ابن جني واللغة العربية
الخصائص
باب في الاشتقاق الأكبر
أن تأخذ أصلا من الأصول الثلاثية فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحداً تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه.
(ك ل م) فمعناها الدلالة على القوة والشدة. والمستعمل منها أصول خمسة، وهي: (ك ل م) (ك م ل) (ل ك م) (م ك ل) (م ل ك) وأهملت منه (ل م ك).
(ك ل م)
الكَلْم للجرح. وذلك للشدة التي فيه،
الكُلام: ما غلظ من الأرض، وذلك لشدته وقوته،
الكَلام، وذلك أنه سبب لكل شر وشدة في أكثر الأمر ، وجرح اللسان كجرح اليد.
(ك م ل) كمَل الشيء كامل، لأنه إذا تم وكمل كان حينئذ أقوى واشد.
(ل ك م) اللكم: إذا وجأت الرجل ونحوه، ولا شك في شدة ذلك. [لأنه أشد من الصفع واللطم].
(م ك ل) منه بئر مكول، إذا قل ماؤها، وذلك لأن البئر إذا قل ماؤها كره موردها، وجفا جانبها. وتلك شدة ظاهرة.
(م ل ك)
ملكت العجين، إذا أنعمت عجنه فاشتد وقوي.
ملك الإنسان، ألا تراهم يقولون: قد اشتملت عليه يدي، وذلك قوة وقدرة من المالك على ملكه، ومنه الملك، لما يعطى صاحبه من القوة والغلبة،
أملكت الجارية، لأن يد بعلها تقتدر عليها. فكذلك بقية الباب كله
(ج ب ر) فهي أين وقعت ”القوة والشدة."
(ج ب ر) جبرت العظم والفقير إذا قويتهما وشددت منهما والجبر: الملك لقوته وتقويته لغيره.
(ج ر ب) رجل مجرب إذا جرسته الأمور ونجذته فقويت منته واشتدت شكيمته. ومنه الجراب لأنه يحفظ ما فيه وإذا حفظ الشيء وروعى اشتد وقوى وإذا أغفل وأهمل تساقط ورذى.
(ب ج ر) الأبجر والبجرة وهو القوي السرة.
(ب ر ج) البُرج لقوته في نفسه وقوة ما يليه به.
(ر ج ب) رجبت الرجل إذا عظمته وقويت أمره. ومنه رجب لتعظيمهم إياه عن القتال فيه وإذا كرمت النخلة على أهلها فمالت دعموها. ومنه الرُّجبة وهو شيء تسند إليه لتقوى به.
(ر ب ج) الرُّباجي وهو الرجل يفخر بأكثر من فعله
إمساس الألفاظ أشباه المعاني
إمساس الألفاظ أشباه المعاني: هو محاكاة الألفاظ لمعانيها. وقد بين أنواع هذه المحاكاة:
(أ) محاكاة الصوت: من ذلك تسميتهم الأشياء بأصواتها كالخازباز لصوته والبط لصوته والواق للصرد لصوته وغاق للغراب لصوته وحنين الرعد.
(ب) محاكاة طبيعة الأحداث والأشياء: يقول: كثيراً ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر بها عنها فيعدلونها بها ويحتذونها عليها. من ذلك قولهم: خضم وقضم. فالخضم لأكل الرطب كالبطيخ والقثاء وما كان نحوهما من المأكول الرطب. والقضم للصلب اليابس نحو قضمت الدابة شعيرها ونحو ذلك. فاختاروا الخاء لرخاوتها للرطب والقاف لصلابتها لليابس حذواً لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث.
(جـ) محاكاة الحركة:
- المصادر التي جاءت على فَعَلان تأتي للاضطراب والحركة نحو النقزان، الغلبان، الغثيان. فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال. ووجدت أنا من هذا الحديث أشياء كثيرة على سمت ما حداه ومنهاج ما مثلاه.
- الألفاظ الرباعية المضعفة تأتي للتكرير نحو: زلزل، زعزع، قلقل، صعصع، جرجرة، حلحل.
- الفَعَلى في المصادر والصفات إنما تأتى للسرعة نحو البَشَكي والجَمَزي والوَلَقي.
(د) محاكاة قوة الأحداث أو كثرتها: ومن ذلك أنهم جعلوا تكرير العين في المثال دليلاً على تكرير الفعل فقالوا: كسّر وقطّع وفتّح وغلّق. وذلك أنهم لما جعلوا الألفاظ دليلة المعاني فأقوى اللفظ ينبغي أن يقابل به قوة الفعل والعين أقوى من الفاء واللام وذلك لأنها واسطة لهما.
(هـ) محاكاة ترتيب الحدث: وذلك أنهم قد يضيفون إلى اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبر عنها بها ترتيبها وتقديم ما يضاهي أول الحدث وتأخير ما يضاهي آخره وتوسيط ما يضاهي أوسطه سوقاً للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المطلوب. وذلك قولهم: (بحث). فالباء لغلظها تشبه بصوتها خفقة الكف على الأرض والحاء لصحلها تشبه الحك في الأرض والثاء للنفث والبث للتراب.
تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني
التعريف: تصاقب الألفاظ هو تتقارب الحروف لتقارب المعاني.
أمثلة: أزّ و هزّ، فهما يتقاربان في معنييهما وهو ”الإزعاج والقلق“ وقد تقاربا في أصواتهما فازاء في الكلمتين، والهمزة تقارب الهاء لأنهما حلقيان. والعسف والأسف فالعين أخت الهمزة كما أن الأسف يعسف النفس وينال منها والأسف أغلظ على النفس من العسف. لذا تصاقب اللفظين جاء لتصاقب المعنيين.
أنواع التصاقب:
● تصاقب حرف لحرف: (ج ر ف ) و (ج ل ف) يقال جلفت القلم إذا أخذت جُلْفته. ومن ذلك (ح م س) و (ح ب س). الميم تقارب الباء لأنهما شفويان. ومنه العَلْب: الأثر والعَلْم: الشقّ في الشفة العليا. ومنه الغَرب والغرف:
● تصاقب حرفين لحرفين: (س ح ل) و (ص هـ ل) والصاد أخت السين لأنهما حرفا صفير، والحاء والهاء حلقيان. ومنه قولهم سحل في الصوت وزحر، فالسين أخت الزاي لأنهما من مخرج واحد، الأول مهموس والثاني مجهور، والراء واللام ذلقيان. وجلف وجرم فهذا للقشر وهذا للقطع وهما متقاربان معنى متقاربان لفظاً
● تصاقب الحروف الثلاثة:
زأر / سعل تدلان على اصوات. زس (صفير)، أع (حلقية)، رل (ذلقية).
صهل / زأر وتدلان على أصوات. ص ز (صفير)، هـ أ (حلقية)، رل (ذلقية).
غدر و ختل (وتدلان على الخفاء). غ خ (حلقية)، د ت (اسنانية لثوية)، رل (ذلقية)
أنواع الدلالة
كل كلمة تمتلك دلالات ثلاث:
● دلالة لفظية: وهي التي تستفاد من اللفظ (أصوات الكلمة الأصول). وهي أقوى الدلالات.
● دلالة صناعية (صرفية): وهي المستفادة من صيغة الكلمة.
● دلالة معنوية: وهي التي ينتقل منها من معنى الكلمة إلى معان أخرى.
أمثلة:
ضرب:
دلالته اللفظية هي: دلالة الأصوات ض ر ب على (الضرب).
دلالته الصناعية هي: دلالة صيغة فَعَلَ على الفعل وزمنه.
دلالته المعنوية هي: دلالة الضرب على الفاعل والمفعول به وأداة الضرب.
مِرقاة / مَرْقاة:
دلالته اللفظية هي: دلالة الأصوات ر ق ي على (الصعود والعلو).
دلالته الصناعية هي: دلالة صيغة مِفْعلة على أداة منقولة (سُلم). ومَرقاة على أداة ثابتة (درج)
دلالته المعنوية هي: دلالة الرقي على الفاعل ووجود مكان عال يحتاج إلى آلة للصعود.
تلاقي المعاني على اختلاف الأصول والمباني
وذلك أن تجد للمعنى الواحد أسماء كثيرة، فتبحث عن أصل كل اسم منها، فتجدها جميعا تعود إلى فكرة عامة أو أفكار متقاربة.
مثال 1:
مجموعة (1) تشكيل النقود
طبيعة: من طبع الدرهم والسيف وغيرهما إذا صاغَه.
ضريبة: وذلك لأن الطبع لا بد له من ضرب. لذا قيل الضرْب المثل، والنوع.
مجموعة (2) تشكيل الأشياء المصنوعة
خُلق الإنسان: من خلّقت الشيء ملّسته. ويكون هذا بتهذيب التماثيل وسحلها وتمليسها.
نحيتة: النحت قطع وتشكيل في الحجر.
نِجار: وهو مأخوذ من نجر وهو تشكيل في الخشب.
نقيبة: نقبت الشيء ثقبته وحفرته وذا ربما يكون في الخشب لتشكيل الزخارف.
المجموعة (3)
غريزة: هو تثبيت النقش في القماش.
المجموعة (4) تشكيل الطرق والدروب
السجيحة: السجية والطبيعة.والسجيحة الطرق والمحجة.
السَّلِـيقة طبع الرجل، الدرب والـمـحَجَّة الظاهرة.
طَرِيقةُ الرجل مذهبه. الطريق الذي يسير فيه ويذهب معه.
النحيزة: الطَّريقُ بعَيْنِه.
هذه ملاحظة قيمة يسجلها ابن جني، لكننا نأخذ عليه تساهله أحيانا ربط معاني هذه المغردات بالفكرة العامة المسيطرة، ونجده أحيانا يجهد نفسه ويتعسف في لوي أعناق المعاني لتوافق الفكرة العامة التي وضعها وهي فكرة التثبيت والإقرار. لذا رأينا أن نقوم إعادة تحليل هذه المفردات والبحث عن الفكرة المناسبة التي انبثقت منها. ولنقوم بذلك نجد من الأسلم أن نقسم هذه المفردات التي ذكرها إلى أربع مجموعات كل مجموعة تربطها فكرة صغرى وترتبط هذه الأفكار الصغرى بفكرة كبرى مهيمنة وهي تشكل الشيء
مثال 2:
طفل: طفلت الشمس مالت
صبي: صبا يصبو مال إلى الشيء
غلام: الغلمة الشهوة.
جارية: الفتاة الصغيرة لجريها على الأشياء.
العلاقة بينها هي الميل والشهوة
جهود العرب في علم الدلالة
الجاحظ
•طبيعة المعاني:
•المعاني القائمة في صدور النّاس المتصوَّرَة في أذهانهم والمتخلِّجة في نفوسهم والمتَّصِلة بخواطرهم والحادثة عن فِكَرهم مستورةٌ خفيّة وبعيدةٌ وحشية محجوبةٌ مكنونة
•المعاني خلافُ حُكمِ الألفاظ لأنْ المعانِيَ مبسوطةٌ إلى غير غاية وممتدّةٌ إلى غير نهاية وأسماءَ المعاني مقصورةٌ معدودة ومحصَّلةٌ محدودة
أصنافِ الدِلاَّلات خمسة أشياءَ:
1- اللفظ:
2- الإشارة تكون باليد وبالرأس وبالعين والحاجب والمَنْكِب إذا تباعَدَ الشخصان، وبالثَّوب وبالسَّيف وقد يتهدَّد رافعُ السَّيف والسَّوط فيكون ذلك زاجراً ومانعاً رادعاً ويكون وعيداً وتحذيراً
3- الخطُّ: ومما ذكَر اللَّهُ عزّ وجلّ في كتابه من فضيلة قوله تعالى:
(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ),وأقسم به، فقال: )ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ). وقالوا ”القلمُ أبقى أثراً واللسان أكثَرُ هَذَراً“
4- العقد: والدليل على عظم قدره: (الرَّحْمَنُ عَلّمَ القُرْآنَ خَلَقَ الإنْسانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ الشَّمْسُ وَالْقمَرُ بحُسْبَانِ) وقوله: (هُوَ الَّذِي جَعَل الشّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ)
النِّصبة: فهي الحالُ النَّاطقة بغير اللّفظ والمشِيرة بغير اليد وذلك ظاهرٌ في خلْق السماوات والأرض وفي كلِّ صامتٍ وناطق وجامدٍ ونامٍ ومُقيم وظاعن وزائد وناقص. فالدَّلالة التي في المَوات الجامد كالدّلالة التي في الحيوان الناطق فالصَّامتُ ناطق من جهة الدّلالة والعَجْماء مُعْرِبةٌ من جهة البُرهان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق