الأسلوبية والبنيوية
للكاتب الأنجليزي
هنري جيفورد ترجمة موسى عاصي
اقترن عنوان النقد الحديث بسوء الطالع دائمًا، شأنه شأن الحداثة التي انبثق منها في بعض وجوهه، لأ ن زمنًا سيحلّ قريبًا لن يبقى فيه جديد أو حديث.وفي خض م السنوات الثلاثين الماضية انطلقت محاولات عديدة مندفعة من ج راءالمأزق الواضح المتعّلق بثبات الن ص الأدبي والنقد الحديث. إ ن أحد الأمثلة التي لا تحمل عنوانًا عامًا، لكّنه قابل للتطابق بيسر مع تط ور كليات الجامعات الخاصة بالفنون المسرحية ودراسات المسرح، هو الإصرار بأ ن المسرحيات ليست قصائد مأساوية، بل هي قابلة للفهم بصورة أفضل "وقد يستسيغ البعض القول إّنها قابلة للفهم، بوصفها نصوصًا مخ صصة للتجسيد على الخشبة في سياق تاريخ المسرح ونظريته. لم يثر هذا فهمنا لقانون المسرح التقليدي وحسب، بل و سع مداركنا كثيرًا للأركان التي تشكِّل الدراما الموثوقة على سبيل المثال، وجد قيمة في مسرح الشارع وفي مسرح الحواشي وفي مسرح العلاقات القبلية كما في مسرح الجماهير وكذلك في المسرح الإيمائي والمسرح الموسيقي، وهذه المسارح كّلها تتبدى جلية في خصوصيتها، لكّنها ُتسهم أيضًا في توضيح التقاليد المسرحية العظيمة. لك ن المسألة التي لم تحظ بحلٍّ هي إذا كانت تط ورات دراسات المسرح قادرة على انتزاع دراسة الدراما من النقد الأدبي، أو من حيث استق رت منذ زمن أرسطو، لتشّ كل فرعًا مستق ً لا أو نوعًا من الطرائق النقدية أو النقد الأحدث من الحديث
تأكيد طرائق نقدية مشروعة خاصة بها.
إ ن التط ورات المتعّلقة بالدراما ليست سوى أعراض لتط ورات أخرى في النظرية النقدية التي يقترن الكثير منها مع ما يطلق عليه على نطاق واسع: نظرية التواصل، والتي هي بدورها مزيج من الرؤى المستمدة من علم اللسانيات وعلم الاجتماع وعلم النفس. ونستطيع أن نعتبر "الأسلوبية والبنيوية" طريقتين نقديتين برهنتا على أّنهما مثمرتان، رغم أّنه ليس يسيرًا أن نحدد دائمًا موقع نهاية إحداهما وبداية الأخرى. تم استخدام "الأسلوب" مصطلحًا نقديًا على نطاق واسع طيلة قرون، وغالبًا ما اقتصر ذلك على طريقة انطباعية نسبيًا، في محاولة لجذب الاهتمام ناحية ميزات الاستخدام اللغوي أو غرابته في ن ص أدبي محدد، أو لدى مؤّلف معين، أو في مرحلة محددة. بيد أ ن الأسلوبية الحديثة محاولة لمقاربة قضية الأسلوب نقديًا في سطور أكثر دقة وأكثر منهجية، وليست فرعًا من فروع المعرفة بذاتها، بل هي أشبه بمعبر يوصل بين علم اللسانيات، الذي يعتبر النصوص الأدبية مج رد مادة
مستقّلة ُتثير الاهتمام في الدراسة المتع مقة للغة وبين النقد الأدبي. وينطلق ذلك من الافتراض بأ ن أي فكرة أو مفهوم يمكن توضيحها/ توضيحه في واحدة من عدة طرق متباينة، وأ ن المؤلف يمارس خيارًا "عن وعي أو دون وعي، ويمليه عليه ذوقه الشخصي، أو متطلبات القارئ، أو الجنس الأدبي أو أي شيء آخر" في تقرير شكل الكلمات الدقيق التي يتو جب استخدامها. إ ن هذا الافتراض اتفاقي، وقد ح رمه النقد الحديث الذي يرفض التفريق بين شكل الأدب ومضمونه: ما ُ كتب قد ُ كتب.
تفرض "الأسلوبية" لنفسها مه مة إخضاع مدى الخيار اللغوي ال متاح للمؤلفين وتصنيفه، وتحدد الطرائق التي تتبدى فيها معالم الشكل اللغوي لن ص مثيرة للاهتمام في أسلوبها التعبيري، أو في طرائق أخرى يمكن أن تكون "طليعية"...ومصطلح "طليعية" مصطلح مفتاحي في الأسلوبية الأدبية. بعدئذ يمكن تطبيق التصنيفات على ن ص محدد، أو على عدد من النصوص، بصورة ما ُتم ّ كن من إنارة ميزاتها اللفظية الغريبة. ويمكن تطبيق الإجراء السابق على عدد من الاستخدامات: على سبيل المثال، إقامة الدليل للتأكيد أو للنفي بأ ن أحاسيسنا الانطباعية تش ّ كلت من ج راء معالم محددة من معالم الأسلوب التي هي ميزات لأشكال محددة في الأدب أو لمراحل معينة منه. لك ن المسألة الأكثر خلافية هي أ ن بالإمكان استخدامها حتَّى في محاولة لعزل البصمات الأدبية لمؤلف بالذات، وربما لتحديد المؤّلف الحقيقي، من خلال مشهد، لنصوص أدبية مجهولة المؤّلف، أو مختلف عليها. لك ن هذا الإجراء مفيد للغاية للنقد الأدبي في حال تطبيقه على نصوص بطريقة تشير إلى أ ن النصوص ليست مج رد بنى لفظية، وكما يطبق النقد الحديث في الغالب الأعم، وليست مج رد مجموعات صرفة من الرسائل، بمعنى أنها معلومات فنية عن الأفكار، بل هي شيء متف رد بذاتها، وهذه أمثلة ُتطلق الأسلوبية عليها لقب "الحديث أو المحادثة". ولعلّ حالة "المحادثة" هذه، والتي يعتمدها مؤّلف في ن صه، هي التي تحدد الطريقة التي يعيها القارئ بوساطتها، ولذلك، فالتناسب طردي بين تعليل تلك الحالة وتحديدها وبين التفسير، أو التعبير عن كيفية أداء النص الأدبي لدوره.
لا تطرح الأسلوبية نفسها بدي ً لا عن النقد الأدبي كما كان معروفًا في الماضي، بل تطرح بعض التشذيب عليه. وإ ن غالبية مؤيدي "الأسلوبية" الأدبية مستعدون للاعتراف بأ ن النصوص الأدبية التي يختارونها ويخضعونها لطرائق تحليلهم الخاصة هي نصوص شائقة أو قيمة في المقام الأول لعدد من التعليلات التي يمكن ملامستها مستقلة بذاك التحليل، فالأسلوبية ُتسهم في وصف الأبعاد اللغوية بصورة مميزة لإبراز التشويق أو القيمة. أ ما بالنسبة للناقد الحديث الذي يقدم قراءة مقنعة لقصيدة مهجورة منذ زمن بعيد فيمكن أن يأمل من خلال ذلك أن يجعل ق راء نقده يعيدون النظر في تقييمها، والناقد الذي يطبق منهجًا أسلوبيًا يستطيع حقًا أن يأمل في أن يجعل ق راء نقده يرونها رؤية جديدة من خلال جعلهم ينعمون النظر في المعالم اللغوية التي ُتش ّ كلها. ويبقى العمل الأخير" تقييم الأدب" بعد أن تقول الأسلوبية كلمتها.
يعتبر استخدام الأسلوبية الاستخدام الأمثل للناقد، لأ ن الأسلوبية تقدم له المفردات لوصف التفاصيل الخاصة بالظلال اللفظية الدقيقة، دون الخضوع إلى الكوابح الفنية الخاصة بالنقد الحديث "بمنأى عن وضع النص الأدبي في حلقة مفرغة، تعمد الأسلوبية إلى مقارنته مع عدد كبير من الاستعمالات اللغوية المتعددة قدر المستطاع" ودون تفضيل أنواع معينة من الثروات اللفظية مثل الغموض
والسخرية والعبارات المثيرة للجدل وغيرها. على أي حال، تتمّتع الأسلوبية الأدبية بسمة الارتداد المشتركة مع النقد الحديث: تقنيات علم اللسانيات أكثر استعدادًا لتبّني منمنمات قصيدة غنائية وتأويلها، من دراسة رواية طويلة. إ ن المشكلة في النشر هي كيفية انتقاء قطعة أدبية نموذجية، وتحديد المعالم لدراستها، ومشكلة الانتقاء لابد أن تكون غاية في الدقة، وقد لا يكتمل التحليل الأوسع تفصي ً لا والأكثر جلاء, ويأسف نّقاد تقليديون ُ كثر لمعلم الأسلوبية الأدبية الذي يتمّثل في لجوء الأسلوبية إلى اعتماد مفردات خاصة، تم استيراد غالبيتها من علم اللسانيات، وتتشابه كثيرًا مع مفردات علم البيان التقليدي القديم، العلم الذي تشترك الأسلوبية الأدبية في الكثير معه. وأ ن من المؤسف حقًا نزوع الأسلوبية إلى وضع عائق بين النّقاد الذين يختارون استخدام علم المصطلحات الفنية الخاصة وبين أولئك الذين لا يختارونه، أو في سياق أعم: تخلق عائقًا جليًا بين النقد وجمهور القراءة العام.
إ ن الخصوصية اللغوية التي تنفرد بها الأسلوبية تجعلها أشبه بالعلم، أوبصورة أوضح مساقًا جامعيًا، وقّلما تحوذ على اهتمام القارئ العام أو اهتمام الكاتب العادي، ويرى الكثيرون أ ن هذا هو الثمن الباهظ الذي يدفع عادة لقاء الفوائد الحقيقية التي تقدمها الأسلوبية للنقد الأدبي. وإذا كانت الأسلوبية قد حظيت باهتمام مشوب بالحذر لهذه الأسباب، خاصة في إنكلترا،، فإلى أي مدى ينطبق ذلك على البنيوية. إ ن البنيوية ظاهرة يصعب أو علم Simetics التفريق بين تطبيقها على النقد الأدبي وبين علم الدلالات يف ضل المصطلح الأول على نطاق واسع في الولايات .Semiology الإشارات المتحدة الأمريكية تقديرًا لمبتكره عالم الفيزياء وعالم المنطق الأمريكي سي. إس. بيرس " ١٨٣٩ ١٩٤١ "، ويف ضل الأوروبيون المصطلح الثاني تي منًا بمبتكره عالم اللسانيات فردناد ساوسر " ١٨٥٧ ١٩١٣ ". أ ما البنيوية فهي اللقب الذي أُطلق على جملة من الأفكار التي تحدت بصورة رئيسة المفاهيم الأوروبية الغربية عن الواقعية، إذ تبدأ من الفرضية "التي غدت بوساطتها مفهومة جدًا عقب الهجوم الرئيس على فهمنا لكلّ من الإنسان والمجتمع والكون من قبل دارون وماركس وفرويد وأنشتاين"، بأ ن العالم لم يتك ون من أشياء مستقّلة يمكن معرفتها وتصنيفها في مصطلحات مطلقة. فالأشياء موجودة فع ً لا بقدر إدراكنا لها، وهذا الإدراك محكوم بعوامل لا ُتحصى، وهي التي تجعل الموضوعية أمرًا مستحي ً لا، لذلك فإننا نخلق لحد ما، ما ُندركه. ويلي ذلك أ ن كل ما نستطيع معرفته حقًا هو العلاقة بين المراقب والشيء الذي يراقبه. وهذا هو قوام الواقع من حيث الجوهر. ويعقب ذلك أ ن لا شيء أو لا تجربة متأ صلة بصورة بارزة تكتسب أهميتها فقط عند فهمنا لها في إطار العلاقات والبنى التي تش ّ كل جزءًا منها.
على ضوء هذه النظرة للأشياء، إ ن عملية التعبير بالإشارات الموحية بالمضامين، والواسعة الانتشار بصورة تفوق التوّقع عامة، فسلوك البشر الاجتماعي كّلهم تناول الطعام أو ممارسة الرياضة أو ارتداء الثياب أو التطيب أو العمل في الحقل السياسي، أو سرد الحكايات... أو مهما يكن ما هو إلاعملية أداء إشارات حول علاقاتنا بالعالم المحيط بنا. إ ن جانبًا كبيرًا من التفكير البنيوي، مثل ذاك الذي سعى إليه عالم الإنسان ليفي شتراوس، مخصص للكشف عن القواعد الخفية التي تتم ّ كن عملية أداء الإشارات هذه من العمل بوساطتها في المجتمع. واللغات المحكية واللغات المكتوبة هي م جرد طرائق خاصة تتم من خلالها عملية أداء هذه الإشارات: الأدب مج رد طريقة واحدة من طرائق استخدام اللغات.
إ ن الإشارات التي نؤديها، بما فيها الأدب، ليست مبهمة لأنها ُتشير إلى واقع موضوعي ما غير قائم، أو على الأقل غير مدرك، بل لأّنها تنسجم وتتواءم مع عملية إدراك العلاقات "البنى" التي من خلالها نعمل على خلق الواقع الذي نعيشه.وإ ن هذه العملية تنشأ افتراضًا من عمل الدماغ ذاته، الدماغ الذي لا نعرف عنه إلا القليل بالتأكيد. إ ن الافتراض المفتاحي هو أننا نشيد إحساسنا بالبنى من خلال الملاحظة عبر المتناقضات، أو العلاقات المتناقضة بين الأشياء الأحمروالأخضر على سبيل المثال، أو الدوائر والمربعات، لا تعني شيئًا بذاتها، إلا أنها تكتسب أهمية أو معنى من خلال بنية شمولية "على سبيل المثال، الأحمر يعني التوقف والأخضر يعني السير". إ ن هذا المعنى يعني الفهم طبقًا لثقافة أو مجتمع اعتمد تلك البنية الخاصة. وبالإمكان ملاحظة الأمر ذاته في العملية اللغوية نفسها،فالكلمات، على الأقل في لغات أوروبا الغربية، لا ُتمثل عادة الظواهر التي بيت" في اللغة " House تفس رها. فلا يوجد شيء في الأصوات أو في شكل الكلمة في اللغة اللاتينية" يشير Clomus في اللغة الفرنسية، أو Maison الإنكليزية "أوإلى بناء من الآجر أو الحجارة أو الخشب للعيش فيه، فالكلمات اكتسبت معانيها من الاستخدام في إطار البنى المفهومة التي ُتشكل اللغات جزءًا منها.
حاول ساوسر أ ن يف سر كيفية حدوث هذه العملية في الممارسة التطبيقية في اللغة Langue تعني الكلمة .Parole و Langue بالتفريق بين كلمتي الإنكليزية "اللغة" وطبقًا لاستخدامها في تعابير الإنكليزية، فهي مجموعة مج ردة من الحديث"، " Parole القواعد، أو ميثاق خاص بالتواصل في مجتمعنا. أ ما الكلمة Parole فهي الأمثلة اليومية الخاصة باستعمال الكلمات. ولو نظرنا إلى الكلمة "الحديث". بصورة مستقّلة من الحوار، فتبدو مش وشة أو من غير شكل، ويغدو لها معنى تواصلي فقط عند الالتزام بالقواعد اللغوية في إطار المجتمع. أورد ساوسر مثا ً لا "لعبة الشطرنج"، أو أي لعبة محددة، حيث يصبح لها معنى عندما يتم القبول
المتبادل للقواعد المقبولة والأعراف الخاصة بها، وواقع الحال هو أ ن "البنية" هي علم الألعاب المماثلة كّلها، وينطبق هذا المعيار على أي لعبة رياضية معروفة.
وقد كان الشاغل الأكبر لعلماء اللسانيات خلال القرن الماضي محاولة الشغل عبربهدف التو صل إلى تعريف المصطلحات الكونية للغة. Parole الحديث فيما يتعّلق بالأدب بالإمكان القول إ ن الفعالية المركزية للنّقاد البنيويين هي فهم لغة الأدب على اعتبار أ ن النصوص الأدبية المنفردة تش ّ كل أمثلة للحديث.ويوصف ذلك عادة بأّنه بحث عن "الشاعرية" في الأدب. يرجع ذلك إلى المصطلح
الذي أرساه أرسطو، والذي لا يقتصر تطبيقه على الشعر حصرًا. ومن هذا المنظور يمكن النظر إلى النقد البنيوي على أّنه امتداد لدراسة الأدب عن طريق دراسة الجنس الأدبي، في سبيل التو صل إلى معرفة المصطلحات والطريقة التي تتواصل فيها عبر أدبيته الصرفة. يعتبر كتاب "تحليل النقد" لمؤّلفه نورثروب فراي، والصادر سنة ١٩٥٧ ، عم ً لا مفتاحيًا للكثيرين في هذا السياق. بيد أ ن السمة
الغالبة لدى العديد من الباحثين عن "الشاعرية" في الأدب، خاصة أولئك الذين يكتبون في اللغة الفرنسية هي أ ن الن ص الأدبي، وليس أي مثال من الحديث الأدبي، يمكن أ ن يكون نقيًا أو بريئًا في علاقته مع الشاعرية، أو مع اللغة الأدبية هنري جيفورد
التي تكتسب معناها من خلالها. إ ن الأدب، شأنه شأن أي نظام إشارات، هو طريقة لتسجيل العلاقات الإدراكية "وليس في الإحساس الأبسط للواقع"، بل طريقة تهدف إلى فهم الصورة الحقيقية التي تتك ّ شف في عملية التسجيل وضبطها. وبهذا يميط الأدب اللثام عن مقدرته الخاصة على تغيير الحقيقة أو الواقع الذي يسجله. يعد هذا بالنسبة لغالبية البنيويين من أبرز ملامح الفن ومعالمه، والأدب على وجه الخصوص، فكلّ خيار للكلمات، وكلّ خيار للأشكال يمّثل إمكانات إجراء خيارات بديلة للكلمات والأشكال التي تخلق وقائع جديدة وبديلة. "يجب أن يكون واضحًا أ ن خاصية التحليل البنيوي المتميزة للنص الأدبي قادرة أن تماثل الخاصية المطبقة في الأسلوبية والمتمّثلة في شرح مسهب ومف صل للمعالم اللغوية في النص في علاقتها بصيغ أخرى محتملة، لكن المنطق الكامن خلفها يختلف كثيرًا". ونظرًا لقدرة الأدب على تضمين الوقائع البديلة، فإن الأدب كّله يمكن وصفه بأّنه ثوري في تأثيره، رغم أّنه محافظ في مضمونه طبقًا لما يبدو عليه، في عملية فهم إشاراته، بحيث يغدو القارئ أكثر معرفة للطريقة القسرية التي يتعامل بها، ويعي الحقيقة بأّنها لا تتمّتع بدلالات ثابتة وإنما دلالات ومعان متعاقبة نظريًا، معان لا محدودة، وذلك اعتمادًا على فهمنا للبنية الكلية. ولذلك، فهي تتحدانا لكي نبني واقعنا الخاص الجديد، وهذا ما يساعد في تفسير محاباة عامة واضحة في الكثير من النقد البنيوي لنوع الكتابة انظر كتاب "تريسترام شاندي" وأعمال المؤلفين الأيرلنديين جيمس جويس " ١٨٨٢ ١٩٤١ " وصموئيل بيكيت ولد سنة ١٩٠٦
الأعمال التي تشد الانتباه إلى قسريتها لما تّتسم به من نظام إشارات خاص، إ ن هذه الكتابة ُتعتبر ضمنيًا أكثر نزاهة من الأدب شبه الواقعي، وُتف سر لنا كيف أ ن للناقد الفرنسي رولاند بارتس، ،Z/S الأعمال الرئيسة للنقد البنيوي حتَّى الآن الصادر في باريس سنة ١٩٧٠ ، والمترجم إلى الإنكليزية سنة ١٩٧٤ ... وهومك رس خصوصًا لغرض ما يراه من زيف الروايات الواقعية ودجلها، عن طريق تحليل مسهب للقصة القصيرة "ساراسين" للمؤّلف الواقعي بلزاك.
لا يقتصر تأثير البنيوية على حقلي الأدب وعلم اللسانيات وإنَّما يشمل علم الإنسان وعلم الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد... وحتى الفيزياء. وث مة شكوك محدودة بأ ن التأثير الشمولي الصرف للبنيوية "بوصفها المفتاح للعلاقات كّلها، يعد عام ً لا وحيدًا في جعل العديد من النقاد الإنكليز والأمريكيين يرتابون فيها، شأنها شأن الماركسية، التي تدعي الإغراء بأّنها قادرة على الإجابة عن الأسئلة كلَّها، لكن من العسير القبول ببعض إجاباتها ما لم يتم قبولها كاملة. ويرتبط هذا بحقيقة أ ن المفاهيم الصعبة التي تحاول البنيوية معالجتها قادت إلى تب ن مفرط للغة المتخ صصة التي يطابق بعض منها اللغة المستعملة في الأسلوبية، والتي أعاد المن ّ ظرون المتعاقبون تعريفها لكي تناسب أغراضًا خا صة. وث مة ارتياب في أ ن البنيوية غالت في محاولاتها النظرية لتفسير نفسها وتحديد ماهيتها على حساب مواد مثل النصوص الأدبية التي تسعى إلى تأويلها. يتع زز هذا الارتياب من خلال وجود العديد من الطرائق النقدية مثل الشكلانية وعلم الظواهر والتفكيكية التي تتصل بوضوح بالاتجاه السائد للبنيوية إذا توافر مثل هذا الأمر، لك ن البنيوية تدعي نقاء خاصًا وفوائد.
وبما أ ن البنيوية في المصطلحات العامة تعرض الطرائق الممكنة لدراسة الأدب بموضوعية ودون تحيز ضمن السياق الأوسع للثقافة والتواصل، فإ ن ث مة مشكلة أكثر تطرفًا في النقد البنيوي، ولن ُنطلق عليه انحيازًا ثوريًا، تكمن في تقييم النصوص الأدبية بمصطلحات الطرائق التي بواسطتها تدافع أو تنتقد المجتمع الفاسد الحالي الذي أنتجها. وحين لا يتضح هذا البعد السياسي، ينطلق تضمين أوسع، ويرهب بعض الناس بصورة مساوية، وهو أ ن الأدب لا يدور حول شيء على الإطلاق، بل يدور حول ذاته فقط: بمعنى أ ن أهم شيء في النص الأدبي هوكيفية الجمع بين الشكل والأسلوب معًا لتسجيل ضرب من التواصل، يكون المؤّلف ومادة موضوعه المختار أمرين عرضيين في عالم موضوعي حيث كلّ شيء من صنع الإنسان فيه يرتبط بشيء آخر. قد تكون هذه ذريعة منطقية للجدل، بيد أ ن الإحساس العام يقترح أّنها في منأى عن الأسباب التي تدفع أكثر الناس إلى كتابة الأدب أو قراءته. إ ن غالبية النّقاد الأنجلو سكسون أثبتوا بالآراء العلمية بأّنهم يرفضون هذه الذريعة قلبًا وقالبًا.
يبدو جليًا، في ضوء ذلك كّله، أ ن البنيوية تؤ ّ كد حقيقة، أ ن الأدب وسيلة من وسائل التواصل العديدة، وهي التي تجعلنا ندرك هذا الجانب للأدب. وإن الكتب المطبوعة للمدارس وللمجتمع ككل تتمّتع بمكانة هامة، بوصفها وسيلة من وسائل الاتصال الأكثر تأثيرًا والأكثر امتيازًا في المجتمع الغربي منذ عصر النهضة: لك ن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو، إلى أي مدى أسهم ذلك في تكوين تفكيرنا عن العالم، أو إلى أي مدى حقًا خلق مفهومنا الشمولي عن الواقع؟.
نعرف أ ن تاريخ النقد الأدبي بدأ بأفلاطون الذي عارض الكتب والكلام المكتوب، واعتبرهما بعيدين عن الحقيقة، وأيد الحوار المفتوح والمناظرات، طبقًا لما أخذه عن معّلمه سقراط. ومع ذلك ُتقدم البنيوية لنا منظورًا مستساغًا نتم ّ كن من خلاله ملاحظة الصراع الدائر بين السينما والتلفاز وبين ذاك التحدي المتنامي بين الكلمة المكتوبة والكتابة المطبوعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق