بحث للدكتور : أحمد عزوز
اّلعناية بالدلالة من أقدم اهتمامات الإنسان الفكرية عبر الزمن، وفي مختلف الحضارات والمدنيات. فلقد شغلت على مـر العصور المف ّ كرين الصينيين والهنود وفلاسفة اليونان والرومان وغيرهم.وازداد البحث في قضايا الدلالة في القرنين الأخيرين باعتبارها تهم كلّ مستعملي اللغة التي تعتبر وسيلة أساسية في التعبير والتفاهم والتواصل بين الأفراد والمجتمعات البشرية، وكان ذلك لأول مرة مصطلح (M.Breal) خاصة ابتداء من ١٨٩٧ م حين و ّ ظف ميشال بريل وإليه يعود ،(Essais de Semantique) " في كتابه "مقالات في علم الدلالة (Semantique) الفضل في الاهتمام العلمي بالدلالة إذ لفت بذلك أنظار اللغويين إلى المعنى وتغيره ومشكلاته.
وكان للعرب والمسلمين من لغويين وبلاغيين وغيرهم نصيب أوفر في معالجة كثير من المسائل المتعلقة بدلالة الكلمات، فكتبوا عن مجاز القرآن وغريب ألفاظه، والعلاقة بين اللفظ والمعنى، وتطور معاني الألفاظ والترادف والأضداد والمشترك. وتحقق ذلك منذ جمع وتدوين مفردات اللغة العربية انطلاقًا من مشافهة الأعراب، أو شرح مفردات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة واستخراج معاني الألفاظ منهما، وهو جانب أثارالمحافظة على سلامة اللسان العربي من خلال فهم النص القرآني الذي كان السبب في إثارة الكثيرمن القضايا العلمية التي غدت علومًا مستقلة، والبحث عن المسائل الدلالية في ديوان العرب الذي تضمن ثروة لغوية دلالية جديرة ببحث مشكلاتها وتناول مك وناتها.وكان ما سبق عام ً لا في تطور الدراسة اللغوية في وقت مبكر في مختلف مظاهرها الصوتية منها والصرفية والتركيبية والدلالية، أعطت نتائج أثرت علم الدلالة إثراء كبيرًا، وأنتجت معاجم المعاني ومعاجم الألفاظ، جعلها تتسم بالمنهجية والدقة والسعة والتنظيم والوضوح. ومعاجم المعاني أو الموضوعات هي التي ترتب الألفاظ في مجموعات تنضوي كل منها تحت فكرة واحدة، أو محور عام، ويفيد منها الكتاب والمنشئون والمترجمون الذين يحضرهم المعنى ويكونون في حاجة إلى لفظ يعبرون به، فتساعدهم وتيسر مهمتهم في البحث عن مطلبهم والحصول عليه في أسرع وقت ممكن( ١). وهي معاجم أسبق في الوجود أو معاصرة للمعاجم العربية المرتبة بحسب الألفاظ، وإن كانت بدايتها في شكل كتيبات صغيرة تناول كل واحد منها موضوعًا من .( الموضوعات( ٢
والملاحظ أن معجم "العين" للخليل بن أحمد الفراهيدي ( ١٨٠ ه) قد شغل الدارسين عن مؤلفات كانت متزامنة معه، وكان مؤلفوها معاصرين له، وظل يشار إليها لمدة غير قصيرة على أنها تؤسس فقط المراحل الأولى لبداية التأليف المعجمي العربي، ولكن لو كانت كذلك لما استمرت حتى بعد ظهور عدد من المعاجم الشاملة. ومن هنا فإن معاجم المعاني لم توف حقها، إذ مر عليها الباحثون مرورًا عابرًا بسبب انشغالهم بالمعجم العربي الكامل أكثر من سواه، كما ركزوا على الخليل ومعجمه( ٣)، أو من حذا حذوه في التأليف المعجمي، وظل اهتمام الدارسين بكتب الموضوع الواحد غير متلائم مع قيمة مضامينها، إذ-غالبًا- ما جاءت الإشارة إليها تمهيدًا للحديث عن التأليف المعجمي الشامل، وكأن هذه الكتب لا يمكن أن توجد إلا بتعلقها بتأليفات أخرى.
وكانت بداية معاجم المعاني مما ألف في الرسائل التي جمع فيها الرواة الألفاظ التي تمحوربعضها حول موضوع واحد كالنبات، والشجر وخلق الإنسان للأصمعي (ت ٢٠٤ ه)، والخيل والغنم والوحوش والسباع والطير لأبي عبيد ( ٢٢٤ )، واللبن والمطر والشجر لأبي زيد الأنصاري، والنبات لأبي حنيفة الدينوري، وألف- أيضًا- في اللباس والطعام والمعدنيات والأنواء والسحاب والبئر، وهي رسائل ضمت مجموعات دلالية تعلقت بموضوع واحد، وكانت هذه الأعمال اللبنة الأساسية في .( وضع المعاجم العربية كما عرفت فيما بعد( ٤
وتعد كتب الحشرات أولى الرسائل من حيث الظهور بسبب تأثر أصحابها بالقرآن الكريم الذي أشار إلى طائفة منها كالنحل والنمل والذباب والعنكبوت والجراد والبعوض، وتناولها المفسرون .( بالبحث والمعالجة مما أدى باللغويين إلى التأليف فيها، فبلغوا فيها غايتهم ومبتغاهم( ٥ ولا شك في أن هذه الرسائل هي التي أنتجت معاجم المعاني أو الموضوعات، واكتمل التأليف فيها في منتصف القرن الخامس، فكان من ثمارها "الغريب المصنف" لأبي عبيد القاسم بن سلام ٤ ه)، وتهذيب الألفاظ لابن السكيت ( ٢٢٤ ه)، وفقه اللغة وأسرار العربية للثعالبي ) ٤٣٠ ه)، والمخصص لابن سيده ( ٤٨٥ ه)، وأساس البلاغة للزمخشري ( ٥٣٨ ه)، ونظام ) الغريب في اللغة للربعي، وكفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ لابن الأجدابي( ٦) والألفاظ الكتابية للهمذاني ولم تتوقف هذه الكتابات بل استمرت لأهميتها للباحث والمتعلم، فقد ألف الزجاجي (ت ٣١١ ه) كتابًا عن خلق الإنسان، وابن دريد (ت ٣٢١ ه) عن السرج واللجام، والمطر والسحاب، وابن خالويه (ت ٣٧٠ ه) عن الشجر، وغيرهم كثير، ممن ألف في الموضوع نفسه مثل أحمد بن فارس (ت ٣٩٥ ه)، والزجاج ( ٤١٥ ه)، والإسكافي (ت ٤٢١ ه)، وعبد الله بن سعيد الخرافي (ت ٤٨٠ ه)، ومن المتأخرين الصاغاني (ت ٦٥٠ ه)، وشرف الدين علي بن يوسف بن حيدرة .( الطبيب (ت ٦٦٧ ه)، وجلال الدين السيوطي وغيره( ٨ وليس هذا العمل إلا تصنيفًا للغة بحسب المعاني أو الموضوعات، وهو ينم عن أن فطاحله شعروا بمسؤوليتهم العلمية والتربوية تجاه اللغة العربية والأجيال التي يتعلمونها ويعلمونها، فأسهم
كل واحد بالقدر الذي يغني الثقافة العربية ولغتها وبناء حضارتها المتميزة ومشاركًا بحبة حصاة في الصرح الحضاري والإنساني.
وكانت هذه الأعمال الجليلة المدونة لألفاظ اللغة العربية ومعانيها مدعاة إلى اهتمام المستشرقين رسالة "خلق الإنسان" للأصمعي (Auguste Hafner) بها في بداية هذا القرن، فنشر أوجست هفنر ضمن كتابه "الكنز اللغوي في اللسان العربي" الذي صدر في بيروت عام ١٩٠٣ ، وفي ليبزغ سنة ١٩٠٥ ، كما عني فريتش كرنكوي بنشر كتاب "الخيل" لأبي عبيدة معمر بن المثنى، ونشر وليام
رسالة "صفة السرج واللجام لابن دريد". (William Right) رايت ثم توالت العناية بهذا التراث الضخم من قبل الدارسين العرب في العصر الحديث، فنشر عزة حسن "النوادر لأبي م سحل" بدمشق في سنة ١٩٦١ م، ونشر إبراهيم السامرائي "كتاب خلق الإنسان"
للزجاج ببغداد في ١٩٦٣ ، ورمضان عبد التواب "كتاب البئر" لأبي زيد الأنصاري بالقاهرة في ٩). وما تزال العناية بهذا التراث مستمرة، محاولة اكتشاف كنوزه الفكرية والمعرفية، وجعله )١٩٧٠ مسايرًا لتطور الحضارة والتقدم العلمي.
مفهوم الحقول الدلالية:
من المعروف أن التحليل الدلالي لبنية اللغة من الأمور الضرورية والأساسية في معالجة دلالة الكلمات سواء أكانت الدراسة تاريخية أم مقارنة أم تقابلية، مما أدى إلى ظهور نظرية الحقول الدلالية التي صارت تسهم في تحديد الدلالة وعناصرها بطريقة محكمة وموضوعية.
ومن أهم مبادئها أن الوحدة المعجمية لا تشترك في أكثر من حقل، ولا توجد واحدة ليس لها .( مجال محدد، ويتطلب في ذلك مراعاة سياق الكلمات وموقعها في التركيب اللغوي( ١٠ويعتمد أصحاب النظرية على الفكرة المنطقية التي ترى أن المعاني لا توجد منعزلة الواحدة تلو الأخرى في "الذهن الذي يميل دائمًا إلى جمع الكلمات وإلى اكتشاف عرى جديدة تجمع بينها، فالكلمات تثبت في الذهن دائمًا بعائلة لغوية"( ١١ )، أي إن الكلمات لا تشكل وحدة مستقلة، ولا معنى لها بمفردها، ولكنها تكتسب معناها في علاقاتها بالكلمات الأخرى، وأن معنى هذه الكلمة أو تلك لا يتحدد إلا ببحثها مع أقرب الكلمات إليها في إطار مجموعة واحدة. فلفظ الإنسان- مث ً لا- الذي يعد مطلقًا لا يمكن أن نعقله إلا بالإضافة أو بالنسبة إلى حيوان، .( ولفظ رجل بإضافته إلى امرأة، ولفظ حار لا يفهم إلا بإضافته إلى بارد وهكذا( ١٢ فالحقول الدلالية تقوم على فكرة المفاهيم العامة التي تؤلف بين مفردات لغة ما، بشكل منتظم يساير المعرفة والخبرة البشرية المحددة للصلة الدلالية بين الكلمات، وبذلك فإن معنى الكلمة كما .( هو محصلة علاقاتها بالكلمات الأخرى داخل الحقل المعجمي( ١٣ (John Lyons) يقول جون ليونز تصنف المدلولات في حقول مفهومية ألفها الفكر البشري، تربط مجموع كلماتها دلالة أسرية
مشتركة كحقل الألوان في اللغة العربية، فهي تقع تحت المصطلح العام "لون"، وتضم ألفاظًا مثل:أحمر- أزرق- أخضر- أبيض- أصفر... أو حقل القرابة، أو السكن، أو الحيوانات الأليفة
والمتوحشة أو باعتماد علاقة الاشتمال، الترادف، التضاد، الجزء بالكل، الكبير بالصغير، التنافر، أوعلاقة التدرج.
فالكلمات التي تمثل تقديرات في جامعة ما نحو: ممتاز- جيد جدًا- حسن- مقبول- متوسط- ضعيف- ضعيف جدًا، لا يمكن فهم كل منها إلا بالتي فوقها أو في مستواها أو دونها، وتحدد قيمة .( كل منها من خلال المجموعة التي تنتمي إليها( ١٤وقد أصبح لمنهج نظرية الحقول الدلالية تطبيقات كثيرة على الخطاب الأدبي، يذكر منها (Gouffre) " حين تحليله معنى لفظ "الهاوية (Pierre Guiraud) الدراسة التي قام بها بيير جيرو حيث أوضح الملامح (Baudelaire) لبودلير (Les Fleurs du Mal) " في ديوان "أزهار الشوك المرتبطة به مثل: سواد- ظلام- دامس- بارد- مثلج- مؤدي إلى الخوف والدوار، كما بحث عن الكلمات التي تعوضها في قيمتها أو تناقضها نحو: خطيئة- جحيم، واستنتج أن الديوان يخضع .( لتخطيط وبناء وتنظيم( ١٥ الفصل الأول من كتاب "الأيام" لطه حسين، (Odette Petit) كما درست أوديت بيتي واستنتجت أن ملامح شخصيته متجلية في لغته التي تكشف عن متناقضات كثيرة( ١٦ )، وأورد محمد العبد في كتابه "اللغة والإبداع الأدبي" فص ً لا بعنوان "حقول السياب الدلالية" فرأى أن معجم شعر السياب لا يختلف عن شعراء الاتجاه الوجداني بما احتواه من ازدواجية، وذلك أن "أولى صور الازدواجية هو ما تفرضه الرومانطيقية من نزاع بين قوة الحب وقوة الموت، أو ألم الفقد، حتى ليرتجف فرقًا من الحب الرهيب، وهو بين هاتين القوتين يحاول أن يجد رجاءه في الخلاص منهما .( معًا"( ١٧وتستثمر نظرية الحقول الدلالية في الترجمة وبناء المعاجم الثنائية أو غيرها فتساعد الدارس على البحث عما يقابل اللفظ من بين مجموع الكلمات والمعاني الواردة في لغة الهدف، وكذلك تسهم في تصنيف المعاني والمدلولات والموضوعات في العملية التربوية، لتقريب الدلالات إلى ذهن الطفل.
وفي ضوء ما سبق يمكن تعريف الحقول الدلالية بأنها مجموعة من الوحدات المعجمية التي تشتمل على مفاهيم تندرج ضمن مفهوم عام يحدد الحقل ويعبر عن مجال معين من الخبرة بأنها: "قطاع متكامل من المادة (Stephane Ullman) والاختصاص، وقد عرفها استيفان أولمان .( اللغوية يعبر عن مجال معين من الخبرة"( ١٨ تفطن اللغويون العرب القدامى في وقت مبكر إلى فكرة الحقول الدلالية من خلال تأليفهم للرسائل الدلالية الصغيرة والمتنوعة، التي ظهرت مع بداية التدوين ثم تصنيف المعاجم الموضوعية بعد ذلك في هذا الميدان.
وكان الهدف منها تعليميًا وعام ً لا مساعدًا للكاتب والشاعر، إذ تمدهما المعاجم بالكلمات التي يريانها أكثر ملاءمة من غيرها للبحث عن ضالتهما وعرض أفكارهما في دقة وأناقة حول موضوع .( محدد( ١٩ وتختلف أعمالهم عن مثيلاتها عند الغربيين في هذا العصر، لأسباب أهمها تغير الزمان وتطوره، وتوسع آفاق الدرس الدلالي، وعمق تقنياته بفضل التقدم العلمي والمعرفي، وليس فيما سبق ضير يلحق بما قدمه العرب القدامى الذين كانت لهم اليد الطولى في هذا الميدان، ولكن اهتمامهم المبكر بالرسائل ومعاجم المعاني لم يصل بطبيعة الحال إلى مستوى تأسيس نظرية قائمة بذاتها الحقول دلالية لأن عملهم كان تطبيقيًا أكثر منه تنظيريًا، وعلى الرغم من ذلك فإن التراث اللغوي العربي يحمل في طياته أفكارًا رائدة لا تزال في حاجة إلى من يزيدها دراسة وتحلي ً لا وتجديدًا.
ويكفي في هذا الصدد أن نذكر معجم المخصص لابن سيده لندرك التقارب بينه وبين المعجمات الموضوعية الحديثة التي تبنى على أساس الحقول الدلالية، على الرغم من الفارق الزمني الذي يفصله عنها، وهو عمل ضخم يضع صورة شاملة للغة العربية، فجمع الكلمات حول بعض المحاور الرئيسية المختلفة، ووضع ما يتعلق بالسماء والنجوم في فصل، وكذلك الأرض وأجواؤها، والإنسان وما يتعلق به من أسماء وأعضاء وصفات وأخلاق، ووضع النباتات وأنواعها في فصل وكذلك المسائل النحوية والصرفية، وهو عمل لا يخرج عن تطبيقات نظرية الحقول الدلالية.
وقد سار في ذلك على أساس التدرج المعتمد على المنطق والعقل ويوضح ذلك حيث يقول: "فأما هذا الكتاب، من قبل كيفية وضعه فمنها تقديم الأعم فالأعم على الأخص فالأخص، والإتيان بالكليات قبل الجزئيات، والابتداء بالجوهر والتقفية بالأعرض، على ما يستحقه من التقديم والتأخير، .( وتقديمنا كم على كيف، وشدة المحافظة على التقييد والتحليل"( ٢٠
تطورت نظرية الحقول الدلالية في العصر الحديث حين بدأ يهتم بها عدد من اللسانيين بدراسة (Trier) " السوسريين والألمان والفرنسيين والانجليز وغيرهم، فقام على سبيل المثال "ترييرتنتمي إلى القطاع المفهومي حيث تناول مفردات المعرفة أو الألفاظ في اللغة الألمانية المنتمية إلى فترة ما بين ١٢٠٠ م و ١٣٠٠ م فلاحظ أن الحقل المفهومي في ١٢٠٠ م كان مغطى بحقل معجمي الصنعة أو -List) ،( الفن -Kunst) ،( الحكمة -Wisheit) : متكون من ثلاث كلمات وهي المصطنع)، ولكن بعد قرن من الزمان أي في ١٣٠٠ م صار مغذى بحقل معجمي مشتمل على أي المعرفة)، وأوضح أنه حدث تغيير في معاني الكلمات الثلاث Wizzen- Kunst- Wisheit)
.( ضمن تحديد كلي لبنية الكلمة ولرؤية العالم التي تعبر عنها وتعكسها( ٢١ واهتم الباحثون بدراسة ألفاظ الأصوات والحركة، وكلمات القرابة على نحو ما قام به جورج ،(٢٢)(Clefs Pour la Semantique) " في كتابه "مفاتيح علم الدلالة (Georges Mounin) مونان
واعتنوا أيضًا بمعاني كلمات الألوان والأمراض والنبات والأدوية وغيرها، وأدت مثل هذه البحوث إلى التفكير في تأليف معاجم لغوية تتناول الحقول الدلالية. وسايرت هذه النظرية في العشرينيات من هذا القرن الاتجاه التاريخي الذي كان سائدًا آنئذ، ثم اعتمدت على المنهج الوصفي الذي نص على أن اللغة نظام من العلامات تكتسب قيمتها من خلال علاقاتها بالعلامات الأخرى. وهي الفكرة التي لفت بها فردينان دي سوسير الانتباه حين تحدث عن علاقات التداعي التي تنشأ بين الكلمات الآتية: (ارتاب- خشي وخاف)، وذهب إلى أنها محددة بمحيطها وسياقها، شأنها في ذلك شأن قطعة الفارس في لعبة الشطرنج التي لا تستمد قيمتها إلا بوجودها في علاقة بالقطع .( الأخرى( ٢٣والكلمة من هذا المنظور تشبه الإنسان الذي لا ينظر إليه منعز ً لا عن بيئته وأفراد مجتمعه، وإنما لمعرفة قيمته ووظيفته ينبغي النظر إليه في علاقاته مع الآخرين.
وقد صار منهج تصنيف المدلولات إلى حقول دلالية أكثر المناهج حداثة في علم الدلالة، لأنه تجاوز تحديد البنية الداخلية لمدلول الكلمات، بكشفه عن بنية أخرى تؤكد القرابة الدلالية بين .( مدلولات عدد ما منها( ٢٤في ١٧٧٢ ، وهمبولت (Herder) وقد اعتنى بها الألمان أكثر من غيرهم مثل هردر ١٩٣٤ ، وويسجردر (Jost Trier Porzig) في ١٨٣٦ ، وأسهم في تطويرها تراير (Humbojdt)وآخرون. (Ipsen) وإيبسن (Lweisgerder) ، في ١٩٣٤ (Karl Bruler) ومن الناحية الفلسفية كانت محل دراسة من قبل كارل بروليروهي تنص على معالجة الألفاظ في علاقاتها بعناصر الكلام، وتركز على الطابع الشمولي للنظام من الذين لاحظوا هذه الظاهرة في ١٩١٠ عندما بحث الرتب (Meyer) ويعتبر ماير ،( العسكرية، وبين أن كل مصطلح تشتق قيمته من ضمن جدول الرتب التي تكون نسقًا دلاليًا( ٢٦ حين صنف الكلمات ذات الصلة بالأغنام، وتربيتها في اللغات الهندو-أروبية، (Ipsen) وكذلك إبسن وفي العصر الحديث جورج مونان في كتابه "مفاتيح علم الدلالة" لما صنف مدلولات الحيوانات .( المنزلية والكلمات المتعلقة بالسكن( ٢٧ولكن العلماء البارزين في تطبيق نظرية الحقول الدلالية في تحليلاتهم اللسانية هم: تراير الفرنسي. (Goerges Matore) وأولمان وجورج ماطوري
ومن المعاجم التي صنفت على أساس المفاهيم في اللغات الأجنبية هي:
وطبع في ١٨٥٢ م. (Roget) - معجم روجيه الانجليزي الموسوم بالمعجم القياسي للغة الفرنسية (Boissiere) - المعجم اللغوي لبواسيير
وقد نشر في ١٨٨٥ م. (Dictionnaire Analogique de la Langue Francaise) بعنوان: "الكلمات الألمانية في مجموعة ،(Dornseif) - معجم اللغوي الألماني دورنزايف مبوبة"، واشتمل على عشرين حق ً لا دلاليًا رئيسيًا، وظهر في ١٩٣٣ م. Dictionnaire ) " الموسوم "بالمعجم القياسي (Maquet) - معجم اللغوي الفرنسي ماكيه رتبت فيه الكلمات وفق الأفكار والمعاني ونشر في ١٩٣٦ م. ،(Analogique بالإسبانية وظهر في ١٩٤٢ م. (Cassirer) - معجم كاسيرر Greek New ) - وأحدث معجم في هذا الميدان يحمل عنوان "العهد اليوناني الجديد" أي .(٢٨)(Testament وهذا إن دل على شيء فإنما يوضح أن فكرة الحقول الدلالية قد عرفها العرب منذ القرن الثاني للهجرة، أما الغرب فلم يعرفها إلا في القرن التاسع عشر وهو ما يبين مدى تقدم الفكرة عند الأولين وتأخرها عند المتأخرين مما يدفعنا اليوم إلى مزيد من البحث في هذا التراث واستجلاء كنوزه.وأخيرًا إن الحقول الدلالية مجال معرفي وعلمي كثيرًا ما أهملته دراساتنا اللغوية عبر فترات من الزمن، على الرغم من أهميته في التحليل والتصنيف والفهم، وهو ميدان يبرز أن التراث اللغوي العربي لا يزال يحتفظ بعناصر حيوية وفاعلة، يحتاجها الدارس حين يود أن يضع نفسه في قوة اتجاه تراثه العظيم لينطلق منه للتزود من ثقافة الآخر، وبذلك يجمع ثقافتين الأولى أصيلة وراسخة رسوخ الرواسي، وأخرى حديثة تعد عام ً لا أساسيًا في التمدن ومسايرة ركب الحضارة الإنسانية.
الهوامش
. رسالة ماجستير، مخطوط بمعهد اللغة العربية وآدابها، سنة ١٩٩٥ ، ص: ٥٣
، ٢) - ينظر محمد المبارك، فقه اللغة وخصائص العربية، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط: ٧، سنة ١٩٨١ )
. ص: ١٥٤
. ٣) - ينظر أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي عند العرب، ط: ١، سنة ١٩٨٧ ، ص: ١٦٢ )
. ٤) - ينظر الدكتور حسين نصار، المعجم العربي- نشأته وتطوره- دار مصر للطباعة، ج: ١، ص: ١٢٢ )
. ٥) - ينظر د.حسين نصار، المرجع نفسه، ج: ١، ص: ١٢٣ )
. ٦) - ينظر د.أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، دار الفكر، دمشق، سورية، ط: ١، ص: ٣٠٦ )
٧) - الهمذاني، عبد الرحمن بن عيسى الكاتب، الألفاظ الكتابية، راجعه وقدم له الدكتور السيد الجمييلي، دار الكتاب )
العربي، ط: ١٩٩٨ ،٢ ، بيروت، لبنان.
. ٨) - ينظر أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي عند العرب، ص: ١٦١ )
. ٩) - ينظر أحمد طاهر حسنين، نظرية الاكتمال اللغوي، ص: ١٦١ )
. ١٠ ) -ينظر د.أحمد مختار عمر، علم الدلالة، عالم الكتاب، القاهرة، ط: ٢، سنة ١٩٨٨ ، ص: ٩٠ )
، ١١ ) - فندريس، اللغة، ترجمة عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص، مطبعة لجنة البيان العربي، القاهرة، ١٩٥٠ )
. ص: ٣٣٣
، ١٢ ) - ينظر د.كريم زكي حسام الدين، أصول تراثية في علم اللغة، مكتبة الأنجلو المصرية، ط: ٢، سنة ١٩٨٥ )
. ص: ٢٩٤
. ١٣ ) - ينظر د.أحمد مختار، علم الدلالة، ص: ٣٠٣ )
. ١٤ ) - ينظر د.أحمد مختار عمر، المرجع السابق، ص: ٧٩ ، وعمار شلواي، المرجع السابق، ص: ٢٩ )
(١٥)- Marcel Cressot, Laueance James, Le Style et ses Techniques, P.U.F., 11 édition; Paris;
p:93.
١٦ ) - أوديت بيتي، تحليل نصي للفصل الأول من كتاب طه الحسين "الأيام"، ترجمة بدر الدين عوردكي، مجلة )
. المعرفة، العدد ١٨٢ ، نيسان ١٩٧٧ ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، سورية، ص: ٥٨
. ١٧ ) - محمد العبد، اللغة والإبداع الأدبي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، ط: ١، القاهرة، ١٩٨٩ ، ص: ٨٠ )
. ١٨ ) - ينظر د.أحمد مختار عمر، المرجع السابق، ص: ٧٩ ، وعمار شلواي، المرجع السابق، ص: ٢٩ )
. ١٩ ) - ينظر د.أحمد مختار عمر، المرجع السابق، ص: ٨٥ )
٢٠ ) - ابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل، المخصص، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، منشورات دار الآفاق )
. الجديدة، بيروت، لبنان، ج: ١، ص: ١٠
. ٢١ ) - ينظر عمار شلواي، المرجع السابق، ص: ٣١ )
Georges, Mounin, Clefs pour la sémantique, édition Seghers, Paris, 1972. - (٢٢
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق