البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

الخميس، 29 سبتمبر 2011

مايجب أن تعرفهه عن فن الأسطورة

                                                                  الأسطورة
Myth                                                                    
الأسطورة هي معلومات قصصية منظمة تدور حول المعتقدات الميتفزيقية أو أصول الكون أو المؤسسات الاجتماعية أو تاريخ شعب من الشعوب. ووظيفة الأسطورة لأبناء المجتمع هي تسجيل وعرض النظام الأخلاقي الذي بواسطته يمكن تنظيم وتشريع المواقف والأحداث الاجتماعية.
وقد أهتم علماء القرن التاسع عشر ومفكروه بدراسة أصول وطبيعة الأساطير خصوصاً علماء الانثروبولوجيا منهم إذ اعتقدوا بأن الأساطير هي جزء لا يتجزء من النظام الاجتماعي الكبير. ولا يمكن عزل الأساطير عن المجتمع وذلك لكونها عبارات تصف الحقيقة والواقع وتعكس المعتقدات وتربط الكلام بالحدث، ومع هذا فلا يمكن تصديق ما تدعيه الأساطير من قصص وحكايات ومعتقدات تتناقض مع الجانب العلمي والمنطقي للعقل السليم.
فقد هاجم ليفي ستراوس التفسيرات البسيطة للأساطير التي قام بها علماء الاجتماع وعلماء النفس، ووجه اهتمامه باستنتاج التركيب المنطقي الذي ينظم الجانب القصصي للأسطورة كما يفعل اللغوي عندما يرتب الكلمات بنموذج نحوي رفيع يعكس للقارئ معنى ما يقرؤه من عبارات لغوية لها قواعد ومعانٍ أصيلة. وقام ليفي ستراوس بمقارنة أساطير كثيرة مشتقة من مجتمعات مختلفة، إلا أنه وجد جميعها متشابهة من ناحية الفحوى والمعنى. وعلماء الانثروبولوجي الاجتماعي الإنكليز لا يعتقدون بأن الأساطير هي وصف لأنواع معينة من السلوك البشري الذي يتعلق بالمتيفزيقيا أو الأنظمة الفكرية والفلسفية وأنها لا تستطيع وصف ذلك السلوك الاجتماعي المتعلق بالعالم المادي أو العالم الحقيقي الذي نعيشه فيه الآن.
........................................................

الأسطورة هي قصة خيالية أو مختلقة. وكانت ترتبط بالظواهر والكوارث الطبيعية وتفسيرها . فلقد تصور الأولون المطر إله يصب الماء من إناء بالسماء والريح له إله ينفخها بمراوح والشمس إله لأنها تضيء الدنيا ويشعل النيران . وكان الإنسان الأول يؤدي طقوسا للحصول علي هذه الأشياء وكان يعيش مع أساطيره كما إنشغلت كل الحضارات القديمة بسبب الخلق والخليقة . وتعتبر الأساطير حكايات مقدسة لشعب أو قبيلة بدائية وتراثا متوارثا ويطلق علي هذه الأساطير أحلام اليقظة ولها صلة بالإيمان والعقائد الدينية . كما تعبر عن واقع ثقافي لمعتقدات الشعوب البدائية عن الموت والحياة الأخروية . وهذه نظرة ميتافيزيقية . ومازالت القبائل البدائية تمارس الطقوس وتتبع أساطيرها التي تعتبر نوعا من تاريخها الشفاهي الذي لم يدون . ومن خلال الملاحم تروي الشعوب روايات عن أجدادها وحروبهم وإنتصاراتهم ورواية السير الشعبية الملحمية . لهذا لاتعتبر الأساطير تاريخا يعتمد عليه لأنها مرويات خرافية خيالية . فالإنسان البدائي لم يكن يشغل عقله لتفسير الظواهر الطبيعية وكان يعتبر من منظوره الشمس والقمر والرياح والبحر والنهر بشر مثله . لهذا ظهرت أساطير الأولين لدي البابليين والفراعنة والرومان والأغريق والماياوالأسطورة هي نتاج التفسير الساذج للشعوب البدائية لظواهر الطبيعة المختلفة التي كانت تصادفهم في حياتهم اليومية، بحيث كانو يضعون لكل ظاهرة بل ولكل نشاط يقومون به الاها خاصاًوكانوا ينسجون حوله قصصا خيالية خارقة.

الأسطورة والشكل
      الاسطورة صناعة ومكننة شكلية للخيال، وتعد هذه المكننة الامتداد الما بعدي للذات، والتي لا يمكن لها ان تكون الا بوجود هذا الخيال ـ كمعادل ورمئ، واشارة ووجود ـ فالذات تتطبع به كما يتطبع هو بها، وهو ايضاً الامتداد الذاتي وطريقة العيش المفترض للاشياء والامكنة والازمنة، وهذا الامتداد ينطبق شكلياً في محمولات الاسطورة بأمتدادها (الذاتي) و(الانساني) اثناء عدوها لفرض اوهام معرفيتها في الاشياء او الكون.
ان التلاقي الشكلي الذي نحاول استلاله من الدال او المدلول يدلنا كما يوهمنا الى مساحة اللافرق بينهما، ومساحة ولادة وموت الاسئلة والاجوبة وتناسلهما خيالياً في عالم تسكنه وحشة الاغتراب، وعالم لا يمكنه الا ان يرحب بالوحدة والموت المستمئ، عالم يتلاقى مع قلق يرجو اليفاء، واملاً في التحرر الابدي من قدرية وجوده المحدودة، تلك كانت الاسئلة الاولى التي ارهقت الذات وارهقت ابطال اساطيره وعوالمها الملونة بكائنات لا يحدها حدود واخفاقات الانسان.
      الاشكال في الاسطورة تتخذ لنفسها طاقات نفسية وتكوينية في ان واحد، فهي قوية وحادة في دوال غاضبة ومنتصرة، واشكال تتخذ لنفسها الضعف والخسارة وتتلون بدوال الحزن والبهت، فالقوة دوالها تتجه الى الضعف لتهزمه، ونشوة انتصار تخلف حزن الهزيمة، وفي هذا فأن الاسطورة تسقط الذات في شبك ورطتها الانسانية في صراع ابدي، بشرط تفرضه الاسطورة مهما كانت نتائجه ـ فالصراع هنا ما بين الوجود واللاوجود، بين الانتصار ونشوة وقوة الذات / تشكل الاسطورة، وانهزامها وخسارتها وفجائعها / انهزام الذات / تشكل الاسطورة.
      وعلاقات القوة والضعف يشكلان فيما بعد حياة الاسطورة كما يشكلان حياة الذات ـ وللاسطورة كما للذات وحضاراتها وعوالمها، حياة تولد فيها الاشكال قوية ثم تشيخ وتموت ومن ثم تولد بشكل اخر، وهكذا دواليك، كما هي اشكال الرسم او العمارة او الموسيقى او الرواية.
      ان الخيال الاسطوري يتسع لاستنفاذ طاقة الباث الحسية عبر تمرد مقصود في كل الصور والاحتمالات والامتدادات الذاتية كما هي في تحولات المجتمعات والحضارات الانسانية، وواحدة من هذه التحولات الكبيرة حدث في عصر النهضة (الاوربية) عندما تولدت اسطورة ووهم وشكل جديد للذات، وهي اشكال العقل ـ بعدما كانت اشكال الوجدان ـ فبدت الاسطورة تتخذ لها تكوينات وصورا تلخص فيه ادوار الانسان وعلاقته الجديدة والمكتشفة مع الكون واشياءه، فالشكل اصبح يتركز بعدولات هذا الاكتشاف او العقل، فالشكل هنا هو العقل وسياقات القوة والسيطرة فيه، ثم في اشكال تنجه الى الذات ووجدانها المنتشي يخلق الاشكال والسيطرة عليها.
فالاسطورة في عصر النهضة اسطورة انتجها العقل التجريبي كما انتجها الانسان المتحرر تواً من قبضة وهم الكنيسة ليترك اشكاله تتغذى من ذلك الوجدان.
      اشكال القوة في الاسطورة الانسانية تتجه دائماً الى التمرد لتتخذ ذلك الوجدان طريقاً لها، ثم فيما بعد تتجه لتكون ثائرة، عدمية، قافزة، رشيقة، لتخلق لها اجواء تدفع خالقيها (الانسان اثناء الخلق واثناء التلقي) الى التمرد، والثورة والعدمية، والمغامرة المستمرة.
الاسطورة المعاصرة ـ المتوهمة ـ تعيش بيننا في شكل براق، وفي ماهية سائلة، دون التمركز في ااا
تكوينات واشكال متمركزة، فالمراكز تتعارض مع سيولة الاشكال وموجوداتها.
اشكال الاسطورة التي نعيشها جزء كبيراً منه نمثله نحن الموهومين بتلك الادوار وهي اشكال ما بعد حداثيته تتحرك في مشاهد سريعة ودنياميكية (حيوية) مختزلة ومتشظية، تستخدم الاسطورة فيه لبناء اشكالها.
      ان الاسطورة ما بعد الحداثية، لا تحاول الظهور بزيها الاول التي ظهرت فيه، بل بزي تشكيلها لماهيات لا تكاد تظهر حتى تختفي في اشكال متواصلة مع الانا، او وجودها الشكلي الخالص، في هيمنة انية على ما سواها.
ان حركة الاشكال داخل الاسطورة في فضاء مفتوح؛ فضاء علاقات الاشكال / فضائات الاسئلة، لا يحتم لها ان تجد تعيينات زمانية او مكانية او حدوداً لها فالشكل في علاقاته وتلقيه وحيويته الانسانية الممتدة في صيرورة وجود الانسان، يتحرك وفق سياقات وجوده حياته نفسها او طاقته المفترضة، وحركته هذه هي التي تخلق حياته، فحياة الاشكال في حركتها، وفي تجاوزها لمنطقة العلاقات والانساق، وعدم ارتباطها بحتمية محدودة. وهذا يتأتى من حجم وكيفيات الاوهام التي خلقت من اجلها الاسطورة.

الأسطورة والفكر
     إن النصوص الكثيرة التي خـلّفها العـقل العـراقي تـُعـد في مجملها نتاج فكري لواقع أهم ما يميزه كونه قــــد صاغ أساطيره، وإتبع منهجا ً واضحا ً من أجل تنظيم الحياة، عـبرالنظر لحـركة الكون والطبيعـة والحياة الإجتماعـية. ولعـل أشهر تلك النصوص، والتي رَشحت القـيّم والأسس الإقتصادية والأخلاقية. ومنها على سبيل المثال : (الحوار بين السيد والعـبد / ولأمجدن رب الحكمة / وحوار في العذاب الإنساني / ثم وصايا أحيقار، إضافة إلى الملاحم والأساطير الأخرى كملحمة (جلجامش / وقصة الخليقة البابلية) .
      لقد أشار تأريخ الأسطورة متمثلا ً في تأريخ الملوك والحقب التأريخية ؛ إلى أن ثمة مواجهات تصدرت فعـالية الإنتاج الفكري الذي تجسد في الملاحم والقوانين والتشريعـات. وهذه المواجهات تجسدت أيضا ً في الدين والسياسة؛ في التوحيد والتفريد والزعـامة للكون، وغـيرها من أ ُسس الحياة ومتطلباتها. فمثلا ً ما واجهه الملك (نبونائيد) آخر ملوك الكلدانيين في العـراق القديم؛ حيث تركزت في الإقصاد والدين. فقد كانت هناك أزمة في هذين الحقلين الحيوين اللذين شكلا عـصبين مهمين في حياة الشعـوب، وليــس في حياة العـراقيين فحسب. فالإقتصاد ورث تعـقيدا ً بسبب تركة الحروب، ثم فقدان سلطة المعـابد. مما ذوب دورها في النهج والسياسة العـسكرية، فيما يخص تغـذيتها ورفدها ماديا ً.
     هذه المشكلة مثلا ً أوجدت بالضرورة ما يتوجب إضفاء السيطرة من خلال إعـطاء الدور الأساسي للقوانين والتشريعـات، سيما إعـادة سلطة المعـابد الإقتصادية. فقد ورث الملك ( نبونائيد) جملة عـمليات إعـمار، إبتدأها(نبوبولاصر) وإبنه (نبوخـذ نصر). مما وفر له فرصة الإضافة الجديدة عـليها.
      ما نخلص إليه هنا يؤكد عـلى أن الأسطورة والدين والقوانين لها مكانتها ودورها فـي صياغـة الحياة وفي صناعـة التأريخ القديم، لأنها نتاج وإبداع الإنسان. فهو الراسم الحقيقي للحياة الفكرية والروحية، وذلك بسبب تمـّاس إهتماماته مع هموم العـصر، وحيويته المنبثقة من حيوية تلك الفعـاليات ذات المساس المباشر بالحاجة. وهي في مجملها هموم كونية وأخلاقية كالموت والخير والشر والأخلاق.  إن هذه الإتجاهات التي أولاها الإنسان في بلاد الرافدين إهتمامه، هي محاولة لفهم الكون وتنظيم نشاطاته من خلال السيطرة عـلى تشكلاته، وإظهار الملامح الأساسية للظواهر الطبيعية والإنسانية.
     ومن الأسس التي تعـامل بها الإنسان القديم في حضارة وادي الرافدين؛ هي اللغـة، بإعـتبارها الوسيلة المهمة والمباشرة في تجسيد مثل هذه الأفكار والنشاطات الحضارية. فإختراع الكتابة يـُعـد أهم محصلة حضارية أبدعـها الإنسان. ومن اللغـة إنبثقت المساحات ألأوسع للتفكير والنهج والأسطورة. وحسب ما ذكر الباحث (ناجح المعـموري) هي نظام لغوي رمزي ، يتسع كثيرا ً لإحتواء معـالم المجال الحضاري الحيوي، عـبر تنوعـاته وإختلافاته، ليوميء إلى ما هو تأريخي وواقعـي.
إن الأسطورة في نهاية المطاف ؛ هي نتاج لغـوي ـ لساني. وبالتالي هي محتوى وشكل يرشح أفكارا ً عـبر الطقسية والشعـائرية. وهي معـين لصناعـة الأفكار من خلال مناحي التجريب والممارسة. ومن نتائج كل هذا نجدها تأخذ دورها التأريخي، بإعـتبارها السجل الأكثر أمانة. خاصة بعـد إختراع الكتابة، حيث دأب العـقل القديم عـلى صياغـة المدونة من الطين، عـلى شكل لقى، سُطرت عـلى أديمها الطري كل الملاحم والشرائع والقوانين. وهي بمثابة الأقراص الصلبة التي تشكل الآن ذاكرة هذا العـصر ومدونته- حسب ماذكر الدكتور نائل حنون في كتابه المعـجم المسماري. لكن الأقراص هذه سرعـان ما تتلف، عـلى العـكس من بقاء اللقى محتفظة عـبر العـصور عـلى ذاكرة عـتيدة. وهذا يعـني أن وراء إبتكارها عـقل كبير وواع ومستقبلي. لقد إحتفظت بتأريخ المدن وسيـّر الملوك والحكام والقادة وأخبارهم . وبهذا وغـيره من النشاطات إكتسبت الأسطورة أهميتها بهذا المحمل الفكري المنتج والمعـبـّر عـن حراكها وسعـة نشاطها، ومن ثم تركيزها.

معنى الأسطورة
      لامناص من الاعتراف من أن اغلب التعريفات تتوفر على مستوى عال من التعميم ، فهناك اعتراف بالطبيعة المتعددة للموضوع كما أن هناك ثمة اتفاق حول عنصر القص (كون الأسطورة حكاية لاعقلانية) أخذت تعني أي قصة مجهولة لمؤلف تتناول الأصول و المصائر والتفسير الذي يقدمه المجتمع لابناءه الشباب عن سبب وجود العالم ونشؤ الكون والمثل وتصرفاتنا الي جانب الصور المجازية التعليمية لطبيعة الإنسان ومصيره على حد تعبير (ويلك). أو يمكن تعريف الأسطورة بانها مركب من القصص البعض منها حقائق دون أدنى ريب والأخر خيال والتي يعتبرها الناس لأسباب مختلفة مظاهر للمعنى الداخلي لحياة البشرية على حد تعبير ( ألن واتس ) ويحدد آخرون مجموعه متعددة من الأسباب تجعلها عديمة المعنى تماما (أن الأسطورة ظاهرة حضارية كونها تنشأ في جمع من الدوافع وتطال كل القدرات العقلية) وهي بهذا كما يراها (ديفيد بدني) غير أن البعض مازال يرغب في توكيد صفة الأسطورة بوصفها لغة خيالية قائمة بذاتها، شكل مستقل من الروح البشرية لها بناء قائم ووظيفته تعبير على حد تعبير (كاسيرر) ووحدة الشعور الأسطوري هي نسق الخيال الذي يستطيع وبشكل مستقل عن الصيغة العلمية لافتراض الذي قد تشكل أساسه أن ينظم بفاعليه طريقتنا في النظر الى أجزاء من العالم الخارجي على وفق الاختلافات الموجودة فيه كما يرى (جوزيف مارغوليس). وهناك شواهد كثيرة تثير مشاكل مختلفة لكن بمقدورنا حتى ضمن تلك التعابير الخاصة في تحليل هذا المعنى التقليدي أن نتلمس الاستخدامات المتداخلة للكلمات مثل الأسطورة الميثولوجيا، الخرافة الحكاية الشعبية، وحتى الحكاية (القصةstory) وتكبر المشكلة في كتاب الأستاذ (كيرك) حول الأسطورة حين يشرع في التميز بين الأسطورة والخرافة استنادا الى القصص القائلة بان الخرافة أو القصة البطولية قد يكون لها شي من الصحة بيد أن من الصعوبة بمكان الدفاع عن هذا الرأي، فآلهة هوميروس قد تنتمي الى الأسطورة وقد تمثل في ملحمة الالياذه الجانب الميتافيزيقي للحكاية الأسطورية البدائية، ألان الحقيقة المؤكدة انه من الصعوبة إنكار كون الأبطال ينتمون الى عالم الأسطورة ويمكننا أن نعتبر أن شخصيات مثل (كونان) و(يوليسيس) (هرقل) بأنه موضوع شعبي متداول، حتى أن وصف (كيرك) نفسه للمواضيع الأكثر شيوعا في الأساطير الإغريقية البطولية بالدرجة الأساس تتصدره الخدع والألغاز مثل (بينلوب) والحلول البارعة للمشكلات يتحسس (كيرك) بتشابك ألماده والطبيعة المتناقضة لعدة مسائل خاصة ويعترف بأنه لا يوجد خط واضح وفاصل بين المصطلحات الأنفة الذكر تعيننا مضطرين تحت تأثيرأي نوع من الضغط لإيجاد نوع من التفريق، ويتضح في أخر المطاف بان السمه المميزة في الأسطورة تكمن في جديتها فكلمة أسطورة تنطوي على التمجيد في حين أن الحكاية الشعبية تظل اقل شانا – من وجهة رأي خاص – وبطبيعة الحال لا يمكن أن نجد معاير لمثل هذا التصنيف إذا ما وضعنا فلمي (السيد) الانتوني مان (كونان البربري) لجون مللير في كفة واحدة.

الأساطير في العالم الحديث
نتساءل في بداية بحثنا، ما هي الأسطورة، في حقيقتها؟‏
الأسطورة، حسب اللغة الدارجة في القرن التاسع عشر، هي كل ما يتعارض مع الواقع. يُعتبر من الأساطير كل ما يقال عن الإنسان غير المنظور. ويعود إلى مجال الأساطير تاريخ العالم الذي ترويه قبائل الزولو أو أنساب الآلهة التي يتحدّث عنها هزيود.‏
هذا الكلام، شأن الكثير من الأقوال المتداولة التي يرددّها أصحاب مذهب الإشراق والمذهب الوضعي هو من بنية ومن منشأ مسيحي. إذ أن بالنسبة للمسيحية الأوّلية، كل ما لا يجد التبرير والتأييد في العهد القديم أو الجديد، هو بطلان وبهتان. إنه من الخرافة والوهم. غير أن دراسات علماء الأعراق البشريّة أرغمتنا على إعادة النظر في ذلك الإرث الذي تناقلناه عن دلالة الأسطورة. وهو من بقايا الهجوم العنيف الذي شنّته المسيحيّة ضد العالم الوثني.‏
وقد أخذنا، أخيراً نعرف ونفهم قيمة الأسطورة مثلما تكوّنت في المجتمعات البدائيّة، وعند أقوام من الأزمنة القديمة، أعني في تجمعّات بشرية شكلت عندها الأسطورة الأساس للحياة الاجتماعية وللثقافة. غير أن أمراً واحدا يشد انتباهنا. منذ البداية وندّل عليه بالقول:‏
في تلك المجتمعات، من المفروض أن تعبرّ الأسطورة عن الحقيقة المطلقة، لأنها تروي تاريخاً مقدّساً، أي تكشف عن وحي يتجاوز حدود البشر، حصل في فجر الزمان الكبير، في زمان البدايات المقدّس، (وفي ذلك الزمان القديم). ولأن الأسطورة واقعيّة ومقدّسة، لهذا غدتْ نموذجاً، وبالتالي قبلت الإعادة والتكرار وباتت القدوة، وراحت، أيضاً، تقدّم التبرير لكل ما يأتي الإنسان من فعل. بتعبير آخر، تدل الأسطورة على تاريخ حقيقي جرتْ أحداثه في بداية الزمان، وتفيد كنموذج لسلوك البشر. إن الإنسان من المجتمعات القديمة، بمحاكاته الأفعال النموذجية التي أتاها إله أو بطل أسطوري، أو ببساطة عندما يروي مغامراتهما، إنّما يفصل ذاته عن الزمان الدنيوي، الخالي من القداسة، ويلتحق، سحريّاً، بالزمان الكبير، الزمان المقدّس.‏
لا شك أن بعض "المشاركات" في عالم الأساطير، وفي الرموز الجمعيّة، ما فتئت تفعل فعلها في العالم الحديث. لكنها بعيدة عن لعب الدور المركزي الذي كان للأسطورة في المجتمعات الغابرة. إن المجتمع الحديث يبدو مجردّاً من الأسطورة إذا ما قارنّاه بمجتمع الأزمنة الماضية. وأكثر من ذلك، يصرّ بعض الباحثين على أن ما يصيب المجتمعات الحديثة من ضيق وقلق، وما تواجه من أزمات إنّما يعود إلى غياب أسطورة خاصة بها.‏  
وعندما أعطى كارل يونغ أحد كتبه عنواناً: "الإنسان الساعي إلى اكتشاف ذاته"، كان يقصد أن العالم الحديث ـ وهو في أزمة منذ القطيعة التي جرت في العمق بينه وبين المسيحيّة ـ إنّما يبحث عن أسطورةٍ جديدة، تتيح له، وحدها، أن يعثر مرةّ أخرى، على ينبوع روحي جديد، أسطورةٍ تردّ له، في الزمن الآتي، القوى الإبداعيّة.‏
هل الأسطورة، باعتبارها نموذجاً مثاليّاً للسلوك البشري، مازالت باقية، في زماننا، بصيغة متدنيّة، قليلاً أو كثيراً؟ للإجابة على ذلك التساؤل نقول:‏
يبدو أن الأسطورة، شأنها شأن الرموز التي تطلقها، لا تختفي أبداً من مجال الفعاليّة النفسيّة، إنما تُبدّل، فقط من ملامحها، وتعمل على تمويه وظائفها. ولعل من المفيد متابعة التحرّي والبحث، ومواصلة الكشف عن التمويه الذي يلحق بالأساطير على الصعيد الاجتماعي.‏
هاكم مثالاً على ذلك: من الواضح أن بعض الأعياد، في العالم الحديث، الدنيوية، البعيدة عن أجواء القداسة، مازالت تحتفظ بالبنية وبالوظيفة الأسطورية. نشير في هذا السياق إلى المسرّات التي تملأ القلوب عند قدوم رأس السنة، أو الأفراح التي تعقب ولادة طفل، أو عند بناء بيت، أو حتى عند الإقامة في منزل جديد. وكلها تكشف عن الحاجة إلى بداية مطلقة يحس بها المرء إحساساً غامضاً، وإلى أن يبدأ حياة جديدة أي إلى أن ينبعث انبعاثاً شاملاً.‏
الأسطورة في العصر الجاهلي
المعنى العربي لكلمة أسطورة:
الأساطير هي الأحاديث التي تفتقر إلى النظام ، وهي جمع الجمع للسطر الذي كتبه الأولون من الأباطيل والأحاديث العجيبة ، وسطر تسطيرا تعني أنه ألف وأتى بالأساطير . والأسطورة هي الأقوال المزخرفة المنمقة ، واستخدمت كلمة الأساطير في القرآن الكريم لتعني الأحاديث المتعلقة بالقدماء " قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ، إن هذا إلا أساطير الأولين " أي مما سطروا من أعاجيب الأحاديث وكذبها . وفي القرآن الكريم " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا " . أما الخرافة فهي من خرف أي فسد عقله ، والخرافة هي الموضوعة من حديث الليل المستملح ، و( خرافة ) اسم رجل من قبيلة عذرة ، استهوته الجن فكان يحكي ما رآه ، فكذبوه ، وقالوا : ( حديث خرافة ) ، أو( حديث مستملح كذب ) ، ولم تذكر هذه الكلمة في القرآن الكريم ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها : قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : حدثيني . قالت : ما أحدثك حديث خرافة . أما الشاعر العربي الجاهلي فربط بين المدلول الغيبي للكلمة ، ومعناها اللغوي ، قال :
حياة ثم موت ثم نشر         حديث خرافة يا أم عمرو
الأساطير عند عرب الجاهلية:
خلط الجاهليون معنى الدهر بالقضاء والقدر وتطورت هذه العقيدة حتى خضعوا لسلطان ( مناة وعوض ) ، وهي أصنام تعني الدهر ، فصار الدهر إلها من آلهة العرب ، وكانت غايتهم الخلود . وفي الأساطير العربية أن الملك ذو القرنين طمح إلى الخلود ، ووصل مع الخضر إلى عين االدهر ، يشرب منها الماء الذي يعطيه حياة أبدية ، لكنه منع من ذلك ، وطمح لقمان بن عاد إلى الخلود ، وارتبط خلوده ببقاء سبعة نسور على قيد الحياة آخر نسر اسمه ( لبد) ويعني الدهر ، لكن النسور ماتت واحدا تلو الآخر حتى جاء دور لبد الذي مات وانتهت حياة لقمان بموته .
كان خيال الجاهليين قادرا على توليد الأسطورة والخرافة بشكل تصوري ، فقد تصوروا الأشياء ، واسترجعوا التجارب وركبوا صورهم الشعرية المادية المحسوسة ، وتصورهم السمعي هام يظهر في الأساطير العربية ، وفكرتهم عن الأشياء الروحية تأخذ تصورا ماديا ، فقد تصوروا الروح في شكل الهامة ، والعمر الطويل في شكل النسر ، والشجاعة في شكل الأسد ، والأمانة في الكلب ، والصبر في الحمار ، والمكر والدهاء في الثعلب
عرفت بعض مظاهر الطوطمية عند الجاهليين ، وهي تقديس الحيوان ويكون هو الطوطم ، وهناك قبائل تسمت بأسماء الحيوان ، مثل بني كلب ، وبني نعامة ، وظنوا أن الحيوان يحميهم كما يحمي الطوطم أهله ، وكانوا يكفنون الحيوان ويدفنونه مثل الإنسان ، ويحزنون عليه ، وتفاءلوا بالطير ، ونباح الكلاب على مجيء الضيوف ، وتشاءموا من الثور مكسور القرن ، والغراب ، فقيل : " أشأم من غراب البين " ، وعبدوا الشاة ، وغيرها من الحيوانات ، ولم يكن هناك حيوان مخصص لقبيلة بعينها . وتظهر الفكرة الطوطمية في تصور الجن حيث اعتقدوا أنهم خلقوا من بيضة ، وأنهم من نسل الحيوان ، وكذلك الغيلان والسعالى والهوام ، حسب قول المسعودي في " مروج الذهب " ، وتطورت فكرة الجن بحيث إذا تحولت السعلاة إلى صورة امرأة تبقى رجلاها مثل رجلي الحمار أو العنزة . ونسبوا الأفراد والقبائل إلى نسل الجن ، وقيل إن بلقيس ملكة سبأ وذي القرنين من أولاد الجن ، وكان الجن يمثلون قوة الشر التي يقاومها شجعان القبيلة مثل تأبط شرا ، ولم تكن الجن طوطما ولا أبا للعرب لأنهم خافوا منها .
وفي الأساطير العربية يمسخ الإنسان حجرا أو شجرا أو حيوانا ، جاء في ( عجائب المخلوقات) للقز ويني أن الصفا والمروة كانتا رجلا وامرأة ثم مسخا صخرتين ، وفي (حياة الحيوان) للدميري ورد أن أساف ونائلة كانا رجلا وامرأة فصارا صنمين ، وجاء في ( أخبار مكة) للأزرقي أن العربي لم يأكل الضب لأنه كان بظنه شخصا إسرائيليا مسخ ، وقال المقريزي في ( أخبار وادي حضرموت العجيبة) إنه كان بوادي حضرموت على مسيرة يومين من نجد قوم يقال لهم الصيعر يسكنون القفر في أودية ، وفرقة منهم تنقلب ذئابا ضارية أيام القحط ، وإذا أراد أحدهم أن يخرج إلى هيئة الإنسان تمرغ بالأرض ، وإذا به يرجع إنسانا سويا . واختلفوا في رؤيتهم للمسخ ، بعضهم زعم أن المسخ لا يتناسل ، ولا يبقى ، وبعضهم زعم إنه يبقى ويتناسل ، حتى جعلوا الضب والأرانب والكلاب من أولاد تلك الأمم التي مسخت في تلك الصور كما جاء في كتاب ( الحيوان) للجاحظ
ومن معتقدات الجاهليين أن الجبال تؤثر في الإنسان ، فجبل أبي قبيس يزيل وجع الرأس ، وجبل خودقور يعلم السحر . واعتبروا شجرة النخيل من أقربائهم ، وتصوروا أنها تشبه الإنسان ، وكان الجاهلي يجعل شجرة ( الرتم ) حارسا على زوجته أثناء غيابه ، وقد قدسوا الأشجار وعبدوها ، فكانت طوطما ، ورأوا روح الشر في بعضها مثل ( الحماطة ) وهي شجرة تشبه شجرة التين ، وعبد العرب كل ما يتعلق بالأشجار من أغصان وجذور وقشور ، وعبدوا العظم والريش والناب والمخلب والحافر والسن والظفر والحجر ، وقدموا لها القرابين ، واتخذوها تميمة تحميهم ، وكانوا يعلقون على الصبي سن ثعلب وسن هرة خوفا من الخطف والنظرة . وعبدوا النار وكانوا يرونها في الأشجار ، وبطون الأحجار ، والجبال...
....................................................
1- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
2- أ.م.د . كاظم نوير، كلية الفنون الجميلة /جامعة بابل، مجلة الجندول

الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

التحليل الأسلوبي للخطاب السردي ـ تحليل قصة الانقلاب للقاص أحمد خوضر ـ بحث أكاديمي تحت إشراف الدكتور محمد الأمين شيخة

                                                       مدخل:
     إن قصة الانقلاب لأحمد خوضر· قصة جزائرية معاصرة, تمثل نصّاً أدبيا قابلاً للتحليل, ولمَّا كان النص الأدبي في أقصى تجل معنوي, له دلالة أيديولوجية, وأنّ أي إنجاز أدبي لابد له من أن يضع في حسبانه الإبداعي الدلالة منذ بداية التخطيط لإنجازه, وهذا يعني أن النص يحمل في طياته وظيفة يرمي إليها وغالبا ما نجد الصيغة الإيديولوجية هي التي تسيطر على وظيفة العمل الأدبي مع عدم إغفال الوظائف الأخرى التي تقتني بالنزوع نحو فنية الإبداع ولعل المؤلف هنا كان يهدف إلى فك عقدة اجتماعية, أو إبراز وإظهار مشكلة اجتماعية ومحاولة حلّها, فهو هنا يتحدث عن تغيّر طبائع الناس من الحسنة إلى السيئة, يتحدث عن أناس فقدوا الروح والبهجة غابت عن حياتهم, أخذتهم الدنيا ومشاغلها, وغيّر المال طبائعهم, فهذا العمل الأدبي (القصصي) هو موازاة إبداعية فنية تخيلية للواقع موازاة فاعلة, بمعنى أنها لا تقتضي على النقل الواقعي التوثيقي, لكنها حاولت أن تطمح إلى خلق واقع بديل, وأن تنزع إلى البحث في مآزق العالم, وهذا هو دأب الروايات والقصص من قدرتها على عرض مجموعة من مآزق الإنسان ومعالجتها معالجة توازيها في المستوى الإشكالي, وهذا ما كان في هذه القصة, حيث هدف القاص من وراء سرد قصّة المصوّر البائس ـ إن صح هذا الوصف ـ تصوير واقع الناس في هذا العصر حيث اختلطت المفاهيم وفسدت الأخلاق, وشاع بين الناس الفساد وقلّ التعامل بالمودة والاحترام بينهم, سنتبع في تحليل هذه القصة خطاطة مكونات الخطاب السردي التي أسردها "نور الدين السد" في كتابه (الأسلوبية وتحليل الخطاب), محاولين بذلك إبراز كل العناصر الموجودة فيها وإسقاطها ولو بشكل نسبي على نسيج القصة.
                                                          
                                                                 زمن القصة (يخضع للتابع المنطقي)
                         الزمن – النظام  الزمني                                                                  الاستشراقي
                                                             زمن السرد (متنوع)                          الاستذكاري                                                                                               
                                                                                                              الايجاز
                                                      الحيز المكاني          مغلق                                 الحذف
                          الفضاء                       الحيز النصي          مفتوح                              التوقف
                                                         الحيز الدلالي                                                المشهد
                                                                           الحركة
                                            طبيعيته                             الاستقرار
                         الوصف                                                    جمالية      
                                    وظائفه                              توضيحية          ما يخبر به الراوي                       
                                                            مصادر تحديدها                  ما تخبر به عن نفسها    
                          الشخصية الحكائية                                                    ما يستنتجه القارئ من النص
مربع نص: مكونات الخطاب السردي وأساليبه                                                            النموذج العاملي                        المرسل
                                                                                                 المرسل إليه
                                                                                                    الذات
                                                                                                   الموضوع
                                                                                                     المساعد
تتعدد أساليبه بتعدد
الشخصيات المتحاورة
 
                            خارجي                                                                   المعارض 
                          الحوار 
                          داخلي


                                                          سرد موضوعي رؤية موضوعية غير محايدة
                                                             سرد ذاتي رؤية ذاتية
        الرؤية السردية                                    الراوي> الشخصية الحكائية (الرؤية من خلف أو من الداخل)
                                                             الراوي = الشخصية الحكائية (الرؤية مع)
                                                             الراوي< الشخصية الحكائية (الرؤية من الأمام أو الخارج)

ـ خطاطة مكونات الخطاب السردي ـ
- وننطلق في هذا التحليل من الاستهلال.
أ- الاستهلال: ونعني به الافتتاح, أو الانطلاقة الأولى في بداية العمل الأدبي (القصصي هنا).  
     ونلاحظ هنا أن الراوي "أحمد خوضر" قد استهل قصته (الانقلاب) بوصف الحالة النفسية للمسرود حيث يظهر ذلك في بداية القصة « كان يشعر بتوتر شديد »[1], ثمّ انتقل إلى وصف المكان في قوله: « ساحة الحديقة»[2].
     - يعتبر هذا الاستهلال, استهلال مفتوح لأنه دخل في أحداث القصة مباشرة دون التمهيد لها, وهو غامض أيضاً وذلك للفت انتباه القارئ لتتبع أحداث القصة, ولقد قام بذكر الشخوص التي تراود هذه الساحة حيث ذكر في المتن: « كانت المكان الوحيد الذي يجد فيها المرهق والمنهار وحتّى المجانين »[3], الكل يتخذ منها مرتعا للراحة.
     - انبنى الاستهلال على وصف الحالة النفسية: توصيفاً مباشراً, وجاء على لسان الراوي حيث وصف الحالة بكل دقة, قال: « توتر شديد [...] أنه سينفجر »[4], وهناك أيضا توصيف ضمني جاد من خلال وصف السارد للحالة الداخلية والتوتر المتضاد للمسرود, ولقد كانت الافتتاحية في "الانقلاب" بموضوعة سيكولوجية, كانت مطلقة في الألفاظ التالية: « توتر, انفجار, ألم, كدر... », وهذه الانفعالات تُعَدُّ رؤية حادة متوترة قاهرة تطالعنا بوهج نفسي يصدر عن شخصية البطل.
     استهل "أحمد خوضر" قصة الانقلاب التي كان السرد في بدايتها بضمير الـ "هو" وهو يمثل الآخر لأن عملية السرد تنبني على سرد الآخر للآخر وهذا ما جعل ثنائية الأنا والآخر غائبة بشكل يبدو كاملا عن المشهد الظاهري لسيرورة "قصة الانقلاب" ولقد استخدم الزمن الماضي للسرد فـ : الـ "هو" هي نفسها ضمير أنا للكاتب وبسبب بروز الزمن الماضي بشكل واضح, يظهر ذلك من خلال قول "أحمد خوضر": «كان كلّما نظّف جزءًا ازدادت قناعته أنه أخطأ حين ترك صاحب الشاحنة يمضي دون عقاب »[5].  
     ويظهر ذلك متجليًا في الشكل التالي الذي يوضّح سيرورة الضمائر في قصة الانقلاب:

                                                              الأنا (ترى هل سأجد زبونا...)    
                                (كان أمر خسارتها)
شكل بيضوي: هو السارد
والمسرود                           تمثل قفزة أو استرجاع زمني
                       
(بداية القصة) الـ (هو)المسرود                                                                          (لم يكن في الماضي)                             
                                            الماضي متدفق إلى الحاضر                                                                              
 
     وأحيانا كثيرة يشكل استعمال الـ "هو" في السرد مأزقاً أو ما يشبه المأزق في إطار ضمور ثنائية الأنا والآخر.
ب- البنية الزمنية:
      لقد احتلت ظاهرة الزمن في القص والرواية حيِّزاً كبيرا في النقد العربي الحديث كونها تقنية من التقنيات التي يلجأ إليها الروائيون للتلاعب الزمني الروائي أو القصصي وقد استفاد النقد العربي في دراسة هذه الظاهرة من أعمال "جيرار جنيت"وجان ريكاردو وفيليب هامون[6]وغيرهم, وتعتمد دراسة النظام الزمني في النص الروائي على المقارنة بين ترتيب الأحداث في السرد وترتيب تتابع هذه الأحداث في الزمن الروائي.
     إنّ البنية الزمنية في القصة تمثل بالنسبة إلى الروائي أداة يمكن استعمالها للتوصيل أو إيحاء وهو بالنسبة إلينا نافذة يمكن أن نطلّ منها على القصة وعلى مشكلاتها وقضاياها[7], ونجد أنه ليس من الضروري أن يتطابق تتابع الأحداث في رواية أو قصة ما, مع الترتيب الطبيعي لأحداثها, فحتى بالنسبة للروايات التي تحترم هذا الترتيب, فإن الوقائع التي تحدث في زمن واحد لابدّ أن ترتِّب في البناء الروائي (القصصي) تتابعيا, لأن طبيعة الكتابة تفرض ذلك مادام الراوي (القاص) لا يستطيع أبداً أن يروي عددا من الوقائع في آن واحد وبهذا يمكننا دائما أن نميّز بين زمنين في كل رواية: زمن السرد وزمن القصة وهناك من أطلق عليه زمن الوقائع, وزمن القصّ[8].
- فزمن القصة (الوقائع): زمن ما تحكي عنه الرواية, ينفتح في اتجاه الماضي فيروي أحداثاً ذاتية أو أحداثا ذاتية للشخصية الروائية, وهو بهذا له صفة الموضوعية, وله قدرة الإبهام الحقيقية, كما يخضع زمن القصة بالضرورة للتتابع المنطقي للأحداث, حيث قدمت لنا "قصة الانقلاب" الزمن بدقة وذلك بعلاقته بالمكان والشخصيات وطريقة انتظام الأحداث القصصية, فالقصة تحدد بدقة المسافة التي قطعها "البطل المصوّر" منذ خروجه من منزله إلى عودته له.  
- أمّا زمن السرد القصصي (القصّ): فهو زمن الحاضر الروائي أو الزمن الذي ينهض فيه السرد وهذا الزمن لا يتقيد بالتتابع المنطقي للأحداث ويكون متنوعاً, والعلاقة بين هذين الزمنين هي علاقة فنية خاضعة لنسق الرواية والطبيعة السردية, ويرى "سعيد يقطين" أن زمن القصة صرفي وزمن الخطاب أو (السرد) نحوي[9].
     وقد خضعت الأحداث التي تشكلت منها القصة إلى علاقات زمنية متعددة منها:
1- التسلسل والترابط: حيث هيمنت هاتان العلاقتان على طبيعة التماسك بين أحداث القصة فقد تمّ الربط مثلا بين: « كان يشعر بتوتر شديد, وأنه سينفجر بين لحظة وأخرى »[10] وبين « تقدّم من كرسي هناك وجلس »[11], حيث كان "البطل" يعاني من أزمة نفسية حادّة يسودها التوتر فكان من الطبيعي أن يتجه إلى أقرب مكان يشعره بالراحة, فكان هذا الكرسي منبعا للهدوء.
     كما تجلت علاقة التسلسل في أحداث القصة بشكل واضح منذ بدانيتها إلى نهايتها, مثاله: « اقتنع أن ما هو مقبل على فعله هو عين العقل... وبينما كان يلتفت شاردا جلب انتباهه ومن بعيد... »[12].
     وقد تنوع زمن السرد في هذه القصة, وتعدد بين الزمن الماضي والحاضر, فنجد من                    الزمن " الاستشرافي"  أو الاستشراقي: وهو الاستباق في الزمن, للدلالة على كل مقطع حكائي يروي أو يثير أحداثاً سابقة عن أوانها, أو يمكن توقع حدوثها, أي القفز على فترة ما من زمن القصة أي أن يورد حدثا قبل أن يقع من باب الاستشراف والتوقع, فيصوغه صياغة الحدث الذي تمّ انجازه وانقضاؤه ونجده في هذه القصة في قول الراوي على لسان بطله: « أكيد أنها قد تورطت معه في أمرٍ ما وأكيد أنها استغفلت الجميع عندما تخلّفت دراستها وخادعت أهلها وضربت لهذا الشاب موعداً قرب المسجد, إنه موقف مغري, سأفضحهما بالألوان »[13].    
     ونجد أيضا الزمن الاستذكاري أو الاستباق وقد أورده "محمد بنسعيد" بـ: "الإرجاع" وعرّفه بما يلي: «استرجاع حدث سابق عن الحدث الذي يحكى », ومن الناحية السردية, فإن ما يقوم به السارد هو تجميد الزمن الحاضر, والرجوع إلى لحظة زمنية هي في الأصل لا تنسجم مع منطق الحكى بالضوابط والمقاييس التي وضعها السارد الفعلي[14].
      والإرجاع لا يكون إلا استجابة لرغبة عارضة يتطلبها منطق الحكي بوجه من الوجوه وهنا ينبغي التنبيه إلى فرق جوهري بين مفهومين متقاربين الاسترجاع والإرجاع, وهما مصطلحان ليسا متوازيان في المعنى: الاسترجاع: يتعلق بلحظة الوعي التي يسترجع فيها السارد الحدث الماضي لغرض يخدم الهدف الأعلى  بالنسبة له وهو منطق الحكي, ويحلل الاسترجاع باعتباره عنصراً "لغويا", أما الإرجاع: يتعلق بحالة تحدث بدون رغبة السارد, يفرضها منطق الشخصيات المرافقة, لا منطق الحكي ولا إرادة السارد[15].
     ونجد في قصة "الانقلاب" استرجاع البطل لذكريات ماضيه ولحالته أيام الشباب في قوله: « لم يكن يراها مجرّد قطعة خرساء يلتقط بها رزقه من هنا وهناك [...] وكانت ذكرى غالية عن عهده الذهبي المتواري»[16].
« ... كانت آلة تصويره تلك شاهداً على الكثير من لحظات طيشه وجونه أيام الشباب, عندما كان وصحبه لا همّ لهم سوى الجري وراء نزواتهم في البحر والبرّ وكانوا [...] »[17].
     ممّا تجدر الإشارة إليه هنا, أنّ هذا الزمن الاستذكاري يؤدي وظائف في هذه القصة حيث قام بإعطائه معلومات عن ماضي شخصية البطل وحالته التي كان عليها, قبل أن يغمره الكدر والتوتر, وهو ما يمثل استذكارا خارجيا ويمكن أن يؤدي السرد الاستذكاري أيضاًَ إلى سدّ ثغرة حصلت في النص القصصي, أي استدراك متأخر لإسقاط سابق مؤقت أو تذكير بأحداث ماضيه وقع إيرادها فيما سبق من السرد.
     قد يتطلب الزمن المحكي الإيجاز والحذف والإضمار والتوقف, وهي تقنيات سردية يعتمدها القاص في عملِه الروائي أو القصصي وقد تضمّنتها قصتنا هذه نظراً لسرعة أحداثها, وقصرها ووحدة موضوعها.
     فزمن الإيجاز أو المجمل مثلاً هو عملية سردية يمكن تسميتها بالملخص Résume, وهو سرد أيام عديدة أو شهور أو سنوات من حياة شخصية بدون تفصيل للأفعال أو الأقوال, وذلك في بضعة أسطر أو فقرات قليلة, ويكون الإيجاز أو المجمل أسلوبا غير مباشر, وهو لغة أساسية في السرد القصصي لأنه وسيلة إلى التنقل بسرعة عبر الزمن, فيتم بذلك سرد الأحداث بسرعة كلامية, يختصر أياماً أو شهوراً أو سنوات دون تفصيل أحداثها أو الالتفات إلى حرفية الحوار فيها[18].
     ويظهر لنا هنا من خلال سرده عن ماضيه وأيامه الخوالي, أيام شبابه وزمالته والصحبة والطيش: « كانت آلة تصويره... لم يكن أبداً ناقماً », « تسارعت الأيام به... الذي آل إليه »[19].
    ويمكن التنبيه إلى نوعي الإيجاز فمنه الإيجاز القريب يختصر حوارا أو حدثاً قريباً ولا ينقل كلام الشخصيات بحرفيته بل ينقل مجمل ما قالوه لذلك تأتي مسافة السرد أقصر من زمن الرواية, وهذا ما حدث هنا, أما الإيجاز البعيد يختصر أحداثا ويطول امتداده الزمني[20].
     - ونجد أيضا تقنية زمن القطع أو الحذف، وهو نوع من الإيجاز السريع لزمن السرد ويكون القطع أو الحذف محددا وغير ومحدد، أي أنه يحتل مسافة قصيرة جداً من السرد، فهو يتجاوز فترة زمنية دون الإشارة إلى الوقائع التي حدثت فيها ، ويكون ذلك عادة باستغلال فضاء النص حيث يترك المبدع بياضا في الصفحة أو ينتقل من صفحة لأخرى أو قد يكتفي بوضع نقطة مع الانتقال إلى السطر على أنه قد يشير إلى ذلك بعبارات مقتضية تحدد الزمن المنصرم دون أن يشير أبدا إلى الوقائع التي حدثت وقد ورد القطع أو الحذف في الانقلاب بنوعيه:
1- القطع الصريح غير المحدد: ذكر ستة مرات ونمثل لها بالجملة التالية من المتن: «كان يشعر بتوتر شديد وأنه سينفجر بين لحظة وأخرى... »[21]. 
2- القطع الصرح المحدد: ذكر خمسة مرات ونمثل له بمايلي: «تسارعت الأيام به ولم ينصت إلى عجلة الزمان وهي تطوي السنين... »[22].
     وتبرز خاصية زمن التوقف: وتشمل على عنصرين هامين يحددان تقنيته وهما الوصف الذاتي والموضوعي.
ج- الفضاء (البنية المكانية):
      إن الدراسة العلمية التي التزم الأدباء والنقاد بها في دراستهم للخطاب السردي عموما وللخطاب القصصي خصوصا هي إدراج الفضاء ضمن الوصف لكنّنا في دراستنا هذه لـِ: "قصة الانقلاب" سنتعرض لدراسة الفضاء منفردا.
     إن الدراسة التي أجراها "حميد الحمداني" في كتابه (بنية النص السردي) أفرزت ما يلي:
     المقصود بالفضاء الحكي وجلُّ الدراسات الموجودة حول هذا الموضوع لا تقدِّم مفهوما واحدا واضحا للفضاء بل أكثرها ما يقدِّم تصوّرين أو ثلاثة[23], سنحاول أخذ بعض الآراء حتى نزيل بعض الغموض عن هذا المفهوم.
I- الفضاء: الفضاء الروائي: بعض النقاد يجعل من الفضاء الروائي المكان والزمان المتضمن في الرواية بالإضافة إلى العلاقات التي تحكم الزمان والمكان بصفة عامة، ويقصد به جميع محددات العمل الروائي من مكان وزمان وشخصيات وقوى وبنيات والعلاقة المتحكمة فيها[24].
- لقد قسم – د. حميد لحمداني الفضاء إلى ما يلي:
1- الفضاء كمعادل للمكان: الحيز المكاني[25]:
   يقول فيه بنسعيد: أنه مساحة الحكي الذي يشغله ويعطيه الحكي المباشر من رقعة الرواية ويقاس نسبة لعناصر أخرى، كالوصف، التضمين، التناص.
   أما حميد لحمداني[26]: الفضاء كمعادل للمكان، ويفهم الفضاء من هذا التصور على أنه الحيز المكاني في الرواية أو الحكي عامة ويطلق عليه عادة الفضاء الجغرافي (L'espace geographique ( فالراوي مثلا في نظر البعض. "يقدم دائما حداً أدنى من الإشارات الجغرافية" التي تشكل فقط نقطة انطلاق من أجل تحريك خيال القارئ أو من أجل تحقيق استكشافات منهجية للأماكن .
     - نخلص هنا أن الفضاء معادل لمفهوم المكان في الرواية أو القصة ويقصد به ذلك المكان الذي تصوره قصتنا المتخيّلة.   
     - لقد تحدثت "جوليا كريستيفا" عن الفضاء الجغرافي وأقرّت بأنّه ليس منفصلا عن دلالته الحضارية، فهو إذا يتشكل من خلال العالم القصصي يحمل معه جميع الدلالات الملازمة له والتي تكون عادة مرتبطة بعصر من العصور حيث تسود ثقافة معينة أو رؤية خاصة للعالم وقد أطلقت عليه تسمية "اديوليجيم العصر" وهو الطابع الثقافي العام الغالب في عصر من العصور ولذلك ينبغي للفضاء الروائي أن يدرس دائما في تناصيته، أي في علاقته مع النصوص المتعددة لعصر ما أو حقبة تاريخية  محددة، وعلى حسب رأي جوليا يمكن أن نمثل للفضاء (الحيز المكاني) في قصتنا الانقلاب على النحو التالي:

شكل بيضوي: النارشكل بيضوي: الجنة        
  السماء    
 
                                                                                                                        بعـــد
                                                                                                      عمـودي                                       

                                                               
شكل بيضوي: بقية
الشوارعشكل بيضوي: الحديقة
الساحة
                                        الأماكن
                         
                                      والشوارع
 
         
 الأرض            

 

                                                    بعـــــد أفقـــــي

    - ونستنتج من خلال المخطط بأن عصر بطل القصة اختفى فيه البعد العمودي وحلَّ محلّه الكتب المقدسة (قرآن كريم...) وأنّه ليس هناك سوى اتجاه واحد للحركة هو البعد الأفقي حيث أنه ابتدأ بالحركة من منزله الذي يمثل نقطة استقرار مبدئية أو الانطلاق أو نقطة الصفر أي تمثل جزئية خفيفة جداً تتمحور بين التذبذب والاستقرار إلى "الحديقة" التي هي نقطة الراحة أو منبع الاستقرار النفسي والداخلي وهي ذلك المكان الذي يقع بعيدا جداً وراء الأفق وبالرغم من موقعها وسط المدينة إلا أن البعد يمثل الجفاء النفسي الداخلي فالبعد هنا بعد سيكولوجي داخلي وهذه الحديقة بساحتها الواسعة هي مرتع لكل المضطهدين والمظلومين وهي تعتبر لهم بوصفها الجنة الصغيرة الهادئة التي يهربون إليها من ضوضاء المدينة.
     وتمثل الحديقة أيضا منبع أو مركز البحث عن الخلاص بامتدادها واستقرارها واخضرارها هي بؤرة الراحة والطمأنينة ومكان الهروب من تصادم المشاكل وكل تفاصيلها لها من الدلالات ما يملئ الأوراق والأهم فيها الكرسي الذي يمثل ذروة النسيان لأعباء المجتمع وكل من يجلس فيه هو سعيد الحظ لأنه هيهات ما يكون خالٍ من الجالسين عليه .....
    أما الحديث عن بقية الأماكن الأخرى سنجري لها رصد مجمل على حسب ورودها بالتسلسل حسب أحداث القصة:
1- الطريق القريب من الحديقة      (مشهد صاحب الشاحنة والرّاوي) صورة مصغرة عن الفوضى الحاصلة داخل المجتمع وهذه الفوضى التي هرب منها الرّاوي (الذي هو المصوّر) قد لحقت به حتى داخل مكانه الهادئ ونغست عليه لحظة سكونه بالرغم من وجود الحائط الذي هو الدرع الفاصل بين الداخل (الهدوء) والخارج (الضوضاء).
2- الانتقال من الكرسي الحجري (مليء بالغضب الذي نتج عن مشاجرته مع صاحب الشاحنة) إلى وسط السوق (يبحث هو عن الزبائن) انقلب الوضع في الماضي كان الزبائن يبحثون عنه أما الآن فهو من يبحث عنهم.
3- أماكن كانت عاملة في ماضيه، يؤدي صور: أ- قرب الحديقة، ب- نصب "ستروين".
4- الشارع الضيق حيث محلات ألبسة النساء، قرب المسجد (يشير هنا إلى التناقض الموجود في أن موعد الفتاة مع الشاب قرب المسجد).
5- سار مجددا إلى ساحة الحديقة (عودة إلى منبع الراحة تحت ضلال أشجار الحديقة).
6- سور الحديقة: حدث غير طبيعي سطى عليه بعض الفتية من بينهم ابن رئيس لجنة الحي بهدف إفساد الزرع الموجود في ساحة الحديقة.
7- تحرك تاركا الساحة إلى شطر من الطريق (سمع الفتاة تركض خلفه) وهنا استوقفته.
8- وصل إلى الحي العتيق، كان في طريقه إلى المنزل، استوقفه منظر الفتية وهم يتبادلون شيئا ما فقام بأخذ صورة لهم.
    - من الملاحظ أن الكاتب وقع في ازدواج مهمة الأماكن، فمكان واحد يكون للفضيلة والرذيلة على السواء مثال ذلك ساحة الحديقة كانت مكان الراحة ثم شُحِن واتجه للعمل فهي منبع للراحة والعمل في آن واحد، كذلك المسجد فهو في الأصل مكان العبادة وأضاف إلى أن الانحراف وقع أمامه أو قربه.
     - نستنتج أن ما أتت به الناقدة "جوليا كريستيفا": تدخل المدلول الثقافي ضمن تصور المكان, وهذا ظاهر بوضوح على الأماكن الواردة في القصة لأنها دالة على ثقافة البطل.   
II- الفضاء النصي: (الحيز النصي)[27]:
    ويقصد به الحيز الذي تشغله الكتابة ذاتها، باعتبارها أحرف طباعية على مساحة الورق، ويشمل ذلك طريقة تصميم الغلاف، ووضع المطالع، وتنظيم الفصول وتغيرات الكتابة المطبعية وتشكيل العناوين وغيرها،          ولقد كان اهتمام "ميشال بوتر" [M Buttor] بهذا الفضاء كبيرا، وهو لم يحصر اهتمامه في الرواية وحدها، وإنما نظر إلى فضاء النص بالنسبة لأي مُؤَلِّفٍ كان.
     - إن الفضاء النصِّي ليس له ارتباط كبير بمضمون الحكي، إذ أنه يحدد أحيانا طبيعة تعامل القارئ مع النص الروائي أو الحكائي عموما، وقد يُوَجَّهُ القارئ إلى فَهْمٍ خاص للعمل وهو أيضا فضاء مكاني لأنه لا يتشكل إلا عبر المساحة، مساحة الكتاب وأبعاده مكان تتحرك فيه – على الأصح – عين القارئ هو إذن بكل بساطة فضاء الكتابة الروائية باعتبارها طباعة.
     - لقد تطرق ميشال إلى أنواع الكتابة ( الأفقية - العمودية - التأطير- البياض - ألواح الكتابة - التشكيل التيبوغرافي - التشكيل وعلاقته بالنص).
     - لقد كانت الكتابة بخط أفقي في قصة الانقلاب وهي عبارة عن استغلال الصفحة بشكل عادي بواسطة كتابة أفقية تبتدئ من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولقد شغلت القصة أربعة عشرة صفحة من الكتاب ولم تكن الصفحات مكتظة جداً بالأسطر، ولقد افتتحها الكاتب بترك فراغ أبيض كبير وهو ما يدعى بالبياض وهو يعلن عادة عن نهاية فصل أو نقطة محددة في الزمان والمكان إلا أن الكاتب هنا افتتح به القصة.
    - هناك فراغ كبير ثم ابتدأ القصة ب: « كان يشعر  بتوتر...  »[28], وقد كان يفصل بين اللقطات بإشارة دالة على الانقطاع الحدثي والزماني كأن توضع في البياض فاصل ختمات ثلاث كالتالي: مثال في قوله: «ترى هل سأجد زبوناً.... وفي هذه الساعة؟»[29] وكذلك في قوله: « صورة ... صورة ... صورة »[30]. 
وأيضا: أ- « - آه ... لو سنوا بينهم عرف، لما غرفت من أين تبدأ ... ولغدوت بين عشية »[31].
     - وهي توضح على أن البياض يمكن أن يتخلل الكتابة ذاتها للتعبير عن أشياء محذوفة أو سكوت عنها داخل الأسطر ويتوضح ذلك جلياً في المثال - أ- فإن الكاتب قد سكت متعمدا عم قول شيء ما الأكيد أنه أراد أن يحتفظ به لنفسه والأمثلة من هذا كثيرة داخل القصة.   
     - إن قصة "الانقلاب" جاءت خيالية من ألواح الكتابة فالنص القصصي جاء على لغة واحدة وهي اللغة العربية, وكذلك جاءت خالية من التشكيل ما عدا الشدّة الدالة على التضعيف في بعض الكلمات
III- الحيز الدلالي: (الفضاء الدلالي)[32]:
     يشير له "جيرار جنيت" على أنه فضاء من نوع آخر له صلة بالصور المجازية وما لها أبعاد دلالية ويَشْرَحُ طبيعة هذا الفضاء على الشكل التالي:
    إن لغة الأدب بشكل عام لا تقوم بوظيفتها بطريقة بسيطة إلا نادراً، فليس للتعبير الأدبي معنى واحد، إنه لا ينقطع على أن يتضاعف، ويتعدد، إذ يمكن لكلمة واحة أن تحمل معنيين تقول البلاغة عن أحدهما بأنه حقيقي، وعن الآخر بأنه مجازي, ومنه فإن هناك فضاء دلالي يتأسس من المدلول الحقيقي.
     - يعتبر "جنيت" كذلك بأن هذا الفضاء (الحيز الدلالي) ليس شيئا آخر سوى ما ندعوه عادة (صورة Fugure ) ويقول أيضاً: « إن الصورة هي في الوقت نفسه الشكل الذي يتخذه الفضاء وهي الشيء الذي تَهِبُ اللغة نفسها له بل إنها رَمْزُ فضائية اللغة الأدبية في علاقتها مع المعنى ».
- إن هذا الفضاء ليس له في الواقع مجال مكاني ملموس لأنه مجرّد مسألة معنوية ونمثل لذلك بالمكان الحديقة الذي يحمل أكثر من دلالة بين طياته فالحديقة هي المكان الجميل المليء بالأزهار والأشجار والأطيار.
والحديقة هنا في النص أيضا هي المكان الذي يبعث في نفس بطل القصة الطمأنينة والراحة والهدوء فهي تشغل حيزين حيز مكاني على الواقع وحيز معنوي داخل نفسية البطل.
- إن الفضاء في قصة "الانقلاب" كان بعمومه مفتوحا فالبطل تنقل من مكان إلى آخر فمن منزله ذهب إلى الحديقة ثم إلى وسط المدينة إلى أمام المسجد، فالقصة في مجملها ذات فضاء مفتوح بشتَّى أنواعه(المكاني,  النصي, الدلالي).
د- الوصف: وقد أدرجه "نور الدين السد" ضمن تقنية التوقف وهو على قسمين:   
1- الوصف الموضوعي: الوصف الذي يرسم الكاتب خطوط الحدث بحذافيرها، وهذا الوصف متوقف إلى درجة الجمود.
2- الوصف الذاتي: يرسم المشاعر الإنسانية التي تعتري شخصياته ويكون هذا الوصف بطيء جداً ويدعوه بعض النقاد "التحليل النفسي" للشخصيات ونمثل للوصف بجدول إحصائي في الصفحة الموالية، والتوقف يحدث من جراء المرور من سرد الأحداث إلى الوصف الذي يستغرق مقطعا من النص القصصي وتطابقه ديمومة صفر على نطاق القصة، فالراوي أو السارد عندما يشرع في الوصف يعلِّق بصفة وقتية تسلسل أحداث القصة، أو يرى من الأفضل قبل الشروع في سرد ما يحصل للشخصيات، توفير معلومات عن الإطار الذي ستدور فيه الأحداث، وقد لا يَنْجَرُّ عن الوصف أي توقف للحكاية إذ أن الوصف قد يطابق وقفة تأمل لدى شخصية تبين لنا مشاعرها وانطباعاتها أمام مشهد ما[33].
- لقد ورد الوصف في متن القصة على الشكل التالي:

وصف ذاتي
الصفحة
وصف موضوعي
الصفحة
1-كان يشعر ... بقي في نفسه منه الكثير.
43
1- كانت هذه الساحة المدينة... من طمأنينة ولم تبرهم به.
43
2- عزم أن يمض لبعض الوقت... ما طبع في نفسه من كدر.
43
2- تقدم من كرسي هناك... وإلى درر الماء المتناثرة أمامه.
43
3- فاقتنع ألا شيء أمتع للنظر وأشرح للصدر في كل هذه.
43
3- وبعد مدة عاد يعالج ما بقي عالقا عليه من غبار...
43
4- تقهقر إلى الحائط ووارى بذراعه ... في كل الاتجاهات.
44
وما أن نظر إلى عدستها ... كل ما سبق.
43
5- لم يعد يشغله ساعتها ...
44
5- لقد نالها نصيب من عبث ... راح ينظفها.
43
6- في تلك الأثناء انبعث ... راح يلاحظ وينقض عليه.
45
6- كان كلّما نظّف ... دون عقاب.
44
7- لقد هان عليه ... لا يحتمله أبدا.
45
7- لقد كان مرور تلك ... من النقمة والسخط.
44
8- لم يكن يراها مجرد ... الدنيا على الكثير مما يجب.
45
8- وكان سائقها قد رآه لماّ راح يلوح ... ساخطين. 
44
9- كان أمر خسارتها ... راح يحصر ما فاته من الفرص.
45
9- ابتعدت الشاحنة ... التي أخذت تسّع.
44
10-وضاقت الدنيا فجأة عليه ... لم يكن أبدا ناقما.
46
10- كانت آلة تصويره تلك ... كثيراً بينهم.
45
11- رأى أنه لا يزال ... من يوم إلى آخر.
46
11- وتسارعت الأيام به ... وصدمه الحال الذي آل إليه.
46
12- لماّ شعر أن الراحة ... وراح يحدث نفسه.
46
12- قلّب وجهه بين الوجوه ... وكان أحيانا يعاتبه بأدب.
47
13- لم يكن في الماضي ... وأحيانا  يختلفونها.
46
13- لقد تغيّر كل شيء من حوله ... ساخراً منه.
47
14- غير أنه في المدة الأخيرة ... ليس في زمانه.
47
14- بينما كان يلتفت شاردا ... نزاع بينهما فأثار الموقف.
50
15- أكمل سيره ... ببراءة الجاهل في الأمور راح، يتساءل.
48
15- امسك آلته بتوتر وراح، ... والتقط لهما صورة.
51
16- وفجأة عاودته ... صوت من داخله.
48
16- فبينما كان يقف مستظلا ... ويعرف عائلته.
51
17- تذكر ساعتها ... سيقدم خدمة جليلة للناس.
49
17- كان والده رجلا كثير التعالي.
52
18- لكنه لم يستلم ... وراح يسأله.
49
18- أخذ أثناء عودته ... وأكمل سيره.
52
19- عندما عاد الصوت الشيطاني ... يستسلم.
49
19- حين دفعت إليه ... ومتباهيا هذه المرّة.
53
20- اقتنع ما هو مقبل ... فيما استقر أمره عليه.
50
20- أخذ يحك رأسه عندما ... ولكن ببطء.
55
21- عندما لم  يستوقفه في طريقه ... على ما بيّن له.
50
21- عندما راح يستعيد ما جرى ... مواطن ضعف الآخرين.
55
22- لم يعد يشغله ... كي يستتر عليه.
50
22- لما وصل إلى الحي العتيق ... لم يغيّره ... كي يدركه.
55
23- بعد مدّة ولما هدأت ... منه وفضحته.
51
23- وبحماس أخذ يقترب ... ستكون مأخذهم.
56
24- هناك انفجر ... كانت الحلقة الأضعف.
51
24- راح يقترب منهم ... انتباها إليه.
56
25- راحت حواسه ... كانت يومه الأول كان حافلا.
51
25- لماّ نجا بالصورة ... يساومهم واحدا واحدا.
56
26- تقدم من الصبية ... وبقي في مكانه مزهوا يلتفت.
52


27- أحسّ منذ قليل بالآلام في بطنه ... وكان قد همس إليه.
52


28- أخذت تتوسل ... ربما خططت للأمر وتعمدته.
53


29- أعاد وعده إليها كثير من سكينتها ... وصدّ بكف يدها الممدودة.
54


30- عندما تصاعد الصوت بداخله ... وعاد لا يفكر إلا في وصوله إلى البيت.
55


31- ازداد شعوره بالجوع ... وهو يهوي على الأرض فاقدا ... وهي تتشطّر على سطح صلب. 
56



     - مما نلاحظه على الجدول أن الوصف الذاتي قد فاق بكثير الوصف الموضوعي, وذلك يعود إلى كون الكاتب يتحدث منذ البداية على حالة المصور الذي هو بطل القصة.
     لقد اعتمد الكاتب أيضا على عدد من المكونات السردية وعلى تقنيات سردية مختلفة رغم كون مجموعته هذه هي الأولى لم يمنع ذلك من خلوّها من بعض المثالب والثغرات. فمن حيث تسلسل الأحداث نحس ببعض الخلل حين يصوّر لنا مشهد الفتاة وهي تطارد البطل, والتساؤل هنا: كيف عرفت الفتاة بأمره؟ وكيف تقفت أثره رغم أنه كان حريصا ومتأكداً من أنها لم تراه؟, كما أنه قام بأحداث أخرى بعد التقاط صورتها, وحين أحسّ الكاتب بهذا استدرك فيما بعد يطرح التساؤلات على لسان الراوي محاولا وجود منفذ لهذا النقص.
     أما بالنسبة للخيال فقد كان قليلا أو يكاد ينعدم فيها كون هذه القصة واقعية يمكن أن تحدث لأي مصور غير هذا المصور الموجود داخل أحداث القصة "البطل".
هـ- الشخصيات:     
     تكون معظم الشخصيات المعالجة في النصوص تكون مستقاة إما من واقع تاريخي أو من واقع اجتماعي من خلال أفعالها وأقولها وأنماط تفكيرها.
     وفي هذه القصة "الانقلاب" كانت شخصياتها منتقاة من واقع اجتماعي, تعيش مع شخصيات أخرى تتفاعل معها وتتعالق بها, فكانت هذه الشخصيات صوراً لغوية وتعبيرات عن عالم اجتماعي متكامل, وهذه الصور المفكر فيها هي دائماً من لدن الكاتب الذي بناها وقدمها بمزيد من العناية والاكتمال, لا يمكننا أن نجدها في الواقع الذي نحيا فيه بأسمائها وأفعالها التي قامت بها داخل النص.
     فالكاتب وهو ينتجها ويبنيها بناءً على تفاعله مع واقعه التجريبي اليومي يهدف من وراء ذلك إلى تقديم رؤية للعالم الذي يعيش فيه, من خلال خلق هذا العالم كما يتصوره أو يتخيل أن يراه أو كما يراه وفق موقفه منه[34].
     ولقد نوقشت "الشخصية" في الرواية والقصص كثيراً, وقيل الكثير عن بنائها وأشكالها وطبائعها عن كونها صور حية وواقعية أو تجسيد لأنماط وعي اجتماعي وثقافي, حيث نجد أيضا أن وظيفة الشخصية الروائية لدى نقاد القرن التاسع عشر كانت تتمثل في اختزال مميزات الطبقة الاجتماعية وتصاعد قيمة الفرد في هذه الحقبة التاريخية ودوره يفسر استحالة لتبعية الشخصية للحدث, وإنّما تصبح من المكونات الأساسية للحدث, وهذا ما أعطى الشخصية أحقيتها, بل ضرورة تواجدها, وبدونها تصبح حركية الرواية عاملا محددا مستحيلة بل معدومة تماماً, وهذا ما دفع "جورج لوكاتش" إلى التأكيد على ضرورة الحفاظ على وجود البطل داخل النص, وإحلاله المكان الملائم[35].
     وقد قامت بين الشخصيات هذه القصة علاقات فيما بينها في إطار العالم التخييلي الذي قدمت فيه لإبراز البعد الاجتماعي الذي يرتهن إليه الكاتب في أثناء تقديمه إياها, وهذا البعد الاجتماعي والأساس المركز عليه في الروايات والقصص, يقوم على الائتلاف والاختلاف, التعايش والصراع بين الشخصيات, وقد كانت شخصيات قصة "الانقلاب" بارزة ومضبوطة وهي كالتالي:
- شخصية المصور: وهي الشخصية الرئيسية في القصة والتي تدور الأحداث حولها, وقد ميّزها حواران داخلي وخارجي.
- شخصيات ثانوية:
·       صاحب الشاحنة.
·       شباب الخدمة الوطنية.
·       الفتاة والشاب.
·       بعض الأولاد "الصبية".
·       ابن رئيس لجنة الحي.
·       شباب الحي.
     كانت شخصية المصوّر تعيش قلقاً دائما مع ذاتها ومحيطها منذ بداية النص إلى نهايته, ويظهر هذا الصراع مع المحيط من خلال موقفه من صاحب الشاحنة الذي ليس له ضمير ولا أدب, في قوله : « ... إلا توقيف هذا السائق المجنون وردعه ببعض الكلمات, ربما أعادت إليه ما نسي أو تناسى من آداب المعاملة وحسن السلوك»[36].
     وكذا نقمته على الناس وإلى ما آلوا إليه من كدر وعبوس, وجفوة, في: « في مدينة تزداد مع الأيام جفوة وقبحاً... »[37], « ... مؤخراً اكتشف أنهم نسوا الابتسامات ولم يعودوا يذكرون حتى شكلها... »[38].
     هذا عن صراعه مع محيطه وما يدور حوله, أما عن صراعه مع ذاته فيمكن القول أنه هو مركز أو أساس القصة, فقد وردت مشاهد عديدة ظهر فيها هذا الصراع من خلال محاورته لذاته, حيث نجد مثاله في:     «... كما قلت لك لماذا لا تترصدهم متلبسين بفظاعتهم وتتعقب بالآلة شرورهم... سوف يدفعون سوف يدفعون », « كيف لك أن تتحول من باعث للمسرّة وزارع للابتسامة إلى قناص للقبح ومطارد للفضائح»[39].     
     وما يمكن قوله عن هذه الشخصية أنها كانت مصدراً مرّة للشرّ ومرّة للخير, فهي تعيش صراعها مع ذاتها الخيرة والشيطانية, فكانت بهذا مصدر إفراز الشرّ في السلوك الدرامي[40], داخل هذا العمل القصصي, فهي بهذا المفهوم وظيفة أو موضوع, وهي في الوقت نفسه تتعرض لإفراز الخير, فهي إذن فعل أو حدث وقع عليها سرد غيرها, أي أنها أداة الوصف والسرد والعرض والوظيفة التي تؤديها في العمل القصصي لا تكون ذات معنى, إلا إذا تبوأت مكانها في السلوك العام للشخصية, هذا الفعل في حد ذاته يستمدّ معناه من الحدث المسرود, ثمّ يذوب في النص حتى يكون له من الصفات الخصوصية ما يجعله منطبعاً بطابع فنّي متفرد.
     وقد كانت متغيّرة بحسب الحدث أو العرض السردي الذي يعرضه السارد, فمرّة شخصية محايدة ومرّة تحرّضه نفسه على الشرّ ومطاردة فضائح الناس, حيث نجد من الأولى في: «... وجلس ثمّ أخذ ينظر إلى النافورة وإلى درر الماء المتناثرة أمامه... من هذه الجنة الصغيرة أمامه »[41], ومن الثانية نجد: «... أمسك آلته بتوتر وراح ينتظر وفي لحظة من الزمن وحينما غفلا أخرج رأسه بسرعة والتقط لهما صورة »[42].
     ويشير الروائي "فوستر" إلى أن الشخصية في العمل القصصي أو الروائي تتفرق إلى شخصية روائية وأخرى إنسانية في الحياة, فمخترع الشخصية الروائية إنسان مثلنا, ولهذا فهو ينتقي من عالم الشخصية ما يكفي ذكره في الرواية للتعبير عن الفكرة, ولما كانت القصة عمل فني قوانينه تختلف عن قوانين الحياة, فإن من المستحيل أن تحيا إحدى شخصياتها خارج الكتاب أو عمله القصصي إلاّ نادراً.
     كما أعطى "فوستر" نمطين للشخصية القصصية أو الروائية وهما كالآتي:
1- شخصية مدوّرة: وهي شخصية معيارها أنها تقدر على إثارة الانتباه, وهي ما نسميها بالشخصية الرئيسية أو البطلة, وهي هنا شخصية "المصوّر".  
2- شخصية مسطّحة[43]: هي التي يمكن وصفها بعبارة قصيرة تشرح دورها في الحوادث لا تتاح لها الفرصة لتنمو وتتغيّر مع تراكم الحوادث, وهي ضرورة في الرواية أو القصة, وقد تجلّت هنا في الشخصيات الثانوية التي سبق وذكرناها.
     وقد أعطانا القاص بعض صفاتها وملامحها, أو وصفها ولو كان بسيطاً فإنه قدّم لنا صورة عنهم يمكننا تخيّلها أو تصوّرها, نجده مثلا وهو يصوّر لنا شباب الخدمة الوطنية في قوله: « عندما يخرجون في المساء ببزاتهم العسكرية الأنيقة ويمشون بين الأزقة مختالين »[44].
    يتلخص دورها في أنها تساهم في رسم وبناء الحدث, مساعدة وتصوير الشخصية الرئيسية وبلورة أفكارها.    
   وقد اعتمد القاص "أحمد خوضر" على الوصف النفسي والشكلي للشخصية, وهو يهدف إلى وصف المجتمع من خلال تحليل شخصيته تحليلا نفسيا, وكان تحليله يميل إلى الانفعال كونه يعيش صراعاً داخليا وكذا خارجيا, مثل حديثه النفسي عن حال الناس: « ... ربما لم يعد في حياتهم ما يستحق [...] وعناء وصراع حتى الموت » أو عن نفسه: « ازداد يقينه أنه في المكان الخطأ وفي الزمان الخطأ وبحسرة دامية... »[45].
     وبالإضافة إلى التحليل النفسي إلى الشخصية فقد استعان المؤلف بالوصف الشكلي أيضا, نجد منه:    «... ثمّ بحذر تناول آلة تصويره التي كانت تتدلى على صدره وأخذ يتفحصها », « تقهقر إلى الحائط ووارى بذراعه وجهه... », « أحسّ بسائل ساخن كثيف يملأ فمه وشعر به يسيل من أنفه... »[46].
     وهذا الوصف الشكلي الظاهري مع النفسي للشخصية لقي اهتمام العديد من القصاص الجزائريين, وقد أجاده قاصّنا في مجموعته ككل.
     كما يمكننا أن نفهم من خلال وصف شخصية المصوّر أنه شخصية مضطربة نفسياً وقد نتعاطف معها في بعض مواقفها, ثمّ نخالفها وننفر منها في موقف آخر, وهذه مقدرة تعود للمؤلف فهو من يجعل من شخصيته البطلة نموذجا للخير أو للشر ويقنع القارئ بها, ويقول "مورياك" في هذا: « يمكن للكاتب أن يجلب التعاطف اتجاه شخصية حيث طبعها في الحياة الواقعية يمكن أن يثير الشعور بالاشمئزاز والنفور, تعود العلاقة العاطفية اتجاه البطل إلى الجمالي للعمل, وهي تتطابق مع السنن التقليدي للأخلاق, والحياة الاجتماعية فقط في الأشكال البدائية »[47].
     فشخصية المصور في بداية القصة تبدو شخصية بائسة تثير استعطاف القراء, لكن حين تغلب عليه الصوت الشيطاني وقام بالتقاط صور للفتاة, ولابن رئيس لجنة الحي, وتلهفه إلى المزيد من الفضائح, سرعان ما نشعر بالغضب والسخط عليه, رغم أن في موقفه هذا شيء من الصحة, كون طبائع الناس قد تغيرت وأصبحت المادة تغلب على حياتهم.
     ورغم هذا أو ذاك فإن لكلٍّ قراءته وموقفه وتفكيره وقلّ ما اتفق اثنان على شيء واحد.
     كما أن الشخصيات المساعدة التي وردت في هذا العمل القصصي, قد استغلها القاص"أحمد خوضر" للتعبير عن واقعه ومجتمعه وعن أفكاره, وهو أمر طبيعي, طالما هذا الاستغلال لا يتعارض مع الفن وأساليب عرض الأحداث, كما أن أي عمل قصصي أو روائي لابد أن تتوافر فيه, فهي تبلور الحدث وتسهم في إنضاج العقدة وتوضيح مواقف الشخصية المحورية.
     أمّا شخصية "الفتاة" مثلا رغم كونها مساعدة إلا أنه كان لها دور كبير في مجريات أحداث القصة, فهي تمثل أول صيد له, وأول خطوة له في جمع المال, كما أن تصويره لهذه "الفتاة" يمثل انعكاسا لصورة الفتاة في المجتمع, كما أنها أسهمت في إرجاع صوت الخير في نفسية المصوّر بعد لحاقها به واستعطافه إعطائها صورتها, حيث يقول: «... عندما راح يسيتعيد ما جرى بينه وبين الفتاة [...] اكتشف أنه ليس من أولائك الذين يستطيعون استغلال موطن ضعف الآخرين »[48].
     فكانت الشخصيات هنا مشاركة في تصاعد الأحداث, وفي بناء الحبكة والعقدة وعليه فإن الشخصيات المساعدة رغم كونها ثانوية, إلا أنه لا يمكن الاستغناء عنها في السرد القصصي, فمن غير المعقول أن تؤسس قصة وتدور أحداثها حول شخصية واحدة ووحيدة.
     وما يمكن إضافته هنا حول شخصية الفتاة, هو أنها كان لها حضور بارز وقوي بالقياس إلى باقي الشخصيات, حيث أورد وصفا لها في: «... فتاة كانت في جدال مع شاب وكانت تشير بيديها في عصبية...»[49], «... كانت تضع يدها على صدرها تستعيد أنفاسها بعدما أرهقتها ملاحقتها له, ثم قالت بصوت منقطع أنهكه الركض »[50].
     ونلاحظ أن وصفه كان شكليا وظاهريا, لملامحها وحركاتها, مما ساعدنا على رسمها في مخيلتنا.
     وقد لقيت "الفتاة" حسب الدراسات النقدية للقصة الجزائرية مكانة بارزة خاصة في القصص الأولى للكتاب, وفي القصص التي تعالج أحداثا عاطفية أو اجتماعية, وقد اختلفت طرائق التعبير عنها من قصة إلى أخرى, وفي هذه القصة كان وصفها على لسان القاص.
     - وبعد كل هذا يكون "أحمد خوضر" قد أبدع في رسم شخصيات قصته, وأتقن وصفه, فكانت بذلك واضحة وجلية ومنسجمة مع الدور الذي رسم لها.
و- الحوار:                              
     لقد اكتسب الحوار أهمية خاصة تنطلق من كون الرواية نفسها رواية حوار لا رواية أحداث, ذلك أنها لا تعتمد على السرد المعهود في الفن الروائي, بقدر ما تتخذ الحوار شكلا تعبيريا عن الأحداث, وإذا كان دليل السمة السردية ما يسرده الراوي في النص الروائي, فإن نظرة عجلة إلى تدخلات الروائيين, المشارك والمحايد, توقفنا عن ضآلة السرد قياسا إلى كثرة الحوارات[51].
     كما عدّ الحوار من أهم مجالات التعبير الشفهي, ووسيلة لنقل الأفكار وتبادل الآراء للوصول إلى أهداف مقصودة, وأهم هدف أو غرض يؤديه هو التعبير عن آراء الكاتب التي يضعها على ألسنة الشخصيات, لذا فهو من أهم مواقف التواصل الفكري والثقافي والاجتماعي التي تتطلبها الحياة في المجتمع المعاصر, لما له من أثر في تنمية قدرة الأفراد على التفكير المشترك والتحليل والاستدلال.
     وعموما يمكن تعريف الحوار بأنه محادثة بين طرفين أو أكثر تتضمن تبادلا للآراء والأفكار والمشاعر, وتستهدف تحقيق قدر أكبر من الفهم والتفاهم, وهو ما يسمى بـ "الديالوج" وقد لا يقتصر الحوار في العمل القصصي أو الرواية على نوع واحد, فالديالوج يتم إجراؤه بين اثنين أو أكثر من الشخوص, وهناك أيضاً "المونولوج" وهو حوار الفرد لذاته, ولا يشترط فيه أن يكون مسموعا وإنما يكتفي فيه أحيانا بالهمس والتفكير والتذكر.
     وهذا الأخير كان هو الغالب على قصتنا وقد ورد حوالي (18 مرّة), من خلال محاورة "البطل" أو المصوّر لنفسه, وانفصالها إلى شخصية خيرة وشريرة وحدوث الصراع بينهما, وهذا النوع من الحوار هو من الأساليب الشائعة في القصة القصيرة الجزائرية, "فالمونولوج" أو "الحديث النفسي" يكثر استخدامه من طرف القاص الجزائري[52], وهو يستخدم في الغالب لتحليل الظروف النفسية للشخصية, وقد كان توظيفه في قصة "الانقلاب" واضحا وجلياً في العديد من المواضيع منها:
«- راح يحدث نفسه: ترى هل سأجد زبونا... وفي هذه الساعة؟.
- ثم التفت حوله وبمرارة أضاف: وفي هذه المدينة المتجهمة.
- وبعد زفرة حارقة أضاف
- ربما لم يعد في حياتهم ما يستحق تذكره, فهي حياة يحيونها سواء كباقي الكائنات مشقة وعناء وصراع حتى الموت »[53]..
     - حيث نلاحظ هنا السرد بطريقة الحوار الداخلي, وهذا النمط من السرود ينفرد بما يمكن أن نسميه تنويعا على وتر الأنا, حيث يجري تقليب الأنا أوتقلبها, بين عدد يصعب حصره من اللبوسات التي يمكن لكل منها أن يتخذ لبوس الآخر ثمّ يعود للأنا, السابقة نفسها, أو لأنا خاصة بآخر خلال برهة سردية واحدة[54].
مثاله:« لكنّه لم يستسلم وبقي في نفسه شيء يمنعه ويشعره أنه لن يستطيع وراح يسأله, لا كيف لك أن تتحول من باعث للمسرة وزارع للابتسامة إلى قناص للقبح ومطارد للفضائح »[55].   
     والملاحظ أيضا على هذا "المونولوج" امتيازه ببعض العنف الشعوري, الذي هو على نوعين: عنف نحو الذات, وعنف نحو الآخر, وهو هنا متمثل في الصراع القائم بين صوت الخير والصوت الشيطاني, في نفسية "المصوّر" حيث نجده يقول:
- « أضافت نفس النبرة تقول: كما قلت لك, لماذا لا تترصدهم متلبّسين بفضاعتهم وتتعقب بالآلة شرورهم, إنها تملأ الأجواء وروائحها المقززة تزكم الأنوف, وثق بي سوف يدفعون سوف يدفعون »[56].
     - فنلاحظ هنا وكأن شخصا آخر بداخله يحاوره ويحاول إقناعه على ما هو مقبل عليه, وهو الجانب الشرير الدفين في ذاته أو في لاوعيه. 
     أما العنف نحو الآخر, فقد يكون في نفسيته هو في حدّ ذاته حيث يعامله صوته الشيطاني بعنف ليهزّ كيانه ويقنعه إلى جانبه, فهنا يحدث تداخل في اتجاهات العنف حيث يمتزج فيه عنف الذات في مونولوج داخلي, وعنف الآخر برزت في عدوانية موجهة نحوه, حيث نجده يقول: « لن تصبح بعد اليوم أحسن من الآخرين ولت تجرؤ بعدما ترى صورة ابنك وتكتشف فعلته على فتح فمك والتشدّق بالتحضر مرّة أخرى, ولا أظنّك تتأخر في الدفع صاغرا كي تسكت هذه الصورة الناطقة ببعض قبحك »[57].
     ويبدو العنف الثاني منتزعا من الذات نفسها, وهو عبارة عن تعبير يوضح موقف الكاتب الثقافي من المجتمع (الآخر), الذي يرفض الحالة التي آل إليها فكان تناوله سيكولوجيا للظواهر البشرية في المجتمع وخاصة الإنسانية الداخلية, والهجوم الذي شنّه الكاتب على لسان الشخصية البطلة, يوحي بالاستخفاف والاحتقار للتحليل السيكولوجي: « وقلب وجهه بين الوجوه لعله يجد من لم ينصح البشر من ملامحه, ومن لا يزال بقلبه حس وذوق, عكس هؤلاء المارة المتجهمين الذين أينما حلّوا ملأوا الأجواء كدرا وعبوسا, والذين غدو كأنهم لقاء تقطيبهم يؤجرون »[58]. 
     ويمكن القول أن الحوار يكتسب أهميته من كونه وسيلة للتآلف والتعاون وبديلا عن سوء الفهم, والتقوقع والتعسف والفرقة والصراع, وبهذا يصبح الحوار ضرورة طالما تفاعل الناس وتدافعوا واختلفت انتماءاتهم ومصالحهم وأفكارهم ومشاعرهم تجاه الأشياء والأشخاص من حولهم[59].   
     وبالانتقال إلى "الديالوج", فنجده لم يخلو في هذه القصة حيث كان بين المصوّر والفتاة التي التقط لها صورة خلسة, وقد انطلق هذا الحوار من الفتاة إلى البطل, حيث ورد في القصة كالآتي:
«- ثم قالت بصوت متقطع أنهكه الركض:
- لقد التقطت لي صورة أليس كذلك؟
ثمّ استطردت تقول:
لقد رأيتك لمّا التقطت لي صورة ثمّ انسحبت... ماذا ستفعل بها؟... هل فقط لتذلني بها وتشي بي إلى أهلي؟... أرجوك أعطيني صورتي ولا تفضحني أرجوك »[60].
     - فكان الحوار هنا من طرف واحد, بحيث الفتاة ترجو المصور وتناقشه في أمر صورتها, وقف هو صامتا مدهوشاً في أمره.
     ثمّ حصل ردّه بعد أن منعته يده من أخذ الخاتم الذي ساومت به صورتها, وعندما رأى الدموع في عينيها, فعاد إليه صوته الطيب الخيّر, فردّ عليها بصوت خافت حزين:
«- إنها لم تحمّص بعد... لا تخشي شيئا سأعيدها إليك؟؟
- قالت: صحيح؟؟
- أعدك »[61].
     فالحوار الذي دار بينهما كان قصيراً ولم يأخذ زمنا سرديّاًً مطوّلا, كما أنه أدّى الغرض المقصود منه وصوّر لنا المشهد تصويراً دقيقاً, وممّا يدل قصره أيضا أنه قليل التعامل مع الناس الذين حوله, فصوّر لنا بهذا الحوار ملامح الشخصية, فقد نعدّه شخصية سلبية تعاني من ازدواجية في الشخصية, فكان بهذا "الحوار" وسيلة لنقل أفكار ومشاعر وشخصية المصوّر وطبيعتها. 
     وقد قمنا بإحصاء الحوارات الموجود في القصة بنوعيها فكانت كالآتي مع الإشارة إلى الصفحة:
الحوار الداخلي (مونولوج)
الحوار الخارجي (ديالوج)
- راح يحدث نفسه: ترى سأجد زبونا... وفي هذه الساعة؟ (ص:46 )
- ثم التفت حوله وبمرارة أضاف: وفي هذه المدينة المتجهمة؟ (ص: 46)    
- وكان أحيانا يعاتبهم بأدب بقوله: ما قيمة صورة... بذكرى وصورة لا طعم لها. (ص:47 )    
- راح يتساءل: ترى ماذا دهى هؤلاء الناس... ليعيشوها مرّة أخرى ويستعيدونها متى حرّقهم الشوق إليها. (ص:48 )
- بعد زفرة حارقة أضاف: ربما لم يعد في حياتهم... وعناء وصراع حتّى الموت. (ص:48 )
- بحسرة دامية قال: حقّاً لقد تغير كل شيء... في الأذهان من فضائل. (ص:48 )
-  انبعث صوت من داخله يقول: آه... لو سنّوا... ولغدوت بين عشية وضحاها أغناهم. (ص: 49)
- أضافت نفس النبرة تقول: لهما قلت لك لماذا... وثق بي سوف يدفعون, سوف يدفعون. (ص: 49)
- راح يسأله: كيف لك أن تتحوّل... في غضب بعيد عن عين أي رقيب. (ص:49 )
-... وتساءل: من أين بدأ؟... من أصوره.
    (ص:50 )
- قال في نفسه متحمسا: هذا ما كنت أبحث عنه... سيدر عليّ بالكثير. (ص: 50)
- وهو يحدث نفسه أكيد أنها قد تورطت معه في أمرها... إنه موقف مغري سأفضحها بالألوان. (ص:50)
- قال بحماس وتشجع أكثر لما تذكر ألاّ شيء يشغل الناس ويشدهم كقضايا الشرف. (ص:51 ).
- قال في نفسه يتوعد الوالد: لن تصبح... هذه الصورة الناطقة ببعض قبحك. (ص:52 )
- ابتسم وكان قد همس إليه قائلا: ألا تشعر بالجوع إلى فضائح ؟. (ص:52 )
- تعالى الصوت بداخله مصدّقا لما تكهن به ومتباهيا هذه المرة: ألم أقل لك... أرأيت كيف كنت تلهث خلفهم هنا وهناك وكنت كالأبله... لت ترضى بأقل من الذهب ثمنا لصورهم القبيحة. (ص: 53-54)
- وراح يتساءل: كيف علمت بشأني؟... ويكتشف الناس مدى تورطها بيننا. (ص: 55)
- ثم قال في نفسه: لو رصدتهم بالصورة فلن أرحمهم... سأدفعهم ثمن ما يصنعون. (ص:55 )              
- ثم قالت: بصوت متقطع أنهكه الركض: لقد التقطت لي صورة أليس كذلك؟. (ص: 53)
- ثم استطردت تقول: لقد رأيتك بما التقطت لي صورة ثم انسحبت... أرجوك أعطيني صورتي لا تفضحني أرجوك. (ص:53 )
- ثم قدمته له قائلة: إن كنت تريد ثمناً خذ الخاتم وأعطيني صورتي... ؟ أ... لا تخشى عليها من الكلام؟. (ص:53 )
- إنها لم أحمّض بعد... لا تخشي شيئا سأعيدها إليك.
- صحيح.
- أعدك. (ص: 54)
  
   
     ومن خلال هذا الإحصاء اتّضح لنا أن المونولوج أو الحوار الداخلي للشخصية البطلة هو الغالب, وهذا يعني أن القاص اعتمد على التحليل النفسي للشخصيات من خلاله يصف المجتمع, وقد كان تحليله هذا متراوحاً بين الهدوء والانفعال حسب ما يقتضيه الموقف أو القضية المتناولة.
    في حين يعد الأسلوب الهادئ المتأني هو الأسلوب الأنسب للتحليل النفسي، فهو يقوم على عناصر نفسية واضحة، وهذا ما وجدناه في قصتنا، حيث كان كل حوار يصف الحالة النفسية للمصوّر، قبل انطلاقها في الحوار، وقد امتاز واتسم الحوار في قصة الانقلاب بثلاث سمات ظاهرة كالآتي:
1- المباشرة: وهذا عندما تكلم البطل عن نفسه، كاشفا عن رأيه ومبرزا شعوره إزاء مواقف معينة «كموقفه من صاحب الشاحنة، الناس ذوي الوجوه المتهجمة، ومن شباب الحي ».  
2- التصوير: حيث قدم لنا الحوار وصفا مصوّرا لسلوك الأشخاص، حيث نحسه أحيانا بديلا للسرد المعهود للقصة، كما كان الحوار قصيرا أو موجزاً, كما أسلفنا الذكر. مما يزيدنا تأكيداً على سرعة السرد وحرارنه وتفاعل عناصره، فكانت القصة متلاحمة الأوصال قوية التأثير.
3- السهولة: وتظهر السهولة على الحوار من جهات متعددة، فمن حيث التفكير لم يكن الحوار مركبا من أفكار كثيرة، فكان يؤدي إلى فكرة واحدة محددة لذا لم نجد صعوبة كبيرة في اكتشاف مغزى الحوار ومعرفة ما يدور في ذهن المتكلم[62].   
ز- دراسة الرؤية السردية في قصة الانقلاب:
التبئير: Focalization: يعبر عن هذا المفهوم باصطلاحات متعددة مثل:
الرؤية، المجال,وجهة النظر, في حين نجد "جيرار جنيت" G.Genette يطلق عليه مصطلح "البؤرة" أو التبئير وذلك حتى يتحاشى ما تنطوي عليه هذه الألفاظ من إيحاءات تتصل بالحاسة البصرية بصفة ويرتبط هذا المفهوم بالتقنية المستخدمة لحكي القصة المتخيلة، وإن الذي يحدد شروط اختيار هذه التقنية دون غيرها هو الغاية التي يهدف إليها الكاتب عبر الراوي[63].    
   ويعني أيضا مفهوم وجهة النظر أي صيغة التلفظ، ومن الواضح أن الأمر يتعلق بطرح أسئلة من مثل: من يرى ؟ من أي منظور؟ في علاقة مباشرة مع الواقع أو بالاحترام مسافة ما؟.
   نجد كل روائي يتسائل ماهو القدر المسموح به للتعبير عن شخصيته الخاصة في متن عمله ماهي الحدود التي يمكن أن تبرز فيها آثار  المتلفظ («تدخلات» المؤلف) عل سطح الملفوظ ويمكن أن نلخص أصناف التبئير الثلاثة وفق الشكل التالي[64]:
1- التبئير الصفر (جينيت): نظرة الآلهة – رؤية من خلف (بويون).
سارد> الشخصية (تودوروف) – صنف مؤلفي – سلطوي actoriel (لنتفلت).
2- التبئير الداخلي: وعي ذات- فاعلة شاهدة، رؤية مع سارد= شخصية، صنف فاعلي.
3- التبئير الخارجي: النظرة الموضوعية الخالصة، لا تمثل أية شخصية، تقنية المدرسة السلوكية رؤية من الخارج سارد < الشخصية، صنف، محايد.
- وعند معالجة هذه المظاهر في قصة "الانقلاب" نرى:
     - إن الراوي "كان في أغلب الأحيان مساو للشخصية الحكائية وهذا يعني أن معرفة الراوي هنا على قدر معرفة الشخصية الحكائية ، فلا يقدِّم لنا أيّ معلومات أو تفسيرات, إلاّ بعد أن تكون الشخصية نفسها قد توصلت إليها ويستخدم في هذا الشكل ضمير المتكلم أو ضمير الغائب ولكن مع الاحتفاظ دائماً بمظهر الرؤية مع, فإذا ابتدأ بضمير المتكلم مثلا وتمّ الانتقال بعد ذلك إلى ضمير الغائب فإن مجرى السرد يحتفظ مع ذلك الانطباع الأول الذي يقتضي بأن الشخصية ليست جاهلة بما يعرفه الراوي ولا الراوي جاهل بما تعرفه الشخصية والراوي في هذا النوع إمّا أن يكون شاهدًا على الأحداث أو شخصية مساهمة في القصة.
   - العلاقة المتساوية بين الراوي والشخصية هي التي جعلها "توماتشفسكي" تخت عنوان السرد الذاتي ويعرِّفه على: « السرد الذاتي نظام تتبع الحكي من خلال عيني الراوي »[65].
     ويتجلّى بشكل واضح في روايات الشخصية سواء في الاتجاه الرومانسي أو في اتجاه الرواية ذات البطل الإشكالي وهذا ما نشهده في قصة "الانقلاب" فإن شخصية البطل هنا تعاني نوعًا من الاضطراب النفسي ونُرجع السبب إلى الظروف الاجتماعية التي يعاني منها, ونبرز ذلك من خلال موقفه من صاحب الشاحنة الذي تمثل في:
1- السخط عليه ويظهر ذلك في قوله: « لقد كان مرور تلك الشاحنة المجنونة [...]النقمة والسخط »[66], وقد تولّد هذا السخط بعدما ترك صاحب الشاحنة يمضي دون عقاب خصوصاً بعد أن رأى طبقة الغبار تغطي عدسة آلة تصويره.
2- الاستسلام لما قام به السائق ويظهر ذلك في قوله: « تقهقر إلى الحائط ووارى بذراعه وجهه عن ذلك المسحوق الذي لفَّ الأجواء »[67], نلحظ هنا أن موقف البطل كان كموقف أي شخصية من المارة فاكتفى بسدِّ أنفه اتقاءًا للغبار.
3- اجتناب المواجهة مع السائق وتحاشي الاصطدام معه وتفضيل الرحيل كأحسن حلًّ للموقف ويظهر ذلك في "« ففضَّل إكمال سيره [...] ولا المزاج على معالجتها »[68].     
     من خلال المواقف السابقة التي مرَّت بالشخصية البطلة نستنتج أن موقف الراوي كان موازيا للشخصية في كل مواقفه واتضح ذلك في الموقف النهائي من ردّ الفعل ضدَّ سائق الشاحنة حيث أن موقف الراوي برز في:  «لم يعد يشغله ساعتها إلاّ توقيف هذا السائق المجنون [...] وحسن السلوك »[69], حيث أن سلوك الراوي نفسه سلوك الشخصية في أن السائق لابد له من سلوك ردعي وأبسطه بعض الكلمات من نصح وإرشاد علّها توقظ ضميره, لكن فضّلا (الراوي والشخصية) تهميشه وعدم التعرّض له مخافة وقوعهما في أمور لا قدرة لهما على مواجهتها.
                                                                  الخلاصة:
     ومن خلال هذا العرض الموجز لبعض نماذج التبئير داخل القصة يبدو أن القاص فضّل طريقة التبئير الداخلي, والقصد منه توظيف الشخصية بغرض التعبير عن ذات الراوي, وكانت الشخصية هي عبارة عن صورة موازية للراوي (سيرة ذاتية).
ح- البنية اللغوية:  
     إن التنوع القصصي يتطلب تنوّعا لغويا موازيا على أقل تقدير وما نقصده بالتنوع القصصي هو تنوع عناصر القصة من حدث وشخصية وسرد وحوار وأفكار وعوالم ورؤى ومطامح وامتدادات ومضمرات فنية وأيديولوجية... ليصبح لدينا ما يمكن أن ندعوه لغات القصة (لغة القصة), والعمل الإبداعي الذي تتنوع بنيته اللغوية يحظى بقدرة إبداعية فائقة وترتقي قدراته بارتقاء تنوعها وفي بحثنا للبنية اللغوية السائدة في القصة نجد أنها تخضع لنمط يتكرر في أثناء القصة وقد حاولنا أن نرصد بدقة النمط اللغوي السائد فيها وهو كالآتي:
- سيطرت على النص البنى اللغوية الأفقية التالية:
1- بنية (كان... ولكنّه): هذه البنية تسود القصة منذ افتتاحيتها حتى خاتمتها ونلاحظ أن أحداث القصة انقسمت وفق هذه البنية عبر كامل القصة إلى وحدات بنائية صغرى وسنحاول رصد كل الأفعال الماضية "كان" التي وردت في المتن القصصي.
- إن الفعل الماضي "كان" « هو عبارة عن متكأ سردي سائد في الرواية العربية خاصة عندما تنزع إلى السرد عن الماضي »[70], وهذا ما يحصل في قصتنا بالضبط فهي ترصد أحداث وقعت في الماضي حاول الراوي (الكاتب أو القاص) إدراجها لنا وفق أسلوب منتظما مستخدما وموظفا الفعل كان بتعريفه السابق الذكر, هذا وبالإضافة إلى الاستدراك لما حدث سابقا ويبدو من إصرار المؤلف على هذه البنية المتكررة أن العالم السيكولوجي للمؤلف الذي حاول إسقاطه على العالم الروائي ذو طبيعة استدراكية خاصة على الماضي واللافت أن هذا الاستدراك لا يعني هنا الإلغاء أو الحذف دائما وإنما يهدف إلى الإضافة إذ يستوحي من الأحداث ما يمكِّن له من تصويرها في أدق صورة لها حتى يمكّن القارئ من إحداث الاسترجاع معها أو تخيل الماضي, حاضر, أي كأن الأحداث تحدث أمام ناظريه في الواقع.
     - أما بالنسبة لـ (لكنَّ, أو لكن): « فهي أداة إضافة أو زيادة وهي في الأصل مضمار القصة غير منزاحة الدلالة والغرض منها إبداعي »[71], ونودُّ الإشارة لإلى أن هذه التقنية اللغوية خصَّ بها متن قصة "الانقلاب"., وسنحاول إحصاء كل البنيات الموجودة داخل المتن في الجدول التالي:
الصفحة
التركـــــيب
مرات الاستعمال
44
« كان سائقها... لكنه سرعا ما أدرك »
01
45
« كان يحاول... لكنّه لم يستطع »
« كان يحاول... لكنْ أن تصاب »
02
47
« كان يردد لازمته... لكن لا أحد »
« كان أحيانا... ولكن ما كان يقلقه »
02
49
« ما كانوا يحبونه... لكنّه ككل مرّة سبقت »
« ما كانو يحبونه... لكن الصوت بداخله »
« ما كانوا يحبونه... لكنّه لم يستسلم »
03
51
« ... لقد سمعت صوتا لكنّها ولسوء حظها »
01
54
«كانت ترضيك الدنانير القليلة... ولكن من الآن »
«كانت ترضيك الدنانير القليلة... لكن ماذا جرى»
02
55
« كان يراقبها... ولكن ببطئ هذه المرّة »
«كنت حريصا... لأنهم كانوا في غاية »
02

«... لكنه حين أدرك... لأنهم كانوا في غاية »
01

     - إن هذه البنية ساعدت على وصف وسرد الأحداث بصورة سريعة أكثر.
2- ظاهرة الفعل "كان": قد نجد مسوّغا ما لاستخدام الفعل كان في رواية تسرد الماضي لتوافق معيّن بينهما, غير أن الإسراف في استخدام هذه الصيغة اللغوية المفردة يلقي على سيرورة السرد وإنسيابه عبئاً كبيراً ويفقد اللغة إيحاءاتها وانطلاقاتها الحرّة, والجدول التالي يوضّح استعمال الفعل "كان" في القصة على لغة الرواية وفق بعض العينات الموجودة في متن القصة:

بعض العينات
مرات الاستعمال
الصفحة
الماضي
المضارع
1- كان يشعر بتوتر
04
43
04
00
2- كانت هذه الساحة
05
44
05
00
3- كانت المكان
09
45
08
01
4- كانت تتدثر
06
46
02
04
5- كان كلّما
09
47
09
00
6- كان مرور
00
48
00
00
7- كان سائقها
01
49
01
00
8- كان ينشر
04
50
04
00
9- كان يلوِّح
06
51
06
00
10- كان يحاول
07
52
07
00
11- لم يكن يراها
05
53
05
00
12- بل كان يرى فيها
03
54
03
00
13- كانت ذكرى
03
55
02
01
14- كان أمر خسارتها
04
56
03
01
    
     - لقد تكرّر الفعل "كان" حوالي الخامسة والستون مرّة منذ بداية أحداث القصة حتى نهايتها من الصفحة (43) حتى الصفحة (56) وهناك صفحات لم يذكر فيها أصلا وهي تُعدُّ أحداث متواصلة مع الأحداث التي سبقتها في الصفحة التي قبلها مباشرة.
    ولقد ورد أيضا على صيغة الماضي (كان) وكل مشتقاته وبصيغة المفرد والمضارع والجمع وكذلك ورد مرّات عدّة على صيغة المضارع أو الحاضر وكأن الأحداث انتقلت إلى الزمن الحاضر.
     ولقد تناولنا في الجدول السابق الذكر كل الصفحات بالإحصاء التام لتكرار الفعل "كان" فيها, ولقد أدرج الفعل في مستوى التعبير الإبلاغي ممّا أبرز قدرات الأسلوب اللغوي الذي يستخدم هذا الكم من الصيغة السردية الواحدة.
3- ظاهرة الفعل "لكن": لقد وردت هذه الصيغة بمعدّل متوازي مع ورود الفعل "كان" ونستنتج أن حرف "الكاف" يحمل شحنة نفسية تؤدي غرضا سيكولوجيا مهمّاً للكاتب إذ نلاحظ أنه استخدم سيلا جارفا من الكلمات التي تحوي حرف الكاف سواء في بداية الكلمة أو في وسطها أم في آخرها ونرصد هنا بعض الكلمات الواردة في النص (المتن):
- فعل السؤال "كيف" الذي أعاده الكاتب بصيغة لا توصف دليل على الحيرة من خلال كثرة التساؤل.
- كلّ, كلّه, كي, يدركه, الذكاء, كثير, كثيف, سكينتها, حرّك, بكفه, تنفك, شكرته... إنها كلمات إلى ما لا نهاية في القصة تحوي حرف الكاف وذو الشحنة النفسية العالية والمندفعة.
4- ظاهرة الكلية: لم تكن صورة الكلّية واضحة في بداية القصة لأن الكاتب استهلها بالكلام عن بطله ثم بدأ شيئا فشيئا بالنزوح إلى النزعة الكلّية حول التعميم إلى أن المجتمع بأكمله فاسد وأن كل أفراده يتفاوتون حسب درجات من الانحراف ووجب معاقبتهم معاقبة جماعية, وبقي الكاتب يندرج في سرده للأحداث تارة بالصيغة الكلية وتارة أقل أو بالصيغة الفردية ونمثل لذلك بقول الكاتب في المتن: «كان يشعر بتوتر شديد...»[72], صيغة فردية بدأ بها الكاتب وصف حالة بطله
     وقوله أيضا: « إنهم نسوا الابتسامات ولم يعودوا يذكرون حتّى شكلها... »[73], صيغة جماعية يتحدث الكاتب على لسان بطله عن الحال التي آل إليها أفراد مجتمعه من الزمن الماضي إلى الزمن الحاضر الذي يعيشه.
5- النفي بغرض الإثبات: وهي بنية لغوية دالة موفقة لدى الكاتب ذات قدرة بلاغية وابلاغية عليا لأنها تخلق المعادل الشعوري المتوخىّ, وتوضح المضمرات الروحية والنفسية والفكرية للنص الروائي وتجعله متعمقا في التوصيل وذلك بإثارة التضاد الدلالي الذي يخلق أفقا شعوريا وذهنيا رحبا متحركا ويتجلّى ذلك من خلال قول الكاتب في المتن: « كما قلت لك لماذا لا تترصّدهم بفضاعاتهم وتتعقب بالآلة شرورهم », « لكنه ككل مرّة سبقت تردّد لمّا استعظم ما هو مقبل على فعله وعازته الجرأة كي ينقلب فجأة عمّا بداخله من صفاء وطهر», «كيف لك أن تتحول من باعث للمسرة وزارع الابتسامة إلى قنّاص للقبح ومطارد للفضائح », «عاد الصوت الشيطاني يذكرّه بأولاده وبلقمتهم التي كانت مهددة...»[74].
     وهناك الكثير من هذه الازدواجات في الأفكار في لحظة فكر سليمة وطيّبة  وفي لحظة تالية لها فكرة خاطئة وخبيثة وتراوحت نفسية المصوّر على هذه الحالة.
     - ليست البنى اللغوية السابقة وحدها التي أشرنا إليها كانت المسيطرة على بنية النص ولكنّها أهمها وأكثرها بروزاً ووضوحاً.
     - إن لغة الكاتب "أحمد خوضر" لغة موحية شاعرة مكثّفة في الموقف الشعورية خاصة مما أدى إلى توالد الصور حيث تنشأ عنده الصورة بسيطة ذات بعدين للتماثل, وهكذا إلى أن تنتهي بأداء التماثل المنشود وهي تتميز بعملية الإفضاء والتوالد فكل صورة تفضي إلى أخرى بعدها وتتشكل من المقدمات والنتائج صورة نسميها المتوالدة ونذكر هنا النص اللغوي للصورة, نجد أحمد خوضر بدأ بصورة بسيطة وصف فيها حالة البطل ثم إلى أن وصل إلى العقدة تمثلت في تأزم حالة البطل من المجتمع ثمّ إلى الاختتام الغامض لحياة البطل.
     - كما تجلّت هناك العديد من الصور التراكمية ومعنى التراكم هنا تكدّس مفردات الصورة الواحدة أو الصور المختلفة بكثرة إما بشكل متجاور مترابط بأدوات لغوية نحوية تقليدية للتأثير الشعوري أو لأداء لذّة بلاغية أو إبلاغية معينة منشودة تشكل محورا ما من محاور النص أو ضرورة بلاغية لنقل المضمرات النصية عبر الدلالة البلاغية ونمثل لها بالشكل التالي[75]:
1- «كان يشعر بتوتر شديد »      
2- « أنه سينفجر بين لحظة وأخرى »               
3- « لو لم ينته به سيره إلى ساحة الحديقة »            
4- « ما أن رآها حتى أخذ ذلك الشعور يتلاشى»
5- « بقي في نفسه منه الكثير » 
     هذه مفردات صورة تراكمية متجاورة وهي مجموعة من الصور البسيطة أحيانا والمتوالدة أحيانا أخرى والنظر إلى طبيعتها اللغوية يبين مراميها الخطابية في النص والأهم من ذلك كله الدلالات الشعورية داخل البطل فكريا وفنيا.
    - إذا رصدنا صورة من صور الحركة اللفظية التي تأتي على شكل زوبعة حركية متداخلة الزمن لتلغي البداية التقليدية والنهاية المنطقية لحركة الزمن, نخلص إلى أن الهدف الرئيسي للخطاب القصصي هو الاتكاء على اللغة لتكوّن عنصراً رئيسيا من عناصر الجذب الروائي (القصصي) لأن الحدث يتضاءل كثيرا أمام اللغة وهو حدث بسيط لا يلفت الانتباه ولا يستثير اللذة الأدبية الروائية المنشودة ونوضّح ذلك من خلال التعبير التالي المأخوذ من المتن:
حيث يقول: « كان سائقها قد رآه لما راح يلوح بذراعه مشيراً له كي يقلل من سرعته إلا أنه لم ينثن وواصل سيره بتعال وبقليل من الأدب وربما شعر بالنشوة وهو داخل ذلك الوحش الحديدي المنفرط الجام الذي كان ينشر حوله فوضى عنيفة مشبّعة بالغبار والدخان لا قبل للمارة باتقاءها إلا بالفرار وهم يشدّون أنوفهم ساخطين »[76].
الأفعال
كان
رآه
راح
يلوّح
يقلل
ينثن
واصل
شعر
ينشر
يشدّون
الزمن
ماضي
ماضي
ماضي
مضارع
مضارع
مضارع
ماضي
ماضي
مضارع
مضارع
    
     - إن المتن السابق الذي تناولناه بالإحصاء كان بمحض الصدفة متوازن زمانيا فقد احتوى على نفس عدد الأفعال التي صرّفها الكاتب في الزمن الماضي جاءت مساوية لزمن المضارع.
     - أما بالنسبة للقصة ككل: نشير إلى كثرة الأفعال وكذلك إلى غلبة المضارع الحاضر في النص وهو سعي من الكاتب إلى إبراز الحركة القصصية التي توازي الحركة النفسية ولكن هذه الحركة تنكسر بالتناوب مع الماضي بحثا عن التحريك والصّدم من خلال تعدّد الأزمنة.

ط- البنية الاجتماعية:
     يختلف النص الروائي عن النص الشعري بكونه يجسد البنيات الاجتماعية بشكل أوضح من خلال بعده النثري وخلقه العالم اجتماعي يتفاعل مع العالم الاجتماعي المعاش, إنه يخلق عالما بواسطة اللغة وتبرز لنا هذه البنية الاجتماعية داخل النص الروائي بصورة أجلى في كون النص يقوم على أساس "القصة" بما تحويه من شخصيات وأحداث وفضاءات وأزمنة تكون لها مرجعيتها إلى الواقع مباشرة أحيانا كثيرة.
     يمكننا البحث عن البنية الاجتماعية في النص المحلل من خلال الجوانب التالية التي نستعيد فيها ما سبق ومن هذه الجوانب:
I- البعد الواقعي:
     إن المرجعية الرئيسية للخطاب الروائي والخطاب القصصي عامة هي الواقع بمفهومه العام, وتتفاوت هذه القوة بين روائي وآخر وبين رواية وأخرى, بين قاص وآخر وبين عمل قصصي وعمل آخر, وفق رؤية الكاتب للعالم ونظرته إلى الإنسان وأخص القصة بالذكر لأن إسهامها الخاص يقرن عادة بتطورها كشكل أدبي يهدف إلى وصف الحياة وصف صادقا أو واقعيا, ومن المفترض تقليديا بالروائي و القصصي أن يكونا أشدّ الناس اهتماما بما هو واقعي, حتى وهو يستعمل الأسطورة أو الرمزية فإنه يوظف مثل هذه المحسِّنات ليوسع فهمنا للعالم (الواقع)[77].  
     وفي تصوّرنا أن الواقع عندما يفرض سلطته كمتكأ خطابي إنما يكون بعده الاجتماعي هو صاحب لهذه السلطة لأن: « الأدب يمثل الحياة والحياة في أوسع مقاييسها حقيقة اجتماعية معينة لا يمكن أن تكون فردية صرفا ً»[78].
1- الواقع: قوة الحضور: تقوم القصة بتوصيف الواقع بطريقتين:
الطريقة الأولى:
     التوصيف المباشر الذي جاء على لسان بطل القصة "المصوّر" ويظهر ذلك في قوله:
« لقد كان مرور تلك الشاحنة المجنونة والغبار الذي أثارته »[79].

« كان سائقها قد رآه يلوِّح بذراعه مشيراً له »[80]. 
« فبينما كان يقف مستظلا بشجرة سطى على سور الحديقة بعض الصبية »[81].
     لقد قام الراوي بتصوير الواقع الذي يعيشه بطله تصوير دقيق وذكر العديد من التفاصيل التي نستطيع أن نفهم من خلالها كيف وضع البيئة الاجتماعية وكيفية تعامل الناس مع بعضهم البعض والمردود الأيديولوجي لهذا المجتمع.
الطريقة الثانية:  
     التوصيف الضمني من خلال عرض الحدث الواقعي وعرض المواقف النفسية المضادة له وأيضا عرض الحدث النقيض.
أ- تمثل الحدث الواقعي في حياة هذا المصور العادية كأي مصوّر آخر, يخرج صباحا ليلتقط صورا للناس ويعود وقت الغذاء إلى منزله وهكذا يظهر ذلك من خلال قوله: « لمّا شعر أن الراحة أخذت نصيبها منه نظر إلى الساعة بيده فوجدها تقارب منتصف النهار فقام من الكرسي الحجري...»[82]. 
     - هذه الجملة من النص تصف يوميات المصوّر بكل دقة منذ خروجه من منزله إلى عودته له.
ب- تمثل الموقف النفسي المضاد للحدث الواقعي في: وصف المصوّر لحالته النفسية وإحساسه بحالته كيف تدهورت وظهر ذلك في قوله: « رأى أنه لا يزال كأوّل مرّة مصوراً بائساً في مدينة تزداد مع الأيام جفوة»[83], يُظهر هذا الموقف عدم رضا المصوّر بوضعه الذي يعيشه.
ج- تمثل الحدث النقيض في الصوت الشيطاني الذي يحدثه لكي ينقلب على هذا المجتمع الذي لم ير منه إلا الظلم وظهر ذلك في: « في تلك الأثناء انبعث صوت شيطاني من أعماقه أخذ ينعته ويلومه... لم يفلح في التملص من سطوته حين راح يلاحقه وينغص عليه »[84], هذا الصوت يدفع به إلى التمرّد على هذا الواقع الظالم.    
2- الواقع ـ حضور المجتمع:
     ظهر هذا في البعد الاجتماعي لوضع المصوّر من خلال تحقق الذات ومضادات التحقق حيث تجنّد هذه القصة جميع قدراتها وتسخِّر جميع المساحات القصصية للحديث حول الموضوع البؤري هو: « دور هذا المصوّر في مجتمعه الذي يعيشه » وتتنوع الإشكالات المطروحة حول وضع هذه الشخصية بين انكسار الحلم ومعاناة الواقع أو الاصطدام به وبمأساويته وكذلك صِراع الطبقات الذي يظهر بشكل واضح في هذا المجتمع الذي تصوره قصة "الانقلاب".
     لا نُغْفِل العنصر الثاني "المرأة" حيث تظهر في القصة من خلال شخصية "الفتاة" وهي جزء ملحق بالرجل ولا إمكانية لوجودها أو تحقق هذا الوجود في بعده الإنساني إلا بواسطة الرجل وأن الحقيقة ما يلي: « ألا مكان للمرأة إلا في بيئتها », وإن خرجت عن هذه البيئة ستكون العنصر الناشر والداعي الأساسي والمؤسس لكل الآفاق الاجتماعية: انحراف, ابتزاز... .
II- البعد الطبقي: أي الرؤية البرجوازية أو صراع الطبقات
     إن انتماء هذه الشخصية (المصوّر في الانقلاب) إلى الطبقة الكادحة أو طبقة العمّال (الفقراء, المضطهدين...) وإن كانت لديها بعض حالات التمرّد فهي لا تتعدى حالة تمرّد فردي أحادي الأفق ويظهر في قوله: « لم يعد يشغله ساعتها إلا توقيف هذا السائق المجنون وردعه ببعض الكلمات ربما أعادت إليه ما نسي وتناسى من آداب المعاملة وحسن السلوك »[85].
     أو تمرّد مغامرات ظهرت في رغبته الجامحة في أن يصبح مصوّر فضائح ظهر ذلك في: « تذكّر ساعتها مصوّري الفضائح, وما كانوا يجنونه لقاء مشاهد استرقت خلسة [...] وعازته الجرأة كي ينقلب فجأة عمّا بداخله من صفاء وطهر »[86].
     ونجد لدى هذه الشخصية تعاطفا مع الآخر الطبقي (الفتاة التي أخذ لها صورة خلسة مع الشاب) ولكن دور هذا الآخر (الفتاة) أن يستجدي تعاطفها حتى تحسّ به ويظهر في ردّة فعله من موقف الفتاة حين أعطته خاتمها مقابل الصورة مخافة الفضيحة الفادحة التي ستحصل لها إذا نشرت هذه الصورة حيث أنه قام برفض الخاتم ووعدها بإعطائها الصورة عند تحميض الشريط ويقول: « إنها لم تحمّض بعد... لا تخشي شيئا سأعيدها لك »[87], لقد كانت ردّة الفعل السابقة خارجية سنتعرض إلى ردّة فعل المصوّر الداخلية تمثلت في:
1- انكسار الحلم: يسود القصة وانتقل بين طرفين وفي وجهة واحدة:
الطرف الأول: "الحلم" بواقع نظيف خال من الابتزازات وبالضحكات الصادقة التي كان يراها على أوجه الناس وبالصوّر الحقيقية وليس العالم المزيّف الذي أصبح يراه.
الطرف الثاني: "الانكسار" ظهر في الانقلاب الداخلي الذي حصل له جرّاء ما لقاه من قسوة المجتمع إذ يتحول العالم الذي يَصوغُه الحلم من ارتباط وثيق وعلاقة اتصال وشغف بالعالم إلى انفصال كُلِّي تذوب جميع الصِّلات القديمة بين الذات والعالم (المجتمع).
2- الاغتراب: إن المقولات السابقة هي مقدِّمات طبيعية أدّت للوصول إلى حالة غربة داخل نفسية المصوّر أدى إلى نفي العالم الخارجي كلّه وفصل التعامل معه ومع مكوّناته كشخصية غير منتمية له وعلى أنه مصدر للخوف والقتل والموت كأقصى حد ظهر ذلك فعلا في النهاية التي لقاها المصوّر في: « أحسّ بجسم صلب يهوي على رأسه وعندما استدار رأى قبضة غليظة محكمة الشدّ تصطدم بوجهه [...] وهو يهوي على الأرض فاقدا وعيه صوت آلته وهي تتشظى على سطح صلب »[88].
     أحسّ المصوّر بهذه النهاية قبل أن تحصل له وقد استقرأنا ذلك من خلال الاغتراب النفسي الذي حصل له.
III- البعد السيكولوجي:  
     يشكل الاغتراب مقدمة لظهور أبعاد فوق اجتماعية أهماها البعد السيكولوجي في شكله غير السّوي نظرا إلى خصوصية النموذج المدروس فالبطل في قصة "الانقلاب" (مصوّر) أي فنّان, وهذا جعلنا نتناول القضية من منظور خاص فالعالم الداخلي عند البطل دخل ضمن إطار وعيه (المصوّر), فهو يعني ذاته بالدرجة نفسها التي يعي فيها العالم الخارجي, ومن هنا نرصد عملية تحوّله إلى نموذج سيكولوجي مرضي ويظهر ذلك من خلال كثرة الحوار الداخلي للمصوّر مع نفسه تارة تقوده إلى عمل الخير وتارة أخرى تغريه بالانحراف السلوكي وأن فيه من الراحة والرقي والاستقرار ما فيه.
     ويظهر ذلك في قوله: « فربّما بملاحقاته سيجعلهم يقلعون عن اقتراف هذه السلوكات وصوّره حينها أنه مصلح, ومن خلال مطاردته للقبح, سيقدم خدمة جليله للناس »[89], هنا نجد نفسه تزيِّن له ما سيقوم به من خير لهؤلاء المساكين (أفراد مجتمعه).
     وفي قول آخر: « ألم أقل لك [...] أنهم لا يترددون في الدّفع وسخيا من أجل صورهم القبيحة »[90], فنجد هنا الإغراء المادي قد تحقق وأن نفسه الشريرة قد بيّنت له صدقها وبرهنت له أنه إذا اتبعها فسوف يجني من الراحة ما يجني صورة واحدة في موضع حرج وابتزاز صاحبها سيجلبان له الكثير ويوفِّران عنه عناء التنقل بحثاً عن من يلتقط له صورة عادية.
IV- البعد الشعوري:
     وظهر في تعدد اتجاهات العنف الشعوري في النص, فهي تتخذ آفاقا متكاملة لصنع الشخصية وبناءها, ونعني بالتكامل أن هناك مناحي متداخلة من أنواع العنف ونجد في النص:
1- العنف نحو الآخر: ظهر هذا العنف عند البطل (المصوّر) متمثلا في العنف ضدّ المجتمع وأفراده.
2- العنف نحو الذات: ظهر هذا في الحالة السيكولوجية للبطل, هي محاولة الانتقام من حالة الإخفاق التي تعانيها ذاته من انعدام القدرة على المطابقة بين الحلم بواقع مثالي نظيف والواقع الواقع بكل صور الظلم الموجودة فيه, وقد يكون ذلك محاولة النزوع نحو الخلاص والانعتاق من هذا التناقض بين الحلم والواقع بشكل سلبي.
     - وخلال أحداث القصة نلحظ تداخلا في اتجاهات العنف حيث يمتزج عنف الذات في المونولوج الداخلي وعنف الآخر في عدوانية موجهة نحو المجتمع وأفراده في تصرّفات يقوم بها المصوّر وتظهر من خلال القراءة السيكولوجية لأحداث قصة "الانقلاب".  
ي- الاختتام:
     يتأسس الاختتام في قصة الانقلاب على نسق مشابه لما انبنى عليه الاستهلال, حيث اختتم الراوي "أحمد خوضر" قصته بالوصف أيضاً, إلا أن الوصف هنا كان وصفاً ظاهريا وخارجيا, كما أننا هنا قد وصلنا إلى خاتمة القصة بعد أن اطّلعنا على كل أحداثها وتابعناها, ولهذا حاول الراوي أن يختتمها بطريقة فيها تشويق وإثارة إضافة إلى عنصر المفاجأة, فبعد أن أنهى المصوّر عمله بحصوله على الصور ورسمه خطّة لمساومة الشباب في : «أخذ يحدث نفسه ويتوعّدهم بأن ينسخ عنها الكثير ثمّ يساومهم واحداً واحداً »[91].
     فوجئ بقبضة على وجهه أردته أرضاً: « عندما استدار رأى قبضة غليظة محكمة الشدّ تصطدم بوجهه وأحسّ بسائل ساخن كثيف يملأ فمه... »[92].
     وكان عنصر المفاجأة هنا للمصوّر وللقارئ أيضاً, كما زاد دقة تصويره إثارة حتّى لكأن المشهد مصوّر أمامنا, كما أن هذه الخاتمة أوضحت لنا المآل والمصير الذي آل إليه المصوّر بعدما عاش اضطرابات وصراع بين الخير والشرّ في ذاته, واتّضح أن طبعه الذي طبع عليه ليس شريرا أو عدوانيا, ولا يمكنه أن يكون كذلك, إلاّ أنه أخذ صورة لهؤلاء الشبّان بدافع الإصلاح علّهم يرتدعون, لكنّ تخمينه واختياره كان غير موفقاً هذه المرّة, عكس الفتاة التي لحقته مستعطفة, فهؤلاء شبان لا يعرفون الترجي, وسبيلهم الوحيد هو القوّة, فما كان له إلاّ أن يتلقّى ضربة أسالت دمه من أنفه وأفقدته الوعي كما فقد آلته العتيقة والغالية عليه, فكان اختتام القصة بحدث مفتوح غامض كما كان افتتاحها.      
             
  
        
الهوامش

* الاسم واللقب: أحمد خوضر, تاريخ ومكان الميلاد: 12 فيفري 1969م بجامعة الوادي, الوضعية الاجتماعية: متزوج, المهنة: أستاذ تعليم متوسطة لمادة التربية التشكيلية, المؤهلات العلمية: ثانية جامعي علوم سياسية, الشهادات: شهادة من المعهد التكنولوجي للتربية بن عكنون 1992م- دبلوم سيناريست من شركة الهلال للإعلام وخدمات الاتصال 2006م, الانجازات: المشاركة في معارض تشكيلية محلية ووطنية منذ 1996م منها الصالونات الولائية بورقلة- معرض تشكيلي بمناسبة الجزائر عاصمة للثقافة العربية 2007م- مجموعة قصصية "الانقلاب"- سيناريو مسلسل اجتماعي "بيت من زجاج" هو الآن بين يدي لجنة القراءات التابعة للتلفزيون الجزائري ينتظر الموافقة- مسلسل اجتماعي آخر "أحلام مؤجلة" قيد الانجاز.   
[1] أحمد خوضر, الانقلاب وقصص أخرى, طبع الجاحظية, دط, 2007, ص: 43.
[2] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 43.
[3] أحمد خوضر, المرجع نفسه,  ص: 43.
[4] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 43.
[5] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 44.
[6] ينظر, نور الدين السد, الأسلوبية وتحليل الخطاب, ج: 2, ص: 165.
[7] ينظر: صالح إبراهيم, الفضاء ولغة السرد في روايات عبد الرحمان منيف, المركز الثقافي العربي, المغرب, ط: 1, 2003, ص: 105.  
[8] ينظر: حميد لحمداني, بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي, ص: 73.
[9] ينظر: صالح إبراهيم, الفضاء ولغة السرد, ص: 89.
[10] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 43.
[11] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 43.
[12] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 50.
[13] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 50.
[14] محمد بنسعيد, قاموس السرديات المغربية, ص: 06.
[15] محمد بنسعيد, المرجع السابق, ص: 6.
[16] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 45.
[17] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 45
[18] نور الدين السد, الأسيلوبية وتحليل الخطاب, ج: 2, ص: 172- 173.
[19] أحمد خوضر, المرجع السابق, ص: 45- 46.
[20] ينظر: نور الدين السد, الأسلوبية وتحليل الخطاب, ص: 173.
[21] أحمد خوضر، الانقلاب, ص: 43.
[22] أحمد خوضر، المرجع نفسه, ص:46.
[23] ينظر: حميد الحمداني، بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي ، ص: 53.
[24] ينظر: محمد بنسعيد، قاموس السرديات المغربية،مصنف تحت الرخصة الحرة، تم التحميل من " موقع مدونة الدرس الأدبي"، ص: 51.
[25] ينظر: محمد بنسعيد, المرجع نفسه، ص: 58.
[26] ينظر: حميد الحمداني، بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي ، ص: 53.
[27] ينظر: حميد الحمداني, بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي, ص: 55- 58.   
[28] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 43.
[29] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 46.
[30] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 47.
[31] أحمد خوضر, المرجع نفسه، ص: 48
[32] ينظر: حميد الحمداني، بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي، ص: 60- 61.
[33] نور الدين السد, الأسلوبية وتحليل الخطاب, ص: 176- 177.
[34] ينظر: سعيد يقطين, انفتاح النص الروائي النسق والسياق, المركز الثقافي العربي, الدار البيضاء, المغرب, ط: 2, 2001, ص: 140. 
[35] ينظر: إبراهيم عبّاس, تقنيات البنية السردية في الرواية المغاربية, المؤسسة الوطنية للاتصال للنشر والإشهار, الجزائر, دط, 2002, ص: 149- 151.
[36] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 44.
[37] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 46.
[38] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 47.
[39] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 49.
[40] ينظر: غبد المالك مرتاض, القصة الجزائرية المعاصرة, المؤسسة الوطنية للكتاب, الجزائر, دط, 1990, ص: 67.
[41] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 43.
[42] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 51.
[43] ينظر: إبراهيم محمود خليل, النقد الأدبي الحديث من المحاكاة إلى التفكيك, ص: 173- 174. 
[44] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 46.
[45] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 48.
[46] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 56.
[47] ينظر: برنار فاليت, الرواية مدخل إلى المناهج والتقنيات المعاصرة للتحليل الأدبي, ترجمة: عبد الحميد بورايو, دار الحكمة, دط, دت, ص: 85.
[48] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 55.
[49] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 50.
[50] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 53.
[51] ينظر: محمد كريم الكوّاز, علم الأسلوب (مفاهيمه و تطبيقاته), ص: 174. 
[52] محمد مصايف, النثر الجزائري الحديث, المؤسسة الوطنية للكتاب, الجزائر, دط, 1989, ص: 68.
[53] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 48.
[54] صلاح صالح, سرد الآخر (الأنا والآخر عبر اللغة السردية), المركز الثقافي العربي, الدار البيضاء, ط: 1, 2003, ص: 71.
[55] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 49.
[56] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 49.
[57] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 52.
[58] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 47.
[59] منى إبراهيم اللبودي, الحوار فنياته واستراتيجياته وأساليب تعليمه, مكتبة وهبة, القاهرة, ط: 1, 2003, ص: 20.
[60] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 53.
[62] ينظر: ، محمد كريم الكوّاز، علم الأسلوب مفاهيمه وتطبيقاته، ص: 175- 176.
[63] ينظر: عمر محمد عبد الواحد، شعرية السرد، ص: 31.
[64] برنار فاليت, الرواية مدخل إلى المناهج والتقنيات المعاصرة للتحليل الأدبي، ص: 92- 93.          
[65] عمر محمد عبد الواحد, شعرية السرد, ص: 32.
[66] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 44.
[67] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 44.
[68] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 44.
[69] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 44.
[70] ينظر: سليمان حسين, مقالات في الرواية العربية, اتحاد الكتاب العرب, دط, دمشق, 1997, ص: 113.
[71] ينظر: سليمان حسين, مقالات في الرواية العربية, ص: 113.
[72] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 43.
[73] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 47.
[74] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 49.
[75] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 43.
[76] ؛مد خوضر, المرجع نفسه, ص: 44.
[77] ينظر: جون هالبرن, نظرية الرواية, ترجمة: محي الدين صبحي, وزارة الثقافة والإرشاد القومي, دمشق, دط, 1981, ص: 309.
[78] رينيه ويلك, أوستن وارن, نظرية الأدب, ترجمة: محي الدين صبحي, مراجعة: حسام الخطيب, وزارة الثقافة والإرشاد القومي, دمشق, دط, 1981, ص: 119.
[79] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 44.
[80] أخمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 44.
[81] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 51.
[82] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 46.
[83] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 46.
[84] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 45.
[85] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 44.
[86] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 49.
[87] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 54.
[88] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 56.
[89] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 49.
[90] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 54.
[91] أحمد خوضر, الانقلاب, ص: 56.
[92] أحمد خوضر, المرجع نفسه, ص: 56.