البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

الخميس، 2 نوفمبر 2017

المقاربة الموضوعاتية في النقد الأدبي


د. جميل حمداوي - المغرب

المقدمـــة:
تعد المقاربة الموضوعاتية من أهم المقاربات النقدية في التعامل مع النص الأدبي شعرا ونثرا، فقد  ظهرت في أوربا إبان ستينيات القرن العشرين  مع موجة النقد الجديد ، كما ظهرت في العالم العربي متأخرة عن نظيرتها الأوربية بعقد من السنوات مع تصاعد النقد المضموني وانتشار القراءات التأويلية و الإيديولوجية وولادة التحليل الوصفي البنيوي واللساني.
 ويهدف النقد الموضوعاتي إلى استقراء التيمات الأساسية الواعية واللاواعية للنصوص الإبداعية المتميزة ، وتحديد محاورها الدلالية المتكررة والمتواترة ، واستخلاص بنياتها العنوانية المدارية تفكيكا وتشريحا وتحليلا عبر عمليات التجميع المعجمي والإحصاء الدلالي لكل القيم والسمات المعنوية المهيمنة التي تتحكم في البنى المضمونية للنصوص الإبداعية.
إذا، ما هي المقاربة الموضوعاتية لغة واصطلاحا؟ ومامكوناتها النظرية وخطواتها المنهجية؟ وماهو مسارها التاريخي والمكاني؟ وما أسسها الفلسفية والمعرفية؟ وماهي مفاهيمها الاصطلاحية والإجرائية على المستويين: النظري والتطبيقي؟ وماهي أنواع المقاربات الموضوعاتية؟ ومن هم روادها في العالمين: الغربي والعربي؟ وما هي إيجابيات هذا المنهج وسلبياته؟ وإلى أي مدى يمكن لهذا المنهج أن يشفي غليل القارئ أثناء تعامله مع النص الأدبي؟
تلكم هي الأسئلة التي سوف نحاول رصدها في موضوعنا المتواضع هذا، والذي يدخل معرفيا ومنهجيا وتطبيقيا في إطار ما يسمىبنقد النقد.


1-  مفهوم المقاربة الموضوعاتية:

أ- الدلالـــة اللغويـــة:

يشتق مصطلح  " الموضوعاتي"  (thématique) في الحقل المعجمي الفرنسي  من كلمة (thème)، وهي "التيمة"، وترد هذه الكلمة بعدة معان مترادفة  كالموضوع، والغرض، والمحور، والفكرة الأساسية ،والعنوان، والحافز، والبؤرة، والمركز، والنواة الدلالية...الخ.
ويقابل كلمة (thème) عند اللسانيين الوظيفيين الجدد مصطلح التعليق (Rhème)؛ لأن التعليق عبارة عن موضوعات جديدة أو أخبار تسند إلى المسند إليه أو تضاف إلى الفكرة الرئيسية المحورية أو النواة البؤرية.
ولقد استعمل المصطلح " الموضوعاتي"  أو "التيمي" بشكل انطباعي وعفوي من قبل جان بول ويبر Jean Paul Weber)) ، إذ أطلقه على الصورة المتفردة والملحة في تكرارها واطرادها والمتواجدة بشكل مهيمن في عمل أدبي عند كاتب معين .
ومن الصعوبة بمكان، تحديد المفهوم اللغوي للنقد الموضوعاتي بكل دقة ونجاعة نظرا لتعدد مدلولاته الاشتقاقية والاصطلاحية. ومن ثم، فـليس" هناك ما هو أكثر إبهاما من الموضوعاتي، حتى ونحن نعود إلى جذر الكلمة في استقصاء لدلالاتها وقراباتها الضمنية والخفية، واكتشافاتها للبنيات الفكرية للأعمال"[1].
 هذا، وقد أثار المصطلح الأجنبي للموضوعاتية (thème/thématique/thématiser  ) تذبذبا في الترجمة رافقه تعدد المصطلحات المقابلة له في الحقل الثقافي العربي، فنجد الموضوعاتي، والموضوعاتية، والموضوعية، والموضوعاتيات عند كل من سعيد علوش، وحميد لحمداني، وعبد الكريم حسن، وجوزيف شريم، وكيتي سالم، وعبد الفتاح كيليطو.
 كما نجد  كلمتي "التيم" "thème" و "التيماتية" عند سعيد يقطين عندما يقول: " إن "التيمة" (thème) كما يرى برنار دوبربي (B.Dupriez) هي الفكرة المتواترة في العمل الأدبي، وتستعمل أحيانا بمعنى الحافر الكثير التواتر. غير أن "التيمة" أكثر عمومية وتجريدا ..."[2] .
ويتابع سعيد يقطين واصفا الخطاب الروائي المغربي الجديد  على ضوء رؤية تيماتية قائلا : "  وفي العالم الروائي الذي بين أيدينا نجد "تيمات" أساسية كثيرة لها دلالاتها البعيدة لمن يريد قراءة الرواية قراءة "تيمية" (thématique)"[3] .
ويترجم إبراهيم الخطيب كلمة (thème) بغرض أثناء ترجمته لنظرية الأغراض لدى توماشفسكي (Tomachevsky) الذي يتحدث عن اختيار الغرض أو "التيمة" الموضوعاتية التي يتمحور حولها العمل الفني بصفة خاصة ، إذ يبين هذا الشكلاني الروس بأن "خلال السيرورة الفنية، تتمازج الجمل المفردة فيما بينها، حسب معانيها، محققة بذلك بناء محددا، تتواجد فيه متحدة بواسطة فكرة أو غرضمشترك. إن دلالات العناصر المفردة للعمل – يقول الباحث الروسي – تشكل وحدة هي الغرض (الذي نتحدث عنه). وإنه من الممكن أن نتحدث سواء عن الغرض العام للعمل أم عن أغراض أجزائه. ما من عمل قد كتب في لغة لها معنى إلا ويتوفر على غرض. أما العمل غير العقلي (Transrationnelle)) فلا غرض له، نظرا لأنه ليس سوى تدريب تجريبي أو تدريب مختبري بالنسبة لبعض المدارس الشعرية"[4].
ويتميز العمل الأدبي حسب توماشفسكي " بوحدة، عندما يكون قد بني انطلاقا من غرض وحيد، ينكشف خلال العمل كله. نتيجة لذلك، تنتظم السيرورة الأدبية حول لحظتين هامتين: اختيار الغرض وصياغته (Elaboration)"[5].
يبدو أن الغرض أو "التيمة" من خلال هذا النص هو ذلك البناء الموحد لجمل النص المتشابكة تركيبيا ودلاليا بواسطة فكرة مهيمنة معنويا. وبالتالي، تتمثل الوظيفة البنائية  للتيمة في توحيد جمل النص المفردة وتغريض الإبداع. وكل نص يتوفر على موضوعة معينة أو غرض ما فهو نص مقبول عقليا. وبالتالي،  تنطبق عليه عمليا صفة المقبولية ومشروعية قراءته ونقده، وأما النص الذي يخلو من وجود غرض معين فهو نص مختل عقليا وناقص دلاليا لايمكن اعتباره نصا إبداعيا أو أدبيا.
 ويعتبر اختيار الموضوع أو "التيمة" أول عمل إجرائي يقوم به المبدع حسب منطوق القولة الاستشهادية، وتأتي ، بعد هذه المرحلة، الصياغة وبناء دلالات النص وعنونته.
ومن جهة أخرى، نجد من الدارسين والنقاد والباحثين والمترجمين العرب  من يسمي النقد الموضوعاتي نقدا "مداريا"[6] كما عند سامي سويدان أو "جذريا"[7]  عند فؤاد أبو منصور.
ومن ثم، يترجم الباحث اللبناني  فؤاد أبو منصور كلمة  Thématique الفرنسية بكلمة "الجذر" ؛ لأن  الجذر الدلالي  بمثابة خلية النص الرحمية، ويتشكل شكلا ومضمونا، بناء ومعنى، وإن كان يتأطر فكريا، ويوحد النسيج النصي، ويجمع شتاته المبعثر على رقعة النص في شكل بؤرة عنوانية في أعلى الصفحة الإبداعية. والجذر ما هو في الحقيقة إلا عنونة دالة، تتم به التسمية، وبه يفرض النص على المتلقي فكريا وإيديولوجيا، فتتولد الرؤى والأفكار، ثم تتشابك التعابير والأساليب الجمالية الرفيعة ، "إن الجذر يتفرع ويتوالد ضمن أشكال وتعابير متعددة. هذا التوالد يشبه "التجويق الموسيقي والأوركسترالي " حيث الميلوديا الرئيسية، هي حصيلة نقرات منفردة ومتعددة تتآلف وتتواكب لتعطي إيقاعا أوركستراليا واحدا. والنص في لعبته اللغوية والأسلوبية والفكرية حصيلة توالدات على مستوى مقومات الكتابة الأولية"[8].
 وثمة مجموعة من الفوارق اللغوية بين الجذر والفكرة الرئيسية؛ لأن هذه الأخيرة ترتبط بالأثر الأدبي، وهي عنصر لغوي تفرض نفسها بإلحاح وتكرار فيه، وهي متصلة بمعجم اللغة ومفرداتها اصطلاحا واشتقاقا ولغة.  
أما الجذر "فإنه يختلف عن الفكرة الرئيسية ومجموعة التماعاتها ورموزها وجزئياتها"[9].
 فإذا " كانت الحشرة فكرة رئيسيــة عنــد لوركـــا (Lorca). ويمكن للناقد أن يحدد النصوص التي تتضمن هذه الفكرة ويرسم حدود مضمونها ودلالتها. فإن الجذر عبارة عن التنويعات الضمنية لها مثل الحرير "الشرنقة" "الطبيعة" ، ولا ينبغي للناقد الموضوعاتي أو الجذري أن ينسى الدوال اللغوية أو الإيقاعية وحمولاتها الدلالية في تشكيل "الموضوعة" أو " تيمة" الأثر الأدبي. فعليه، استقراء أبعاد "اللعبة اللغوية بتنويعاتها وإيقاعاتها؛ لأنها محملة بمدلولات باطنية، وهي تفضح أحيانا، هوة ما، تصرخ في أعماق الكاتب"[10].
وهكذا نسجل مدى الاختلاف الكبير بين الدارسين والمترجمين العرب في توظيف المصطلحات والمفاهيم اللغوية لتعريب الكلمة الأجنبية "thématique"، بالإضافة إلى اضطراب مفهوم الموضوعاتية وتعدد مفاهيمها وتعاريفها حسب النقاد ومطبقي هذا المنهج.

بالدلالــــة الاصطلاحيـــة:

تنبني المقاربة الموضوعاتية على استخلاص الفكرة العامة أو الرسالة المهيمنة أو الرهان المقصدي  أو الدلالة المهيمنة أو البنية الدالة التي تتمظهر في النص أو العمل الأدبي عبر النسق البنيوي وشبكاته التعبيرية تمطيطا وتوسيعا أو اختصارا وتكثيفا، والبحث أيضا عما يجسد وحدة النص العضوية والموضوعية اتساقا وانسجاما وتنظيما.
ولايمكن للمقاربة الموضوعاتية أن تبرز الفكرة المهيمنة والتيمة المحورية إلا بعد الانطلاق من القراءة الصغرى نحو القراءة الكبرى، وتعرف الجنس الأدبي وحيثياته المناصية والمرجعية، وتفكيك النص إلى حقول معجمية وجداول دلالية إحصائية لمعرفة الكلمات والعبارات والصور المتكررة في النص أو العمل الإبداعي  اطرادا وتواترا.
وترصد المقاربة الموضوعاتية كل الكلمات- المفاتيح والصور الملحة والعلامات اللغوية البارزة والرموز الموحية و قراءتها إحصائيا وتأويليا.
 ولن تكون القراءة الموضوعاتية  ناجعة وسليمة إلا بقراءة السياق النصي والذهني للكلمات والمفردات المعجمية المتكررة. ويمكن التسلح في هذا السياق القرائي  بمجموعة من الآليات المنهجية كالتشاكل والتوازي والتعادل والترادف والتطابق والتقابل والتكرار والتواتر لتحديد البنيات الدالة المهيمنة والمتكررة في النص.
ويقوم هذا النقد الموضوعاتي على تحويل ماهو روحاني وزئبقي وجواني وشاعري إلى وحدة دلالية حسية  مبنينة موضوعيا وعضويا .
ويستلزم النقد الموضوعاتي قراءة نص واحد أو مجموعة من النصوص والأعمال الإبداعية التي كتبها الأديب المبدع، والبحث عن بنياتها الداخلية ومرتكزها البنيوي المهيمن، وجمع كل الاستنتاجات في بوتقة تركيبية متجانسة ومتضامة، واستقراء اللاشعور النصي عند المبدع، وربط صورة اللاوعي بصورة المبدع على المستوى البيوغرافي والشخصي.[11]
وعليه،  فالمقاربة الموضوعاتية  هي التي تبحث في أغوار النص لاستكناه بؤرة الرسالة مع التنقيب عن الجذور الدلالية المولدة لأفكار النص قصد الوصول إلى الفكرة المهيمنة في النص، وتحديد نسبة التوارد لتحديد العنصر المكرر فكريا سواء في الشعر أم في النثر. وتهدف هذه المقاربة أيضا إلى استخلاص البؤرة المعنوية والخلية العنوانية  والجذر الجوهري والفعل المولد والنواة الأساسية التي يتمحور حولها النص إسنادا وتكملة عبر عمليات نحوية إبداعية كالحذف والزيادة والتحويل والاستبدال.
ومن الصعوبة بمكان، تحديد مفهوم النقد الموضوعاتي بكل دقة ونجاعة نظرا لتعدد مدلولاته الاشتقاقية والاصطلاحية، وتذبذب مفاهيمه من دارس إلى آخر، وكثرة آلياته الاصطلاحية وأدواته الإجرائية بسبب تعدد المناهج التي تحويها المقاربة الموضوعاتية.
ويعني هذا أن المقاربة الموضوعاتية تطرح عدة أسئلة وصعوبات وإشكاليات وعوائق مفاهيمية ومنهجية وتطبيقية ، وتختلط بالنقد المضموني كما تلتبس بالمناهج النقدية والفلسفية الأخرى.

2- التصور النظري والمنهجي:

تعتمد المقاربة الموضوعاتية - باعتبارها منهجية نقدية جديدة ظهرت مع تباشير النقد الجديد - على مجموعة من الركائز المنهجية والمكونات الأساسية النظرية التي تتحكم في العمل الأدبي، ويمكن حصر هذه المكونات في المبادئ التنظيمية التالية:
* قراءة النص قراءة شاعرية عميقة ومنفتحة؛
*الانتقال من القراءة الصغرى إلى القراءة الكبرى؛
* تحديد مكونات النص المناصية والمرجعية؛
* التأرجح بين القراءة الذاتية والقراءة الموضوعية؛
* البحث عن التيمات الأساسية  والبنيات الدلالية المحورية والموضوعات المتكررة  والصور المفصلة في النص الإبداعي؛
* جرد هذه التيمات  والصور المتواترة في سياقها النصي والذهني والجمالي؛
* تشغيل المستوى الدلالي عن طريق رصد الحقول الدلالية وإحصاء الكلمات المعجمية والمفردات المتواترة؛
* توسيع الشبكة الدلالية لهذه التيمات المرصودة دلاليا فهما وتفسيرا؛
*رصد الأفعال المحركة والمولدة للمعاني في سياقاتها الصوتية والإيقاعية والصرفية والتركيبية والتداولية مع دراسة دلالاتها الحرفية والمجازية واستنطاقها فهما وتأويلا؛
* الانتقال من الداخل النصي إلى التأويل الخارجي والعكس صحيح أيضا؛
* دراسة الموضوع  المعطى من أجل البلوغ إلى الجانب الحسي في الأثر الأدبي أو الوصول إلى البنية الموضوعية  المهيمنة للعمل الإبداعي؛
* حصر العناصر التي تتكرر بكثرة وبشكل لافت في نسيج العمل الأدبي؛
* تحليل العناصر التي تم حصرها ورصدها اطرادا وتواترا (الاهتمام بالمعنى السياقي).
* المقارنة بين الظواهر الدلالية والمعجمية والبلاغية تآلفا واختلافا؛
*  تجنب التزيد في التحليل الموضوعاتي واللجوء إلى  الإسقاط القسري المتعسف، وعدم تقويل النص ما لم يقله؛ 
* جمع النتائج التي تم تحليلها لقراءتها تفسيرا وتأويلا واستنتاجا؛
* بناء قالب نموذجي مجرد يستطيع أن يستوعب داخله تفاصيل العمل الأدبي المدروس.
* ربط الدلالات الواعية وغير الواعية بصورة المبدع الذاتية والموضوعية.
وتنطلق الموضوعاتية ، في تعاملها المنهجي، من التطابق والتماثل بين المعنى الواضح والمعنى العميق الضمني غير المباشر فهما وتفسيرا من خلال ربط  الداخل بالخارج، والوعي باللاوعي في علاقتهما بما قبل الوعي. " فأما المعنى الواضح فهو ما يقدمه النص بشكل مباشر. وأما المعنى الضمني فهو صدى المعنى الأول، إنه أفقه وهامشه على حد تعبير علم الظواهر. وبين مستويي الواضح والضمني لا يوجد انقطاع. وهذا الشعور بعدم وجود الانقطاع هو العامل المحرك للنشوة الموضوعية. فالتزحلق من المباشر إلى الضمني، من المقول إلى اللامقول هو تزحلق بلا فجوات"[12].
ويعني هذا أن المقاربة الموضوعاتية تعتمد على خطوتين أساسيتين وهما: الفهم الداخلي للنص المقروء عن طريق كشف بنيته المهيمنة الدالة معجميا وتركيبيا ولسانيا وشاعريا، وتأويله خارجيا اعتمادا على مستويات معرفية مرجعية مساعدة من خلال إضاءة الفكرة المحورية وتفسيرها.

3- أنواع المقاربة الموضوعاتية:

يمكن الحديث عن أنواع عدة من المقاربة الموضوعاتية ، فهناك الموضوعاتية الدلالية، والموضوعاتية العنوانية، والموضوعاتية الشاعرية، والموضوعاتية الصوفية الحدسية، والموضوعاتية الفلسفية، والموضاعاتية البنيوية، والموضوعاتية الذاتية.
وعلى العموم، نحن نتحدث اليوم إجرائيا عن موضوعتين أساسيتين: موضوعاتية مضمونية، وموضوعاتية بنيوية (Thématique Structurale) شكلية.
بيد أن ثمة عدة صعوبات واجهت الموضوعية أثناء احتكاكها مع  المنهجية البنيوية ذات الطرح اللساني الوصفي ، ويمكن حصر هذه المشاكل في النقط التالية :
1-          إن البنيوية تدرس نسقيا  ما هو ضمني وعميق.
2-          إنها تستخلص البنيات الجزئية والبنيات الكبرى فقط.
3-    ترفض البنيوية بواعث العمل الأدبي ومصادره، أي إن العمل الأدبي بنية مستقلة غير مرتبطة بالمبدع ولا بظروفه السوسيو اقتصادية أو الثقافية أو التاريخية.
4-   إنها تبتعد عن التفسير والتأويل، وتستند إلى التحليل الداخلي المحايث والسانكروني للعمل الأدبي وصفا وتصنيفا.
ومن خلال هذه السمات المخصصة للبنيوية، باعتبارها منهجا وحركة ونشاطا فكريا، يمكن تفريع  الموضوعاتية إلى موضوعاتية ذاتية وموضوعاتية موضوعية، فالثانية هي الأكثر انسجاما مع البنيوية، ما دامت تنظر إلى العمل الأدبي على أنه "موضوع" (Objet)، بينما الأولى تنظر إليه على أنه ذات (Sujet). ويمثل الاتجاه الأول جورج بوليه، وهو من النقاد الموضوعاتيين الذاتيين، ويرى أن هدف النقد هو "الوصول إلى معرفة صميمية بالعمل المنقود، وأنه لا يمكن بلوغ هذه الصميمية إلا داخل الفكر الناقد محل الفكر المنقود"[13] .
ويسمى هذا النوع من النقد لدى بوليه بالنقد "التطابقي" الذي يتطابق فيه وعي الناقد مع وعي المنقود. ولكن هذا الموقف يتعارض مع الموقف البنيوي؛ لأن البنى تحدد إجرائيا داخل العمل الأدبي، وإنها لا تعاش خارجه، وإنما تقع البنى تحت ترسبات الظاهر، وتتحلل في أغواره العميقة. لذا، لابد من استنباط  المرتكز البنيوي العميق والمستوى المحدد الثابت، لأنه هو الذي يتحكم في الظاهر المتغير عبر الإبدال والحذف والتحويل والزيادة والنقصان.
ومن هنا،  فالموضوعاتية الموضوعية  سمة خاصة بنقد ستاروبنسكي في دراسته البنيوية المعنونة بــ:" وليمة تورينو"، ونقد سارتر كما لاحظ ذلك ماجليولا بصدد تعليقه على دراسة سارتر لرواية جون دوس باسوس فقال:
" يورد لنا جان بول سارتر في قسم ظاهري من مقالته المسماة" بشأن جون دوس باسوس" مثالا ممتعا، فهو يناقش الدلالة المعنوية او التيماتية للزمن عند دوس باسوس، ثم يدور حول بعض الملامح المورفولوجية أو الصرفية التي يراها معبرة عن هذا المعنى... ويتفق تناول سارتر التضايف الصرفي السيمانطيقي الخاص بالدلالات هنا مع المباشرة الظاهرية ، وهكذا، توفر لنا فرصة رائعة لمقارنتها – أي دراسة سارتر- بالتناول البنيوي الأوربي ممثلا في رومان جاكبسون وكلود ليفي شتروس".[14]
ولا ننسى كذلك  الناقد تزتيفان تودوروف في كتابه:" مدخل إلى الأدب العجائبي" الذي طبق فيه المنهج البنيوي على موضوعة العجيب والغريب في القصص الفانطازية الغربية.[15]
 زد على ذلك، إذا كانت البنيوية  ترفض كل نقد تفسيري أو نفسي فإن مأزق الموضوعاتية واستعانتها بالتحليل النفسي أثناء دراستها لموضوع الرغبة ولمفاهيمها السيكولوجية كالكبت واللاوعي والهوام...الخ يتعارض كل التعارض مع المنهج البنيوي الذي يرفض كل تفسير خارجي للعمل الأدبي. وبالتالي، فالموضوعاتية نقد نفسي فردي يهتم بنفسية المبدع/الفرد دون الاهتمام بالوسط الجماهيري ولا بالمتلقي أو العصر.
وهكذا، فإن ما يضع النقد الموضوعي أمام المآزق المنهجية الكبرى فهي "صعوبة التمييز بين نصيب المبدع من إبداعه ونصيب العصر الذي يحتويه. فلقد جرت العادة مثلا أن يدرس الناقد الموضوعي موضوعا معينا أو جملة من الموضوعات عند شاعر أو روائي...الخ. ولكن هذا النقد لا يمكن أن يكتمل إلا إذا عرفنا منزلة هذه الموضوعات من الأدب الذي تنتمي إليه والعصر الذي يحتويها. فمن الذي يستطيع أن يقدم الدليل مثلا على أن الموضوعات التي يدرسها الناقد عند شاعر معين ليست هي الموضوعات ذاتها عند شاعر آخر؟ ومن الذي يضمن لنا أن هذه الموضوعات الملهمة في الشعر مثلا ليست هي الموضوعات السائدة في تفكير المجتمع الذي ينتمي إليه الشاعر أو في ذائقة هذا المجتمع خلال مرحلة معينة؟ إذا، فأين تكمن الخصوصية في دراسة هذه الموضوعات عند شاعر ما إذا لم توضع ضمن خريطة الموضوعات في الأدب الذي تنتمي إليه والعصر الذي يحتويها؟"[16].    
ويمكن الفصل في إطار الموضوعية البنيوية بين الموضوعية المعجمية التي تنطلق في تعريفها للموضوع من قاعدته اللغوية كما هي لدى العراقي عبد الكريم حسن[17]، والموضوعية الأدبية لدى الناقد الفرنسي بيير ريشارد (Richard).
هذا، وتعتمد الموضوعاتية البنيوية على مبادئ البنيوية المعروفة كالمحايثة الداخلية والوصف السانركوني  والاعتماد على التفكيك والتركيب بمثابة مبادئ منهجية عامة ، والاستعانة بالإحصاء والعد والتوارد اللفظي والمعجمي والتكرار اللغوي والتركيز على مفهوم الموضوع باعتبارها مبادئ  منهجية خاصة.
وإذا كان جان بيير ريشار (Richard) يرى أن الموضوع " مبدأ تنظيمي محسوس"[18]، فإن عبد الكريم حسن، يقول "إن العائلة  اللغوية هي حد الموضوع"[19].
ولا ننسى أيضا أن هذه الموضوعاتية  تنطلق من مداخل حرة وتصل إلى مخارج حرة كذلك. ويعني هذا أن الناقد الموضوعي يقتحم العمل الأدبي وفضاءه التخييلي من أية نافذة شاء ولو كانت ضيقة. وتعتبر هذه الحرية سحرا مثيرا وميزة إيجابية لهذا النقد الزئبقي الذي يستهين بالضوابط الأكاديمية الدوغماطية المقننة . حتى إن شبكة العلاقات غير مستقرة ولا ثابتة نهائيا عند ريشار (Richard)، بل هي متغيرة. على عكس الموضوعاتية البنيوية التي تلتزم بالضوابط المعيارية  والتقنين المنهجي وثبات العلاقات في نسق بنيوي سانكروني.
وإذا كانت الموضوعاتية تعتمد على تصنيف الربط بين عناصر العمل الأدبي، فإن تصنيف الموضوعاتية البنيوية تصنيف التوليد يعتمد على الفعل المحرك - Le verbe moteur - ، والقاعدة اللغوية، فالفرق بين موضوعاتية ريشار (Richard) وموضوعية عبد الكريم حسن، أن موضوعاتية  الأول مضمونية، أي حديث عن الأفكار والموضوعات في الأدب، بينما موضوعاتية الثاني هي الانتقال من المضامين المختلفة إلى الأشكال الثابتة ، أي ثمة مصالحة بين البنية والتاريخ،  بين التزامن والتزمن، والوصف والتطور.

4- مصادر المقاربة  الموضوعاتية:

تستند المقاربة الموضوعاتية إلى خلفية فلسفية وابتسمولوجية تتمثل في ظاهراتية إدموند هوسرل (1859 – 1938)،  ومجهود الفلاسفة الظاهريين الوجوديين أمثال: هيدجر، وجان بول سارتر(Sartre)، و باستون باشلار (Bachlard) .
ومن المعلوم أن الظاهراتية، وخصوصا فلسفة هوسول، جاءت كرد فعل على النزعتين: المثالية والتجريبية معا (فلسفة الذات والموضوع) ، " والفكرة الأساسية التي يمكن استخلاصها من البعد الفلسفي للنقد الظاهري الموضوعاتي، سواء كان محايثا أم ميتافيزيقيا، هي اعتبار الإبداع عملا يمثل وعي المبدع، وهذا لا يعني نفي الظاهرية للعمليات اللاواعية التي تجري أثناء تنظيم المدركات في الوعي،  وهذه مفارقة ينبغي التنبيه إليها؛ لأنها هي التي تفسر كيف أن النقاد الظاهرين/الموضوعاتيين لجأوا أحيانا إلى التحليل النفسي، أو إلى أحلام اليقظة البدائية العميقة المترسبة في الذات المبدعة وهذا ما فعله " باشلار" (Bachelard). (...).
 وإذا نحن تأملنا تطبيقات المنهج الموضوعاتي/الظاهري فنجد طغيان الاهتمام بالأفكار باعتبارها مظاهر للوعي عند الكتاب المدروسين، وقد يستفيد النقاد من علم النفس الظاهري، كما فعل جان بيير ريشار "Richard" بشكل خاص"[20]
ومن هنا، نجد أن للمقاربة الموضوعاتية أسسا فلسفية  تتمثل في الفلسفة الظاهراتية والفلسفة الوجودية والفلسفة التأويلية الهرمونيتيكية، وأسسا إبستمولوجية تتجلى في انفتاح المقاربة على علم النفس وعلم المعجميات وعلم اللسان والسيميائيات والنقد الأدبي وعلم الجمال وشعرية التخييل.

5-          الموضوعاتية والمناهج النقدية الأخرى:

اقترنت  المقاربة الموضوعاتية في تطورها التاريخي ومن خلال تصوراتها النظرية وتطبيقاتها الإجرائية بمجموعة من المناهج المضمونية والشكلية سواء أكانت وصفية أم معيارية، داخلية أم خارجية.
ومن هنا، فقد ارتبطت الموضوعاتية  في مسارها المنهجي والتاريخي كما يرى فايول (R. Fayolle) بالتحليل النفسي والفلسفة الوجودية وعلم النفس وعلم الأفكار الذي يمد الموضوعاتيين " بالتيمات" لتتبعها في نتاجات المبدعين. وفي هذا الصدد يقول روجي فايول (R.Fayolle): "إن جورج بولي (Poulet) وجان بيير ريشار (Richard) وستاروبنسكي (Starobinski) ، وهم  يقرأون أعمال الروائيين والشعراء يكشفون عن الموقع المهيمن الذي تحتله بعض "التيمات"، كما يكشفون عن القيمة الدلالية لبعض البنيات"[21].   
ويرى فؤاد أبو منصور أن النقد الموضوعاتي أو الجذري حصيلة تضافر تيارين فكريين متغايرين ألا وهما: الفرويدية والأسلوبية اللسنية. ذلك أن الفرويدية أولا أرفدت "الجذريين" بمصطلحات "العقدة النفسية" و "اللاشعور" و "العقل الباطني" و "السادية" و"المازوشية. ثم جاء التحليل النفسي مع الناقد شارل مورون (Ch. Mauron) خصوصا في كتابه البارز "من الاستعارات الملحة إلى الأسطورة الشخصية" نهج فيه نهجا فرويديا – برغسونيا، لينشر في فضاء النقد الموضوعاتي جملة مسلمات أهمها: اللاشعور، أهمية الطفولة في تشكيل أفكار الشخص البالغ، آثار بعض الوقائع الراسخة في الذاكرة، وجود النزوات المتسلطة[22].
كما استفادت الموضوعاتية من الأسلوبية الألسنية خاصة من الباحث شارل بالي (Bally)، وماروزو (Marozo)، ومرسيل كرسيو خصوصا في "الأسلوب وتقنياته"، فاهتمت بجماليات النص اللغوية المتعددة. إذ إن "أطياف الشعور أو اللاشعور تتبلور لغويا بواسطة تراكيب ومصطلحات معينة. وتدل الظاهرة اللغوية بطابعها الكيميائي المتناسق أو المتنافر على واقع نفسي- فكري، يتوهج بالتماعات الرمز بين عالمي الوعي واللاوعي.
الجذريون يلتقطون بواسطة الأسلوب أو النسق اللغوي المتعدد، الهويات والمضامين جذرا فكريا ويتتبعون تعابيره في سياق النص. هنا، يصبح النسيج الجمالي مفتاحا للعثور على النسيج الفكري الموغل في الباطنية أو المتناثر رموزا على سطح الكتابة، رموزا لكنها ذات صلة اندماجية في إطار ما يسمى بـ "الوحدة الميثولوجية للكتابة حسب قاموس التحليل النفسي"[23].    
ولا تشتغل  الموضوعاتية – باعتبارها منهجا منفتحا في التحليل والاستكشاف الدلالي – على مستوى الوعي كما تفعل الظاهراتية، ولا على مستوى اللاوعي، كما هو الشأن بالنسبة للتحليل النفسي، إنما تركز على مستوى "ما قبل الوعي – Le préconscient- وأن المعنى الحقيقي الذي تستهدفه هذه المقاربة في العمل الأدبي لا يكمن في " طابق المعنى الظاهري" ولا في طابق المعنى الخفي، ولكنه لا يوجد في ما بين الطابقين، فالمعنى الحقيقي يختبئ بين الضياء المرئي والضياء المحجوب"[24].
وعلى أية حال، فثمة تقارب بين الموضوعاتية والمناهج الأخرى كالسيميولوجيا واللسانيات والأسلوبية وعلم الدلالة والتحليل النفسي، فريشار (Richard) يميز بين الموضوعاتية والمنهج السيكولوجي عندما يقر بأن "القراءة في كليهما تنطوي على مهمة إحضار المعنى إلى النص أو ما يمكن تسميته بتضخيم المعنى فكلتا القراءتين مضخمة للمعنى وذلك على عكس القراءة الفيلولوجية التقليدية التي كانت تهتم بتقليصه"[25] .
ولا يمكن للنقد الموضوعاتي إطلاقا أن يستغني عن المنهج النفسي، على الرغم من الفوارق الموجودة بينهما، ولاسيما أن الموضوعاتية نقد وصفي ينبني على فهم النص من أجل استكشاف المعنى وإظهاره وتضخيمه. بينما المنهج النفسي، يعتمد على دراية اللاشعور في العمل الأدبي دراسة تفسيرية تأويلية. وإذا كان التحليل النفسي يميز بين عمليتين تحليليتين وهما: العملية الأولية (Le processus primaire) حيث توجد في مستوى اللاوعي، والعملية الثانوية (Le processus – Secondaire )، وتوجد في مستوى  يتموقع بين الوعي واللاوعي، وهو مستوى ما قبل الوعي، فالمنهج الموضوعي يركز على العملية الثانية. ويعني هذا مدى تضمن المنهج النفسي للمنهج الموضوعاتي واحتوائه له، وإن كان المنهج الأخير، في قراءته، يرتكز على مقولتي الزمان والمكان، لتحديد المعنى وتشكيله على خلاف اللاوعي الذي يتخلص منهما.
 وتدرس القراءة الموضوعاتية المشاهد في العمل الأدبي باعتبارها مظهرا من مظاهر الوعي على الخلق والابتكار انطلاقا من التصنيف المقولاتي، كما يمكن لهذه المقاربة أن تدرس المظاهر الإبداعية اللاواعية كما فعل ريشار (Richard) عندما قرأ أعمال بروست (Proust) قصد قراءة موضوعية للرغبة المكبوتة غير المعلن عنها. وهكذا فالأعمال "الأدبية الكبرى" هي تلك التي يكون للرغبة – Le désir- فيها نصيب من التصنيف الموضوعي. وعلى الرغم من أن الرغبة تبقى من ممتلكات الكبت والمحظور والمجهول، أعني من ممتلكات التحليل النفسي. فإنه يمكن لهذه الممتلكات أن تصنف في موضوعات، أي أن تنتمي – جزئيا – إلى عالم المنهج الموضوعي وأن تنكشف عليه ولو من بعيد[26].
وهكذا نصل إلى أن  الموضوعاتية هي قراءة دلالية تكشف عن المعنى وتفسر النص وذلك بإرجاعه إلى بنياته المعنوية الصغرى والكبرى، وتأطير الفكرة العامة وتحويلها إلى صيغة عنوانية مبئرة للنص الأدبي. ويعني هذا، أن النقد الموضوعاتي من المناهج المنفتحة على باقي المناهج الأخرى من حيث اعتمادها على التأويل والقراءة الدلالية لشبكة الأفكار والقيم الجمالية المستعملة داخل الأثر الجمالي.     
زد على ذلك ، يمكن إدراج النقد الموضوعاتي ضمن المقاربات النقدية التأويلية والدلالية التي لا يهمها سوى استنباط المعنى وإظهاره بصورة بارزة.
 بيد أن النقد الموضوعاتي، إن كان ينبني على التأويل، فهو يرتكز قبل ذلك على الفهم ووصف بنيات العمل الأدبي دون ادعاء بإمكانية تفسيره وشرحه. لأن الناقد أو القارئ، في وضعية تتسم بالمرونة والحرية، يدخل إلى فضاء المقاربة وهو خالي الوفاض غير مزود بعدة كاملة من المفاهيم والمصطلحات الإجرائية والتصور النظري الكافي. فحسبه،  إذا، المعاينة والتأمل الداخلي للنص قصد فهمه ووصفه من أجل الوصول إلى المعنى لاستنباطه وتضخيمه وإبرازه.
ويتبين لنا، مما سلف ذكره، أن المقاربة الموضوعاتية  بصفة عامة من أكثر المقاربات والمناهج النقدية مرونة وحرية وانفتاحا على المناهج النقدية والفلسفية الأخرى . ويبدو أن المقاربة الموضوعاتية أكثر اقترابا من علم النفس والفلسفة الظاهراتية من أية مقاربة نقدية أخرى.  

6-          المصطلحات والمفاهيم:

تتكئ المقاربة الموضوعاتية  على مجموعة من المفاهيم الإجرائية والمصطلحات التطبيقية أثناء التعامل مع الآثار والنصوص الإبداعية ، وهي مفاهيم وآليات منتزعة من مجموعة من المناهج التي تنفتح عليها هذه المقاربة الجديدة. ويمكن حصر هذه الأدوات التقنية التطبيقية في هذا  المعجم النقدي النسبي:
التيمة - التغريض - الفكرة الرئيسية – العنوان- الصورة الملحة-البؤرة- الخلية - الجذر - المحور الأساس - الموضوع – المدار- النواة الدلالية- الموضوعة- الوعي- اللاوعي- ماقبل الوعي- الإدراك- الذات- الموضوع- الإرادة- الرغبة- المكان- الزمان- الانفعال- الطفولة- التواتر- التكرار- التماثل- توليد الصور- التأمل- كتلة دالة- المركز الحيوي- قراءة مصغرة- قراءة مكبرة- النوع- الجنس-  المحاور الدلالية-المعجم الشعري- التفكيك- التركيب- الفهم- التفسير- التأويل- الإحصاء- العد- التوارد- الحقول الدلالية والمعجمية- التصنيف المقولاتي- الخيال- التخييل- الكلمات- المفاتيح- الرموز- الحسي- المجرد- الوظيفة المرجعية والسياقية- المقاطع- الدلالة- الصوت- التركيب- البلاغة- السياق الأنطولوجي والوجودي والنفسي- التنويعات-الاستقراء- الصيغ- الإحالات- المستوى السيميائي- الدلالة العامة- الكلية-  العلائق- القوالب الاستنساخية- الشاعرية- التداعي- الدلالات العميقة-العناصر الصوتية- الوحدة العضوية- الوحدة الموضوعية- التقاطع- التعادل- التقابل- التشاكل- التطابق- التوازي- المقصدية- الاستبدال- التماثل- التعارض- التصنيف المفهومي- الصورة الأساسية- الفكرة المهيمنة- الخطاطة الأولية- الخطاطة التنظيمية- الصور الثانوية والجانبية- الجرد- المؤشرات- الدوال-الاستدعاءات-الأطروحة- السطح والعمق- الداخل والخارج- التكرار المعجمي- المباشر- الضمني- قراءة علائقية- الوظيفة الشعرية- درامية الأحداث- اللاوعي الجماعي- بلاغة التكرار- محاور مرآوية- آثار موضوعاتية- التكامل- المستوى العضوي- المستوى الوظيفي- الانعكاس- صورة الشعر- صورة المبدع- الترسبات- الذاكرة- الجدلية- الملامح- الحس المشترك- الطبيعة- الوجود- المنظورات- الفرد- توليد الإضاءات- المعنى الغامض- العلاقات المترابطة- المنظور- الطريقة النسقية- البنية- الرصد- البنيات الأساسية- الأصول الموضوعاتية- الحساسية الشعرية- تداعيات اللغة- العلامات البارزة- وتائر إحصائية- مجال التخيل- العالم الحسي- المادة الروحية- الحدس- البنيات الداخلية- التجانس- المجموع- معادلة الصورة- عالم الموضوعات- نقد الوعي-الفكر- عالم مجسد- المصادر التكوينية- الوقائع الحساسة- الأشياء- الفضاء- الشعرية- الحلم- التأمل الانفعالي- الروح- النفس- التجربة الشعرية- المركز- الواقعية الطبيعية- الرغبة- تخيل الأشكال- الكائن- العمل- العالم-  المادة- الإحساس- المادية والمثالية- الوجود الشخصي- الممارسة الذاتية- الآخر- الغير- الدينامكية- الموضوعاتيات الأساسية-المعطيات- المعنى- الدلالات- الوحدة السامية- الانسجام الفردي- الوحدة- التأملات الداخلية- الوصف- الإشراق الفائق- الاكتشاف- التحويل والتعديل والتغيير- التجربة الإنسانية- الإبداع- الاحتكاك- الكائن- الانتقاء- المقصد الجوهري- الهيمنة- المشروع-  المستوى الأكثر أولية-  مستوى الحساسية الصرفة- الإحساس الخام- الخطاب- الانسجام الداخلي-العمل المفتوح- منظور العمق- المغامرات الشعرية- إحساس اللغة- البعد الداخلي- المعادل- تراكب المعاني- الحركة- التناغم- البعد المفارق- موضوع محدد- نقطة أصيلة- تجربة مفارقة- الميتافيزيقا- طرق التعبير- الأثر العقلي- سحر القصيدة- أعالي الصحوة- الفكرة- الجمال- المفهوم- التسامي- التجريد- المطلق- اللاوعي الطفولي- المركب الواحد- العشق- المعمار- التنظيم الكلي للأشياء- السراب الداخلي- النص الإيقاعي- الأفعال- الشعورية- النظام- الهوامش الصامتة للغة- الظاهر والمضمر- الكشف البنيوي- القراءة الحرفية- المستوى المباشر- الوعي الجمالي- الدلالات الموحدة الكبرى- الأساطير- البدائية- اللاوعي النصي- الفانطازم-  النسيج الفعلي- فينومولوجية- الظاهراتية- التجسيد- الأسلوب- الاستكناه- الاستبطان- المبدأ الملموس للتنظيم- القرابة- الصور المفصلة- التردد- دلالة الكلمات- الاختلاف-   المظاهر الأصلية- القيمة الدالة- الميزة الطوبولوجية- التوازن- المنغلق والمنفتح- التام والمنفلت- التضاد- التوالي والتناوب- الواقع السيكولوجي- العالم الرمزي- الميثات الكبرى-الاعتراضات- اللغة الشعرية-  الشبكات التخيلية- المظهر الداخلي والخارجي- التشريح- البنيات العميقة والأصلية - الانطباعات- الإشعاع الأساسي- الهوس- الفراغ- المعمار الموحد- هرمنوتيكية- الاتساق والانسجام- الوحدة الحية- الربط الموضوعاتي- التناقض-  الإيروس والليبيدو- المشهد- الجسد- النفي- القوالب الفانطازمية- الحلقات الأساسية- الصورة المعزولة- الفعل المحرك- العقدة النفسية- اللاشعور- ماقبل الشعور- العقل الباطني- السادية- المازوشية- الاستعارات الملحة - الأسطورة الشخصية- النزوات المتسلطة- العمليات- الاشتقاق اللغوي- العائلة اللغوية- الترادف- القرابة السرية – الكبت- الهوام- الخصوصية- القاعدة اللغوية- الرحم اللغوي- الوحدة الميثولوجية للكتابة- العامل الدينامي- البنيات الشكلية...

7-          النقد الموضوعاتي في الغرب:

 لم يهيمن  النقد الموضوعاتي على النقد المعاصر بفرنسا إلا في الستينيات من القرن العشرين في الفترة التي كانت تسيطر فيها مجموعة من المناهج على النقد الجديد كالشعرية الفلسفية مع باستون باشلار (Bachelard)، والنقد الفينومينولوجي لمدرسة جونيف المتحلقة حول بولي (Poulet)، والنقد السيكولوجي مع شارل مورون (Charles Mouron) ، والنقد السوسيولوجي مع لوسيان كولدمان (Lucien Goldmann)، بيد أن هذه المناهج النقدية سرعان ما تجاوزتها الشكلانية والسيميائيات وجمالية التلقي بسرعة.
 وعلى العموم، فقد نشأ النقد الموضوعاتي في فرنسا أساسا، إلا أن له بعض الملامح في النقد الألماني و نقد  أمريكا الشمالية الذي يمثله كل من : جوزيف هيليس ميلر، وبول بروتكورب، وفرديماك أيوين. 
وعلى العموم، فقد  ظهر النقد الموضوعاتي في أحضان الصراع النقدي الذي شهدته الجامعة الفرنسية بين الاتجاه النقدي اللانصوني الأكاديمي  الذي ينافح عنه ريمون بيكار والنقد الجديد الذي يمثله رولان بارت.
ومن المعروف لدى الجميع أن النقد اللانصوني  يعتمد على القراءة الوضعية والتحليل البيوغرافي للنص الإبداعي والبحث عن المبدع وفلسفته ورؤيته الوجودية مع ربط النص اللغوي بالفضاء الزمكاني الذي يحيط بالأديب.
ويعتبر ريمون بيكار (R. Picard) من المدافعين عن هذا النقد القديم،  فقد  دخل في سجال نقدي  طويل مع رولان بارت (Roland Barthes). ثم ، شن حربا كلامية وجدالية باسم "الإدعاء الجديد" (La nouvelle imposture)، بيد أن بارت سيرد عليه في كتابه " النقد الجديد"  مدافعا عن النقد الحداثي من خلال التركيز على السمات الإيجابية  لهذا الخطاب الوصفي المعاصر و الإشادة بمرتكزاته النظرية والتطبيقية.
ومن هنا، أصبح في فرنسا تيار نقدي حديث منفتح  سمي بـــ "النقد الجديد"، وهو نقد تأويلي متعدد الإيديولوجيات ومتشعب من حيث المسلمات والمصادر المرجعية ، ينطلق من الوجودية والماركسية والظاهراتية والسيكولوجية.
ويضم هذا النقد الجديد في طياته مناهج متعددة، ويحضن تصورات فلسفية متنوعة، ولا يجمعها سوى التأويل والإيديولوجيا؛ وهذا ما دفع بارت إلى جمعها في سياق واحد تحت اسم (النقد التأويلي) في مقابل (النقد الجامعي) الذي يعتمد على التبسيط والتوضيح والتقنين المعياري الدوغماطي المبالغ فيه.
يقول رولان بارت في هذا المجال: "عندنا في فرنسا حاليا نمطان من النقد متوازيان، نقد سنسميه جامعيا من أجل التبسيط وهو يطبق أساسا منهجا وضعيا موروثا عن لانصون (Lanson)، ونقد تأويلي يختلف ممثلوه اختلافا شديدا عن بعضهم البعض، ما دام الأمر يتعلق بنقاد من مثل: جان بول سارتر (Sartre)، وباستون باشلار (Bachlard)، ولوسيان غولدمان (Goldmann)، وجورج بولي (Poulet)، وجان ستاروبنسكي (Starobinski)، وجان بول ويبر (weber)، ورونيه جيرار (R. Girard) ، وجان بيير ريشار (Richard). وهم يشتركون فيما يلي: هو أن مقاربتهم للنتاج الأدبي يمكن أن تتصل، قليلا أو كثيرا، ولكن بطريقة واعية في الغالب، بإحدى الإيديولوجيات الكبرى المعاصرة: الوجودية، والماركسية، والتحليل النفسي، والظاهراتية. وهذا ما يجعلنا قادرين على تسمية هذا النقد بأنه: إيديولوجي"[27].
ويتبين لنا من خلال هذا النص الاستشهادي بأن بارت (Barthes) يشير إلى  مجموعة من رواد النقد الموضوعاتي أمثال : باشلار (Bachlard)، وسارتر (Sartre)، وجورج بولي (Poulet)، وجان ستاروبنسكي (Starobinski) ، وجان بول ويبر (Weber)، وريشار (Richard)، و رونيه جيرار (R.Girard).
وبناء على هذا، يستند الموضوعاتيون في أعمالهم إلى التأويل والتفسير والأدلجة.

7-  رواد النقد الموضوعاتي في الغرب:

من المعلوم أن  من أهم رواد المنهج الموضوعاتي وأبرزهم في الغرب نجد: جان بيير ريشار (Richard)، وجان روسيه (Rousset)، وجان ستاروبنسكي (Starobinski)، وإميل استيجر، وجوج بوليه (Poulet) ، وباستون باشلار (Bachelard)، و رولان بارت (Barthes) في مرحلته المبكرة، وأسماء أخرى كجان بول سارتر (Sartre) ورومان إنجاردان (Ingarden).
وعليه،  فباستون باشلار (Bachlard) يمثل الأب الروحي للنقد الموضوعاتي بعد أن كان فيلسوفا وابستمولوجيا، فلقد دخل الأدب بأعمال شاعرية هامة وهي كالتالي:
1) التخيل الشاعري.
2) لهيب شمعة.
3) شاعرية الفضاء.
4) شاعرية الحلم .
5) العقلانية المطبقة.
6) المادية العقلانية.
7) الروح العلمية الجديدة.
8) فلسفة اللا.
9) جدلية الاستمرار.
ولا ننسى اهتمامه الموضوعاتي الكبير بعناصر الكون وصوره الأربعة: الماء و التراب و الهواء و النار. فقد اقتحم النقد الموضوعاتي من نافذته الفلسفية والابستمولوجية والشاعرية. إذ درس مجموعة من الصور الشعرية ذات البعد "التيماتي" بمقاربة فينومينولوجية تربط الذات بالموضوع باحثا عن مظاهر الوعي واللاوعي وترسباته السيكولوجية في الصور الشعرية. ولقد تناول "تيمة" الفضاء خصوصا الحميمي منه بطريقة شعرية إيحائية تستوحي الرؤيا الشعرية والتخييل الأدبي.
 هذا، وقد بلور باشلار "تيمات" ذات عنونة إيحائية تخييلية فائقة كالحلم والتخيل والزمن والماء والهواء والتراب والنار.
 ومن الذين تأثروا بباشلار (Bachlard) نستحضر جورج بولي (Poulet) الذي تناول الفضاء والزمن بأسلوب فلسفي ميتافيزيقي وحدسي ولاسيما في كتبه عن:
1) دراسة حول الزمان الإنساني (1950)؛
2) البعد الداخلي (1952)؛
3) تحولات الدائرة (1961)؛
4) الفضاء البروستي (1963).
ويقارب بولي في مصنفاته الإبداع من زاوية فلسفية ذات نسق زمكاني ما ورائي بروح شاعرية كما فعل باستون باشلار (Bachelard) في شعرية الفضاء (La poétique de l’espace).
 هذا، وقد  بين بولي (Poulet) في مداخلته في ندوة " الاتجاهات الحالية للنقد سنة  1966 م" ، والتي كتبها تحت عنوان (النقد الكشفي)، بأن مرسيل بورست Marcel Peoust) هو المؤسس الحقيقي للنقد الموضوعاتي، وتوصل إلى ذلك عبر عملية تجميع الصور في عمل بروست وربطها بين بعضها البعض اعتمادا على  استدخال الوعي الذاتي في تحديد "التيمة" الكبرى وعملية توزيعها وتشعبها في الأثر الأدبي.
أما جان روسي فيؤكد بأن النتاج الأدبي عمل كلي، وأن القراءة الناجعة المثمرة هي التي تفحص النص من جميع جوانبه وقواعده التي ترتكز عليها الكتابة، ويلتجئ روسي إلى الفكر للبحث عن الأشكال الكامنة في ثناياه؛ لأنها هي الموحية بالبنيات الأساسية للخيال المبدع.
 ويضيف روسي (Rosset) في كتابه " الشكل والدلالة" الصادر سنة 1962م بأن الكاتب لا يكتب إلا ليعبر عن نفسه لا ليقول شيئا ما. وهذا ما يؤكد مدى الترابط بين الذات والموضوع على المستوى الشعوري والظاهراتي وتداخل السيكولوجيا مع الموضوعاتية.
هذا، فإن القارئ الحقيقي حسب جان روسي (Rosset) هو: "الذي يباشر قراءة الإنتاج الأدبي في كل اتجاه: أي الذي يستطيع التعرف على المراحل الشكلية والعقلية، واقتفاء أثرها في شتى الأحوال، إلى أن تتضح لديه النقطة المركزية، أو المحور الأساسي الذي تشع في أعماقه كل البنيات، وسائر المعاني، أو ما يسميه بول كلوديل  " بالعامل الدينامي"، حتى إذا فعل ذلك استفاد كثيرا، خصوصا عندما يكتشف في النهاية أن تلك البنيات الشكلية وتلك المعاني، تلتقي في نقطة معينة أساسها أن لكل بنية خيالية بنية شكلية..."[28].
ويعتمد جان بيير ويبر (Weber) في منهجه على ثلاثة مبادئ أساسية وهي:
1) واقعية اللاوعي.
2) أهمية الطفولة.
3) إمكانية تمثيل رمز واحد لواقع قديم.
وتقترب موضوعيته من التحليل السيكولوجي من خلال أعماله القيمة:
1) المجالات الموضوعاتية (1963) .         
2) مكونات العمل الشاعري (1960).
3) النقد الجديد والنقد الممتقع أو ضد بيكار (1960).
ولقد تأثر ويبر (Weber) أيما تأثر بالمنهج السيكولوجي لدى شارل مورون الفرنسي (Charles Mauron) الذي كان يدرس الصور الملحة ذات البنية الاستعارية في العمل الأدبي بطريقة سيكولوجية لا شعورية.
 وقد قام ويبر أيضا بتحليل موضوعاتي لمجموعة من "التيمات" الأساسية كالساعة والبرج والغرق عند كل من ألفرد دوفيني (A. Viney) وفيكتور هيجو (Hugo) وبول فاليري (P. Valery). ويدافع جان بيير ويبر (Weber) عن فكرة تعبير "العمل الكامل لكاتب ما، وبالضبط لشاعر ما، عبر عديد لا ينتهي من الرموز، أي من التعارضات، عن هاجس أو عن موضوعاتية ما، يعاد إبداعها في بعض الأحداث المنسية عامة، في طفولة الكاتب"[29].    
أما مانسي (M. Mansuy) فهو باشلاري النزعة بعمله الذي أنتجه سنة 1968 ألا وهو  دراسة " تخيل الحياة" ، حيث كان يبحث عن "تيمة" الحياة في إبداعات الشاعرين : جول سوبرفييل(Jules Supervielle) وهنري ميشو (H. Michaux)، والروائيين : هنري بوسكو (H. Bosco) وآلان روب غرييه (A.R Grillet).  
أما مقاربة جان بورغوس (J.Burgos) الموضوعاتية فتتقاطعها الباشلارية والسيكولوجية  خاصة في دراسته لأبولينير "  Apollinaire" سنة 1968م التي ينتهي فيها بورغوس إلى أن أبولينير يعرف بوضوح تجربة التخيل وديناميته والتي كانت بالفعل سببا في انزياح الصور الشعرية وانحرافها عن المعيار.
وقد ساهم ميشيل كيومار (M. Guiomar) بثلاث دراسات في حقل الموضوعاتية، وهي:
1) اللاوعي والتخيل (1964).
2) مبادئ جمالية الموت (1964).
3) القناع والفانطازم (1970).
وتقترب موضوعاتية كيومار من مقاربة ويبر، بل تنفتح على مجالات فنية أخرى كالتشكيل والموسيقى والسينما والأدب بصفة عامة، " ويبحث ميشيل كيومار في جل أعماله عن البنيات الأساسية للتخيل بهدف الإلمام بحدث، يضمن استمرارية الرؤية الخاصة، بفضل توحد الخيال بالذاكرة"[30].     
ومن رواد النقد الموضوعاتي أيضا نذكر جان ستاروبنسكي (J. Starobinski) في كتبه الثلاثة:
1) الشفافية والعائق (1958).
2) العين الحية (1961) (L’œil vivant).
3) السخرية والسوداوية (1966).
وقد استند ستاروبنسكي إلى التحليل السيكولوجي والموضوعاتي لمقاربة النظرة في أعمال جان جاك روسو وكورناي وراسين وستاندال ما دامت النظرة تعبر عن كثافة الرغبة . وبالتالي، فهو ناقد الأعماق، يبحث عن واقع خفي قصد معرفته معرفة جيدة؛ لأنه هو الذي يعلن الظاهر "ويستخلص جان ستاروبنسكي (J.Starobinski) من قراءته أن الكاتب الأول يحس أنه (ضحية نظرة مجهولة لمتفرج دون هوية) ، كما أن بطل الكاتب الثاني، يحس أنه في حاجة إلى (نظرة تواطؤ الشعوب والأجيال الشاهدة) ، بينما نجد عند الكاتب الثالث (نظرة لا تقتضي المجد ولكنها تجلب الخجل). أما عند الرابع فإن ( الاسم المستعار، لا يعد هروبا من مجهول، بل فنا للظهور) "[31].
أما جان بيير ريشار (Richard) فقد كان هاجسه في العمل الأدبي هو البحث عن "معنى ساذج ضمني، أو فوقية لغوية تطابق العمل الموضوع في حيز اللاشعور، وفي مرحلة تنسيق الفكر للصور الأدبية".
وعليه، فهو لا يريد وصف محتويات الفكرة؛ بل التطلع إلى المبدإ الذي يعطيها وحدة قارة، وإمساك عملية الإبداع نفسها. ومن ثم، فإن النتاج لا يبدو كحدث فحسب، بل كبنية توحي بباطن الشخص المبدع.
 إذا، فلقد  فرضت عملية اكتشاف محتويات النتاج على جان بيير ريشار (Richard) أن يتوقف طويلا في اتجاهه، ليقوم بتجربة امتيازية تحفزه على  استفسار الأديب، واستباره لا للوقوف على مدى اتصاله الأول بالعمل، وعلى الطريقة التي يحس بها ذلك العالم ويدرك مجاله"[32].
و اعتمد ريشار (Richard) في أطروحته عن "العالم الخيالي لملارمي" (Mallarmé) على مبدأين منهجيين وهما:
1) التوضيح.
2) إعادة البناء.
وتتجلى مقاربته الموضوعاتية في كتبه القيمة التالية:
1) الأدب والحساسية ( 1954 ).
2) الشعر والأعماق ( 1955 ).
3) العالم التخيلي لمالارمي (1961).
4) دراسات عن الشعر المعاصر (1964).
5) من أجل قبر لأناتول.
6) مشتهد شاتوبريان (1967).
7) مراسلات مالارمي.
8) دراسات عن الرومانسية.
وتنبني منهجية ريشار (Richard) على الخطوات التالية:
* البحث عن  الخلية الرئيسية في النص وحصر محاورها وجذورها ضمن التجسيد اللغوي البحت.
* مقارنة مختلف الجذور الدلالية واستخلاص تراكماتها اللغوية وأبعادها الدلالية.
*تعميم المقارنة على مختلف نصوص الكاتب انطلاقا من وحدات أساسية تتحدد في نص رئيسي أو مجموعة نصوص مبنية[33].
ويوظف ريشار (Richard) في كتاباته الموضوعاتية لغة وصفية إيحائية شاعرية ذات طابع بلاغي فلسفي باشلاري ذات نكهة بارتية. إذ يركز جان بيير ريشار (Richard) منذ دراساته الأولى على عالم الإحساس، على التركيبات الباطنية باعتبارها "هي الوسيلة المفضلة للصعود إلى مركز المشاعر وإلى عالم الإحساس واليقظة. نضيف إلى هذه المادة  - يقول ريشار -  هاجسا لغويا أساسيا يطوف حول الأشياء والعالم ويفك عزلتها عن عنق الكاتب والكتابة"[34].
فالنقد الموضوعاتي، " كما يتبناه ريشار (Richard) في (العالم التخيلي لمالارمي  Mallarmé) ، هو نقد يفضل سبر غور العمل الأدبي عبر تداعيات اللغة التي تعتبر بالنسبة لهذا النقد الطريق الوحيد والحقيقي للتعبير، إذ تتحول كل قصيدة من قصائد مالارمي (Mallarmé) إلى رمز. لذا، يعمل الناقد الموضوعاتي، من هنا، على كتابة قواعد نحوية لا مجموع كلمات. فالخيال يبتعد بقدر الإمكان عن الخلط بين الكشف الشكلي للعمل، والقراءة اللفظية له؛ لأن ما يشغل ريشار (Richard) هو إعطاء ترجمة أخرى لأعمال مالارمي (Mallarmé) انطلاقا من رسم جداول أولية بمحركات الخيال عند مالارمي، مادام التفكير بالجسد يعطي فكرة شبه كاملة ومتآلفة مع اهتزازات أوتار الكمان مثلا، إذ لا تعتبر الشعرية جوهر الأدبية فقط، بل طريقة يمكن أن تتفتق عنها عضوية بالحياة والوجود"[35].
ويقارب ريشار (Richard) الرغبة المكبوتة وغير المعلنة في أعمال بروست (Proust) حيث الرغبة مقروءة بوضوح. إن موضوعاتية ريشار (Richard) هي الموضوعية الأدبية التي تعتمد على التواتر اللفظي والعد الحسابي(recensement)، أي يهتم ريشار (Richard) بالمواضيع الأكثر تواردا وهيمنة في العمل الأدبي انطلاقا من معيار العد الانطباعي لا الإحصائي. ويرى ريشار (Richard) أن الموضوع هو مبدأ تنظيمي محسوس ليس إلا.
ويلاحظ أن للانطباع الشخصي في موضوعاتية ريشار (Richard) دورا  كبيرا  في القراءة والوصف، وتتسم دراسته الموضوعية بالحرية والمرونة في التعامل المنهجي ، إذ يقول في هذا السياق: " والخلاصة أنه لا وجود في القراءة الموضوعية لنقطة بدء ونقطة وصول. فالمدخل إلى حقل القراءة الموضوعية مدخل حر مما يضفي عليها شيئا من السحر. وعندما يكتب أحد النقاد الموضوعيين في مقدمة دراسته أنه سيبدأ من نقطة ما، فإن هذه البداية ستكون بداية كتابه هو، لا بداية يلزمه بها منطق حقيقي للموضوع المدروس"[36].
وبناء على هذه اللامنطقية أو الانطباعية في المنهج، فإن شبكة العلاقات الموضوعية لدى ريشار (Richard) متغيرة بتغير النافذة التي يدخل منها الناقد إلى الأثر الأدبي بالإضافة إلى روح الانتقائية والذاتية.
 ومن هنا، فمنهج ريشار (Richard) تصنيفي يحاول ربط عناصر العمل الأدبي من أجل ربطها ببعضها، و يحصر ريشار العناصر التي تتكرر بحظوة في نسيج العمل الأدبي، ويحلل هذه العناصر التي يتم حصرها عبر الاهتمام بالمعنى السياقي وتجنب التزيد في التحليل أو الميل إلى النزعة الإسقاطية.

8- النقد الموضوعاتي في العالم العربي:

لم يظهر النقد الموضوعاتي  في العالم العربي- حسب اعتقادنا-  إلا في سنوات السبعين من القرن العشرين مع تنامي النقد المضموني الانطباعي واكتساح النقد الأيديولوجي الواقعي والماركسي للساحة النقدية العربية . وقد استفاد هذا المنهج أيضا من تباشير المنهج البنيوي مع امتداد سنوات الثمانين .
ويلاحظ على أغلب الدراسات الموضوعاتية العربية أنها بمثابة دراسات مضمونية فكرية تتسم بالسطحية تارة وبالعمق التحليلي تارة أخرى. وهناك أنواع من المقاربات الموضوعاتية  في النقد الأدبي العربي: نقد موضوعاتي ذاتي انطباعي ونقد موضوعاتي موضوعي، وموضوعاتية مضمونية وموضوعاتية شكلية. كما أن ثمة موضوعية تأويلية مرجعية وموضوعية بنيوية وصفية.
ومن أهم  نقاد المقاربة الموضوعاتية لابد من ذكر كل من : الكاتب المغربي عبد الفتاح كليطو في رسالته الجامعية : " موضوعاتية القدر في روايات فرانسوا مورياك"  التي قدمت  باللغة الفرنسية لتناقش بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1971م، والكاتبة السورية كيتي سالم في رسالتها الجامعية  عن " موضوعاتية القلق عند غي دي موباسان " والتي قدمتها بالفرنسية إلى السوربون سنة 1982م،  و العراقي عبد الكريم حسن صاحب:" الموضوعية البنيوية ، دراسة في شعر السياب"،[37]وعلي شلق في كتبه:" القبلة في الشعر العربي القديم والحديث"،[38]  و"المتنبي شاعر ألفاظه تتوهج فرسانا تأسر الزمان"[39] ، و" ابن الرومي في الصورة والوجود"  [40]، و" أبو العلاء المعري والضبابية المشرقة" [41]، وسعيد علوش في كتابه: " النقد الموضوعاتي" [42]، وحميد لحميداني في كتابه: " سحر الموضوع" [43]، وجوزيف شريم في مقاله:" الاتجاهات النقدية النفسانية"،[44] وسعيد يقطين في كتابه:" القراءة والتجربة" على الرغم من انطلاقه منهجيا من التحليل البنيوي السردي.
وثمة كتب أخرى تقترب من النقد الموضوعاتي  إن مضمونا وإن شكلا على الرغم من عدم وجود مستندات نظرية ومنهجية توضح طبيعة المقاربة ونوع النقد المنهجي المطبق .
ومن هذه الدراسات التي أوردها الدكتور حميد لحميداني في كتابه:  " سحر الموضوع" نورد اللائحة التالية:
·  فؤاد دوارة: في الرواية المصرية، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، طبعة 1968م؛
·  محمد مصايف: الرواية العربية الجزائرية الحديثة بين الواقعية والالتزام، الدار العربية للكتاب، والشركة الوطنية للنشر والتوزيع بالجزائر ، طبعة 1983م؛
·  علي الراعي: دراسات في الرواية المصرية، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، طبعة 1964م؛
·      يوسف الشاروني: الروائيون الثلاثة، الهيئة العامة للكتاب، مصر، طبعة 1980م؛
·  فاطمة الزهراء محمد سعيد: الرمزية في أدب نجيب محفوظ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، طبعة 1981م؛
·  عبد الحميد القط: بناء الرواية في الأدب المصري الحديث، دار المعارف، القاهرة، طبعة 1982م؛
·      يوسف الشاروني: الرواية المصرية المعاصرة، دار الهلال، مصر،  طبعة 1973م؛
·  يوسف عزالدين: الرواية في العراق :تطورها وأثر الفكر فيها، معهد البحوث والدراسات العربي، طبعة 1973م؛
·      عبد الكريم الأشتر: دراسات في أدب النكبة،دار الفكر،  طبعة 1975م؛
·  علي شلق: نجيب محفوظ في مجهوله المعلوم، دار المسيرة، بيروت، لبنان،طبعة 1979م؛
·  فاروق وادي: ثلاث علامات في الرواية الفلسطينية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، طبعة 1981م؛
·  محمد أبو خضور: دراسات نقدية في الرواية السورية، اتحاد كتاب العرب، دمشق، طبعة 1981م.
وعلى الرغم من كثرة الدراسات الموضوعاتية الموجودة في الساحة النقدية العربية، فهي أقرب إلى الدراسات المضمونية التي تفتقد إلى التصور النظري والمنهجي والفلسفي والإبستمولوجي بالمقارنة مع الدراسات الموضوعاتية الغربية. ولكن يبقى عمل عبد الكريم حسن المنصب حول شعر السياب ، ودراسات عبد الفتاح كليطو التأويلية،  وأبحاث علي شلق، ودراسة سعيد علوش لقصيدة  " الحرب" لياسين طه حافظ من أهم الدراسات الموضاعاتية الحقيقية التي تنطلق من تصورات منهجية ذات خلفية فلسفية ومنهجية دقيقة ومحكمة.

9- إيجابيات المنهج الموضوعاتي:

من مميزات النقد الموضوعاتي انفتاحه على المناهج النقدية الأخرى بسبب مرونته وتمتعه بالحرية في الوصف والقراءة ، حيث استفاد من علم النفس والنقد الأدبي والتحليل الفرويدي والنقد التاريخي والتأويل الهرمونيتيكي والبنيوية اللسانية والشكلانية. كما استوعب حسنات النقد الأسطوري والنقد الديني وامتلك الحدس الفلسفي والنزعة الصوفية كما عند جان ستاروبنسكي (Starobinski). وفي هذا الصدد يقول جان بيير ريشار (Richard): "الجذريون لا ينفون العلاقة بين علم النفس والنقد الأدبي، ومن الضروري أن تنحصر ، أي العلاقة في التأثيرات التي تمارسها الكتابة على نفسية القارئ، وليس فقط على شرح شخصية الكاتب من خلالها"[45].
 ويعني هذا أن النقد  الموضوعاتي أو الجذري ليس منغلقا على نفسه، بل يستعين بجميع التصورات المنهجية الأخرى، ويأخذ الإيجابي منها ويترك السلبي إذا كان هذا الأخير لا يساير التصور النظري الذي انبنت عليه الموضوعاتية ، يقول بيير ريشار: "نحن نتجنب التحليل النفسي الفريويدي. ونحاذر النقد التاريخي الاجتماعي، وحتى النقد الجذري ليس "يتو" مقفلا. إننا نستعين بكل هذه المحاولات العلمية لالتقاط النبض الأساسي للنص الذي نعتبره واقعا حيا، دون أن نندمج فيه على طريقة جورج بوليه (Poulet) الذي نحا منحى إيحائيا في نقده. إننا نقوم بقراءة متأنية للنص على طريقة جيرار جنيت (G. Genette) الذي حاول تخطي المسلمة القائلة بأن الأثر الأدبي محدد بصورة جوهرية بمؤلفه وأنه استطرادا يعبر عنه. ثمة بدهية مخيفة، إنها عملية القراءة. وهي قادرة على التأكيد أن النص الأدبي شبيه بالنسيج المترابط، وذو خلفيات لا شعورية"[46].  
وقد دفع هذا الاندفاع والانفتاح المنهجيين النقد الموضوعي إلى استرفاد الحدس الفلسفي والممارسة ذات البعد الصوفي، وهذا ما أكده كذلك ريشار  بقوله "إن النقد الجذري ينزع نزوعا صوفيا، هذا يعود إلى طبيعة الآثار التي نتناولها، وهي أحيانا ذات بعد صوفي، الأمر الذي يدفعنا إلى أخذها بعين الاعتبار. على أي حال، الجذريون يعرفون جيدا أن نقدهم جزئي وهم يريدون إدماج الجزء في نظام نقدي كامل لا أن يحلوه مكان المناهج النقدية الأخرى. هذا النظام النقدي مرتبط بلغة العصر وإشكالاته الرئيسية. كما أنه على علاقة جدلية بحدس كل كاتب ويقينيات المجموعة التي ينتمي إليها"[47].
و من إيجابيات النقد الموضوعاتي أيضا أنه يعتمد على التصنيف المقولاتي أو ما يسمى بنقد الأفكار وتحديد "التيمات" الكبرى أو الفرعية أو استخلاص المشكلات أو المسائل الهامة في الأعمال الأدبية رغبة في دراستها. فباستون باشلار (Bachard) مثلا فقد درس علاقة الإنسان بالطبيعة من خلال صورة الماء  والتراب والهواء والنار، أي ما يسمى بالاستقصات الأربعة عند فلاسفة اليونان وبالضبط عند أمبادوقليس. كما درس شاعرية الفضاء سواء أكان عدوانيا أم حميميا، وإن كان قد ركز كثيرا على الفضاء الثاني لمدى إنسانيته من خلال تتبعه للصور الشعرية  المفصلة من الناحية الظاهراتية والموضوعية.
و تناول "أنجلز" مجموعة من المشكلات وأصبحت مقولات يعالجها النقد الموضوعاتي بروح شاعرية حدسية وفلسفية كمشكلة المصير (الصلة بين الحرية والضرورة، الروح والطبيعة)، والمشكلة الدينية (ظاهرة المسيح، الخطيئة، الخلاص)، و مشكلة الطبيعة (الشعور نحو الطبيعة، الخرافة، السحر) ، ومشكلة الإنسان (مفهوم الإنسان وصلته بالموت)، ومفهومه عن الحب ناهيك عن مشكلات أخرى تدور حول المجتمع والأسرة والدولة.
 وتدرس المقاربة الموضوعاتية  أيضا اتجاهات المبدعين حسب علاقتهم بهذه المشكلات وصلتهم بهذه "التيمات" الكبرى[48] على صعيد الذاتي والموضوعي.        
هذا، وقد واتخذت هذه التقسيمات والتصنيفات المقولاتية الجذرية والمدارية  موادا  مهيمنة  في الكتابات الموضوعية إبداعية كانت أم نقدية، فوردت هذه "التيمات" أو الصور الموضوعاتية المحددة دلاليا في شكل عناوين كلية لهذه الكتابات الوصفية أو الإيحائية. والمقصود بهذا أن  المقولات الجذرية المصنفة كانت بمثابة عناوين استخلصت من "التيمات" والصور الشعرية المتواترة في النصوص بكثرة داخل المنتوج الأدبي أو النقدي كما توضح ذلك ملاحظة جان ايف تاديي (Jean Yvés Tadié): "إنه يجب أن نفهم جيدا بأن الصورة بالنسبة لباشلار ليست صورة بلاغية، ولا هي جزئية من جزئيات النص، إنها "تيمة" للكل، وهي تستدعي تضافر الانطباعات الأكثر تنوعا، الانطباعات الآتية من مختلف الاتجاهات، وهي ليست أبدا تأليفا لأجزاء واقعية مدركة أو لذكريات الواقع المعيش كما هو الحال بالنسبة لثقافة أو لنقد واقعيين، والفنان الباشلاري ليس هو الإنسان الذي قام بالملاحظة على أحسن وجه ولكنه ذلك الذي حلم بصورة جيدة، وإن الصورة هي أثر وظيفة اللاواقع في النص. إنها تسبق الإدراك بما أنها تصعيد لنموذج مثالي وليس "إعادة إنتاج للواقع"[49].
وتتحدد المقولات التي يستند إليها النقد الموضوعاتي في نوعين أساسيين:
1) أحوال الوعي ( الذات).
2) مضامين الوعي (الموضوع).
وتكمن أحوال الوعي في الإدراك والمعرفة والإرادة والانفعال والزمن والمكان والخيال، في حين تتمثل مضامين الوعي في الأحداث والأغيار والأشياء أو الكائنات الطبيعية والنفس بوصفها فاعلا. [50]
وتتم عمليات النقد الموضوعاتي بملاحظات ظاهراتية قائمة على الربط بين الذات المدركة والموضوع المدرك ووصف بنيات العمل الأدبي فهما وتأويلا قصد كشف الرموز والأفكار الدلالية دون الاستعانة بالمعرفة المرجعية والإسقاطات الخارجية المسبقة لفرضها على النص .
 كما يهدف النقد الموضوعاتي أيضا إلى تحديد رؤية الأديب للعالم انطلاقا من التحليل الداخلي المحايث للنسق النصي دون إهمال العالم المناصي أو التاريخي  الذي أفرز النتاج الأدبي. 
و يستند المنهج الموضوعاتي إلى مبدأ الحرية في التنظير والتطبيق معا؛ مما يساعده على الانفتاح على المناهج والنظريات الأدبية والنقدية والفلسفية لاستيعابها وإدماجها قصد تحقيق الفعالية أثناء القراءة والتحليل (المنهج التاريخي، الاجتماعي، النفسي، الفلسفة، التـأويل الإيديولوجي، التصوف، الوجودية، الظاهراتية، النقد الأسطوري والديني، اللسانيات، الهيرمينوطيقا الخ...) .
وهدف هذا النقد كما هو معلوم  هو ربط الإبداع الأدبي بالذات في تمظهراتها الواعية وغير الواعية قصد تحديد أحوال الوعي ومضامينه مستخدما في ذلك لغة شاعرية شعرية تقارب الإبداع وتصفه بلغة ما ورائية إنشائية زئبقية يهيمن عليها الإيحاء أكثر من التقرير كاللغة البارتية المنزاحة . ويلجأ علاوة على ذلك إلى المقارنة أثناء التحليل فهما وتفكيكا، ويشتغل على الحدس في تقويم الأثر الأدبي ونقده ووصفه مع تحديد صيغ "تيماتية" كبرى على شكل عناوين أساسية تميز المقصديات المهيمنة في تلك الأعمال الأدبية الكبرى.
 ومن مميزات هذا النقد الجذري أيضا غلبة الطابع السردي (الشرح والعرض) على الطابع المنطقي إلا في محاولات محدودة مرتبطة بأنساق "تيماتية" منطقية مبنية على مقدمات ونتائج محددة.               
زد على ذلك  أن النقد المداري الموضوعاتي قد أثار قضايا دلالية أكثر مما هي قضايا جمالية شكلية؛ لأن هاجس الجذريين الوحيد الذي كان يؤرقهم هو استخلاص البؤر الدلالية و حصر "التيمات"المعنونة الواردة في النصوص الإبداعية والأعمال الأدبية الناجحة رغبة في استكشاف الوحدة العضوية والمنطقية الجامعة بينها والمحققة لمدى انسجامها النصي واتساقها الفني.
ومن حسنات هذا المنهج  أيضا أن له أهمية تربوية  بيداغوجية وديداكتيكية كبرى حيث يساعد هذا المنهج  المتعلمين عمليا على مقاربة النصوص الأدبية والآثار الإبداعية بشكل فردي أو جماعي  من خلال رصد المضامين والتيمات الموضوعية المحورية وتحديد المفاهيم الدلالية المتكررة التي تتحكم في نسيج النص أو العمل الأدبي. وقد يكون هذا الرصد جزئيا أو كليا. ويعني هذا أن المتعلم الذي  يريد تطبيق هذا المنهج  في دراسة النصوص والمؤلفات الأدبية قد يركز على موضوع واحد أو مقولة واحدة أو اختيار فقرة أو متوالية نصية صغيرة أو كبيرة من تلك الأعمال الأدبية الثرية لمقاربتها موضوعاتيا إما بشكل انطباعي ذاتي وإما بشكل موضوعي بنيوي.  

10- سلبيات النقد الموضوعاتي:

من أهم سلبيات النقد الموضوعاتي  السقوط في الدراسة المضمونية السطحية  الفجة، وإهمال الشكل عند الموضوعاتيين الذاتيين، والميل إلى التأويل الفلسفي والنفسي والماركسي والفينومولوجي الذي قد يتعارض مع خصوصيات العمل الأدبي ووظيفته الجمالية والشعرية ، والإيغال المبالغ في استخدام  الشاعرية المجازية وتشغيل التجريد الرمزي  واستعمال التعابير الانزياحية التي تضر باللغة النقدية التي ينبغي أن تكون أداة وصفية موضوعية، ناهيك عن صعوبة وجود الوحدة الموضوعية والعضوية والمنهجية في كتابات الدارسين والنقاد الموضوعاتيين؛ لأن الخيط الرابط بين هذه المقاربات يعتمد على الحدس الصوفي والاستبطان الروحي الجواني والتخلي عن لغة المنطق والتقنين.
 والسبب في وجود هذا الحدس والاستكناه الصوفي والشاعري هو انطلاق أغلب النقاد الموضوعاتيين من شعرية باستون باشلار وقراءاته التخييلية للأشياء والصور والأفضية باعتبارها مرجعية رئيسية لأعمالهم القرائية. لذا، ينصب  الاهتمام الموضوعاتي على  المضمون والتيمات والصور المتكررة والمتواترة على حساب التقنيات التعبيرية والأسلوبية  واللسانية والصيغ الجمالية الفنية والشكلية.
 و من هنا، ينبغي  أن نعرف أن النقد الموضوعاتي هو نقد مضموني وشاعري أكثر مما هوى تقني وشكلي، إذ همه الوحيد اقتناصه " للتيمات" والمقصديات الكبرى المهيمنة في النصوص والموجهة لتصور الكاتب داخله إبداعه.
 ومن ثم، فالنقد الموضوعاتي "سواء ذلك الذي، رأيناه لدى باشلار أو لدى جان بيير ريشار لا يكاد يلتفت إلى الجوانب التقنية في تحليل الأعمال الشعرية، فهو نقد مأخوذ بالمعاني العميقة، مأخوذ باشتغال الدلالة في الشعر. كما يمكننا عند قراءة التحليل أن نلاحظ كيف كان هذان الناقدان ينتقلان عبر معاني الدواوين الشعرية ومع الدلالات المتناسلة في النص، مأخوذين بالإيحاءات الشعرية التخييلية حتى تتحول لغتهما معا إلى كلام شعري آخر، وهذه الخاصية تتميز بها لغة باشلار (Bachelard) بشكل أقوى، حتى إننا نستطيع القول بأن نقد باشلار (Bachelard) نقد شعري إذا صح التعبير، إنه معاناة جديدة لمعاني النصوص الشعرية التي يحللها"[51].
ومن هنات المنهج الموضوعاتي كذلك أنه منهج قاصر لايحيط بجميع الجوانب التي يتكون منها الأدب كالتركيز مثلا على دراسة العلامات النصية وتشريح الدول السيميائية والاهتمام بالمتلقي واستقراء العلامات اللسانية والبلاغية والتداولية. لذا، يبقى المنهج التكاملي أفضل المناهج - في اعتقادنا - مادام يحيط بكل العناصر البنيوية التي يتشكل منها النص الإبداعي.

خاتمـــــة:
      
وعلى الرغم من سلبيات المنهج الموضوعاتي في التعامل مع النص الأدبي، فإنه منهج ناجع في التعامل مع النصوص الإبداعية من خلال منطلق التخييل الشاعري الذاتي أو اعتمادا على التحليل الوصفي الموضوعي قصد الوصول إلى الفكرة المهيمنة أو الرسالة المحورية التي تشكل نسيج النص الأدبي، بعد أن يتم رصدها دلاليا ومعجميا ولسانيا وبلاغيا عبر وضع جداول معجمية وإحصائية بناء على سياقاتها النصية والذهنية.
كما يستكشف عبر هذه المقاربة التأويلية المنفتحة المرنة كل العلامات اللغوية الصادرة عن وعي المبدع  أو لاوعيه المترسب لتحديد صورة الرؤية الدلالية والتعبيرية لربطها بحياة المبدع وواقعه الشخصي والبيوغرافي لمعرفة تصوره إلى الحياة والوجود والإنسان في شكل مقولات تيماتية محورية وموضوعات بارزة.
ولكن يبقى المنهج التكاملي في اعتقادنا نموذجا نقديا مثاليا يجمع حسنات كل المناهج النقدية والمقاربات الوصفية،  وينصب اهتمامه على كل العناصر البنيوية التي تشكل النص الإبداعي سواء من الداخل أم من الخارج.



المصادر والمراجع العربية:


1- أوستين وارين، ورونيه وليك: نظرية الأدب، ترجمة محيي الدين صبحي، مطبعة خالد الطرابلشي، طبعة 1972م؛  
2- جوزيف شريم: ( الاتجاهات النقدية والنفسانية )، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد:18-19 ، بيروت،  لبنان، سنة 1984م؛
3- حميد الحمداني: سحر الموضوع، منشورات دراسات سال، ط1، 1990م؛
4- حسن المنيعي: نفحات عن الأدب والفن، دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان،  ط1،1981م؛
5-  روبرت ماجليولا:( التناول الظاهري للأدب: نظريته ، مناهجه)، ترجمة: عبد الفتاح الديدي، مجلة فصول المصرية، العدد:3؛
6- سعيد علوش: النقد الموضوعاتي، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى سنة 1989م؛
7- سعيد يقطين: القراءة والتجربة، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1985م؛
8- سامي سويدان: أبحاث النص الروائي العربي، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت ط1،1986م؛
9- الشكلانيون الروس: نظرية المنهج الشكلي، ترجمة إبراهيم الخطيب ، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، مؤسسة الأبحاث العربية، ط1،1982م؛
10- فؤاد أبو منصور: النقد البنيوي الحديث بين لبنان وأوربا، دار الجيل، بيروت ، لبنان، ط1، 1985م؛
11- عبد الكريم حسن: ( نقد المنهج الموضوعي)، مجلة الفكر العربي المعاصر، بيروت، لبنان، العددان: 44-45؛
12-عبد الكريم حسن: الموضوعية البنيوية دراسة في شعر السياب، طبعة  المؤسسة العربية للدراسات والنشر، سنة  1983م؛
13- علي شلق: القبلة في الشعر العربي القديم والحديث، دار الآفاق، بيروت، لبنان، طبعة 1982م؛
14-علي شلق: المتنبي شاعر ألفاظه تتوهج فرسانا تأسر الزمان، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط 1، 1982م؛
15-علي شلق: ابن الرومي في الصورة والوجود، الطبعة الأولى سنة 1982م، بدون تحديد لمكان النشر؛
16-  علي شلق: أبو العلاء المعري والضبابية المشرقة، الطبعة الأولى سنة 1981م بدون تحديد لمكان النشر.


المراجع الأجنبية:

17 - Groupe de chercheurs : les chemins actuels de la critique, 10/18, 1973;
18-J.P Richard : L’univers imaginaire de Malarmé, ed. Seuil 1961;
19- Jean Yves Tadié : la critique Littéraire au XX  Siècle. BL Foud. 1978;
20- R. Barthes : Essais critiques. Seuil 1964;
21- Royer Fayolle : La critique Littéraire. A. Colin 1964;
22-  T.Todorov: Introduction à la littérature fantastique.Seuil, Paris, 1974.