البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

الخميس، 29 سبتمبر 2011

مايجب أن تعرفهه عن فن الأسطورة

                                                                  الأسطورة
Myth                                                                    
الأسطورة هي معلومات قصصية منظمة تدور حول المعتقدات الميتفزيقية أو أصول الكون أو المؤسسات الاجتماعية أو تاريخ شعب من الشعوب. ووظيفة الأسطورة لأبناء المجتمع هي تسجيل وعرض النظام الأخلاقي الذي بواسطته يمكن تنظيم وتشريع المواقف والأحداث الاجتماعية.
وقد أهتم علماء القرن التاسع عشر ومفكروه بدراسة أصول وطبيعة الأساطير خصوصاً علماء الانثروبولوجيا منهم إذ اعتقدوا بأن الأساطير هي جزء لا يتجزء من النظام الاجتماعي الكبير. ولا يمكن عزل الأساطير عن المجتمع وذلك لكونها عبارات تصف الحقيقة والواقع وتعكس المعتقدات وتربط الكلام بالحدث، ومع هذا فلا يمكن تصديق ما تدعيه الأساطير من قصص وحكايات ومعتقدات تتناقض مع الجانب العلمي والمنطقي للعقل السليم.
فقد هاجم ليفي ستراوس التفسيرات البسيطة للأساطير التي قام بها علماء الاجتماع وعلماء النفس، ووجه اهتمامه باستنتاج التركيب المنطقي الذي ينظم الجانب القصصي للأسطورة كما يفعل اللغوي عندما يرتب الكلمات بنموذج نحوي رفيع يعكس للقارئ معنى ما يقرؤه من عبارات لغوية لها قواعد ومعانٍ أصيلة. وقام ليفي ستراوس بمقارنة أساطير كثيرة مشتقة من مجتمعات مختلفة، إلا أنه وجد جميعها متشابهة من ناحية الفحوى والمعنى. وعلماء الانثروبولوجي الاجتماعي الإنكليز لا يعتقدون بأن الأساطير هي وصف لأنواع معينة من السلوك البشري الذي يتعلق بالمتيفزيقيا أو الأنظمة الفكرية والفلسفية وأنها لا تستطيع وصف ذلك السلوك الاجتماعي المتعلق بالعالم المادي أو العالم الحقيقي الذي نعيشه فيه الآن.
........................................................

الأسطورة هي قصة خيالية أو مختلقة. وكانت ترتبط بالظواهر والكوارث الطبيعية وتفسيرها . فلقد تصور الأولون المطر إله يصب الماء من إناء بالسماء والريح له إله ينفخها بمراوح والشمس إله لأنها تضيء الدنيا ويشعل النيران . وكان الإنسان الأول يؤدي طقوسا للحصول علي هذه الأشياء وكان يعيش مع أساطيره كما إنشغلت كل الحضارات القديمة بسبب الخلق والخليقة . وتعتبر الأساطير حكايات مقدسة لشعب أو قبيلة بدائية وتراثا متوارثا ويطلق علي هذه الأساطير أحلام اليقظة ولها صلة بالإيمان والعقائد الدينية . كما تعبر عن واقع ثقافي لمعتقدات الشعوب البدائية عن الموت والحياة الأخروية . وهذه نظرة ميتافيزيقية . ومازالت القبائل البدائية تمارس الطقوس وتتبع أساطيرها التي تعتبر نوعا من تاريخها الشفاهي الذي لم يدون . ومن خلال الملاحم تروي الشعوب روايات عن أجدادها وحروبهم وإنتصاراتهم ورواية السير الشعبية الملحمية . لهذا لاتعتبر الأساطير تاريخا يعتمد عليه لأنها مرويات خرافية خيالية . فالإنسان البدائي لم يكن يشغل عقله لتفسير الظواهر الطبيعية وكان يعتبر من منظوره الشمس والقمر والرياح والبحر والنهر بشر مثله . لهذا ظهرت أساطير الأولين لدي البابليين والفراعنة والرومان والأغريق والماياوالأسطورة هي نتاج التفسير الساذج للشعوب البدائية لظواهر الطبيعة المختلفة التي كانت تصادفهم في حياتهم اليومية، بحيث كانو يضعون لكل ظاهرة بل ولكل نشاط يقومون به الاها خاصاًوكانوا ينسجون حوله قصصا خيالية خارقة.

الأسطورة والشكل
      الاسطورة صناعة ومكننة شكلية للخيال، وتعد هذه المكننة الامتداد الما بعدي للذات، والتي لا يمكن لها ان تكون الا بوجود هذا الخيال ـ كمعادل ورمئ، واشارة ووجود ـ فالذات تتطبع به كما يتطبع هو بها، وهو ايضاً الامتداد الذاتي وطريقة العيش المفترض للاشياء والامكنة والازمنة، وهذا الامتداد ينطبق شكلياً في محمولات الاسطورة بأمتدادها (الذاتي) و(الانساني) اثناء عدوها لفرض اوهام معرفيتها في الاشياء او الكون.
ان التلاقي الشكلي الذي نحاول استلاله من الدال او المدلول يدلنا كما يوهمنا الى مساحة اللافرق بينهما، ومساحة ولادة وموت الاسئلة والاجوبة وتناسلهما خيالياً في عالم تسكنه وحشة الاغتراب، وعالم لا يمكنه الا ان يرحب بالوحدة والموت المستمئ، عالم يتلاقى مع قلق يرجو اليفاء، واملاً في التحرر الابدي من قدرية وجوده المحدودة، تلك كانت الاسئلة الاولى التي ارهقت الذات وارهقت ابطال اساطيره وعوالمها الملونة بكائنات لا يحدها حدود واخفاقات الانسان.
      الاشكال في الاسطورة تتخذ لنفسها طاقات نفسية وتكوينية في ان واحد، فهي قوية وحادة في دوال غاضبة ومنتصرة، واشكال تتخذ لنفسها الضعف والخسارة وتتلون بدوال الحزن والبهت، فالقوة دوالها تتجه الى الضعف لتهزمه، ونشوة انتصار تخلف حزن الهزيمة، وفي هذا فأن الاسطورة تسقط الذات في شبك ورطتها الانسانية في صراع ابدي، بشرط تفرضه الاسطورة مهما كانت نتائجه ـ فالصراع هنا ما بين الوجود واللاوجود، بين الانتصار ونشوة وقوة الذات / تشكل الاسطورة، وانهزامها وخسارتها وفجائعها / انهزام الذات / تشكل الاسطورة.
      وعلاقات القوة والضعف يشكلان فيما بعد حياة الاسطورة كما يشكلان حياة الذات ـ وللاسطورة كما للذات وحضاراتها وعوالمها، حياة تولد فيها الاشكال قوية ثم تشيخ وتموت ومن ثم تولد بشكل اخر، وهكذا دواليك، كما هي اشكال الرسم او العمارة او الموسيقى او الرواية.
      ان الخيال الاسطوري يتسع لاستنفاذ طاقة الباث الحسية عبر تمرد مقصود في كل الصور والاحتمالات والامتدادات الذاتية كما هي في تحولات المجتمعات والحضارات الانسانية، وواحدة من هذه التحولات الكبيرة حدث في عصر النهضة (الاوربية) عندما تولدت اسطورة ووهم وشكل جديد للذات، وهي اشكال العقل ـ بعدما كانت اشكال الوجدان ـ فبدت الاسطورة تتخذ لها تكوينات وصورا تلخص فيه ادوار الانسان وعلاقته الجديدة والمكتشفة مع الكون واشياءه، فالشكل اصبح يتركز بعدولات هذا الاكتشاف او العقل، فالشكل هنا هو العقل وسياقات القوة والسيطرة فيه، ثم في اشكال تنجه الى الذات ووجدانها المنتشي يخلق الاشكال والسيطرة عليها.
فالاسطورة في عصر النهضة اسطورة انتجها العقل التجريبي كما انتجها الانسان المتحرر تواً من قبضة وهم الكنيسة ليترك اشكاله تتغذى من ذلك الوجدان.
      اشكال القوة في الاسطورة الانسانية تتجه دائماً الى التمرد لتتخذ ذلك الوجدان طريقاً لها، ثم فيما بعد تتجه لتكون ثائرة، عدمية، قافزة، رشيقة، لتخلق لها اجواء تدفع خالقيها (الانسان اثناء الخلق واثناء التلقي) الى التمرد، والثورة والعدمية، والمغامرة المستمرة.
الاسطورة المعاصرة ـ المتوهمة ـ تعيش بيننا في شكل براق، وفي ماهية سائلة، دون التمركز في ااا
تكوينات واشكال متمركزة، فالمراكز تتعارض مع سيولة الاشكال وموجوداتها.
اشكال الاسطورة التي نعيشها جزء كبيراً منه نمثله نحن الموهومين بتلك الادوار وهي اشكال ما بعد حداثيته تتحرك في مشاهد سريعة ودنياميكية (حيوية) مختزلة ومتشظية، تستخدم الاسطورة فيه لبناء اشكالها.
      ان الاسطورة ما بعد الحداثية، لا تحاول الظهور بزيها الاول التي ظهرت فيه، بل بزي تشكيلها لماهيات لا تكاد تظهر حتى تختفي في اشكال متواصلة مع الانا، او وجودها الشكلي الخالص، في هيمنة انية على ما سواها.
ان حركة الاشكال داخل الاسطورة في فضاء مفتوح؛ فضاء علاقات الاشكال / فضائات الاسئلة، لا يحتم لها ان تجد تعيينات زمانية او مكانية او حدوداً لها فالشكل في علاقاته وتلقيه وحيويته الانسانية الممتدة في صيرورة وجود الانسان، يتحرك وفق سياقات وجوده حياته نفسها او طاقته المفترضة، وحركته هذه هي التي تخلق حياته، فحياة الاشكال في حركتها، وفي تجاوزها لمنطقة العلاقات والانساق، وعدم ارتباطها بحتمية محدودة. وهذا يتأتى من حجم وكيفيات الاوهام التي خلقت من اجلها الاسطورة.

الأسطورة والفكر
     إن النصوص الكثيرة التي خـلّفها العـقل العـراقي تـُعـد في مجملها نتاج فكري لواقع أهم ما يميزه كونه قــــد صاغ أساطيره، وإتبع منهجا ً واضحا ً من أجل تنظيم الحياة، عـبرالنظر لحـركة الكون والطبيعـة والحياة الإجتماعـية. ولعـل أشهر تلك النصوص، والتي رَشحت القـيّم والأسس الإقتصادية والأخلاقية. ومنها على سبيل المثال : (الحوار بين السيد والعـبد / ولأمجدن رب الحكمة / وحوار في العذاب الإنساني / ثم وصايا أحيقار، إضافة إلى الملاحم والأساطير الأخرى كملحمة (جلجامش / وقصة الخليقة البابلية) .
      لقد أشار تأريخ الأسطورة متمثلا ً في تأريخ الملوك والحقب التأريخية ؛ إلى أن ثمة مواجهات تصدرت فعـالية الإنتاج الفكري الذي تجسد في الملاحم والقوانين والتشريعـات. وهذه المواجهات تجسدت أيضا ً في الدين والسياسة؛ في التوحيد والتفريد والزعـامة للكون، وغـيرها من أ ُسس الحياة ومتطلباتها. فمثلا ً ما واجهه الملك (نبونائيد) آخر ملوك الكلدانيين في العـراق القديم؛ حيث تركزت في الإقصاد والدين. فقد كانت هناك أزمة في هذين الحقلين الحيوين اللذين شكلا عـصبين مهمين في حياة الشعـوب، وليــس في حياة العـراقيين فحسب. فالإقتصاد ورث تعـقيدا ً بسبب تركة الحروب، ثم فقدان سلطة المعـابد. مما ذوب دورها في النهج والسياسة العـسكرية، فيما يخص تغـذيتها ورفدها ماديا ً.
     هذه المشكلة مثلا ً أوجدت بالضرورة ما يتوجب إضفاء السيطرة من خلال إعـطاء الدور الأساسي للقوانين والتشريعـات، سيما إعـادة سلطة المعـابد الإقتصادية. فقد ورث الملك ( نبونائيد) جملة عـمليات إعـمار، إبتدأها(نبوبولاصر) وإبنه (نبوخـذ نصر). مما وفر له فرصة الإضافة الجديدة عـليها.
      ما نخلص إليه هنا يؤكد عـلى أن الأسطورة والدين والقوانين لها مكانتها ودورها فـي صياغـة الحياة وفي صناعـة التأريخ القديم، لأنها نتاج وإبداع الإنسان. فهو الراسم الحقيقي للحياة الفكرية والروحية، وذلك بسبب تمـّاس إهتماماته مع هموم العـصر، وحيويته المنبثقة من حيوية تلك الفعـاليات ذات المساس المباشر بالحاجة. وهي في مجملها هموم كونية وأخلاقية كالموت والخير والشر والأخلاق.  إن هذه الإتجاهات التي أولاها الإنسان في بلاد الرافدين إهتمامه، هي محاولة لفهم الكون وتنظيم نشاطاته من خلال السيطرة عـلى تشكلاته، وإظهار الملامح الأساسية للظواهر الطبيعية والإنسانية.
     ومن الأسس التي تعـامل بها الإنسان القديم في حضارة وادي الرافدين؛ هي اللغـة، بإعـتبارها الوسيلة المهمة والمباشرة في تجسيد مثل هذه الأفكار والنشاطات الحضارية. فإختراع الكتابة يـُعـد أهم محصلة حضارية أبدعـها الإنسان. ومن اللغـة إنبثقت المساحات ألأوسع للتفكير والنهج والأسطورة. وحسب ما ذكر الباحث (ناجح المعـموري) هي نظام لغوي رمزي ، يتسع كثيرا ً لإحتواء معـالم المجال الحضاري الحيوي، عـبر تنوعـاته وإختلافاته، ليوميء إلى ما هو تأريخي وواقعـي.
إن الأسطورة في نهاية المطاف ؛ هي نتاج لغـوي ـ لساني. وبالتالي هي محتوى وشكل يرشح أفكارا ً عـبر الطقسية والشعـائرية. وهي معـين لصناعـة الأفكار من خلال مناحي التجريب والممارسة. ومن نتائج كل هذا نجدها تأخذ دورها التأريخي، بإعـتبارها السجل الأكثر أمانة. خاصة بعـد إختراع الكتابة، حيث دأب العـقل القديم عـلى صياغـة المدونة من الطين، عـلى شكل لقى، سُطرت عـلى أديمها الطري كل الملاحم والشرائع والقوانين. وهي بمثابة الأقراص الصلبة التي تشكل الآن ذاكرة هذا العـصر ومدونته- حسب ماذكر الدكتور نائل حنون في كتابه المعـجم المسماري. لكن الأقراص هذه سرعـان ما تتلف، عـلى العـكس من بقاء اللقى محتفظة عـبر العـصور عـلى ذاكرة عـتيدة. وهذا يعـني أن وراء إبتكارها عـقل كبير وواع ومستقبلي. لقد إحتفظت بتأريخ المدن وسيـّر الملوك والحكام والقادة وأخبارهم . وبهذا وغـيره من النشاطات إكتسبت الأسطورة أهميتها بهذا المحمل الفكري المنتج والمعـبـّر عـن حراكها وسعـة نشاطها، ومن ثم تركيزها.

معنى الأسطورة
      لامناص من الاعتراف من أن اغلب التعريفات تتوفر على مستوى عال من التعميم ، فهناك اعتراف بالطبيعة المتعددة للموضوع كما أن هناك ثمة اتفاق حول عنصر القص (كون الأسطورة حكاية لاعقلانية) أخذت تعني أي قصة مجهولة لمؤلف تتناول الأصول و المصائر والتفسير الذي يقدمه المجتمع لابناءه الشباب عن سبب وجود العالم ونشؤ الكون والمثل وتصرفاتنا الي جانب الصور المجازية التعليمية لطبيعة الإنسان ومصيره على حد تعبير (ويلك). أو يمكن تعريف الأسطورة بانها مركب من القصص البعض منها حقائق دون أدنى ريب والأخر خيال والتي يعتبرها الناس لأسباب مختلفة مظاهر للمعنى الداخلي لحياة البشرية على حد تعبير ( ألن واتس ) ويحدد آخرون مجموعه متعددة من الأسباب تجعلها عديمة المعنى تماما (أن الأسطورة ظاهرة حضارية كونها تنشأ في جمع من الدوافع وتطال كل القدرات العقلية) وهي بهذا كما يراها (ديفيد بدني) غير أن البعض مازال يرغب في توكيد صفة الأسطورة بوصفها لغة خيالية قائمة بذاتها، شكل مستقل من الروح البشرية لها بناء قائم ووظيفته تعبير على حد تعبير (كاسيرر) ووحدة الشعور الأسطوري هي نسق الخيال الذي يستطيع وبشكل مستقل عن الصيغة العلمية لافتراض الذي قد تشكل أساسه أن ينظم بفاعليه طريقتنا في النظر الى أجزاء من العالم الخارجي على وفق الاختلافات الموجودة فيه كما يرى (جوزيف مارغوليس). وهناك شواهد كثيرة تثير مشاكل مختلفة لكن بمقدورنا حتى ضمن تلك التعابير الخاصة في تحليل هذا المعنى التقليدي أن نتلمس الاستخدامات المتداخلة للكلمات مثل الأسطورة الميثولوجيا، الخرافة الحكاية الشعبية، وحتى الحكاية (القصةstory) وتكبر المشكلة في كتاب الأستاذ (كيرك) حول الأسطورة حين يشرع في التميز بين الأسطورة والخرافة استنادا الى القصص القائلة بان الخرافة أو القصة البطولية قد يكون لها شي من الصحة بيد أن من الصعوبة بمكان الدفاع عن هذا الرأي، فآلهة هوميروس قد تنتمي الى الأسطورة وقد تمثل في ملحمة الالياذه الجانب الميتافيزيقي للحكاية الأسطورية البدائية، ألان الحقيقة المؤكدة انه من الصعوبة إنكار كون الأبطال ينتمون الى عالم الأسطورة ويمكننا أن نعتبر أن شخصيات مثل (كونان) و(يوليسيس) (هرقل) بأنه موضوع شعبي متداول، حتى أن وصف (كيرك) نفسه للمواضيع الأكثر شيوعا في الأساطير الإغريقية البطولية بالدرجة الأساس تتصدره الخدع والألغاز مثل (بينلوب) والحلول البارعة للمشكلات يتحسس (كيرك) بتشابك ألماده والطبيعة المتناقضة لعدة مسائل خاصة ويعترف بأنه لا يوجد خط واضح وفاصل بين المصطلحات الأنفة الذكر تعيننا مضطرين تحت تأثيرأي نوع من الضغط لإيجاد نوع من التفريق، ويتضح في أخر المطاف بان السمه المميزة في الأسطورة تكمن في جديتها فكلمة أسطورة تنطوي على التمجيد في حين أن الحكاية الشعبية تظل اقل شانا – من وجهة رأي خاص – وبطبيعة الحال لا يمكن أن نجد معاير لمثل هذا التصنيف إذا ما وضعنا فلمي (السيد) الانتوني مان (كونان البربري) لجون مللير في كفة واحدة.

الأساطير في العالم الحديث
نتساءل في بداية بحثنا، ما هي الأسطورة، في حقيقتها؟‏
الأسطورة، حسب اللغة الدارجة في القرن التاسع عشر، هي كل ما يتعارض مع الواقع. يُعتبر من الأساطير كل ما يقال عن الإنسان غير المنظور. ويعود إلى مجال الأساطير تاريخ العالم الذي ترويه قبائل الزولو أو أنساب الآلهة التي يتحدّث عنها هزيود.‏
هذا الكلام، شأن الكثير من الأقوال المتداولة التي يرددّها أصحاب مذهب الإشراق والمذهب الوضعي هو من بنية ومن منشأ مسيحي. إذ أن بالنسبة للمسيحية الأوّلية، كل ما لا يجد التبرير والتأييد في العهد القديم أو الجديد، هو بطلان وبهتان. إنه من الخرافة والوهم. غير أن دراسات علماء الأعراق البشريّة أرغمتنا على إعادة النظر في ذلك الإرث الذي تناقلناه عن دلالة الأسطورة. وهو من بقايا الهجوم العنيف الذي شنّته المسيحيّة ضد العالم الوثني.‏
وقد أخذنا، أخيراً نعرف ونفهم قيمة الأسطورة مثلما تكوّنت في المجتمعات البدائيّة، وعند أقوام من الأزمنة القديمة، أعني في تجمعّات بشرية شكلت عندها الأسطورة الأساس للحياة الاجتماعية وللثقافة. غير أن أمراً واحدا يشد انتباهنا. منذ البداية وندّل عليه بالقول:‏
في تلك المجتمعات، من المفروض أن تعبرّ الأسطورة عن الحقيقة المطلقة، لأنها تروي تاريخاً مقدّساً، أي تكشف عن وحي يتجاوز حدود البشر، حصل في فجر الزمان الكبير، في زمان البدايات المقدّس، (وفي ذلك الزمان القديم). ولأن الأسطورة واقعيّة ومقدّسة، لهذا غدتْ نموذجاً، وبالتالي قبلت الإعادة والتكرار وباتت القدوة، وراحت، أيضاً، تقدّم التبرير لكل ما يأتي الإنسان من فعل. بتعبير آخر، تدل الأسطورة على تاريخ حقيقي جرتْ أحداثه في بداية الزمان، وتفيد كنموذج لسلوك البشر. إن الإنسان من المجتمعات القديمة، بمحاكاته الأفعال النموذجية التي أتاها إله أو بطل أسطوري، أو ببساطة عندما يروي مغامراتهما، إنّما يفصل ذاته عن الزمان الدنيوي، الخالي من القداسة، ويلتحق، سحريّاً، بالزمان الكبير، الزمان المقدّس.‏
لا شك أن بعض "المشاركات" في عالم الأساطير، وفي الرموز الجمعيّة، ما فتئت تفعل فعلها في العالم الحديث. لكنها بعيدة عن لعب الدور المركزي الذي كان للأسطورة في المجتمعات الغابرة. إن المجتمع الحديث يبدو مجردّاً من الأسطورة إذا ما قارنّاه بمجتمع الأزمنة الماضية. وأكثر من ذلك، يصرّ بعض الباحثين على أن ما يصيب المجتمعات الحديثة من ضيق وقلق، وما تواجه من أزمات إنّما يعود إلى غياب أسطورة خاصة بها.‏  
وعندما أعطى كارل يونغ أحد كتبه عنواناً: "الإنسان الساعي إلى اكتشاف ذاته"، كان يقصد أن العالم الحديث ـ وهو في أزمة منذ القطيعة التي جرت في العمق بينه وبين المسيحيّة ـ إنّما يبحث عن أسطورةٍ جديدة، تتيح له، وحدها، أن يعثر مرةّ أخرى، على ينبوع روحي جديد، أسطورةٍ تردّ له، في الزمن الآتي، القوى الإبداعيّة.‏
هل الأسطورة، باعتبارها نموذجاً مثاليّاً للسلوك البشري، مازالت باقية، في زماننا، بصيغة متدنيّة، قليلاً أو كثيراً؟ للإجابة على ذلك التساؤل نقول:‏
يبدو أن الأسطورة، شأنها شأن الرموز التي تطلقها، لا تختفي أبداً من مجال الفعاليّة النفسيّة، إنما تُبدّل، فقط من ملامحها، وتعمل على تمويه وظائفها. ولعل من المفيد متابعة التحرّي والبحث، ومواصلة الكشف عن التمويه الذي يلحق بالأساطير على الصعيد الاجتماعي.‏
هاكم مثالاً على ذلك: من الواضح أن بعض الأعياد، في العالم الحديث، الدنيوية، البعيدة عن أجواء القداسة، مازالت تحتفظ بالبنية وبالوظيفة الأسطورية. نشير في هذا السياق إلى المسرّات التي تملأ القلوب عند قدوم رأس السنة، أو الأفراح التي تعقب ولادة طفل، أو عند بناء بيت، أو حتى عند الإقامة في منزل جديد. وكلها تكشف عن الحاجة إلى بداية مطلقة يحس بها المرء إحساساً غامضاً، وإلى أن يبدأ حياة جديدة أي إلى أن ينبعث انبعاثاً شاملاً.‏
الأسطورة في العصر الجاهلي
المعنى العربي لكلمة أسطورة:
الأساطير هي الأحاديث التي تفتقر إلى النظام ، وهي جمع الجمع للسطر الذي كتبه الأولون من الأباطيل والأحاديث العجيبة ، وسطر تسطيرا تعني أنه ألف وأتى بالأساطير . والأسطورة هي الأقوال المزخرفة المنمقة ، واستخدمت كلمة الأساطير في القرآن الكريم لتعني الأحاديث المتعلقة بالقدماء " قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ، إن هذا إلا أساطير الأولين " أي مما سطروا من أعاجيب الأحاديث وكذبها . وفي القرآن الكريم " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا " . أما الخرافة فهي من خرف أي فسد عقله ، والخرافة هي الموضوعة من حديث الليل المستملح ، و( خرافة ) اسم رجل من قبيلة عذرة ، استهوته الجن فكان يحكي ما رآه ، فكذبوه ، وقالوا : ( حديث خرافة ) ، أو( حديث مستملح كذب ) ، ولم تذكر هذه الكلمة في القرآن الكريم ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها : قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : حدثيني . قالت : ما أحدثك حديث خرافة . أما الشاعر العربي الجاهلي فربط بين المدلول الغيبي للكلمة ، ومعناها اللغوي ، قال :
حياة ثم موت ثم نشر         حديث خرافة يا أم عمرو
الأساطير عند عرب الجاهلية:
خلط الجاهليون معنى الدهر بالقضاء والقدر وتطورت هذه العقيدة حتى خضعوا لسلطان ( مناة وعوض ) ، وهي أصنام تعني الدهر ، فصار الدهر إلها من آلهة العرب ، وكانت غايتهم الخلود . وفي الأساطير العربية أن الملك ذو القرنين طمح إلى الخلود ، ووصل مع الخضر إلى عين االدهر ، يشرب منها الماء الذي يعطيه حياة أبدية ، لكنه منع من ذلك ، وطمح لقمان بن عاد إلى الخلود ، وارتبط خلوده ببقاء سبعة نسور على قيد الحياة آخر نسر اسمه ( لبد) ويعني الدهر ، لكن النسور ماتت واحدا تلو الآخر حتى جاء دور لبد الذي مات وانتهت حياة لقمان بموته .
كان خيال الجاهليين قادرا على توليد الأسطورة والخرافة بشكل تصوري ، فقد تصوروا الأشياء ، واسترجعوا التجارب وركبوا صورهم الشعرية المادية المحسوسة ، وتصورهم السمعي هام يظهر في الأساطير العربية ، وفكرتهم عن الأشياء الروحية تأخذ تصورا ماديا ، فقد تصوروا الروح في شكل الهامة ، والعمر الطويل في شكل النسر ، والشجاعة في شكل الأسد ، والأمانة في الكلب ، والصبر في الحمار ، والمكر والدهاء في الثعلب
عرفت بعض مظاهر الطوطمية عند الجاهليين ، وهي تقديس الحيوان ويكون هو الطوطم ، وهناك قبائل تسمت بأسماء الحيوان ، مثل بني كلب ، وبني نعامة ، وظنوا أن الحيوان يحميهم كما يحمي الطوطم أهله ، وكانوا يكفنون الحيوان ويدفنونه مثل الإنسان ، ويحزنون عليه ، وتفاءلوا بالطير ، ونباح الكلاب على مجيء الضيوف ، وتشاءموا من الثور مكسور القرن ، والغراب ، فقيل : " أشأم من غراب البين " ، وعبدوا الشاة ، وغيرها من الحيوانات ، ولم يكن هناك حيوان مخصص لقبيلة بعينها . وتظهر الفكرة الطوطمية في تصور الجن حيث اعتقدوا أنهم خلقوا من بيضة ، وأنهم من نسل الحيوان ، وكذلك الغيلان والسعالى والهوام ، حسب قول المسعودي في " مروج الذهب " ، وتطورت فكرة الجن بحيث إذا تحولت السعلاة إلى صورة امرأة تبقى رجلاها مثل رجلي الحمار أو العنزة . ونسبوا الأفراد والقبائل إلى نسل الجن ، وقيل إن بلقيس ملكة سبأ وذي القرنين من أولاد الجن ، وكان الجن يمثلون قوة الشر التي يقاومها شجعان القبيلة مثل تأبط شرا ، ولم تكن الجن طوطما ولا أبا للعرب لأنهم خافوا منها .
وفي الأساطير العربية يمسخ الإنسان حجرا أو شجرا أو حيوانا ، جاء في ( عجائب المخلوقات) للقز ويني أن الصفا والمروة كانتا رجلا وامرأة ثم مسخا صخرتين ، وفي (حياة الحيوان) للدميري ورد أن أساف ونائلة كانا رجلا وامرأة فصارا صنمين ، وجاء في ( أخبار مكة) للأزرقي أن العربي لم يأكل الضب لأنه كان بظنه شخصا إسرائيليا مسخ ، وقال المقريزي في ( أخبار وادي حضرموت العجيبة) إنه كان بوادي حضرموت على مسيرة يومين من نجد قوم يقال لهم الصيعر يسكنون القفر في أودية ، وفرقة منهم تنقلب ذئابا ضارية أيام القحط ، وإذا أراد أحدهم أن يخرج إلى هيئة الإنسان تمرغ بالأرض ، وإذا به يرجع إنسانا سويا . واختلفوا في رؤيتهم للمسخ ، بعضهم زعم أن المسخ لا يتناسل ، ولا يبقى ، وبعضهم زعم إنه يبقى ويتناسل ، حتى جعلوا الضب والأرانب والكلاب من أولاد تلك الأمم التي مسخت في تلك الصور كما جاء في كتاب ( الحيوان) للجاحظ
ومن معتقدات الجاهليين أن الجبال تؤثر في الإنسان ، فجبل أبي قبيس يزيل وجع الرأس ، وجبل خودقور يعلم السحر . واعتبروا شجرة النخيل من أقربائهم ، وتصوروا أنها تشبه الإنسان ، وكان الجاهلي يجعل شجرة ( الرتم ) حارسا على زوجته أثناء غيابه ، وقد قدسوا الأشجار وعبدوها ، فكانت طوطما ، ورأوا روح الشر في بعضها مثل ( الحماطة ) وهي شجرة تشبه شجرة التين ، وعبد العرب كل ما يتعلق بالأشجار من أغصان وجذور وقشور ، وعبدوا العظم والريش والناب والمخلب والحافر والسن والظفر والحجر ، وقدموا لها القرابين ، واتخذوها تميمة تحميهم ، وكانوا يعلقون على الصبي سن ثعلب وسن هرة خوفا من الخطف والنظرة . وعبدوا النار وكانوا يرونها في الأشجار ، وبطون الأحجار ، والجبال...
....................................................
1- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
2- أ.م.د . كاظم نوير، كلية الفنون الجميلة /جامعة بابل، مجلة الجندول

ليست هناك تعليقات: