض صحيحة والضرب مقطوع على وزن مفعولن، ومنه القول :
قلب بلوعـات الهـوى  معمـود     حتى سقتنيه الظباء الغيـد
من ذا يداوى القلب من داء الهوى     إذ لا دواء للهوى  موجود
ب ـ الرجز المجزوء : يتكون من أربع تفعيلات :
وتأتى عروضه مماثلة لضربه ، ومنه قول الشاعر البردونى :
حيث الغيـار الأهـوج     على الرياح ينســـج
وحيث تشمـخ الدُمـى      ويستطيل العوســـج
هناك حيث يدّعـــى      على القشـور  البُهْرج
جزيرة تطفــو علـى     صحو الربـى وتدْلـج
جـ ـ الرجز المشطور :
وهو البيت الذى يتكون من تفعيلات فقط ، ويطرأ على آخره كثير من التغييرات ، ومنه قول " أبى النجم العجلى " فى ديوانه ، نظمه فى أغلبه على إيقاع " الرجز المشطور " يقول :
أوصيك يا بنى فإنى ذاهـــــــب      
( مستفعلن متفعلن مستفعلن )
أوصيك أن تحمدك القرائب    والدار والضيف الكريم الساغب
وقد تنتهى الأبيات بوزن مستفعلن أو ما يناظرها  " فعولن " ومنه قول  أبى النجم العجلى : 
فى مشرق أبلج كالدينار      ( مستفعل )
كأنه إذ مال لانحــدار      ( فعـولن )
د- الرجز المنهوك :
وهو ما يكون البيت فيه من تفعيلتين كقول شوقى على لسان الجن:

نحن بنــو جهنمـا
نغلى كما تغلى دمـا
وقول محمود حسن إسماعيل من قصيدة بعنوان (على ذارع الريح) من ديوان (قاب قوسين):
على ذارع الريـح
لى مخدع  مريـح
وزورق جريــح
شراعـه حُــرق
وسبحه غَـــرَقْ
وفى الأبيات السابقة جدد الشاعر فى إيقاع هذا البحر فالتفعيلة الثانية تنوعت كالآتى :
       أ- مستفع                   ب- متفع
       جـ- متفع                 د- متف
بحـر الرمل
أ- سبب التسمية :
       قيل إن بحر " الرمل " سمى بهذا الاسم لأنه شبه برمل الحصير يضم بعضه إلى بعض . وكان العرب يطلقون هذا الوصف على الشعر الذى يوصف باضطراب البناء والنقصان ؛ وكانوا يطلقونه على من يهز منكبيه ويسرع فىحركته .
ب- تفاعيله :
       يتكون هذا البحر من ست تفعيلات وهى :

فاعلاتن  فاعلاتن  فاعلاتن    فاعلاتن  فاعلاتن  فاعلاتن

جـ- أقسامه :
       ينقسم البحر إلى قسمين :
       1- تام .
       2- مجزوء .
أولا - الرمل التام :
       ويجئ قالبه الوزنى فى ثلاث صور :
أ- العروض المحذوفه " فاعلا " وتنقل إلى فاعلن ، والضرب الصحيح ومن هذا الوزن قول إبراهيم ناجى من قصيدة بعنوان "فى ظلال الصمت":

صَمَتَ السهْل ولكن أقبلتْ      من ثنايا السهل أصداءٌ بعيـدةْ

كل لحن فى هدوء  شامل     تشتهى النفسُ به أن  تستعيـدَهْ
فاعلاتن  فاعلاتن  فاعلن      فاعلاتن  فاعلاتن  فاعـلاتن
ب- العروض محذوفة والضرب مقصور على وزن فاعلات:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلن            فاعلاتن فاعلاتن فاعلات
ومن هذا القبيل قول إبراهيم ناجى مصورا موقفه فى الحياة:
ضحكة ساخـرة  هازلة     وخيال تافه هذى الحيــاهْ‏
فاعلاتن فعلاتن    فعلن     فعلاتن فاعلاتن  فاعـلاتْ
ذل فيها المال والجاه إلى    أن غدا أحقرها مال وجـاه
نحمـد الله على أنا بهـا    لم نصن من ذلة إلا الجبـاه
جـ- العروض محذوفة والضرب محذوف كذلك ، والوزن هكذا:

فاعلاتن فاعلاتن فاعلن      فاعلاتن فاعلاتن فاعلن

ومن هذا القبيل قول الشاعر عمر أبى ريشة من قصيدة له بعنوان: "عروس المجد" 
يا عروس المجد تيهى واسحبى     فى مغانينا ذيول الشهب
فاعلاتن   فاعلاتن     فاعلن      فاعلاتن فاعلاتن  فاعلن
ثانيا : الرمل المجزوء:
       وله ثلاث صور فى قالبه الوزنى ، عروض واحدة صحيحة وثلاث أضرب:
       1- مسبَّغ فاعلاتان                2- صحيح " فاعلاتن"
       3- محذوف " فاعلن" .
والصور الثلاث لوزن الرمل المجزوء  هى :
أ- العروض صحيحة مجزوءة ، والضرب مسبغ (فاعلاتان) والتسبيغ هو زيادة حرف ساكن على ما آخره سبب خفيف نحو "فاعلاتن" تنقل إلى "فاعلاتان".
ومن ذلك قول الشاعر :
يا خليلىَّ أربعا واسـ      ـتخْيرا رَبْعا بعَسْفانْ
فاعلاتن     فاعلاتن      فاعلاتن    فاعلاتان
وهذا الوزن غير شائع ، ولكن يمكن النظم على إيقاعه.
ب- العروض صحيحة والضرب صحيح ، ومنه قول الشاعر محمود حسن إسماعيل من قصيدة بعنوان " هكذا أغنى " .
إن تسلْ فى الشــعر عنـى       هكــذا كنت أغنّـــى
إن تشــأ فاسمـع  نشـيدى     أو تشأ فارحل ودعنــى
فهْـو مـن روحى  لروحـى     صـلواتٌ وتَغـَنِّــــى
وهْـو إحسـاسى الذى يَنــ      ـسابُ كالجـدول  مِنّـى
فاعـلاتــن    فاعلاتــن     فاعــلاتـن  فاعـلاتـن
ومنه قول الشاعر عبد العزيز شرف من ديوانه "نهر من دموع":

إننى نهـــر وفــــاء     فى غـلالات القرون

بتُّ حيـران أغنّــــى       للحياة  للمنــــون
أغنيــات   باكيـــات       بدموع  لا تهـــون
باحثات عن الحيــــاة       تنتـهى فيها  الشجون
فليكن بعضى  جنـونــا       وليذب فيه  الحــنين
جـ- العروض صحيحة مجزوءة والضرب محذوف ، وهذا الوزن غير شاءئع ، ولكن يمكن النظم عليه .
       وهناك لونان موسيقيان شاعا فى العصر الحديث ، ولم ينوه بهما علماء العروض القدامى وهما:
       أ- أن يكون الضرب على وزن فاعلات .
       ب- أن يكون الضرب على وزن فعِلات
ومن الأول قول شوقى فى مسرحية "مصرع كليوباترا":
يومنا من  أكتيومــا       ذكره فى الأرض سارْ
اسألوا أسطول رومـا       هل أذقنـاه الدمــارْ
ومن الثانى قول شوقى أيضا فى مسرحية "مجنون ليلى"
قيس عصفور البوادى       وهـزار الربـــوات
طرت مـن واد لـواد      وغمـرت  الفلــوات
فاعلاتـن  فاعلاتـن       فاعلاتـن   فعــلات

بحـر المتقارب

أولا: تفاعيله:  يتكون هذا البحر من ثمانى تفعيلات وزنها "فعولن" وهى:

فعولن  فعولن  فعولن  فعولن    فعولن  فعولن  فعولن  فعولن

ثانيا : أقسامه:
       ينقسم هذا البحر إلى: "تام ومجزوء"
(1) المتقارب التام :
       له عروض واحدة صحيحة ، ولها أربعة أضرب كالآتى :
(أ) العروض صحيحة والضرب صحيح ، ومن هذا الوزن قول د.صابر عبدالدايم من قصيدة بعنوان "الصدى":
عهدتك تفتح للشمس صدركْ      وفى جبهة الغَيم تحفُر نهــرَكْ
وتمسك بالفأس والكونُ ضاحٍ     وتغرس فى دورة الأرض عمرك
فعول  فعولن  فعولن  فعولن     فعول   فعولن   فعولن   فعولن
(ب) العروض صحيحة والضرب مقصور "فعول":

فعولن  فعولن  فعولن  فعولن    فعولن  فعولن  فعولن  فعول

ومن ذلك الوزن قول " عبد الله البردونى: 
فهل خلفنا شاطئٌ يا ريـاح     أ قُدَّامنا مَرفأٌ يا قُلــوعْ
وصلنا هنا لا نطيق المضىَّ     أماما ولا نستطيع الرجوعْ
فلم يبق فينا لماض هــوى    ولم يبق فينا لآتٍ نـزوعْ

فعولن فعولن فعولن  فعولن     فعولن فعولن فعولن  فعول

(جـ) العروض صحيحة والضرب محذوف على وزن "فعو" هكذا:

فعولن فعولن فعولن فعولن      فعولن فعولن فعولن فعو

وعلى هذا الوزن يجئ قول إبراهيم ناجى

سأكتب أنك أنت الربيع             وأنك أنضر ما فى الربى

وقول الشاعر / عبد الله شرف فى قصيدته : إلى أين
توالت عليك خطوب الحياة    وسارت خطاك إلى الأسواء
فيا قلب ودع بقايا الرجاء    وودع حياتك أو  فأرجــئ
(د) العروض ( فعو ) والضرب أبتر " فع " وهذا القالب من الوزن نادر ، وليست له شواهد شعرية فى الشعر القديم إلا القليل النادر ومن ذلك قول السيد الحميرى يصف عروسا تزف إلى إسماعيل بن عبد الله العباس:
أتتنا تُزفّ على  بغــلةٍ        وفوق رحالتها قُبّـــهْ
تزف إلى ملك  ماجــدٍ        فلا اجتمعا وبها  الوجبهْ
فعول فعول فعولن فعـو        فعول فعول فعولن فـع
ويقول إبراهيم أنيس عن النوع الرابع: إنه وإن صحت روايته لكنه انقرض ولم يكن مما يطرقه الشعراء، وواجبنا الآن ألا ننظم منه.
(هـ) المتقارب المجزوء : ويأتى على صورتين:
الأولى : أن يكون العروض محذوفة والضرب محذوفا ومن ذلك قول الشاعر:
أأُحرِمَ منك الرضا           وتذكر ما قد  مضى
أمن دمنة  أقفرتْ           لسلمى بذات الغضى
فعولن فعولن فعو           فعولن فعولن  فعـو
والثانية: أن يكون العروض محذوفة والضرب أبتر، ومن ذلك قول الشاعر:
تعفف ولا تبتئسْ            فما يقضَ يأتيكَ
فعولن فعولن فعو           فعولن فعولن فع
وهذان الوزنان غير شائعين فى الشعر المعاصر والشعر القديم.


بحـر المتدارك
هذا البحر يسمى "الخبب"، ويسمى "ركض الخيل"، وكثير من المختصين بدراسة علم العروض قديما وحديثا يقولون: "إن الخليل بن أحمد الفراهيدى " لم يثبت هذا البحر فى تقنينه لقواعد علم العروض ثم جاء الأخفش واستدركه وأثبت تفاعيله ، وهذا الرأى ثبت أنه غير صحيح ، وقد ناقشت هذه القضية سابقا .. حيث أثبت د/ أحمد عبد الدايم فى تحقيقه لكتاب " العروض " للأخفش ، أن الأخفش لم يدّعِ لنفسه اختراع هذا البحر .
       وعلى الرغم من ذلك فإن " نازك الملائكة " تقول فى معرض كلامها عن هذا البحر " .. والمعروف عند العرب أنهم لم يستعملوا هذا الوزن إلا نادرا ولعل ذلك هو الذى جعل الخليل ينساه فلا يحصيه فى بحوره الخمسة عشر ، وإنما استدرك به الأخفش وسماه لذلك  المتدارك .." وهذه نتيجة غير صحيحة .
ومن خصائص بحر المتدارك ما ينقله د.صابر عبد الدايم عن نازك الملائكة أنه "يتميز هذا الوزن بخفته وسرعة تلاحق أنغامه ، وهذه الخفة وتلك السرعة تجعلانه لا يصلح إلا للأغراض الخفيفة الظريفة ، وللأجواء التصويرية التى يصح فيها أن يكون النغم عاليا ، وإنما يثبت فى هذه الصفة ما نراه من تقطع أنغامه ، فكأن النغم يقفز من وحدة إلى وحدة ، وسبب ذلك أن " فعِلن " تتألف من ثلاث حركات متتالية يليها ساكن " وهو ما يسمى بالفاصلة الصغرى ، وهذا التوالى الذى يعقبه سكون فى كل تفعيلة يسبغ على الوزن صفته الملحوظة فكأنه يقفز ، وذلك الذى جعلهم يسمونه " ركض الخيل " .
       ثم يعقب د.صابر قائلا: ".. وليس كل ما قالته  نازك الملائكة  صحيحا، فموسيقى هذا البحر لا تنحصر فى التعبير عن الأغراض الخفيفة الظريفة، كما قالت صاحبة كتاب " قضايا الشعر المعاصر"، لأننا حين نتأمل دواوين الشعراء المعاصرين نجد أن موسيقى هذا البحر هى الأكثر شيوعا وسيطرة على إيقاع القصائد .
       وتجارب الشعراء المحدثين مكثفة وتجنح إلى الرمز والإيغال وتنأى فى معظمها عن الأغراض الخفيفة الظريفة ، حيث تتسم تجارب الشعر " الحر " بالغموض ، والتكثيف ، والغوص وراء الحقائق ، والبعد عن المباشرة والتقريرية.
       ويمكن أن نقول : إن موسيقى هذا البحر الواثبة ، تناسب سرعة الإيقاع فى هذا العصر ، وهى أيضا انعكاس لشدة الانفعال، وتأجج العاطفة وتوقدها .
ـ تفاعيل هذا البحر وتشكيلاته الموسيقية :
يتكون البيت الشعرى المنظوم على هذا البحر من ثمانى تفعيلات وهى:
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن       فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن
أعاريضه وأضربه:
       ينقسم هذا البحر إلى قسمين :
1- المتدارك التام           2- المتدارك المجزوء
1- المتدارك التام :
       ويأتى على صورة واحدة وهى :
أ- العروض صحيحة "فاعلن"، والضرب صحيح مثلها "فاعلن" مثل قول الشاعر:
لم يدعْ من مضى للذى قد  غَيَرْ     فضْلَ علمٍ سوى أخذِه  بالأثرْ
فاعلن  فاعلن   فاعلن   فاعلن     فاعلن  فاعلن  فاعلن  فاعلن
       ويرى د.صابر أن هذه الصورة نادرة الوجود فى الشعر العربى ، وأن هذا المثال مصنوع للبرهان على صحة القاعدة ؛ لأن تفعيلة بحر المتدارك لم ترد فى الشعر العربى القديم إلا على صورتين: " فعِلن أو فعْلن" وقصيدة الحصرى خير شاهد على ذلك قول الشاعر: 
يا ليلُ الصَّبُّ متى غَـدُه      أقيامُ الساعة  موعــدُه
رقـد السَّـمَّارُ  وأرّقـه      أسفٌ للبــين يــردّدُه
فبكاه النجــم وأرَّقــه      مما يرعاه ويـرصــدُه
فعلن  فعلن  فعلن   فعلن      فعلن  فعلن  فعلن فعـلن

ـ المتدارك المجزوء :
       ويأتى فى ثلاث صور :
أ- العروض مجزوءة صحيحة ، والضرب مثلها صحيح مثل قول الشاعر:
قف على دارهم وابكيَنْ             بين أطلالها والدِّمَنْ
فاعلن   فاعلن   فاعلن            فاعلن فاعلن فاعلن
ب- العروض مجزوءة صحيحة والضرب "مُذال" (فاعلان) مثل قول الشاعر: 
هذه دارهم أقفرتْ           أم كتاب محته الدهورْ
فاعلن فاعلن فاعلن          فاعلن فاعلن  فاعلانْ
ج: العروض مجزوءة صحيحة والضرب مخبون مرفل "فعلاتن" مثل قول الشاعر:
دار سعدى بشحْر عمانِ       قد كساها البلى الملَوانِ
فاعلن فاعلن  فعلاتـن       فاعلن فاعلن فعلاتـن
     ويبدى د.صابر ملاحظة على الأمثلة فى البحر  المتدارك المجزوء أنها مصنوعة ، ولكن يمكن النظم على مثالها ، شريطة أن تكون التجربة لها مقوماتها الفنية والشعورية .
       وهذا التكلف فى وضع الأمثلة ناشئ من قلة النتاج الشعرى القديم المنظوم على هذا البيت ، وهذه الندرة ترجع إلى أن " موسيقى هذا الوزن - كما يقول د/ على عشرى زايد - على قدر واضح من الاضطراب بطبيعتها ، وقريبة من النثرية ، وقد شاع هذا الوزن شيوعا كبيرا فى نتاج الشعر المعاصر .


بحـر البسيط
أ- سبب التسمية :
       سمى البسيط بهذا الاسم لأنه ـ كما يقول الخليل ـ انبسط عن مدى الطويل ، وجاء وسطه "فعلن" وآخره "فعلن".
ب- من الخصائص الموسيقية لهذا البحر:
       إن طبيعة هذا البحر "الإيقاعية" كما يرى بعض النقاد تتفق مع الشجن والتذكر والحنين، وهو يكثر فى الشعر الفصيح والشعبى، بل يجئ فى مقدمة البحور التى يستعملها الشعراء، والملاحظ بصفة عامة كثرة استعماله فى الشعر العربى بمصر، وقد تنبه لهذا أحمد أمين فى كتابه "النقد الأدبى"، فقال: إن أكثر الأغانى البلدية المصرية من بحر "البسيط".
كما يلاحظ أن هذه الكثرة فى الشعر الدينى، وبخاصة ما قيل منه فى مصر، ولعل مما يساعد على انبساط الحركات فى عروضه وضربه إذا خبنا، أو لانبساط الأسباب فى أوائل أجزائه السباعية على نحو ما رأى الزجاج، ونعلل لهذا بطواعية هذا البحر لظاهرة الإنشاد، وبخاصة الإنشاد الدينى، فهو يعطى التموج والانسانية، والايقاع الذى يعطى النفس حالة من حالات السمو والصفاء"
جـ- تفاعيل البحر البسيط ثمان وهى :
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن   مستفلن فاعلن  مستفعلن فاعلن
د- أقسامه :
       ينقسم البحر البسيط إلى ثلاثة أقسام :
1-تام        2- مجزوء          3- مخلع
 القسم الأول : البسيط التام وله عروض واحدة مخبونة وضربان وبذلك تتشكل تفاعيله من صورتين
الأولى : تأتى تفاعيل البحر فيها على هذه الصورة .
العروض تامة مخبونة والضرب تام مخبون ( فعلن ) مثل قول أبى تمام : 
السيف اصدق أنباء  من الكتب    فى حده الحد بين الجد واللعب
وتقطيع البيت هكذا :
السيف أصدق أنباء من الكتب      فى حده الحد بين الجد واللعب
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن      مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
وفى إطار هذا التشكيل يقول الشاعر "يس الفيل" فى قصيدة له:
إلى متى أنت فى جنبىَّ  ترتجف   وكيف عنك إذا ما شئت أنصرف
وكيف أنجو وأنت عمرى فرحته   وأنت مأسـاته تهتـز أو تقـف
وأنت واحة أحلامى إذا عصفت    بىَ الظنونُ وأدْمى هدْأتى صلَف
ترتـدُّ بى لزمان بات ينكرنى     وتستبيح سـباتا منـه أغتـرف
** الثانية : العروض تامة مخبونة والضرب مقطوع فعلن ومن هذا قول الشاعر محمود حسن إسماعيل :
يا فرحة العيد مالى لا يسـاورنى    لديك إلا أسىً فى القلب مَوّارُ
لا تسأل الشعر عنها فهْى  ملحمة    من الأسى غلّفتْ معناه أسرارُ
صوفية شرقتْ فى السمْت حكمتُها    فما تفيـد أناشـيد وأشـعارُ
القسم الثانى : البسيط المجزوء ويأتى فى ثلاث صور :
ـ الأولى : العروضة مجزوء صحيحة " مستفعلن " والضرب مثلها صحيح ومن ذلك قول الشاعر القديم
ماذا وقوفى على ربع خلا          مخلولق  دارس  مستعجم
مستفعلن فاعلن مستفعلن            مستفعلن فاعلن مستفعلن
وهذه الصورة من موسيقى بحر البسيط نادرة الوجود فى شعرنا القديم والحديث
ـ الثانية : العروض مجزوءة صحيحة والضرب مذال "مستفعلان" ومنه قول الشاعر :
يا طالبا فى الهوى مالا ينال      وسائلا لم  يعَفْ ذا السؤال
مستفعلن  فاعلن مستفعلان        مستفعلن  فاعلن مستفعلان
ـ الثالثة : العروض مجزوءة صحيحة والضرب مقطوع "مفعولن" ومنه قول الشاعر:
ما أطـيب العــيش إلا أنه     عن عاجل كله مـتروكُ
والخير مسـدودة أبـوابـه      ولا طـريق له مسـلوكُ
مستفعلن  فاعلن مستفعلن        متفعـلن فاعلن مفعـولن
القسم الثلث: "مخلع البسيط":
       وفى هذا اللون من اللوان الموسيقية لبحر البسيط يكون العروضة مقطوعة والضرب مقطوع أيضا وتفاعيله هكذا :
       مستفعلن فاعلن فعولن              مستفعلن فاعلن فعولن
- ومنه قول الشاعر / محمود حسن إسماعيل :
مسـافر زاده الخيــال       والسِّحْر والعطر والجمـالُ
شابت على أرضه الليالى      وشـيّبت عمرَها الجبــالُ
مستفعـلن فاعلن  فعولن      مستفعلن فاعلن فعـــولن
- ويمكن أن يضاف إلى البسيط نوع رابع وهو :
"مشطور البسيط": (مستفعلن فاعلن)
       ويعد هذا الوزن من الأوزان المستحدثة فى الشعر العربى المعاصر ، ومن ذلك قول شوقى فى وصف الخمر:
طال عليها القِــدم          فهْى وجود  وعـدم
قد وُئِدتْ فى  الصِّبا          وانبعثت فى الهـرمْ
بالـغ فرعـون  فى  كرْمتها من كــرَمْ
أهـرق عنقــودها  تقْـدِمةً للصنـــم
خبأهـا  كـاهــن  ناحية من  الـهـرم
مستفعلن فاعـــلن        مستفعـلن  فاعـلن


بحـر الطويل
أ- سبب التسمية :
       قيل إن بحر الطويل سمى بهذا الاسم لأنه " طال بتمام أجزائه".
ب- من الخصائص الموسيقية لهذا البحر :
       إن هذا البحر يشيع فى الشعر العربى القديم بصورة كبيرة - فهو " بحر يلقى ظله - كما يقال على ثلث الشعر القديم ، ويشتمل على ثمان وعشرين مقطعا ، ومن المعروف أنه هو والبسيط من أطول البحور وأحفلها بالجلال والرصانة والعمق ، ومن الملاحظ أن بحر الطويل يعطى امكانيات للسرد ، وللبسط القصصى ، والعرض الدرامى ، ولهذا نجده يكثر فى أشعار السير والملاحم واحتواء الأساطير .
       والمعانى الجادة - كما يرى ابن العميد - لا تؤدى إلا بنفس طويل، ولا تتلاءم إلا مع الأعاريض الطويلة "  .
       ويمكن أن نفسر ظاهرة قلة نظم الشعراء المعاصرين على البحر " الطويل " انهيار نسبة هذا البحر فى العصر الحديث ، كما يقول د/ إبراهيم أنيس ، حيث قد مضى زمانه ولم تعد له المنزلة الأولى التى ألفناها فى أشعار القدماء .
       ويرجع ذلك إلى ندرة الملاحم وفن السير الشعرية ، والقصائد الملحمية فى العصر الحديث ، وبرغم ذلك فالبحر لم ينقرض ومازالت أمواجه متدفقة .
جـ- تفاعيل البحر الطويل:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن     فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
- وتتشكل صورته الموسيقة فى ثلاثة اشكال :
1- الشكل الأول :
أ: العروض مقبوضة دائما (مفاعلن) والضرب مقبوض مثلها:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن   فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن
ومنه قول المتنبى :
على قدر أهل العزم تأتى العزائم    وتأتى على قدر الكرم المكارم
فعولن مفاعيلن  فعولن مفاعـلن    فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن
2- الشكل الثانى :
العروض مقبوضة والضرب صحيح " مفاعيلن " ومنه قول أبى تمام مفتخرا :
وقالت أتنس البدرُ قلت تجلُّداً   إذا الشمس لم تغرُب فلا طلع البدرُ
ألنّا الأكُفَّ بالعطاء فجاوزت   مدى اللين إلا أن أعرضَنا الصخرُ
كأن عطايانا يناسبن من أتى   ولا نسـبٌ يدنيـه منّا  ولا صِهْرُ
إذا زينةُ الدنيا من المال أعرضتْ  فأزينُ منها عندنا الحمدُ والشكرُ
ويلاحظ أن أبا تمام قد غير "مفاعيلن" فى حشو البيت إلى "مفاعلن"، ومع أن هذا التغيير مقبول عند العروضيين ، واردا فى شعر القدامى إلا د. إبراهيم أنيس يستقبح هذا التغيير فى مفاعيلن وتحويلها إلى مفاعلن فى حشو البيت ويقول عنها: "فهى صورة نادرة لا تستريح إليها الآذان ، وقد رويت فى بعض أبيات الشعر القديم ، ولكنا لا نكاد نراها فى شعر حديث".
       وحاول د/ إبراهيم أنيس أن يغير من رواية الأبيات التى جاء فيها هذا التغيير ، وهو تغير ليس بالقليل حسب الإحصاء الذى أورده، فقد وردت "مفاعلن" فى معلقة امرئ القيس عشر مرات، وفى معلقة زهير أربع مرات، وفى معلقة طرفة ثمانى مرات. وفسر ذلك بقوله: "لعل انحرافا فى رواية المعلقات هو الذى جاءنا بتلك الحالات التى رويت فى شعر الجاهلين"
وأبو تمام يأتى بها فى العصر العباسى ولا يشعر بحرج ، ولا اضطراب موسيقى فى قوله :
ألنا الأكف بالعطاء فجاوزت    مدى اللين إلا أن أعراضنا الصخر
فعولن مفاعلن فعولن مفاعلن    فعولن مفاعلن فعـولن مفاعليـن
ويقول أبو تمام فى قصيدة أخرى :
نجوم طوالع جبال  فـوارع     غيوث هوامع سيول دوافـع
فعولن مفاعلن فعولن مفاعلن     فعولن مفاعلن فعولن مفاعلن
                                   
       فالشاعر هنا استخدم "مفاعلن" فى حشو البيت مرتين فى بيت واحد وجاءت العروض على الوزن نفسه "مفاعلن"، والضرب جاء على الوزن نفسه "مفاعلن" ومع ذلك لم نشر باضطراب موسيقى، بل حسن التقسيم عند أبى تمام، أو لجوؤه إلى فن صيغ البيت بصيغة موسيقية زاهية متموجة.
       وهذه الدلائل تجعلنا نقبل " مفاعلن " فى حشو البيت ولا نرفضها ولا نتهم أشعار الأقدمين بضعف الرواية وفساها .
3- الشكل الثالث :
العروض مقبوضة " مفاعلن " والضرب محذوف " مفاعى " وينقل إلى " فعولن " 
- ومنه قول أبى فراس الحمدانى يخاطب سيف الدولة :
إذا صح منك الود فالكل هين     وكل الذى فوق التراب تراب
فياليت ما بينى وبينك عامـر     وبينى وبين العالمين  خراب
ويقول ابن زيدون :
إذا راق حسن الروض وفاح طيبه  فما ضرّه أن طـنّ فيـه ذباب
وإن يك فى أهل الزمان  مؤمّـل  فأنت الشراب العذب وهو سراب
ينوب  /   عن     المدا / ح    منـ / ى  واحد
فعول /      مفاعيلن    /   فعول   /  مفاعلن
                     جميع الـ  / خالصال ليـ /س عنه  / مناب                    فعولن     / مفاعلن     / فعولن   / مفاعى
ونلاحظ أن ابن زيدون جاء فى حشو البيت بالتفعيلة مقبوضة "مفاعلن" مما يشير إلى أن هذا التغيير جائز مستساغ فى موسيقى البحر الطويل.

بحـر المديد
أولا : سبب التسمية : يقول الخليل بن أحمد " مفسرا سر تسمية هذا البحر بهذا الاسم ... إنه سمى بذلك لتمدد سباعية حول خماسيه .
       ومعنى ذلك أن المديد يتكون من تفعيلتين مكررتين فى أصل تكوين البحر أربع مرات وهما " فاعلاتن فاعلن " .
       وتتكون التفعلية الأولى من سبعة أحرف ، والثانية تتكون من خمسة أحرف فالمقصود بالسباعية  " فاعلاتن " التى تتكرر وتحصر فى تكرارها التفعيلة الخماسية " فاعلن " التى تتكون من خمسة حروف.
ثانيا : أجزاء " المديد " :
       يتكون المديد من ثمانى تفعيلات كما جاء فى كتاب " عروض الورقة " وهى :
فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن    فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن
ثالثا : التشكيلات العروضية وموقف النقاد من موسيقة هذا البحر :
       وقع خلاف بين العلماء حول تشكيلات هذا البحر العروضية، فالجوهرى صاحب كتاب " عروض الورقة " يذهب إلى أن هذا البحر قد يأتى تاما كاملا ، وعبر عن ذلك بقوله " مثمَّن محدَث " أى مكون من ثمانى تفعيلات - وما ورد من أشعار فى ذلك هى أشعار محدثة قيلت فى عصره .. وليست أشعارا قديمة ، وقدأورد بيتا واحدا ولم ينسبه لقائله وهو :
      من لقلب / هائم  / فى غزال / ناعم            
                           قد برانى / إذا بدا / بين حور/خُرَّد

     فاعلاتن / فاعلن / فاعلاتن   / فاعلن          
                            فاعلاتن  /فاعلن  / فاعلاتن /فاعلن
وهذا المثال مصنوع لكى تصح القاعدة التى تقول بمجئ البحر المديد تاما فالصورة الغالبة على هذا البحر أن يأتى مسدّسا أى مكونا من ست تفاعيل .. كما قال صاحب كتاب " الكافى فى علمى العروض والقوافى " حيث يقول فى معرض كلامه عن المديد : " .. وأجزاوءه  فاعلاتن فاعلن  أربع مرات مجزوءا وجوبا ومعنى ذلك أن التفعيلة الأخيرة من الشطر الأول ومن الشطر الثانى حذف .. فيصبح البيت فى صورته المعهودة مكونا من ست تفعيلات على النحو التالى :
فاعلاتن فاعلن فاعلاتن            فاعلاتن فاعلن فاعلاتن
وذكر د.صابر أنه استثقل العروضيون القدامى موسيقى هذا البحر وأرجعوا ندرة المنظوم من هذا البحر إلى ثقل موسيقاه ، ووقع بعض النقاد المحدثين فى أسر هذا الحكم وقالوا :  " إن هناك بحورا متدفقة النغم ألفها الشعراء واستراحت لنغماتها الأذان وعنى بها الشعراء على وجه الخصوص فى الشعر القديم وهى :
       " الطويل - الكامل - البسيط - الوافر - الخفيف "
       وعلى النقيض من ذلك فإن بحر " المديد " نادر فى الشعر ولا توجد له سوى أبيات معدودة " .
       ونفهم من منطوق هذا الحكم أن " المديد " غير متدفق النغم ، ولم يألفه الشعراء ولم تسترح لنغماته الآذان ، ولم يعن به الشعراء!
       وهذا حكم فيه من التعميم ما يبعده عن الدقة ، وما يقربه من التبعية للأحكام التقليدية الجاهزة .
       وقد كان د/ إبراهيم أنيس أدق حكما وأصوب رايا .. حين تسأئل فى دهشة مستنكرا موقف العروضيين من موسيقى " المديد " هذا بحر اعترف أهل العروض بقلة المنظوم منه ، وعللوا هذا فى بعض كتبهم بأن فيه ثقلا !
       ولا أدرى ماذا عنوا بالثقل ونحن نشعر بانسجام موسيقاه ، ولا نرى فيها ما فى المنسرح مثلا من بعض الاضطراب ، والحق أن هذا البحر يستحق دراسة خاصة فى ضوء بحر الرمل ، فربما أمكن نسبة ما نظم منه إلى بحر الرمل ، مع شرح ما فيه من تغير أو تحور جعله يباين الرمل فى تفاعيله " .
وعلى الرغم من ندرة المنظوم على موسيقى هذا البحر فإن موسيقاه عذبة سلسة مستساغة وليست ثقيلة نابية ، ولنتأمل قول حافظ إبراهيم :
مالهذا النجم فى السحر       قد سها من شدة  السهر
فاعلاتن فاعلن فعـلن       فاعلاتن  فاعلن  فعلن
خلته يا قوم يؤنسـنى       إن جفانى مؤنس السحر
فاعلاتن فاعلن فعـلن       فاعلاتن فاعلن  فعـلن
رابعا :
       وأما التشكيلات العروضية التى يتشكل من خلالها هذا البحر فى صورته التراثية فهى تأتى مكونة من ثلاث أعاريض وستة أضرب على هذا النحو :
1- العروض الأولى صحيحة وضربها صحيح ومقال ذلك قول أبى العتاهية :
إن دارا نحن فيها لدارُ       ليس فيها لمقيم قرارُ
ويمكن تقطيع البيت هكذا :
إن دار نحن فيها الدار       ليس فيها لمقيم قرار
فاعلاتن فاعلن فعلن         فاعلاتن فاعلن فعلن
2- العروض الثانية " محذوفة " " فاعلن " عوض " فاعلا " ولها ثلاثة أضرب :
أ: ضرب محذوف مثلها     ب: مقصور    جـ: أبتر
(أ) العروض محذوفة والضرب محذوف مثلها ومثال ذلك قول الشاعر :
عاتبْ ظِلْت له  عاتبا        رب مطلوب غدا طـالبا
فالهوى لى قدر غالب       كيف أعصى القدر الغالبا
وتقطيع البيت الأول هكذا :
عاتب ظلت له عاتبا         رب مطلوب غدا طالبا
فاعلاتن فعلن فاعلا         فاعلاتن فاعلن فاعـلا
فالعروض "عاتبا" على وزن (فاعلا)، والضرب "طالبا" على وزن (فاعلا).
(ب) العروض محذوفة والضرب مقصور( فاعلا، فاعلات)، ومثال ذلك قول الشاعر:
ما تأسّيك لدار خـلت       ولشعب شتّ بعد التئام
إنما ذكرك ما قد مضى      ضله مثل حديث المنام
وتقطيع البيت الأول هكذا :
ما تأسيك لدار  خلت        ولشعب شت بعد التئام
فاعلاتن فاعلن فاعلا               فاعلاتن فاعلن فاعلات
فالعروض هنا " ر خلت " على وزن فاعلا ، والضرب ( دِ لتئام ) على وزن فاعلات ونقلت التفعيلة إلى فاعلان.
(جـ) العروض محذوفة والضرب أبتر " فاعلن - فعلن " .
ومثال ذلك قول الشاعر :
أى ورد فوق خد بـدا       مستنيرا بين سُوسـانِ
شادن يعبد فى روضة       صيغ من در ومرجان
وتقطيع البيت الثانى هكذا
شادن يعبد فى روضة       صيغ من درر ومرجان
فاعلان  فعلن   فاعلن      فاعلاتن  فاعلن  فاعل
فالعروض محذوفة على وزن " فاعلا " روضة ، والضرب أبتر على وزن " فعلن " جانى " .
3- العروض الثالثة " محذوفة مخبونة " ولها ضربان
أ- ضرب محذوف مخبون      ب- ضرب أبتر .
(أ) العروض مخبونة والضرب مثلها محذوف مخبون .
ومثال ذلك قول الشاعر " عباس محمود العقاد " فى ديوانه " عابر سبيل " من قصيدة بعنوان " قرش معقول " :
إن أحبوا القرش لم يجدوا           عجبا فى حبه  الخطرِ
فإذا ما الطفل  هـام بـه          جعلوه طرفة الســمرِ
وتقطيع البيت الأول هكذا :
إن أحبوا القرش لم يجدوا           عجبا فى حبه الخطر
فاعلاتن   فاعلن   فعـلا          فعلاتن  فاعلن  فعلا
فالعروض هنا "يجدوا" وهى محذوفة ومخبونة على زنة "فعلن"، والضرب هنا "خطر" وهو محذوف مخبون على وزن "فعلن" وكلاهما أصل وزنه "فعلا" ونقل إلى "فعلن".
(ب) العروض نحذوفة مخبونة والضرب أبتر على وزن "فعلن".
ومثال ذلك قول الشاعر :
خذ بكفِّى لا أمُتْ غـرقا           إن بحر الحب قد فارا
أنضجت نار الهوى كبدى           ودموعى تطفئ النارا
تقطيع البيت الثانى هكذا :
خذ بكفى لا أمت غـرقا           إن بحر الحب قد فارا
فاعلاتن   فاعلن    فعلا           فاعلاتن فاعلن فاعـل
فالعروض هنا " غرقا " على وزن " فعلا " ونقلت إلى " فعلن " فهى محذوفة مخبونة " والضرب هنا " فارا " على وزن " فاعل " ونقل إلى فعلن فهو أبتر.

بحـر الخفيف
أولا : سبب التسمية :
       هذا البحر يقول عنه  الخليل بن أحمد الفراهيدى : " إنه سمى بهذا الاسم لأنه أخف السباعيات ، وموسيقاه تتسم بالخفة والسهولة".
       وهو بحر ساطع النغم، وبارز الموسيقى ، ثم إنه صالح للحـوار  بـ "قال وقلت" ويصلح للجدل وللترديد وللسرد ، ويمتلئ بالروح الملحمى، وهو بحر يكثر فى البيئات المتحضرة، وقد قيل: إنه أخف البحور على الطبع وأطلاها للسمع، وقد ذكر حازم القرطاجنى فى منهاج البلغاء "أن له جزالة ورشاقة".
       وحين نمعن النظر فى النتاج الشعرى ندرك أن للبحر الخفيف أثرا كبيرا مسيطرا على دواوين الشعراء ـ قديما وحديثا ـ فيذكر د.صابر عبدالدايم أنه فى ديوان البحترى يحتل بحر الخفيف المرتبة الثالثة فى استخدام الشاعر للبحور الشعرية بعد بحرى الطويل والكامل؛ حيث تبلغ نسبة استخدام موسيقى الطويل 31% والكامل 21% ، والخفيف 17 % .
       وفى ديوان المتنبى يحتل هذا البحر المرتبة "الخامسة" بعد الطويل والكامل والبسيط والوافر؛ حيث تبلغ نسبة استخدام الشاعر لها على الترتيب ( الطويل 28% ، الكامل 19 % ، البسيط 16 % الوافر 14 % ، الخفيف 9 %).
       وفى العصر الحديث نجد الشعراء يميلون الىموسيقى البحر الخفيف ففى ديوان أمير الشعراء "أحمد شوقى" يحتل البحر الخفيف المرتبة الثانية بعد الكامل؛ حيث تبلغ نسبة استخدام الشاعر للكامل 27% وللخفيف 11 % .
       وفى ديوان "الملاح الدائم لعلى محمود طه" يحتل هذا البحر المرتبة الثانية بعد بحر الكامل حيث تبلغ نسبة استخدام الشاعر للكامل 24% وللخففيف 16 % .
       وفى ديوان "على الجارم" يحتل " بحر الخفيف " المرتبة الأولى حيث تبلغ نسبة استخدام موسيقاه 29 %.
       وفى ديوان "أنا حائرة" للشاعر عزيز أباظة يتصدر "الخفيف" البحور الشعرية حيث تبلغ نسبة استخدام الشاعر لموسيقاه 58 %.
       وفى ديوان على الجندى "أغاريد السحر" تأتى الصدارة لهذا البحر أيضا حيث تبلغ نسبة استخدام الشاعر لموسيقاه 27 % .
ثانيا: أجزاء البحر الخفيف: يتكون البيت فى هذا البحر من ستة تفاعيل على هذا النحو:
فاعلان  مستفع لن  فاعلاتن    فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن
ويلاحظ أن التفعيلة الثانية والخامسة " مستفع لن " مخالفة فى كتابتها لتفعيلة بحر الرجز " مستفعلن " ، وكذلك البسيط " مستفعلن " ، ووجه الخلاف بين  مستفع لن ، وبين  مستفعلن  أن حذف السابع فى مستفعلن  يسمى " قصرا " وفى مستفع لن  يسمى " قطعا بشرط إسكان ما قبل السابع ، وحذف الرابع فى " مستفع لن " غير جائز، وفى " مستفعلن " جائز لأنه " طى " .
       وتتكون "مستفعلن" من سببين خفيفين فوتد مجموع، أما "مستفع لن" فتتكون من (سبب خفيف + وتد مفروق + سبب خفيف)
ثالثا : أقسامه وتشكيلاته العروضية :
       ويأتى هذا البحر تاما ومجزوءا :
1- تام : ويتكون من ست تفاعيل :
فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن   فاعلاتن مستفع لن  فاعلاتن
2- المجزوء : ويتكون من أربع تفاعيل :
فاعلاتن مستفع لن    فاعلاتن مستفع لن
وهناك صورة أخرى لمجزوء الخفيف أجازها العالم الجليل أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهرى فى كتابه "عروض الورقة"، وهى صورة نادرة، حيث أجاز حذف التفعيلة الأولى والتفعلية الثالثة "فاعلاتن".
وأجزاء البيت على هذا التشكيل تكون هى :
مستفعلن  فاعلاتن           مستفعلن  فاعلاتن
وهذه الصورة هى نفسها صورة "بحر المجتث"، ولا وجود لبحر المجتث فى كتاب عروض الورقة.
       ويقول الجوهرى فى معرض كلامه عن البحر الخفيف وقد ركب منه مركب آخر وهو الذى يسميه الخليل مجتثا وبيته الذى لا زحاف فيه:
البطن منها خميص          والوجه مثل الهلال
مستفعلن فاعلاتـن          مستفعلن فاعلاتـن
وقد نقص منه "فاعلاتن" الأولى والثالثة.
       ونلاحظ أن الجوهرى يخالف بقية العروضيين فلا يفرق بين "مستفعلن" و"مستفع لن"؛ رغبة فى القضاء على التفريعات والاصطلاحات والتقسيمات العروضية ، ولكنى أرى أن الصورة التى استقر عليها العروضيون فى بحر الخفيف هى الصورة الصحيحة، حيث يمتنع حذف الرابع الساكن من "مستفع لن" وإذا حدث فى البحر الخفيف هذا الحذف تكون الموسيقى الشعرية مضطربة فلايجوز أن تصبح التفعلية " مستعلن " فى " الخفيف " ويجوز ذلك فى " الرجز "  .
       كذلك حذف التفعيلة الأولى والرابعة يعد تصرفا غريبا ، فالحذف يكون من آخر الشطرة الأولى والثانية وليس من بداية البيت ووسطه .
       وأما التشكيلات العروضية فتأتى على هذا النحو :
القسم الأول :
أ- الخفيف التام وله عروضتان وثلاثة أضرب :
(1) العروض الأول صحيحة " فاعلاتن " ولهما ضربان :
الأول : ضرب صحيح ، يجوز فيه التشعيب فيصير " مفعولن " عوض "فاعلاتن"
ومثال ذلك قول ابن الرومى فى وصف " وحيد " المغنّية :
يا خليلى .. تيمتنى وحيد     ففؤادى بها معنى عميد
وتقطيع البيت هكذا :
يا خليلىَّ .. تيّمتنى   وحيد      ففؤادى بها  معنّى عميـد
فاعلاتن متفع لن  فاعلاتن      فاعلاتن متفع لن  فاعلاتن
فالعروض صحيح والضرب صحيح (فاعلاتن).
ومن ذلك قول د/أحمد منصور فى الأزهر:
قلعة الحق والتقى والفضيـلة      ومعين الهدى لدنيا الرذيلة
ومنار العلوم فى ظلمة الجهل      وزهر العقول يشكو ذبوله
وقد يدخل الضرب التشعيث (فعْلاتن)، مثل قول ابن الرومى:
يسهل القول أنها أحسن الأشْـ     ـياء طـرّا ويعسر التحديد
فاعلاتن  متفع لن  فاعـلاتن      فاعـلاتن  متفع لن فعْلاتن
الثانى: العروض صحيحة والضرب محذوف على وزن (فاعلا)، وينقل إلى (فاعلن). ومن ذلك قول الشاعر :
ليت شعرى هل ثَمّ هل آتينهم   أم يحولَنْ من دون ذاك الردى
فاعلاتن  مستفع لن  فاعلاتن   فاعلاتن  مستفع لن  فاعلـن
       ود.أنيس يرى أن هذه الصورة من الخفيف غير مستساغة،  وأنها من صناعة أهل العروض، ويخالفه الرأى د.صابر عبدالدايم، إذ يرى أن ندرة الشاهد لا تلغى القاعدة ، وأن موسيقى الشعر متجددة ومتطورة ، وليس هناك ما يمنع من النظم الشعرى على هذه الصورة التى يكون فيها الضرب محذوفا .
2 ـ العروض محذوفة (فاعلن)، ولها ضرب مثلها (فاعلن)، ويجوز فى العروض والضرب "الخبـــن". ومن ذلك:
ليت شعرى ماذا تروا فى هوىً     قادكم عاجــلا إلى رَمْسِـهِ
فاعلاتن  مستفع لن  فاعلــن     فاعلاتـن متفع لن   فاعلـن
ومثال العروض المحذوفة التى دخلها الخبن وكذلك الضرب:
وردتى فيم أنت ضاحكة      يلمح البشر منك من لمحا
فيم هذا الجمال يحزننـى       رونق فيه كان لى فرحا
فاعلاتن  متفع لن   فعلا       فاعلاتن  متفع لن  فعلا
القسم الثانى :
الخفيـــف المجزوء .. ويشكل من صورتين :
ـ الصورة الأولى :
تأتى فيها العروض صحيحة والضرب صحيح مثلها مثل قول العقاد:
اذكروا اليم سيــدا         واحفظوا الذكر سرمدا
وتغنّـوا بحمد مـن         قد تغنـى  فأســعدا
من يكن ذاك أمسـه         يبتدى  مجده  غــدا
فاعلاتن  متفـع لن          فاعلاتن  متفـع لـن
وهذه الموسيقى آسرة خفيفة مما يؤكد قبولنا لهذا الشكل التراثى لموسيقى بحر الخفيف المجزوء ونرفض فى الوقت نفسه إهمال د/ إبراهيم أنيس لهذه الصورة من صور بحر الخفيف المجزوء لأنه لم يشر إليها إلا من قريب ولا من بعيد فى مناقشته لموسيقى البحر.
       وقصيدة العقاد نموذج حى لحيوية موسيقى هذا البحر.. ولو استقرأنا دواوين الشعراء المحدثين .. ومسرحياتهم الشعرية لوجدنا القصائد والمقطوعات الشعرية المؤثرة الت صيغت فى هذا القالب النغمى الموسيقى ( فاعلاتن مستفع لن).
2- الصورة الثانية :
وتأتى فيها العروض صحيحة والضرب مخبونا مقصورا ومثال ذلك قول الشاعر
طار قلبى  بحبها            من لقب يطيـر
فاعلاتن متفع لن            فاعلاتن متفع ل

بحـر المنسرح
أولا : سبب التسمية :
       حين سئل " الخليل بن أحمد عن سر تسميته لهذا البحر بهذا الاسم قال : لانسراحه وسهولته ". وقد ورد فى لسان العرب مادة  (سرح) : ".. والمنسرح ضرب من الشعر لخفته وهو جنس من العروض تفعيلته
"مستفعلن مفعولات مستفعلن"  ست مرات.
والمادة اللغوية تفيد السهولة والانسياب ... حيث تدور مادة "سرح" حول هذه المعانى. وورد فى لسان العرب " سرح عنه فانسرح وتسرح أى فرج كربه، وإذا ضاق شئ ففرجبت عنه قلت: سرحت عنه تسريحا وولدته سراحا أى فى سهولة .
ثانيا : أجزاء المنسرح :
يتكون البيت الشعرى المنظوم على موسيقى هذا البحر من ست تفاعيل هى :
مستفعلن مفعولات مستفعلن        مستفعلن مفعولات مستفعلن
ثالثا : موسيقى المنسرح وموقف النقاد منها :
       إن الصورة المثلى لموسيقى هذا البحر أن يكون الضرب مطويا أى يحذف الرابع الساكن من مستفعلن " فتصير " " مستعلن " وكذلك العروضة تكون على وزن " مستعلن " .
       مثال قول أبى فواس الحمدانى " من قصيدته التى يعاتب فيها سيف الدولة على عدم استجابته لطلب أمه حين طلبت منه افتداء ابنها " أبى فراس "
والقصيدة كما يقول د/ رجاء عيد تدل على أن المنسرح ليس به اضطراب فى موسيقاه وما جاء على وزنه حسن فى موسيقاه ويتدفق فيه نغمة الشعرى ، واستشهد بقصيدة أبى فراس .
       وجاء استشهاده بالقصيدة للرد على الدكتور / إبراهيم أنيس الذى يرى أن المنسرح لا نكاد نشعر بانسجام موسيقاه ، يقول : " ويخيل إلينا أن الوزن مضطرب بعض الاضطراب ، وأغلب الظن أنه سينقرض من الشعر فى مستقبل الأيام " .
يقول أبو فراس معاتبا سيف الدولة فى لغة حانية وموسيقى مؤثرة :
أنت سمـاء ونحن أنجمها      أنت بـلاد ونحن أجبـلُها
أنت سحـاب ونحن  وابله      أنت يمين ونحـن أنمـها
بأى عذر رددت والهــة      عليك دون الورى  معولها
إن كنت لم تبذل الفداء لها      فلم أزل فى رضاك أبذلها
مستفعلن مفعلات مستفعلن      مستفعلن مفعلات مستفعلن
ويرى د.صابر عبدالدايم أن د/ عبده بدوى قد جانبه الصواب حين نسب هذه القصيدة إلى " مجزوء البسيط " ، وأكد كلامه بأنه قد دخله الكثير من التغيير على غير العادة ليعطى التوتر والقلق وعدم الاستقرار" .
       والقصيدة ليست من مجزوء البسيط بل هى من المنسرح فمجوزء البسيط أجزاؤه هى: مستفعلن فاعلن مستفعلن  (مرتين)
والتقطيع العروضى لأبيات قصيدة أبى فراس نقصيها تماما عن دائرة مجزوء البسيط"
يقول أبو فراس:
أنت سماء ونحن أنجمـها       أنت بـلاد ونحن أجيـلها
مستفعلن مفعلات مستفعلن       مستفعلن مفعلات مستفعلن
ود/إبراهيم أنيس يقول عن هذا البحر بأنه ".. قد هجره المحدثون..وأغلب الظن أنه سينقرض من الشعر فى مستقبل الأيام".
       ولم يصدق حدس الدكتور أنيس ولاظنه .. ولم يهجر المحدثون إيقاع هذا البحر ... حيث بالغ أحد الشعراء وهو الدكتور/ عبد اللطيف عبد الحليم فأصدر ديوانا كاملا ، كل قصائده على وزن "المنسرح"، وهذا يدل على بقاء موسيقى هذا البحر وعدم انقراضها تماما، ولكنها قليلة نادرة، لأن الشعراء  يميلون إلى النظم على موسيقى البحور المألوفة .. ولا يحاولون البحث عن أنغام جديدة .. أو غير مألوفة .


رابعا : التشكيلات العروضية :
       يتشكل هذا البحر فى صورته التراثية من ثلاثة أشكال عروضية تتفاوت فيما بينها فى استخدام الشعراء  لها وأشهرها الشكل الثالث " العروض مطوية والضرب مطوى " .
مستفعلن مفعولات مستعلن   مستفعلن مفعولات مستعلن
1- الشكل الأول :
العروضة صحيحة " مستفعلن " والضرب مطوى " مستعلن "
مستفعلن مفعولات مستفعلن     مستفعلن مفعولات مستعلن
ومثال ذلك قول الشاعر :
إن ابن زيد لا زال مستعملا    للخير يغشى فى مصره العرفا
وهذا الشكل نادر الوجود فى الابداع الشعرى لأن أمثلته نادرة فهذا البيت موجود فى كل كتب العروض تقريبا.
       وهذا يدل على عدم انسجام هذا الشكل الموسيقى مع الطاقة الابداعية والشعورية حين تتخذ من موسيقى هذا البحر قالبا لها .
ويمكن تقطيع البيت هكذا :
ابن ابن زى / د لازال  / مستعملا
                       للخير يغـ / ـشى فى مصر / ه العرفا
مستفعلن    مفعولات    مستفعلن
                         مستفعلن       مفعولات      مستـعلن
2- الشكل الثانى :
العروض مطوية " مستعلن " ، والضرب مقطوع " مستفعل " .
       مستفعلن مفعولات مستعلن   مستفعلن مفعولات مستفعل
ومثال ذلك قول الشاعر :
ما هيّجَ الشوقُ من مطوَّقةٍ      قامت على بانـةٍ تغنّينــا
ويمكن تقطيعه هكذا
ما هيج شْـ / شوق من مُ / طووقتن          
قامت على  /  بانتن تـ  / غننينا
مستفعلن     مفعلات      مستعـلن
مستفعلن   مفعلات    مستفعــل
ومن ذلك قول البحترى :
وكم حنين إليك مجلــوبٍ    ودمع عين عليك مسكوبِ
متفعلن  مفعلاتُ مستعْلـن      متفعلن  مفعلاتُ  مستفْعل
ومايزال الفراق يبحث عن      ثأر لدى العاشقين مطلوبِ
متفعلن مفعولاتُ  مستعِلن       مستفعلن مفعلاتُ مستفْعل
3- الشكل الثالث: العروض مطوية "مستعلن"، والضرب مطوى "مستعلن".
مستفعلن مفعولات مستعلن    مستفعلن مفعولات مستعلن
ومثال قول أبى فراس الحمدانى فى مطلع قصيدته التى يعاتب فيها سيف الدولة ويبدى أشواقه إلى أمه وأسفه وحزنه على وحدتها وفراقها، يقول:
يا حسرة  ما أكاد   أحملها      آخـرها  مزعـج  وأوّلها
مستفعلن مفعلات  مستعِلن      مستفعلن  مفعلات  مستعِلن
       ويذكر د.صابر عبد الدايم أن هذا الشكل العروضى من أشكال المنسرح هو أقرب تشكيلات "المنسرح" إلى التذوق والوجدان والشعراء ينظمون منه الكثير والمؤثر.
       ففى جمهرة أشعار العرب ترد قصيدة عمرو بن أمرئ القيس على هذا الوزن العروضى ، وكذلك قصيدة لمالك بن عجلان على الوزن نفسه ... وقد أدرجهما القرشى فى باب "المذهبات"، وقصيدة مالك بن عجلان تبلغ واحدا وعشرين بيتا ومطلعها.
إن سميرا رأى عشيرته      قد حدبوا دونه وقد أنفا
وقصيدة عمرو بن امرئ القيس تبلغ ستة وعشرين بيتا ومطلعها:
يا مال والسيد المعمم قد     يبطره بعض رأيه السرف
وللمتنى قصيدة رائعة جيدة السبك غزيرة المعانى قالها فى مدح على بن إبراهيم التنوخى، وتبلغ أربعة أربعين بيتا يقول فى مطلعها:
أحقُّ عافٍ بدمعك الهمــم     أحدث شئ عهدا بها القدم
وإنما الناس بالملـوك ومـا     تفلح عرب ملوكها عجـم
لا أدب عندهم  ولا حسـب     ولا عهود لهم  ولا ذمـمُ
بكل أرض وطئتها أمـــم     ترعى بعبد كأنها غنــم
تنبيه :
ورد فى بعض كتب الرعوض بعض الأشكال الأخرى لهذا البحر ومنها
أ- عروض منهوكة موقوفة وهى الضرب أيضا ومثال ذلك :
              " صبرا بنى عبد الدار "
فهنا البيت حذف منه ثلثاه " وسكنت تاء " " مفعولات " .
ب- عروض منهوكة مكسوفة " بحذف تاء مفعولات "
ومثال ذلك قول القائل :
              ويل أم سعد سعدا
       ويدخل فى هذا البحر من التغيير طى " مفعولات " غالبا ، وأما خبنه فقبيح ، فقصر " مفعلات".
       وأما " مستفعلن " فى غير العروض والضرب فيجوز خبنه أو طيه والخبن فيه قبيح ، أى يجوز " مستعلن " ، ولا يجوز " مستفعلن " .

بحـر السريع
أولا : سبب التسمية :
       يقول الخليل بن أحمد الفراهيدى ، مفسرا سر تسمية هذا البحر بالسريع حيث سئل عن ذلك فقال : " .. لأنه يسرع على اللسان " ، وقيل إنه سمى بذلك لأن كثرة السباب فيه تمكن من سرعة النطق به .
ثاينا : أجزاؤه :     
يتكون هذا البحر من ست تفعيلات فى شطرى البيت وهى :
مستفعلن مستفعلن مفعولات     مستفعلن مستفعلن مفعولات
ثالثا : من الخصائص الموسيقية لهذا البحر :
       يقول كثير من النقاد بأن موسيقى هذا البحر فيه اضطراب لا تستريح إليه الآذان إلا بعد مران طويل ... وذلك لقلة ما نظم منه، والشعراء القدامى لم يكثروا من النظم فى الإطار الموسيقى لهذا البحر ، لأنه ـ كما يقول د/ عبده بدوى ـ يبدو كنوع ناشذ من بحر الرجز بإسقاط الوتد المفروق ، ويبدو هذا البحر كذلك كأنه نوع من الخروج على أصل من الأصول الموسيقية فى الشعر العربى.
       وفى الشعر العربى الحديث قلّت نسبة شيوع هذا البحر ، وأصبح شعراؤنا ينفرون منه ومن موسيقاه .
       ويخالف د.صابر عبدالدايم د/ إبراهيم أنيس فى أن هذا البحر سينقرض مع الزمن " لأن موسيقاه تقترب من صورتها الصافية من موسيقى بحر "الرجز" وهى فيها عذوبة وسلاسة؛ والتشكيل الموسيقى الصافى المؤثر لهذا البحر هو ما يرد على هذا الوجه.
مستفعلن مستفعلن فاعلن       مستفعلن مستفعلن فاعلن
ومن ذلك قول عباس العقاد من قصيدة "هذا هو الحب":
الحب أن أبصر مالا يُرى     أو أغمض العين فلا أبصرا
وأن أسيغ الحق ما  سرّنى    فإن أبى فالكذب  المفـترَى
وما زال خلاف د.صابر عبد الدايم مع د.أنيس مستمرا، فيذكر أن العقاد له شعر كثير جاء فى قالب السريع ؛ ولا صحة لما قاله د/ إبراهيم أنيس من أن "ما نظمه بعض الشعراء المحدثين من شعر قليل على هذا الوزن، فإنما كان تقليدا لقصائد قديمة أعجبوا بها فنسجوا على منوالها رغبة فى التنويع لا حبا للوزن نفسه، ولعلهم قد وجدوا فى هذا جهدا"
       وأى جهد وأى عنت فى قول العقاد من قصيدة أخرى بعنوان "يا رب" ذات إيقاع سلس أخاذ خال من الاضطراب؟!
يارب أعطينـاك أرواحنـا     فى هذه الحرب وفى الماضية
يا ربنا فاقـض لنا مــرة    بالسلم فى أيامنـا الباقيـــة
مستفعلن مستفعلن  فاعلـن    مستفعلن  مستفعلـن  فاعلـن
وأى جهد ؟ وأى عنت فى قول أحمد زكى أبو شادى من قصيدة له بعنوان "بنات بحرى" ؟!
أقبلن آمالا على نشــوة      من نشـوة البحر لآمالى
عرائس البحر خطت مثله      فى نسـج أمواج كأنوال
رابعا : التشكيلات العروضية :
       يشكل هذا البحر فى صورته التراثية كما حددها علماء العروض من خمسة أشكال موسيقية تكون فى مجموعها الصورة الكاملة لهذا البحر وهى :
1- الشكل الأول :
مستفعلن مستفعلن فاعلن     مستفعلن مستفعلن فاعلن
 العروض مكسورة مطوية (فاعلن) عوض "مفعلا"، والضرب مطوى موقوف  (فاعلان) عوض (فاعلات).
ومثال ذلك قول احمد شوقى:
يا عادى  البــن كفى قسوة       روّعتَ حتـى مُهَجاتِ الحمامْ
مستفعلن   مستفعلن   فاعلن        مستفعلن   مستفعلن   فاعلان
تلك قلـوب الطيـر حمّلتـها        ما عجزت عنه قلوب  الأنـام
مستعلن  مستفعلن   فاعلـن         مستعلن    مستفعلن   فاعلانْ
2- الشكل الثانى :
مستفعلن مستفعلن فاعلن       مستفعلن مستفعلن فاعلن
العروض مكسوفة مطوية (فاعلن) والضرب مكسوف مطوى (فاعلن)،  ومثال ذلك قول العقاد السابق:
الحب أن أبصر ما لا يرى      أو أغمض العين  فلا أبصرا
مستفعلن مستفعلن فاعـلن     مستفعلن  مستفعلن  فاعلـن
3- الشكل الثالث:
مستفعلن مستفعلن فاعلن            مستفعلن مستفعلن فاعل
العروض مكسوفة مطوية "فاعلن" والضرب أصلم "فاعل" وأصل الضرب "مفعو" حيث حذف الوتد المفروق من آخر "مفعولات" وهذا هو الصلم، ونقل "مفعو" إلى "فاعل" مثل قول أحمد زكى أبو شادى:
أقبلن آمالا على  نشـوة     من نشـوة البحر لآمالى
مستفعلن مستفعلن فاعلن     مستفعلن  مستفعلن فاعل
4- الشكل الرابع :
مستفعلن مستفعلن فعِلن      مستفعلن مستفعلن فعِلن
والعروض مكسوفة مخبونة " فعلن " ، والضرب مثلها مكسوف مخبون " فعلن " حيث يحذف الثانى والرابع والسابع من مفعولات فتصير فعلا وتنقل إلى فعلن. ومثال ذلك قول الشاعر:
شمس تجلّتْ تحت ثوب ظُلَمْ        سقيمة الطرْف بغير سَقَمْ
مستفعلن   مستفعلن  فعلن          متفعلن  مستعلن    فعلن


5- الشكل الخامس:
مستفعلن مستفعلن فعِلن      مستفعلن مستفعلن فعْلن
العروض مكسوفة مخبونة " فعِلن " والضرب أصلم " فعلن " ومثال ذلك قول الشاعر:
من أصبحت دنياه غايته          كيف ينال الغاية القصوى
مستفعلن مستفعلن فعلن            مستعلن مستفعلن   فعْلن
ويجوز فى حشو السريع خبن "مستفعلن" وهو حذف الثانة فتصير "متفعلن"، ويجوز فيها كذلك "الطى"، وهو حذ الرابع الساكن فتصير (مستعلن).
       وهذا التغيير لا يلزم فى القصيدة كلها ... وربما يجتمع الخبن والطى فى بيت واحد من سريع. ومن ذلك قول العقاد من قصيدة له بعنوان "كتبى":
ينتفع المرء  بما    يقتنى        وأنت لا جدوى ولا مأرب
مستعلن مستعلن  فاعـلن        متفعلن  مستفعلن    فاعلن
(طى)   (طى)                            (خبن )
وللعقاد قصيدة (الطيش والحزم) على نفس الوزن يقول فيها:
لطيش أن تعمل ما تشتهى      قد يساوى النفع فيها الضررْ
والحزم أن تحذر ما  تتقى      فما يغنيـك فيـها  الحــذرْ
كفؤان إن وازنت  حظيهما     يا صاح فاختر منهما ما حضرْ
وقد جدد العقاد فى شكل هذا البحر الموسيقى فنظم قصيدته "بيجو" وبناها من أحد عشر مقطعا شعريا .. والبيت فيها مكون من شطرة واحدة والعروض فيها متحدة مع الضرب ، وكلاهما "موقوف مطوى"
       والقصيدة قد صاغها العقاد فى قالب الخماسيات، أى أن كل مقطوعة تتكون من خمسة أبيات ... والبيت الخامس من كل مقطوعة يتحد فى قافيته مع بقية المقاطع ، وتبلغ القصيدة ستين بيتا، وهذا النتاج يجعل موسيقى هذا البحر مازالت مقبولة مستساغة عند الشعراء المعاصرين. ويقول العقاد فى رثاء كلبه الوفى "بيجو":
حزنا على " بيجو " تفيض الدموع
حزنا على " بيجو " تثور الضلوع
حزنا عليه جهــد ما استطيــع
وأن حزنا بعد ذلك الولــــوع
والله  يا بيجو لحزن وجــــيع
حــزنا عليــه كلمـا لاح  لى
بالليل فى ناحية  المنـــــزل
مسامرى حينـا  ومستقبــــلى
وسابقـى حينـا إلى  مدخـــلى
كأنـه يعلـم وقت الرجــــوع
بحـر المجتث
أولا : سبب التسمية :
       ورد فى لسان العرب فى مادة "جثث" أن الجث هو القطع وقيل: قطع الشئ من أصله.
       والمجتث : ضرب من العروض على التشبيه بذلك ، كأنه اجتث من الخفيف أى قطع.
       وقال : أبو إسحاق : سمى مجتثا : لأنك اجتثثت أصل الجزء الثالث وهو "مف"، فوقع ابتداء البيت من "عولات".
       * وقال الخطيب التبريزى موضحا العلاقة بين الخفيف والمجتث، فلفظ أجزاء المجتث يوافق أجزاء الخفيف بعينها وإنما يختلف عن جهة الترتيب فكأنه اجتث من الخفيف.
       ونلاحظ أن "مستفع لن" التى يبنى منها المجتث تكون مثل التى فى الخفيف وهي مكونة من :
سبب خفيف (مُسْ) + وتد مفروق (تفع) + سبب خفيف (لن)
ثانيا: أجزاء المجتث: يتكون المجتث من ست تفعيلات فى صورته التامة، وهى:
مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن    مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن
ومن استقراء النتاج الشعرى الذى جاء فى قالب هذا البحر وجد علماء العروض أن هذا البحر لم يستعمل إلا مجزوءا أى مكونامن أربع تفاعيل على هذا النحو :
مستفع لن  فاعلاتن         مستفع لن  فاعلاتن
ثالثا: من الخصائص الموسيقية:
       يذكر د.صابر أن هذا البحر يتسم بإيقاع خفيف ، فيه رشاقة وحسن أدء ، تميل إليه النفس فتطرب الأذن لسماع إيقاعاته الموقعة القصيرة ؛ وهذه السمة الايقاعية تعد من سمات التطور فى هذا العصر الحديث .. حيث نظر القدامى إلى هذا البحر نظرة استهجان .. فلم ينظم الشعراء قصائدهم فى القالب النغمى لهذا البحر إلا قليلا . وكانت فى الأغراض الخفيفة . ومن ذلك قول أبى نواس :
يا عاقد القلب  عنى         هلا تذكرت هـــلا
تركت منى القليـلا         من القليل أقــــلا
يكاد لا يتجـــزّا          أقل فى اللفظ من (لا)
       ويقول حازم القرطاجنى فى كتابه (منهاج البلغاء وسراج الأدباء): "..وإنما تستحلى الأعاريض بوقوع التركيب المتلائم فيها، فأما الهزج ففيه مع سذاجته حدة زائدة. فأما المجتث والمقتضب فالحلاوة فيهما قليلة على طيش فيهما".
       وقد نظم منه الشعراء المحدثون كثيرا وبخاصة فى المسرحيات الشعرية .. كما يقول د/ إبراهيم أنيس ، وينبه كذلك إلى أن أكثر الشعراء استعمالا لهذا البحر فى غير المسرح الشعرى شاعر النيل حافظ إبراهيم.
       وإضافة إلى حافظ إبراهيم .. نجد الشاعر / محمود حسن إسماعيل يكثر من نظمه فى القالب النغمى لهذا البحر وكذلك الشاعر ميخائيل نعيمة.
       فالشاعر/ محمود حسن إسماعيل له قصيدة تبلغ اثنين وخمسين بيتا على وزن بحر المجتث وعنوانها "شاطئ التوبة" وهى من أروع قصائده وأصدقها انفعالا وعمقا وثراء فنيا وفيها يقول :
رباه عفـوك  أنـى        للنور مُدّتْ  يدايـا
نزعت أسرار قلبـى وجئت ألقى أسـايا
وأشتكى طىّ صدرى دربا سحيق الطوايا
مستفعلن     فاعلاتن        مستفعلن   فاعلاتن
رابعا : التشكيلات العروضية لهذا البحر:
       ورد هذا البحر فى صورته الشائعة فى الشعر القديم والشعر الحديث على صورتين أو شكلين من الأشكال العروضية.
1- الشكل الأول:
مستفعلن فاعلاتن            مستفعلن فاعلاتن
أ- العروض صحيحة والضرب صحيح.
       وهذا الشكل هو الشائع والأكثر ذيوعا لموسيقى هذا البحر، ومثال ذلك قول " ميخائيل نعيمة " متأملا عالم البحر فى سكون أمواجه وفى ثورتها :
وقفت  والليل داج           والبحر كـرٌّ  وفـرُّ
فلم يجبنى  بحـرٌ           ولم يجبنى  بـــرُ
متفعلن     فاعلاتن         مستفعلن  فاعلاتـن
وعندما شـاب ليلى         وكحّل الأفْـقَ  فجرُ
سمعت نهـرا يغنى         الكون طـىٌّ   ونشرُ
فى الناس خير وشر         فى البحر مـدّ وجزر
2- الشكل الثانى :
مستفعلن فاعلاتن            مستفعلن فعلاتن
العروض صحيحة والضرب مشعث "فلاتن".
       والتشعيث هو حذف أول أو ثانى الوتد المجموع فى نحو "فاعلن" فيصير "فالن" أو "فاعن".
       وكذلك "فاعلاتن" تصير "فلاتن" وتنقل إلى "فعلاتن" ومن ذلك قول عزيز أباظة فى مسرحيته الشعرية "العباسة" على لسان الفضل


بأمر مولاى فابقوا           فإنكم ضيفانُـه
متفعلن    فاعلاتن          متفعلن   فالاتن
أظلم   يرضــاه           وعمكم  إحسانه
متفعلن     فعلاتن          متفعلن   فالاتن
وبعد غير بعيــد          يضمكن إيـوانه
متفعلن     فعلاتن          متفعلن   فالاتن
       ويدخل فى هذا البحر من التغيير الخبن فى أجزائه كلها باستحسان وكذلك الشكل ، ويجوز الجمع بين الخبن والشكل معا، والشكل مصطلحا : هو مركب من الخبن والكف كحذف الألف الأولى والنون الأخيرة من فاعلاتن فتصير "فعلات".

بحـر المقتضب
أولا : سبب التسمية :
       يقول الخليل بن أحمد الفراهيدى حين سئل عن اسباب مسميات البحور فى معرض تعليله لاسم "المقتضب" قال: لأنه اقتضب من السريع؛ فأجزاء السريع هى :
مستفعلن مستفعلن مفعولات  مستفعلن مستفعلن مفعولات
وأجزاء المقتضب هى " فى صورته " " المجزوءة " الملازمة له .
مفعولات مستفعلن    مفعولات مستفعلن
فالتفعيلتان " الثالثة والرابعة من "السريع" تمثل الشطرة الأولى من المقتضب مع تغيير فى صورته التفعيلية فى "السريع" وفى "المقتضب"، حيث استقراء النتاج الشعرى فى هذين القالبين.
      وفى لسان العرب مادة " قضب " تدور هذه المادة حول دلالات كثيرة:
ـ منها "القضب: القطع، قضبه يقضبه قضبا واقتضبه ، فانقضب وتقضب: انقطع. والمقتضب من الشعر:
فاعلات مفتعلن    فاعلات مفتعلن
وبيته :      
أقبلتْ فلاح لها       عارضان كالبرَدِ
       ويعلل ابن منظور إطلاق هذا اللقب على ذلك البحر تعليلا مخالفا لتعليل الخليل لأنه يخالفه أيضا فى أجزاء البحر .. فيجعله أقرب إلى الخفيف .. حيث يجعل أوله "فاعلات" وليس "مفعولات" التى تحول إليها "مفعلات" دائما.
       ومن هنا يعلل ابن منظور التسمية مستندا للدلالة اللغوية للقضب وهى القطع ،  فيقول: "وإنما سمى مقتضبا لأنه اقتضب  مفعولات وهو  الجزء الثالث من البيت أى قطع".
       وحين نتأمل كلام ابن منظور نجد أنه يناقض نفسه ، فهو يقول : إن أجزاء المقتضب "فاعلات مفتعلن" مرتين، ومعنى ذلك أن التفعيلة الثالثة هى "فاعلات" والرابعة "مفتعلن"، ولكنه فى تعليله لمسمى ذلك البحر راجع إلى الأجزاء التى قال بها علماء العروض لهذا البحر .. فقال بأن الجزء الثالث من البيت "مفعولات" اقتضب أى قطع.. وهذا هو الأصوب؛ لأنه يتوافق مع الدلالة اللغوية، ومع ما ذهب إليه المختصون فى علم العروض.
ـ التشكيلات العروضية للمقتضب :
       لهذا البحر شكلان عروضيان هما :
الشكل الأول:
مفعلات مستعلن     مفعلات مستعلن
العروض مطوية والضرب مطوى، حيث يلزم حذف الرابع الساكن من مستفعلن فى العروض والضرب فتصير "مستعلن".
       ومثال ذلك قول أمير الشعراء أحمد شوقى فى وصف حفلة رقص بقصر "عابدين" وهى تبلغ حوالى سبعين بيتا ومطلعها:
حفّ كأسَها الحبَبُ           فهْى فضةٌ ذهبُ
مفعلات مستعلن             مفعلات مستعلن
ومن هذه القصيدة قول شوقى:
الليـوث مائــلة           الظبـاءُ تَنسـربُ
الحريرُ ملبســها           واللجين والذهـب
والقصور مسرحها          لا الرمال والعشب
مفعلات مستعـلن           مفعلات  مستعـلن
الشكل الثانى:
مفعولات مستعلن      مفعولات مستعلن
       حيث يدخل الضرب "القطع" وهو حذف ساكن الوتد المجموع وإسكان ما قبله، مثل (فاعلن) تصير (فاعل)، ومستفعلن تصير (مستفعل). ومثال ذلك قول الشاعر:
النعيم  يشغــله          والجمال يطغيـه
مفعلات  مستعلن          مفعلات  مستفعل
تائـهٌ  تزهّــدُه         فىَّ رغبتى  فيـه
مفعلات  مستعلن     مفعلات مستفعـل
    ويخطّئ د.صابر د/ إبراهيم أنيس فى ذهابه إلى أن المقتضب قد أنكره الأخفش يقوله: "والغريب أن نرى أمير الشعراء ينظم فى بحر المقتضب، ذلك الوزن الذى أنكره الأخفش ، وقد بنى على هذا الرأى موقفه من هذا البحر فلم يدرجه فى كتابه "موسيقى الشعر".
       ويستطرد د.صابر قائلا: "..والحقيقة غير ذلك، فإن الأخفش لم ينكر هذا البحر؛ حيث تكلم عنه بصورة صريحة موجزة فى كتاب (العروض) الذى حققه د/ أحمد عبد الدايم، حيث يقول الأخفش فى كتابه: "وأما المضارع والمقتضب فكانت فيها المراقبة، لأنهما شعران قلا، فقل الحذف فيهما. وإنما يحذفون ما يكثر من كلامهم.
       والمراقبة بين الحرفين تعنى أنه يسقط أحدهما ويثبت الآخر، فلا يسقطان معا ولا يثبتان معا، والمراقبة فى المقتضب بين فاءء مفعولات وواوها وفى المضارع المراقبة بين ياء مفاعلين ونونها.
       وكتاب "العروض للأخفش" أول تقعيد علمى لعلم العروض، لم يسلك فيه الأخفش نهج المعلمين، بل سلك نهج الأساتذة العارفين، حيث وضع لنا فيه مايجوز ومالا يجوز، ما هو حسن وما هو قبيح.


بحـر المضارع
أولا : سبب التسمية :
       حين سئل الخليل بن أحمد كما يروى ابن رشيق فى كتابه "العمدة" عن سبب مسمى هذا البحر بالمضارع، فقال: "لأنه ضارع المقتضب"، أى شابه، والمضارعة  للشئ كما ورد فى لسان العرب أن يضارعه كأنه مثله أو شبهه.
       وورد فى لسان العرب تعليل غير التعليل الذى ساقه الخليل، حيث ينقل ابن منظور عن الأزهرى قوله: "والنحويون يقولون للفعل المستقبل  مضارع لمشاكلته الأسماء فيما يلحقه من الإعراب؛ والمضارع من الأفعال : ما أشبه الأسماء وهو الفعل الآتى والحاضر.
والمضارع فى العروض
مفاعيل  فاع لاتن           مفاعيل  فاع لاتن
وسمى بذلك لأنه ضارع (المجتث) أى شابهه.
 ثانيا : أجزاؤه وموقف النقاد من موسيقاه :
مفاعيلن  فاع لاتن  مفاعيلن      مفاعيلن  فاع لاتن  مفاعيلن
 ونظرا لندرة النماذج الشعرية التى وردت فى القالب النغمى لهذا البحر ولم ترد إلا مجزوئة فإن صورة هذا البحر تتشكل فى القالب كالآتى:
مفاعيل  فاع لاتن      مفاعيل فاع لاتن
ومثال ذلك قول الشاعر:
فنفسى لها حـنين           وقلبى له  إنكـار
مفاعيل  فاع لاتن           مفاعيلن فاع لاتن
ويلاحظ أن  "فاع لاتن" هنا مركبة من وتد مفروق (فاع) وسببين خفيفين (لا، تن)، ولا يجوز أن يدخلهما الخبن ، أى لا يجوز حذف الحرف الثانى  فلا تقول "فـع لا تن"  بخلاف  "فاعلاتن"؛ فإنه يجوز فيها "الخبن" فتصير "فعلاتن".
       وحازم القرطاجنى  يرفض هذا البحر رفضا قاطعا؛ حيث يقول: "فأما المضارع ففيه كل قبيح، ولا ينبغى أن يعد من أوزان العرب، وإنما وضع قياسا وهو قياس فاسد لأنه فى الوضع المتنافر"
       ويذهب "القرطاجنى" إلى أن الأوزان التى ثبت وضعها عن العرب أربعة عشر وزنا وهى:
(الطويل - والبسيط - والمديد - والوافر - والكامل - والرجز - والرمل - والهزج - المنسرح -والخفيف - والسريع - والمتقارب - والمقتضب والمجتث ) وإن كان المقتضب والمجتث ليس لهما تلك الشهرة فى كلامهم .
       فـأما الوزن الذى سموه المضارع ، فما أرى أن شيئا من الاختلاف على العرب أحق بالتكذيب والرد منه ، لأن طباع العرب كانت أفضل من أن يكون هذا الوزن من نتاجها ، وما أراه أنتجه إلا "شعبة بن برسام" خطرت صورته على فكر من وضعه قياسا، فياليته لم يضعه، ولم يدنس أوزان العرب بذكره معها، فإنه أسخف وزن سمع فلا سبيل إلى قبوله، ولا العمل عليه أصلا"  
       وعلى الرغم من هذا الموقف الرافض للبحر "المضارع" من حازم القرطاجنى ، فإن الجوهرى  صاحب المعجم اللغوى الجامع "تاج اللغة وصحاح العربية" والذى عاش فى القرن الرابع الهجرى؛ العاشر الميلادى قد فصل القول فى كتابه "عروض الورقة" عن "البحر المضارع" وأتى بأشكال كثيرة  وفى ذلك دلالة على وجود هذا البحر .. مهما ندرت أمثلته، وحازم القرطاجنى عاش فى القرن السابع الهجرى ، أى بعد الجوهرى بثلاثة قرون ، فرفضه لهذا البحر لا يصبح قاعدة نلتزم بها لأن "الجوهرى" عالم ثقة ثبت، ومذهبه يعتد به فى الاحتجاج والتقعيد.
       وقد جاء تحليل الجوهرى للمضارع على هذا النحو:
أجزاء المضارع: مربع قديم لا غيـر، أى يتكون من أربع تفاعيل:
مفاعيلن   فاع لاتن     مفاعلن فاع لاتن
وبيته الذى لا زحاف فيه :
بنو سعد خير قوم           لجارات أو لعان
ويعلق الجوهرى على هذا الشكل من أشكال المضارع بقوله: "وهذا محدث، ولم يجئ عن العرب فيه بيت صحيح ، أى أن هذا الشكل محدث... ومعنى ذلك أنه يجوز أن ينظم الشعراء قصائدهم على هذا القالب بدون أى زحافات "
مفاعيلن فاع لاتن           مفاعيلن فاع لاتن
       ويلاحظ أن الجوهرى يخالف الخليل فى شكل التفعيلة الثانية والرابعة فهى فى مذهبه (فاعلاتن) مكونة من سبب خفيف فوتد مجموع فسبب خفيف ( /5 - / - /5 - /5 )
        أما عند الخليل والأخفش فهتى تتكون من وتد مفروق فسببين خفيفين ( /5/ - /5/5 ) فاع لاتن.
       وبناء على هذا التخالف فى شكل التفعيلة يقول " الجوهرى " وزحاف المضارع "خمسة":
              (القبض - الكف - الخرْم - الشتر - الخبن)
وهذه الزحافات تدخل كلها فى مفاعيلن " على هذا النحو:
أ- فيجوز فيها "الكف" وهو حذف السابع الساكن فى مفاعيلن فتصير مفاعيل.
ومثال ذلك قول القائل :
دعانى إلى سعاد            دواعى هوى سعاد
وتقطيعه هكذا:
دعانى إلى سعادى           دواعى هوى سعادى
مفاعيل   فاعلاتن           مفاعيل     فاعلاتن
ب- يجوز فى (مفاعيلن) القبض فتصير "مفاعلن"، حيث يحذف الخامس الساكن.
جـ- ويجوز فى عروضه "الكف" حيث يحذف السابع الساكن من فاعلاتن فتصير "فاعلات"؛ ومن ذلك قول القائل:
وقد رايت الرجال           فما أرى مثل زيد
مفاعلن   فاعلات           مفاعلن  فاعلاتن
ويقول الجوهرى: "وهذا يشبه المجتث"
       وهذا التشابه يعود بنا إلى صاحب لسان العرب ،  حيث توصل إلى هذا التشابه حيث قال معللا تسمنة المضارع بهذا الاسم "لأنه ضارع المجتث" أى شابهه .
د- ويجوز فى أول جزأيه "الخرم" و"الكف"، فتصبح "مفاعيلن" فى أول الشطرين "فاعيل" وتنقل إلى مفعول حيث حذف أول الوتد المجموع من أول التفعيلة .. وهذا هو "الخرم" فتحذف الميم من أول تفعيلة "مفاعيلن" ويحذف السابع الساكن وهو (الكف)، ومثال ذلك قول القال:
قلنا لهم وقالوا               كل له  مقـال
مفعول فاعلاتن             مفعول فاعلاتن
ويطلق  الجوهرى على اجتماع الزحافين (الخرم) و (الكف) لقب  (الأخرب)
هـ: ويجوز فى أول جزأيه "الخرم والقبض" فيبقى  "فاعلن"، فسمى الأشتر وبيته أى مثاله:
سوف أهدى لسلمى          ثناء على  ثناء
فاعلن   فاعـلاتن          فاعلن فاعلاتن
ويجوز فى أول جزئيه " القبض والكف .. حيث تصير مفاعيلن (فاعل) ومثاله:
أشاقَكَ طيف مامَهْ           بمكة أم  حمامـة
مفاعل    فاعلاتن          مفاعل    فاعلاتن
وعن الصورة السابقة يقول الجوهرى:
       وهذا يشبه مربع الوافر، وكان الخليل يوجب فيه مراقبة يائها ونونها، فإما أن يكف فيكون مفاعيل ت أو يقبض فيكون مفاعلن، ولا يثبت الساكنان معا..ولا يسقطان معا.
ز: ويجوز خبن "فاعلاتن" لمعاقبة ما قبله .. وبيته :
إذا ضيف طرقونا           فديناهم بجفنان
مفاعيلن   فعلاتن           مفاعيلن فعلاتن
ولا شك أن هذه الزحافات الكثيرة جعلت الشكال الموسيقيةلهذا البحر تتعدد ووتتنوع .. حيث يتسع المجال أمام الشعراء للنظم فى هذا القالب الايقاعى ...
       فالشكل التام فى هذا البحر " مفاعيلن فاعلاتن زز مفاعيلن فاعلاتن " مقبول ذوقيا وإيقاعيا .
       وذلك الصورة المأثورة التى اتفق عليها أغلب علماء العروض وهى 
مفاعيل فاعلاتن             مفاعيل فاعلاتن
       والصورة النغمية التى تقترب من مربع الوافر تعد نغما قصيرا راقصا يصلح لأناشيد الأطفال .. وأغانى الترقيص .. ويمكن أن يصاغ وزنه فى هذا القالب.
مفاعلين فعولن       مفاعلتن فعولن
       والشكل الذى اطلق عليه الجوهرى الأخرب حيث يجتمع الخرم والكف أول الشطرين " يمكن أن يصاغ على وزن قريب جديد هو:
مستفعلن فعولن             مستفعلن فعولن
قلنا لهم  وقالوا              كل   له  مقال
       هذه التنويعات الموسيقية تعد مظهر ثراء إيقاعى وتفتح المنافذ الايقاعية للعراء رغبة فى التجديد ... ومواصلة الابداع والعطاء فى ساحة الشعر الرحبة ، فالشعر فن العربية الأول .. وهو كان .. ومازال وسيظل " ديوان العرب".



القـافيـــة


أولا: تعريف القافية:
       القافية هى المقطع الصوتى الذى ينتهى به البيت الأول من القصيدة ، والذى سوف يتكرر فى نهاية كل بيت منها ، مادامت القصيدة فى هذا الطراز الملتزم بوحدة الوزن والقافية .
       وهذا المقطع الصوتى قد حده  الأخفش بالكلمة الأخيرة  من البيت، وحدده الخليل من  آخر ساكن  فى البيت إلى أقرب ساكن يليه مع المتحرك الذى قبله ، فإذا قرأنا هذا البيت:
لكل ما يؤذِى وإن قلّ ألمْ    ما أطول الليل على من لم ينمْ !
فتكون قافية البيت على رأى الأخفش هى كلمة ( ينم ) ، ولكن قافية هذا البيت نفسه على رأى الخليل هى ( لم ينم ) .
وإذا قرأنا البيت التالى :
ومن يك ذا فم مرّ مريضٍ          يجد مرّا به الماءَ الزلالا
تكون القافية فى البيت على رأى الأخفش كلمة "زلالا"، ولكن قافية  هذا البيت نفسه على رأى الخليل هى (لالا).
أما التقفية فهو التوافق على الحرف الأخير .
ثانيا : حروف القافية :
       يقول الحلى:
مجرى القوافى فى حروف ستة     كالشمس تجرى فى علوِّ بروجِها
تأسيسها ودخيـلها مع  ردفـها     ورويِّها مع وصلها وخروجِـها
       ومحتوى البيتين يفيد بأن قافية القصيدة ، أو قل المقطع الصوتى الأخير فى كل بيت فيها : قوامه ركائز ثابتة ، لا يصح بغيرها ، ولا يكون بدونها ، وإحدى هذه الركائز هو مركزها : حوله تدور ومن داخله تراعى وتستدعى .
       أما مجموعة هذه الركائز فهى كما وصفت فى البيت الثانى: التأسيس - الدخيل - الردف - الروى - الوصل - الخروج.
       وأما فـذُّهـا أو محورها فهو الروى ، لماذا ؟
أولا : لأن الروى هو الحرف الصحيح آخر البيت ، واللازم تكراره فى أواخر جميع هذه الأبيات ، وتنسب إليه القصيدة فنقول قصيدة بائية أو همزية أو رائية.
ثانيا : لأن الروى  بمفرده إذا وقع ساكنا ، فهو يكون قافية القصيدة، وعندئذ يكون أصغر صورة تقع عليه قافية القصيدة . وفى غير هذه الحال للقافية : تكون فى صورها الأخرى ذات أسماء أخرى : هى تلك التى تحددت بالتأسيس والردف وغيرهما .. ولنتوقف مع كل مصطلح، لنتبّين قضاء العروضيين فيه
(1) الروى :
       اتفقنا على أنه الحرف الصحيح الذى تبنى عليه القصيدة فتنسب إليه، والروى الذى يكون بذاته ( أى بلا زيادات ) قافية القصيدة ، اشترط العروضيون فيه أن يكون ساكنا لا متحركا ، ويدخل فى إطاره الحرف المشدد إذا كان ساكنا ؛ لأنه من ناحية العروض والقافية يعد حرفا واحدا من ذلك : ممتد . مرتد . أغر . أعز
فإذا قرأنا قول الشاعر فى وصف البحر :
أخذتْ ناصيةُ الحــق به     وسبيل الناس فى خالى العُصُرْ
منع الليث وإن طال المدى     فلك ما لعصـاه مستقــــر
فالمقطع الصوتى المكون للقافية فى هذه القصيدة هو حرف الراء الساكنة فى العصر .. وكذلك فى مستقر مع أن الراء الساكنة فى مستقر مشددة أصلا  والسؤال الذى يفرض نفسه هنا هو : هل هناك حروف لا تصلح أن تكون رويا ؟؟ ومادام شرط الروى أن يكون حرفا صحيحا ، إذن فغير هذا لا يصلح أن يكون رويا. والحروف التى لا تصلح أن تكون رويا حددها العروضيون فيما يأتى:
الألف : إذا كانت ليست أصلا فى بنية الكلمة ، سواء كانت :
أ- ألف الإطلاق : الاتى تنشأ من إشباع فتح الروى مثل : جوابا - عتابا 
ب- ألف لتثنية : مثل : لتعلما - لتألما .
ج- الألف المنقلبة عن نون التوكيد الخفيفة كما في كلمة (فاعبدا) من قول الأعشى:
صلِّ على خير العشيات والضحى     ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
د- الف ضمير المتكلم المفرد : أنا
هـ- الألف اللاحقة لهاء الغائبة : كتابها ، ثيابها .
الياء : إذا كانت ليست أصلا فى بنية الكلمة سواء :
أ- ياء المتكلم : كتابى ، جوابى .
ب- ياء الإطلاق : التى تنشأ من إشباع كسر الروى مثل: بكفاح، ببطاح
ج- الياء التى هى من بنية الكلمة : مثل الراعى ، الداعى .
الواو : إذا كانت ليست أصلا فى بنية الكلمة سواء كانت  :
أ- واو الإطلاق : التى تنشأ من إشباع ضم الروى ، جميل ، عليل .
ب- واو الجماعة : مثل وضعوا ، نفعوا .
ج- الواو اللاحقة لضمير الجماعه : همو .
الهاء : إذا كانت ليست أصلا فى بنية الكلمة ، وغير مسبوقة بحرف مد سواء كانت :
       أ- هاء السكت : فافتده ، فاقتده .
       ب- هاء الضمير الساكنة : حاملة ، نائلة .
       ج - الهاء المتحرك : له - به . ( ويشترط هنا ألا يكون قبل الهاء المتحرك حرف مد، وإلا فتعتبر الهاء روايا فى مثل: علاها، بانيها.
التنوين:
       التنوين لا يثبت فى آخر البيت إلا إذا كان "تنوين الترنم" الذي يلحق القافية المطلقة أو "التنوين الغالى" الذي يلحق القافية المقيدة، ومثل النحويون لذلك بالبيتين التاليين:
أقِلِّى اللومَ  عاذلَ  والعتابــَنْ    وقولى إن أصبْت لقد أصابَنْ
وقاتم الأعماق خاوى المخترقن    ومشتبه الأعلام لماع الخَفَقِنْ
ولعلك تلاحظ أن هذه الأحرف التى لا تقع رويا أبدا إنما وقعت فى آخر القافية إذن فهى زوائد ، وروى القاتفية إذن هو الحرف الصحيح السابق مباشرة لهذا الزائد . ومعنى هذا : أن روى القافية هو الحرف الصحيح الآخير فى المقطع الصوتىالمكون لها . ومعنى هذا أيضا أن الحرف الصحيح يصلح أن يكون رويا فى كل حال .
       غير أن نسب وقوع كل حرف صحيح رويا ليست متساوية ، فأكثر الحروف شيوعا فى وقوعها رويا هى : الباء . الدال . الراء . اللام الميم . النون .
والأقل درجة من تلك هى : الهمزة . التاء . الجيم . الحاء . السين . العين الفاء . القاف . الكاف . الياء .
والأقل من كليهما فى نسبة الشيوع هى : الضاد . الطاء . الهاء .
وهناك حروف لا تمتنع على وقوعها رويا ، ولكن كانت نادرة وهى : الثاء . الخاء . الذال . الزاى . الشين . الصاد . الظاء . الغين . الواو .
       والحرف الصحيح فى آخر القافية إذا تحرك ( أى لم يكن ساكنا ) فإن حركته هذه تسمى اصلا . ولا يهمّ أن يكون الحرف السابق على الروى صحيحا متحركا أو حرفا مثل حروف المد ، فإذا قرانا النماذج الثلاثة التالية :
1- قال الشاعر هاشم الرفاعى فى وصية لاجئ :
                     أنا يا بنى غدا سيطوينى الغسق
                     لم يبق فى ظل الحياة سوى رمق
                     وحطامِ قلبٍ عاش مشبوبَ القلق
ب- قال محمود غنيم فى فقده ساعته :
مَن مُسعِدى إن أكن على سفر     ومن يفى على بالوعد إن أَعِدْ
التبستْ أيامى علـىَّ  فــلا     أُفرّق بين السـبت والأحــدْ
واختلَّ وقتى فإن وعدتُك إن      أزورك  اليوم جئتُ بعد غـدْ
ج- قال شوقى فى الطيران :
رَبِّ إن كانت لخير جُعلتْ   فاجعل الخير بناديها لزامـا
وإن اهتز بها الشر غـدا    فتعالت تمطر الموتَ الزُّؤاما
فاملأِ الجـوَّ عليها رُجُما    رحمة منك وعدلا وانتقامـا
فإننا نجد روى النموذج الأول وهو القاف الساكنة ، وهو حرف صحيح ساكن يمثل أصغر صور القافية كما عرفنا .
       والقافية المكونة من حرف صحيح وساكن تسمى القافية المقيدة . أما النموذجان الثانى والثالث فروى كل منهما حرف صحيح متحرك بحركة قصيرة فى أولهما وطويلة فى ثانيهما . والقافية التى يكون رويها حرفا صحيحا متحركا تسمى القافية المطلقة وحركة الروى قصيرة كانت ( الفتحة ، الضمة ، الكسرة ) أو طويلة  الألف ، الواو ، الياء ) تسمى الوصل .
(2) الوصل :
       الوصل إذن هو حركة الروى فى القافية المطلقة . وهذه الحركة تكون قصيرة مثل :
إلام  الخلــفُ بينكم  إلام    وهذى الضجة الكبرى علامَ
وإذا المنية أنشبت أظفارها      ألفيت كل  تميمة  لا تنفـع
التبستْ أيامـى على فـلا      أفرق بين السـبت والأحـد
وتكون طويلة إذ تصبح ألفا باشباع الفتحة ، وواوا بإشباع الضمة وياء بإشباع الكسرة .
       والألف الناتجة من إشباع فتحة الروى تكون موصوله بضمير المتكلم ، أو ألف إطلاق أو الفا من بنية الكلمة ، وتلاحظ هذه الأنواع فى قول الشاعر :
سلى يا عبلة الجيليـن عنـا     وما لاقت بنو الأعجام منــا
أنا الحصن المشيد لآل عبس     إذا ما شاءت الأبطال حصنـا
شبيه الليل لونى غيـر أنـى    بفعلى من بياض الصبح  أسنَى
والألف - كما سبقت الاشارة - تصلح أن تكون رويا ووصلا حين تكون أصيلة ، فإذا قرأنا قول حافظ :          
له ملعب فيه ما يشتهى        محب الرياضة مهما غلا
لكل فريق بـه  لعبـة        تلائم فى سنــه ما خلا
فإننا  يمكننا أن نعتبر الألف هنا رويا لأنها أصلية فى بنية الكلمة. ومن الممكن أن نعتبرها وصلا واللام هى الروى.
أما إذا قرأنا قول مهيار:
كيف يرجى النصح من محتكم     يكثر السُّخْط ولا يرضى الرضا
أيها الرامى وما أجرَى  دمـا      لا تحتسبْ وقد بلغتَ الغرضـا
فلا تستطيع أن تعتبر الألف هنا رويا لأنها فى قافية البيت الثانى ألف الإطلاق ، وليست من بنية الكلمة ، فهى لابد أن تكون وصلا .
       والواو الناتجة من إشباع ضمة الروى تكون واو الجماعة ، كما فى قول الشاعر :
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم   أو حاولوا النفع فى أشياعهم نفعوا
أو الواو اللاحقة لضمير الجماعة كقول الشاعر:
تجنَّوا كأن لا ودَّ بينى وبينهم    قديما وحتى ما كأنهم  همو
والواو ـ كما سبقت الاشارة ـ تصلح أن تكون رويا للقافية إذا كانت أصلية من بنية الكلمة وكان ما يليها مضموما ، كأن تقوم نهايات أبيات القصيدة على هذه الكلمات:
يدعو . يصبو . يخلو . يعلو . يحلو
والياء : الناتجة من إشباع كسرة الروى تكون ياء إطلاق كما فى قول الشاعر :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلى     بسقط اللوى بين الدخول فحوملى
كما تكون ياء المتكلم كما فى قول الشاعر :
سارتْ محامدُه ، وسارت خلفها     تشدو بسابغ فضلِه أمْداحى
وقد تكون الياء فى أصل الكلمة ، ولكنها تكون وصلا فقط ، من ذلك قول الشاعر :
يلومنى فى حبها من يرى           أن لَجَاجَ اللوْمِ لا يُغرِى
ولكن الياء أصلية  إذا جاءت متحركة مع تحرك ما قبلها فيجب أن تكون رويا كقول الشاعر :
هنالك أنسى متاعب يومى      كأنى لم ألق فى اليوم شيّا
فكل طعام أراه لذيـــذا     وكل شراب أراه  شـهيّا
ومن ذلك أيضا قول الشاعر :
اتركِ الأطلال لا تعبأ بها           إنها من كل بؤس دانيهْ
 ولا يتوقف الوصل على تحريك الروى بالحركات القصار أو إشباع هذه الحركات بحروف المد فحسب ، وإنما يتحقق الوصل بالإضافة إلى ذلك كله بوقوع هاء ساكنة بعد الروى أو هاء متحركة ، من نماذج الوصل بالهاء الساكنة قول الشاعر :
يا ناعما رقدت جفونه       مُضْناك لا تهْدأ شجونُـهْ
حل الهـوى لك  كله        إن لم تُعِـنْهُ فمن يُعينـهْ
عُـدْ مُنعّما أو لا تعـد      أَودعتُ سرَّك من يصونهْ
ومن نماذج الوصل بالهاء المتحركة قول الشاعر:
يا ساكنين ديار عبـس  إننى     لاقيت من كسرى جدا إحسانِه
أمسيت فى ربع خصيب عنده     متنزها فيــه وفى  بستـانِه
ونظرتُ بركته تفيض وماؤها     يَحكى مواهبَهَ وجودَ بنانــِه
ولكن الهاء المتحركة إذا كانت من بنية الكلمة كانت هى الروى ولا تكون وصلا من ذلك قول الشاعر :
أبصرت أعمى فى الظلام بلندن     يمشى فلا يشكو  ولا يتـأوهُ
فأتـاه يسـألُه الهدايـةَ مبصرٌ     حيران يَخْبِطُ فى الكلام ويَعْمَهُ
وكذلك أيضا تاء التأنيث مفتوحة أو مربوطة إذا سبقت بحرف صحيح (ليس حرف مد ) وكان هذا الحرف الصحيح متحركا يصح أن تعتبر وصلا إذا لم يختلف هذا الحرف فى جميع قوافى القصيدة ، ومن ذلك قول كثير عزة :
فوالله ثم الله ما حـلّ  قبلــها    ولابعدها من خـلّة حيث  حلـّتِ
وما مرّ من يوم علىّ  كيَوْمِـها    وإن عظُمت أيام أخرى   وحـلّتِ
وأضحت بأعلى شاهق من فؤاده    فلا القلبُ يسلاها ولا العينُ ملّتِ
فيا عجبا للقلب كيف  اعترافـه    وللنفس مما وُطِّنتْ كيف  ذلـّتِ؟
كأنى وإياها  سـحابةُ  ممحـل     رَجاها فلما جاوزتْهُ  استـهلّـتِ
فإن سأل الواشون فيم هجرتُها ؟    فقل: نفـسُ حـرٍّ سلّيْت فتسلّتِ
فالروى هنا اللام ، أما التاء  فهى الوصل . ولكن إذا تغير الحرف الصحيح السابق للتاء ، فيتعين أن تكون التاء رويا من ذلك قول الشاعر سليمان النبهانى فى غزله :
أسيلةُ خـدٍ لو رأى الورد خدَها     أقــرّ اختيارا أنه وردُ  جنـةِ
كأن شعاع الشمس تحت قناعها     إذا هـى تحت القنـاع  تجلـّتِ
شموعٌ دمُ الأبطال فى  وَجَناتِها     فأجفانُها المَرضَى هُريقَتْ فطُلّتِ
ولما اختلف الحرف الصحيح السابق على التاء فى هذه الأبيات صار روى القصيدة هو التاء نفسها.
       وكذلك أيضا كاف المخاطب من الحروف التى تصلح أن تكون وصلا وتصلح أن تكون رويا ، فحين لا يسبقها مد ، وإنما يسبقها حرف صحيح متحرك ، ننظر فى هذا الحرف ، فإذا كان هذا الحرف السابق عليها مختلفا فيتعين أن تكون هذه الكاف رويا ، ومن ذلك قول الشاعر:
كن مع الله يكن لك       واتق  الله لعلك
إن للموت لسـهما        واقعا دوك وبك
       أما إذا كان  الحرف السابق على كاف الخطاب متحدا فى قوافى القصيدة فيصح اعتباره رويا ، ويصح كذلك اعتبار الحرف السابق عليه رويا ، ويكون الكاف وصلا ، ومن ذلك قول الشاعر:
يا أخا البدر سناءً وسنى            رحم الله زمانك أطلعــك
إن يطل بعدك ليل فلكم             بت أشكو قصر الليل  معك
 (3) الخروج :
       وإذا كان الروى هو الحرف الصحيح الواقع فى آخر القافية، والوصل هو إشباع حركة الروى ، فإن الخروج هو حركة هاء الوصل .
       وهذا يعنى أن الخروج لا يوجد إلا فى القافية المنتهية بالهاء المشبعة الحركة ، فإذا قرأنا قول الشاعر :
للناس عيـش درّت الدنيا لهم       من دوننا بنعيمـه  ولـَذاذِه
أخذوه موفورا كما شاءوا ولم يؤذن لنا ، فنكون من أُخّاذه
فإننا نجد فى هذا النموذج خروجا ، والإشباع فيه كسرة ممدودة، والذال روى، والهاء وصب، والكسرة الممدودة ـ أو قل الياء المسموعة ـ هى الخروج .
(4) الردف :
       وإذا كان ما بعد الروى نطلق عليه الوصل ، وإشباع حركة الوصل نطلق عليها الخروج ، فإن وقوع حرف مد أو حرف لين ساكن قبل الروى نطلق عليه الردف .
       فالردف إذن هو حرف المد الذى يسبق الروى ، سواء كان حرف المد هذا ألفا أو واوا أو ياء ، وأيضا حرف اللين الساكن الذى يسبق الروى واء كان حرف المد هذا ألفا أو واوا أو ياء بعد حركة غير متجانسة، فإذا قرأنا قول الشاعر ابن النبيه المصرى :
من سحر عينيك  الأمـان        قتلتَ رب السـيف الطيلسـان
أسمر كالرمج له  مقــلة          لو لم تكن كحلاء كانت  سنان
يزداد أن يشكو له قسـوة           ولو شكوت الحب للصخر لان
نجد أن الردف هنا كما تراه بالأف ، وهى أحد حروف المد. وإذا قرأنا أبياتا من قصيدة (بانت سعاد) لكعب بن زهير:
بانت سعاد فقبى اليـوم متبــول     متيم عندها  لم يُجَـز مكبــولُ
وما سـعادُ غداةَ البيـن إذ برزتْ      إلا أغَنُّ غضيض الطرف مكحول
تجلو عوارض ذى ظلم إذا ابتسمت     كأنه منــهل بالراح  معلــول
نجد أن الردف هنا كما تراه بالواو، وهى إحدى حروف المد. وإذا قرأنا قول الشاعر ابن زيدون:
أضحى التنائى بديلا من تدانينا       وناب عن طول لقيانا تجافينـا
بِنتُم وبنّا فما ابتلـت جوانحنـا       شوقا إليكم ولا جفّـت مآقينـا
يكاد حين تناجيكم ضمائرنــا        يقضى علينا الأسى لولا تأسينا
نجد أن الردف هنا بالياء، وهى إحدى حروف المد. ولم يرفض العرضيون أن يعاقب الشاعر بين الواو والياء. من ذلك قول مسلم بن الوليد:
من لام فى هواها           فنصحُه مـردود
يا سِحْر وَاصلينى           فإننـى عميــد
إنى لما أُلاقــى            فى حبكم  مجهود
جُودى لِمُستـهام            عـذّبَه  التسـهيد
       وأما الردف بحرف اللين الساكن الياء أو الواو ، فأول ما نلاحظه أنه لا يمكن الجمع بينهما فى القصيدة الواحدة ، كما حدث هناك فى جواز التعاقب بين الواو والياء، ومن نماذج الردف بحرف اللين الياء يقول الشاعر محيى الدين الحموى:
تثنّى الغصنُ إعراضا وعُجْبا        على نهر يذوب أسىً عليه
فرقّ له النسيمُ وجاء  يسعى        ملاطفةً وميـّلَه إليـــه
ومن نماذج الردف حرف اللين الواو قول الشاعر خليل مران مؤرخا:
وجنات من  الأشعـار      جنى للمجتنى من كل ذَوق
تأمّلْ كمْ تمنّوها وأرخِّ       لشوقيات أحمد أى  شـوق
(5) التاسيس:
       عرفنا فيما سبق حدود الروى من حيث إنه الحرف الصحيح فى آخر القافية ، وحدود الوصل من حيث إنه حرف المد الناتج من إشباع حركة الروى وحدود الرخوج من حيث إنه إشباع حركة الهاء التى تقع وصلا بعد الروى، وحدود الردف من حيث إنه حرف المد أو حرف اللين الساكن السابق للروى أما التأسيس فهو وقوع ألف يفصل بينها وبين الروى حرف صحيح .
       إذن فهناك اتفاق بين الردف والتأسيس فى شئ واحد هو أن كليهما مكانه قبل الروى. وهناك اختلاف بينهما يتجلى فى شيئين :
       أ- أن التأسيس يكون فقط مدا بالألف ، أما الردف فيكون حرف مد أى حرف مد ( ألف أو واو أو ياء ) ويكون حرف لين ساكن ( ياء ساكنة أو واو ساكنة )
       ب- أن التأسيس يقع بينه وبين حرف الروى حرف صحيح ، أما الردف فيكون قبل الروى مباشرة .
       ومعنى هذا أيضا أنه لا يجتمع تأسيس وردف فى بيت واحد .
       فإذا قرأنا قول الطغرانى :
جامل عدوك ما استطعت فإنـه     بالرفق يطمع فى صلاح الفاسـد
واحذر حسودك ما استطعت فإنه    إن نمتَ عنه فليس عنك براقــد
إن الحسـود وإن أراد  تـوددا      منه أشرّ من العـدو الحاقـــد
ولربما رضى العـدو إذا  رأى     منك الجميل فصار غير معانــد
فها أنت ترى روى هذه القصيدة هو الدال ، والوصل هو الكسرة المشبعة أو قل حرف المد حرف المد الياء ، ولكنك ترى قبل حرف الروى حرفا صحيحا آخر هو بالترتيب : س ، ق ، ق ، ن ، وهذا الحرف السابق على الروى هو الفاصل الذى فصل بين ألف التأسيس وبين الروى .
       ونلاحظ أن ألف التأسيس لازمة فى جميع أبيات القصيدة ، ولا يمكن الاستغناء عنها .
وإذا قرأنا قول أبو الحسن على بن رشيق
من ذا يعالج عنى ما أعالجــه    من حر شوقٍ أذاب القلب  لاعجُهُ
ومن يكن لِرَسيس الشـوقِ داخلُه    يكن لفرط الضنى والسقم خارجُهُ
كادت خلاخلُ من أهوى تبوح به    سـرّا وغصّتْ بما فيها دَمَالِجُـهُ
فأنت ترى أن روى هذه الأبيات حرف الجيم، وأن الهاء فى كل بيت هى الوصل، وضمة الهاء الممدودة أو قل حرف المد الواو الناتج من إشباع ضمة الهاء هى الخروج، والألف التى سبقت الروى، والتى فصل بينها وبين الروى حرف متحرك وهو بالترتيب: العين، والراء، واللام، وهى ألف التأسيس.
       وهذا يعنى أن ألف التأسيس والروى ، والوصل والخروج قد تجتمع فى قافية واحدة.
(6) الدخيل:
       وهو الحرف المتحرك الذى فصل - فى النموذجين السابق عرضهما للاستشهاد على ألف التأسيس - بين ألف التأسيس والروى . فإذا قرأت الأبيات التالية :
فى كل دار عــدو لي أقاذعـه     وعاذل أتقيـه أو أصانعــه
عادوا وفائى لمن أهوى وقد علموا    أن الخيانة ذنـب لا  أواقعـه
وهل تصبــح لمأمون  أمانتــه    يوما إذا الحب لم تحفظ ودائعه
وإن سمعت بشـئ لست  سامعـه    فلا تعرج على ما أنت  سامعه
فتجد فى قافية هذه الأبيات أن المكونات:
الروى : وهو العين .
الوصل : وهو الهاء .
الخروج : وهو إشباع الهاء بالضمة .
الدخيل  : وهو الحرف الفاصل بين الروى وألف التأسيس (ن ، ق).
ألف التأسيس : وهى ألف المد السابق على الدخيل.
       وإذا كنا قد أتفقنا من قبل على أن القافية تكون مقيدة إذا جاءت فى أصغر صورها ، بمعنى أنها تكونت من حرف صحيح ساكن ، وتكون مطلقة بمعنى أنها تكونت من حرف صحيح متحرك، فإننا إذا ربطنا نوع القافية بحروفها فإننا نجد القافية المقيدة تكون:
أ- مجردة من الردف والتأسيس مثل : عصر ، قمر . 
ب- مردفة مثل : زحام ، قيام عيون، ظنون. دليل، عليل.
ج- مؤسسة مثل : صانع ، بائع .
ونجد القافية المطلقة تكون :
أ- مجردة من الردف والتأسيس مثل : يعمل يأمل .
ب- مردفة مثل : ذهاب ، عباب .
ج- مردفة موصولة بهاء مثل: بنائه ، فنائه .
د- مردفة موصولة بلين مثل: وجدانا طغيانا .
هـ- مؤسسة مثل : كواكب ، نواصب .
و- مؤسسة موصولة بهاء : صنائعها ، قواقعها .


ثالثا : حركات القافية:
       عرفنا فيما سبق أن للقافية ستة أحرف هى :
الروى ، الوصل ، الخروج، الردف، التأسيس، الدخيل. وأن لهذه الأحرف مركزا تدور حوله، وهو الروى .
       وأن بقية الحروف تدور حول الروى ، منها ما يكون بعد الروى ، وتمثل ذلك فى الوصل والخروج ، ومنها ما يكون قبل الروى ، وتمثل ذلك فى الردف وألف التأسيس والدخيل .
       وحركات هذه الرحوف هى ما تعارف عليها الرعوضيون بمصطلح حركات القافية ، وقد نظم صفى الدين الحلى حركات القافية فى هذين البيتين :
إن القوافى عندنا حركات           ست على نسق بهن يلاذ
رس وإشباع وحذو ثم تو           جية ومجرى بعده ونفاذ
إذن فحركات القافية ست كما كانت حروفها ستة ، وهذه الحركات بترتيب تصفيفها فى البيتين: الرس ، والإشباع ، الحذو ، التوجيه، المجرى ، النفاذ.
       ومادام هناك روابط وثيقة بين حروف القافية وبين حركات القافية فلنعد تصفيف هذه الحركات بترتيب تصفيفها هناك ، ربطا لكل حرف بما يناسبه من حركة .
 المجرى : وهو حركة الروى المطلق .
 النفاذ : وهو حركة هاء الوصل الواقعة بعد الروى .
 التوجيه: وهو حركة ما قبل الروى المقيد .
 الحذو: وهو حركة الروى المطلق .
 الإشباع: هو حركة الردف .
 الرس: وهو حركة ما قبل ألف التأسيس .
       فإذا أعدنا قراءة النماذج الثلاثة التالية :
لكل ما يـؤذى وإن قل ألـم        ما أطول الليل على من ينم
سارت محامده وسارت خلفها       تشدو بسابغ فضله  أمداحى
فى كل دار عدو لى أقاذعـه       وعـاذل أتقيـه أو أصانعه
       لوجدنا ما ياتى :
ـ روى النموذج الأول حرف صحيح ساكن ( ينم ) إذن حركة ما قبل هذا الروى وهو فتح النون هو الذى يطلق عليه التوجيه .
ـ روى النموذج الثانى حرف صحيح مطلق وهو الحاء فى ( أمداحى ) فكسرة الحاء هنا ما يطلق عليه المجرى ، والقافية هنا مردفة ، إذ وقع قبل الروى المطلق حرف مد هى الألف ، ففتحة الدال ( الحرف السابق على الردف ) هى ما يطلق عليها الحذو .
ـ روى النموذج الثالث حرف صحيح مطلق وهو العين فى (أصانعه) ووقع الهاء بعد الروى يجعلها وصلا ، وحركة الهاء الوصل هنا الضمة . فهذه الحركة الواقعة على هاء الوصل هى ما يطلق عليها النفاذ .
       وهذه القافية فى هذا البيت مؤسسة (أصانعه) وحركة الصاد (أى الحرف الواقع قبل ألف التأسيس) هنا هى الفتحة. فالفتحة التى هى حركة ما قبل ألف التأسيس هى الرس.
       والنون فى هذه القافية (أصانعه) هى الحرف الصحيح الذى فصل بين ألف التأسيس وبين الروى، وحركتها هنا الكسرة ، فكسرة النون هنا هى ما يطلق عليها الإشباع.
       إذان حركات القافية تظهر كما رأيت على الروى المطلق ، وعلى هاء الوصل ، وعلى الدخيل فتكون مجرى ونفاذا وإشباعا ، ولا تظهر على الروى المقيد ، ولا على الردف ، ولا على التأسيس ، ومن هنا روعى حركات ما قبل هذه الثلاثة فكان لدينا على الترتيب : التوجيه ، والحذو، والرس.
حدود القافية :
       وهذه القافية التى تعرفنا حروفها، وحركات حروفها ، قد وضع العروضويون لها حدودا، واتخذوا لكل حد مصطلحا، وكانت هذه الحدود وتلك المصطلحات قائمة على مراعاة ما تحرك بين الساكنين الأخيرين فى القافية من حروف ، سواء كانت القافية مطلقة أو كانت مقيدة.
       فإذا توالى بين ساكنى القافية أربع متحركات أطلقوا عليها (المتكاوس)، وهذا الحد نادر الوقوع ، فإذا قرأنا هذه الشطرة الأخيرة:
زلت به إلى الحضيض قدمه
       وجدنا أن المتحركات بين ساكنى القافية أربع هى : الضاد الثانية والقاف والدل والميم ، وما قبل هذه المتحركات ساكن هو ياء المد ، وما بعد هذه المتحركات الهاء الساكنة .
       من ذلك أيضا قول شوقى فى قصيدته : الدب فى السفينة :
فشرب التعيس منها فانتضح        ثم رسا على القرار ورسخ
وكذلك قوله فى قصيدة الفنار :
وكنت وطـأت لـه         منكبـى فركبـا
ما نلت منهم فضـة         ولا منحت ذهبـا
وما الجزاء ؟ لا تسل        كان الجزاء عجبا
       وإذا توالى بين ساكنى القافية ثلاثة متحركات أطلقوا عليها المتراكب فإذا نظرت فى قافية هذا البيت
إذا تضايق أمر فانتظر فرجا        فأضيق الأمر أدناه من الفرج
       فبين سكون اللام وسكون الاشباع ثلاثة متحركات هى : الفاء والراء والجيم.
       وترى مثل هذا فى قول دعبل :
أين الشباب؟ وأين ســلكا    لا أين يطلب ؟ ضل بل  هلكا
لا تعجبى يا سلم من  رجل    ضحك المشيب برأسه فبـكى
يا ليت شعرى كيف يومكما    يا صاحبى إذا دمـى  سفـكا
لا تأخذا بظلامتـى  أحـدا    قلبى وطرفى فى دمى اشتركا
       وكذلك تره فى قول أبى تمام فى فتح عمورية :
السيف أصدق أنبـاء من  الكتب    فى حده الحد بين الجد  واللعب
بيض الصفائح لاسود الصاحائف    فى متونهن جلاء الشك والريب
       وكذلك تراه فى قول المتنى متحفزا :
أنا الذى نظرا الأعمى إلى أدبى     وأسمعت كلماتى من به صمم
أنا ملء جفونى عن شـواردها     ويسهر الخلق جرها  ويختصم
       وإذا توالى بين ساكني القافية متحركان أطلقوا عليه المتدارك ، فإذا قرأنا قول الشاعر :
محن الفتى يخبرن عن فضل الفتى         والنار مخبرة بفضل العنبر
فإننا نجد بين النون الساكنة فى العنبر، وبين سكون إشباع حركة الراء متحركين هما: الباء والراء.
ومثل هذا تجده فى قول مالك بين الريب التميمى:
أقول لأصحابى : ارفعونى  لأننى      يقر لعينى أن سهيل  بدا ليا
فياصاحبى رحلى دنا الموت فأنزلا     برابية إنـى مقيـم لياليـا
       وكذلك تراه فى قول نصير الدين الحمامى المصرى فى داره:
ودار خراب بها قد  نزلت          ولكن نزلت إلى السابعة
تساورها هفوات النســيم          فتصغى بلا إذن سامعه
وأخشى بها أن أقيم الصلاة         فتسجد حيطانها الراكعة
إذا ما قرأت إذا زلزلــت         خشيت بأن تقرأ الواقعة
وإذا وقع بين ساكنى القافية واحد أطلقوا عليه المتواتر ، فإذا قرأنا قول الشاعر:
يجود بالنفس إن ضن الجواد بها   والجود بالنفس أقصى غاية الجود
نرى أن ما بين المد بالواو وهو ساكن وبين إشباع حركة الروى وهو ساكن أيضا ، نرى حرفا متحركا واحدا وهو الدال . نرى مثل ذلك فى قول الشاعر جميل بثينة :
إذا قلت ما بى يا بثينـة قاتلـــى    من الحب قالت : ثابت  ويزيد
وإن قلت ردى بعض عقلى أعش به    مع الناس قالت: ذاك منك يعيد
فلا أنا مردود بمـا جئت  طالبــا    ولا حبها فيما يبيــد يبيــد
       وترى ذلك أيضا فى قول حنفى ناصف وقد نقل إلى قنا عقابا:
قالوا (قنا) حـر فقلـ       تُ وهل يرد الحر قنا؟
سر الحياة حــرارة        لولاه ما طيـر تغنـى
       وإذا اجتمع ساكنان فى القافية أطلقوا على هذا مصطلح المترادف، والمترادف لا يكون إلا فى القوافى المقيدة من ذلك قول الشاعر:
تنافس فى جمع مال حطام    وكل يزول وكل يبيـد
       وهذا ما يسمى بالمرتادف ، وتلاحظه أيضا فى قول ابن النبيه المصرى:
الناس للموت كخيل الطراد          فالسابق السابق منها  الجيـاد
والله لا يدعــو إلى داره          إلا من استصلح من ذى العباد
والموت نقاد علـى كفـه          جواهر يختـار منها  الجيـاد
والمرء كالظل ولابـد  أن          يزول ذاك الظل بعـد امتـداد
       ولقد جمع صفى الدين الحلى حدود القافية هذه فى بيتين يقول:
حصر القوافى فى حدود خمسة     فاحفظ على الترتيب ما أنا  واصف
متكـاوس متراكـب متـدارك     متواتـر من بعـده المتـــرادف

عيوب القافية:
       على الشاعر المتمكن من أدواته الفنية ، ووسائله الابداعية أن يكون محافظا على تلك الحدود التى ارتضاها الذوق الفنى ، والرهف السمعى عند العرب : شعراء مبدعين ، وجماهير متلقين .
       ولما كان على الشاعر أن يلتزم بالقافية قيما معينة فيما يتصل بحروف القافية ، وحركاتها ، وحدودها ، وأنواعها ، فإنه أصبح الاخلال بقيمة من تلك القيم فى جانب من تلك الجوانب عيبا يشين القافية نفسها، يؤجذ على الشاعر.
       وعيوب القافية عند العروضيون نوعان:
أ- نوع يكون فى الروى وحركته (المجرى).
ب- نوع يكون فيما قبل الروى من حروف وحركات يسمى السناد .
       أما العيوب التى تلحق بالروى وحركته فنكتفى فيها بما يأتى :
1- التضمين : ويقصد به عدم تمام معنى البيت   الأول معلق على ما يليه من ذلك قول النابغة:
وهم وردوا الجفار على تميم        وهم اصحاب يوم عكاظ إنى
شهدت لهم مواطن صادقات        شهدن لهم بصدق الود منـى
فآخر كلمة فى أول البيتين إنى ، مكونة من إن واسمها ، أما الخبر فهو فى البيت الثانى.
2- الإيطاء : ويقصد به إعادة كلمة الروى بلفظها قبل سبعة أبيات ، إلا إذا كانت الكلمة المكررة تحمل معنى آخر ، مثل كلمة إنسان حين تطلق على بنى آدم ، وعلى إنسان العين .
3- الإقواء : وهو اختلاف حركة الروى ( المجرى ) من ذلك قول حسان بن ثابت :
لابأس بالقوم من طول ومن غلظ        جسم البغل وأحلام العصافير
كأنهم قصـب جفت أسـافــله        مثقب نفخف فيه الأعاصيـر
فروى القيدة هو الراء ، وجاء مجراها فى البيت الأول مسكورا وفى البيت الثالنى مضموما.
       أما السناد أو العيوب التى تلحق بما قبل الروى من حروف وحركات فأهمها ما يأتى :
1- سناد التوجيه : ويقع باختلاف حركة الحرف السابق على الروى المقيد كلأأن تكون قافية البيتين المتتابعين : لم يعد ، لم يلد ، وهذا السناد كثر فى شعر الشعراء ، ولم يستنكره العروضيون .
2- سناد الردف : ويقع بوقوع الردف فى القافية وانعدامه فى القافية التى تليها، كقول الشاعر:
إذا كنت فى حاجة مرسلا           فأرسل حكيما ولا توصه
وإن ناب أمر عليك التوى          فشاور لبيبا  ولا تعصـه
3- سناد التأسيس : ويقع بوقوع ألف التأسيس فى القافية وعدم وقوعها فى القافية التى تليها ، وكأن تكون القافيتان المتتابعتان يتحامل ، يتحمل .
4- سناد الاشباع : ويقع باختلاف حركة الدخيل فى القافيتين المتتابعتين كأن تكونا : وتقاتلا ، ومناضلا. وقد جوزوا الجمع بين الضم والكسر مثل: مصائب ، تثاؤب
5- سناد الحذو : ويقعع باختلاف حركة الرحف الذى قبل الروى المطلق مثل: سند، كبد. وقد جوزوا الجمع بين الضم والكسرة: عرف، لطف.