البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

الجمعة، 13 مايو 2011

دراسة في النقد السيميولوجي


نبض الفعل في القصيدة الشابية
(دراسة في النقد السيميولوجيcritique semiologique)
الدكتور: شيخة محمد الأمين
الجزائر
تقديـــم:
كثيرا ما تراود الباحث الأدبي أسئلة فلسفية كثيرة، تحاول الكشف عن الجوانب الخفية في الخطاب الأدبي ويبدو أن هذه الجوانب لا تتراءى جليا للقارئ الشغوف بمواضع الجمال الشكليي،و المعنوي أو للقارئ الاعتيادي (النمطي) الذي تعودت حواسه على تلقف كل واقعة جمالية منتظرة أو غير منتظرة، ومن المؤكد أن الباحث الضليع بالمناهج الحداثية الحافلة بالتجريد، والتعقيد والتغريب قد يغفل بدون وعي نقدي عن هذه الجوانب المذكورة السالفة، وهنا نجد أنفسنا أمام إشكالية الصراع بين القوالب الشكلية، والمعنوية التي تعارف عليها القارئ والناقد معا، وبين المتحولات الموضوعية التي تخضع إلى قوى إدراكية ومعارف منهجية قد تتباين تباين المكان والزمان.
إن هذه الجدلية قد تضعنا أمام سؤال جوهري ، والإجابة عنه قد تتيح لنا المجال لتحديد الآلية، أو المنهج الكفيل بدراسة نص شعري ما يحمل هذه الجوانب، والأسرار التي ستنكشف شيئا فشيئا أمام القارئ، أو الباحث فتحدث فيه تلك المتعة النقدية المنشودة.
وفي هذا الحراك الجدلي، والحذر الشديد من كل آلية يمكن أن تفرض نفسها فرضا مسبقا على ذهن الباحث تقع بين أيدينا أبيات شعرية ، من ديوان الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي(1909-1934) فتلوح في الأفق وبدون إنذار مسبق ملامح هذا الشاعر((الذي هبط لا يملك غير حسه ونفسه و غير قلبه و شعوره أما عقله فما
زال يحلم في مهد الحياة فكان له من مشاهد الكون و مظاهر الطبيعة ألغازا غامضة و معاني مستترة) )(1)  يصارع ظروفه الحياتية والصحية والسياسية والاجتماعية وحتى النفسية فما كان الشاعربجامد النفس والحس 
حتى يفضي على ما حوله زاهدا فيه بالجهل الأخرس و الصمت الكئيب (2) بالإضافة إلى الخصائص الفنية التي عرفت بها قصائده الشعرية، والتي لا تهمنا بقدر ما يشغل بالنا ويراوح ضميرنا سؤال جوهري فلسفي مفاده كالتالي: هل يمكن أن تكون القصيدة الشابية محاكية لأنفاس الشاعر في حركتها المادية والمعنوية؟ أو بالأحرى ما مدى تطابق نبض الشاعر الحيوي بنبض القصيدة من خلال لفظ الحركة أو الحدث فيها؟ وهنا سنجد أنفسنا أمام نص شكلي مشحن بمواطن الجمال الشكلي، والمعنوي المعروفين لدى المبدع، والمتلقي بل أمام قصيدة حية تحيا بحياة الشاعر وتسكن بسكونه وقد تموت بموته وبذلك تتحول وظيفة القراءة النقدية إلى عملية رصد، أو جس طبي -إن صح القول- لصورتين قابعتين أمام المعالج ،وهما صورة الشاعر الجسدية النفسية وصورة القصيدة المادية جنبا إلى جانب في مكان وزمان موحدين.
ومن خلال ذلك كله تتضح معالم المنهج التشريحي أو السبيل الذي يمكننا من الوصول إلى الهدف، ومن ثمة الإجابة عن السؤال السابق ولا نجزم مسبقا أننا قد نخوض في علم الدلالة أو السميائيات بالاعتماد على قوانينها الثابتة، والتي يمكن مراجعتها ضمن كتبها الخاصة، كما لا نجزم أننا سنخوض في النحو والتراكيب الصرفية التي قد تبعدنا عن الخط الذي نريد سلوكه.
بل سنحاول جاهدين الاستفادة من المعطيات الأساسية للدلالة، أو السيمياء فيما يخص الإيحاءات التي ترد ألينا عند الرصد الشكلي الذي سيركز، ويعتمد لفظ (الفعل Verbe) كمنطلق وقاعدة أساسية يعبر عن نبضة حية لها إيحاءات قد تتجاور حدود البيت ومن ثمة تصل إلى جسم القصيدة، وقد تعكس العنوان أحيانا،(( فمدلول الفعل أشد تشبعا من معنى الاسم فاذا كان مرجع هذا محددا بذاته و في ذاته فان مرجع الفعل يتظافر على تحديده  صفته، و ما يتعلق به من أسماء، و حروف فينتج عن ذلك فروع معنوية )) (3) ونكون بذلك قد وجدنا مجالا فسيحا للتصرف في رصد، وجس مواطن النبض الفعلي تصرفا ماديا موضوعيا يقف عند كل فعل لنسجل درجة النبضة وطبيعتها، ووظيفتها من خلال تأثيرها على حياة القصيدة، والعلاقات التي تبرز من خلال توارد هذه النبضات على سطح البيت أو القصيدة، وبذلك تكون هذه الدراسة بحثا هو أشبه بالسميائية التي يراه بعضهم خليطا من اللسانيات والنحويات وربما البلاغة(4)وأقرب إلى استحضار الشيء البعيد أو الغائب  أو المتعذر أو الخارجي رؤية وذوقا وشما وسمعا ولمسا، ويمكن أن نذهب بعيدا مع الدكتور (عبد الملك مرتاض). إذ اعتبر إن لقطرة الدم العالقة بالأرض مماثلا لجرح في جسدا أو رعاف، أو غير ذلك مما يمكن أن يسبب نزف الدم (5)مع أننا لا نجزم السبق في الخوض في مجال نقدي جديد يمكن أن نطلق عليه (النقد الفيزيولوجي)، إلا أننا نؤمن إيمانا ثابتا مع العالم هيبو ليتاتين (ten) أن هناك عوامل تؤثر في الأدب ومنها الجنس أو العرق أو النوع، إذ أن الأدب يختلف باختلاف الدوافع الغريزية والعناصر الوراثية وحتى الملامح الجسدية إلى جانب البيئة، وحوادث الزمن وهو في ذلك متأثر بالمدرسة الطبيعية على لسان رائدها أميل زولا 1840-1902م، الذي يصف الإنسان، أو الكائن البشري بالحيوان الذي خلقته الوراثة، والبيئة يتلقى منها أفعالا وردودا ويصدر هو بسببها ردودا وأفعالا أخرى(6).
موضوع الدراسة ومعطياتها:
قبل الخوض في مجال الدراسة، وتحديد معطياتها الأساسية تناولنا أبيات شعرية عن غير قصد حصرناها في عشر أبيات من قصيدة (إرادة الحياة)، وسنتعامل معها معاملة العضو المتكامل الذي تسري فيه وفي أجزائه الحياة بفعل ألفاظ الحركة ليقف هذا العضو بمثابة المماثل الموضوعي للشاعر في حضوره المادي فيقول (7)
1.   إذا الشعب يوما أراد الحيــاة    **   فلا بد أن يستجيب القـدر
2.   ولا بد لليل أن ينجلـــــي    **   ولا بد للقيد أن ينكســر
3.   ومن لم يعانقه شوق الحيــاة   **   تبخر في جوها وأندثــر
4.   كذلك قالت لي الكائنــــات    **   وحدثني روحها المستتـر
5.   ودمدمت الريح بين الفجــاج    **   وفوق الجبال وتحت الشجر
6.   (إذا ما طمحت) إلى غايـــة    **   لبست المنى وخلعت الحذر
7.   ولم أتخوف وعور الشعــاب    **   ولا كبة اللهب المستعــر
8.   ومن لا يحب صعود الجبــال    **   يعش أبد الدهر بين الحفـر)
9.   فعجت بقلبي دماء الشبـــاب **   وضجت بصدري رياح أخـر
10.         وأطرقت أصغي لعزف الريـاح **  وقصف الرعود ووقع المطــر



يؤدي الشاعر في هذا المقطع(( فكرة عامة كخلاصة لتجلربه، و تأملاته في الشعوب و في الحرية و الكرامة الانسانية، و هو يعارض بين ارادة الحياة و ارادة القدر رادا ردا شعريا نفسيا على الذين يعتقدون بأن الآنسان مسير بقدره لا حرية له ) )(8) بينما هموم الشاعر لم تكن أبدا مادية(( بقدر ما هي روحية، و انه رثا الحياة ونعى عليها إنعدام العدالة في أقدارها، و شكا النفس و الحواس و الداء و الهرم و الموت )) (9)
 أما أهم المعطيات والمنطلقات المرجعية في هذه الدراسة فتدور كلها في فلك الفعل وإيحاءات الحركة         أو الحدث فيه مع عدم إغفال دور الزمن في تحديد درجة هذا النبض ومنها:
-   إن الفعل أهم  عناصر الجملة فهو الذي يسيطر على بنائها و يتحكم في تنسيق أطرافها (10)فالفعل النحوي رغم بساطته، وبروزه في التراكيب النحوية إلا أنه قد يكشف عن خلافات معنوية جوهرية، فهناك أفعال مدركة ماديا (ينكسر، تبخر، لبست...) وهناك أفعال مدركة معنويا مثل (أراد، طمحت، لا يحب...)، كما أنه يحتل مكان الصدارة في أي بلاغ كتابي ،أو شفاهي وإدراك كيفيات توظيف هذا الفعل بدقة يساعد على فهم المقروء والمسموع(11)
-   للفعل دور كبير في ترجمة الحركة أو الحدث (النبض)، وتتفاوت قوة هذه الحركة بتفاوت صيغ الفعل وبه يتحدد الإطار الزماني، والمكاني وتدخل الحركة في جدلية نشطة بفضل الصيغة التي يحملها(12)
-   يرى سيبويه في (الكتاب) أن زمن الفعل في العربية ثلاث أقسام إذ هو يبني لما مضى (الماضي) بما يشمله (الأمر) ولما يكون ولم يقع (المستقبل)، وما هو كائن لم يتقطع (الحال) وهي الأزمنة المطلقة في العربية التي تحمل أحداثا(13), ومنه فاختلاف الأفعال في الأزمنة مرتبط باختلاف قوة النبض في القصيدة وفق ما يلي:
الفعل الماضــــي ----- < نبض خافت
الفعل المضـــارع ----- < نبض نشيط (+)
الفعل المضارع المنفي ----- < نبض نشيط سلبي (-)
حالات اللافعل في الشطر أو البيت ---<  نبض ساكن يمتد به المعنى (مادة النبض السائلة)
-   الفعل الماضي (passé simple) يفيد سرد مضى الحدث فقط ويدل على أن العمل قد تحقق في الماضي وأستمر تحقيقه إلى لحظة الكلام، فهو بذلك نبض خافت الدرجة (14)
-   الفعل المضارع: يوحي بالتجدد والتكرار والاستمرار، وهو فعل مفتوح على الأزمنة بمختلف ألوانها ويتمتع بطاقة زمنية كبيرة، فهو بذلك حدث، أو نبض يجري وقوعه عند الكلام، واستمر واقعا في الحدوث فنبضه نشيط(15)
-   الفعل المضارع المنفي: أن ردود الفعل المضارع المنفي بـ(لا) أو(لم) ينقص خاصيته الأساسية وهي فاعليته وتأثيره الواقعي في الحاضر وقوعا يفيد معنى الاستمرار (16)وتفترق (لم) و (لما) عند النحاة   (لم) التي تدخل على الفعل المضارع تحمل الاتصال بالحاضر أو الانقطاع، أما (لما) فمستمر نفيها إلى الحال فتفيد المضي(17 ).
وقد فرق بعض النقاد المحدثين بين النفي بـ (لا) و(لن) مع الفعل المضارع، فبـ (لا) يدل على المستقبل في الغالب مع (يفعل)، وفي القليل على الحاضر، وتدل على الماضي مع (فعل)، أما (لن) تدل على المستقبل أبدا، دون أن تكون أبلغ في دلالة المستقبل من (لا)(18). وسنرمز لهذا النفي بـ (لا) أو (لن)،  أو (لم) بـ (نشط -).
-   إن تجاور الأفعال في حدود البيت باعتباره (حيز أدبي) يمثل عصب العضو (القصيدة) واختلافها في النشاط والخفوت، يمكننا من رصد تسارع أو تباطؤ أو ثبات النبض داخل هذا الحيز.
-   إن الأفعال أو النبضات داخل جسم القصيدة تتفاوت في المكانة، والوظيفة فهناك أفعال رئيسة تتفرع منها أفعال أو نبضات فرعية هي في الحقيقة ردود أفعال، كما أن هناك أفعال لا ردود لها فيتجه النبض إلى السكون حاملا معه مادة المعنى دون الحاجة إلى أفعال مساعدة.
-        توصف المعاني بأنها مواد النبض الثابتة (المعاني المعجمية) والمتحركة وهي المعاني التي تبرز في سياق الجمل.
-   قد توصف بعض القصائد بالقصائد النشطة لاحتوائها على كم هائل من النبوض النشيطة والرئيسة كما قد توصف بالقصائد الخافتة لاحتوائها على كم هائل من نبوض الخفوت، وقد تضطرب باضطراب توزيع هذه النبوض داخل القصيدة فهي بذلك قصائد (قلقة).
-         
وبالعودة إلى متن المقطوعة الشعرية وتطبيق المقولات سالفة الذكر نجد مثلا في البيت الأول:
(إذا الشعب يوما أراد الحياة        ***     فلا بد أن يستجيــــب القدر) > ---  عصب القصيدة
              نبض خافت                                نبض نشيط    >----- درجة النبض
        الشعب + الإرادة + الحياة                الحتمية + الاستجابة + القدر> ----- مواد النبض الثابتة
                                  
                              الأمل في الحرية خطوة نحو الاستقلال    > ---    مادة النبض المتحركة
                                   خافت + نشيط ---<  تسارع (<)   > ---  طبيعة الدرجة
ومن خلال رصد وتناول هذه الخصائص في بقية الأبيات التالية نتوصل إلى بناء الجدول التالي:
العصب
عناصر النبض
الشطر الأول
الشطر الثاني
حيز النبض
01
فعل النبض
درجة النبض
مواد النبض الثابتة
مادة النبض المتحركة
طبيعة النبض
أراد
خافت
الشعب + الإرادة + الحياة
أن يستجيب
نشيط
الحتمية + الاستجابة + القدر
الأمل في الحرية خطوة نحو الاستقلال
متسارعة (خافت + نشط) (<)
حيز النبض
02
فعل النبض
درجة النبض
مواد النبض الثابتة
مادة النبض المتحركة
طبيعة النبض
أن ينجلي
نشط
الحتمية + الظالم + الزوال
إن ينكسر
نشيط (2)
الحتمية + الظلم  + الفناء
حتمية الحرية
متسارعة (نشيط + نشيط 2) (<)
حيز النبض
03
فعل النبض
درجة النبض
مواد النبض الثابتة
مادة النبض المتحركة
طبيعة النبض
لم يعانقه
نشيط (-)
الاستسلام + الحرية
تبخر + إندثر
خافت + خافت
التلاشي + الفناء
الاستسلام للظروف يؤدي إلى الفناء
متباطئة (نشيط (-) + خافت 2) (>)
حيز النبض
04
فعل النبض
درجة النبض
مواد النبض الثابتة
مادة النبض المتحركة
طبيعة النبض
قالت
خافت
إيحاء + الطبيعة
حدثتني
خافت (2)
الإيحاء + روح الطبيعة
تأييد الكائنات لمبدأ الحرية
متباطئة (خافت + خافت) (>)
حيز النبض
05
فعل النبض
درجة النبض
مواد النبض الثابتة
مادة النبض المتحركة
طبيعة النبض
دمدمت
خافت
هبوب + الرياح
/
سكون
أماكن الهبوب
استعراض مادي للرياح أمام الشاعر
تسارع إلى (السكون) (< =)
حيز النبض
06
فعل النبض
درجة النبض
مواد النبض الثابتة
مادة النبض المتحركة
طبيعة النبض
طمحت
خافت
الرجاء + الغاية
لبست + خلعت
خافت + خافت
الأمل  + الحيطة
استعراض معنوي للرياح أمام الشاعر
متباطئة (>)



حيز النبض
07
فعل النبض
درجة النبض
مواد النبض الثابتة
مادة النبض المتحركة
طبيعة النبض
لم أتخوف
نشيط (-)
الشجاعة + الصعاب
(/)
سكون
نيران الصعاب
عودة إلى الاستعراض المادي للرياح
تباطئ إلى السكون) (>=)
حيز النبض
08
فعل النبض
درجة النبض
مواد النبض الثابتة
مادة النبض المتحركة
طبيعة النبض
لا يحب
نشيط(-)
الكره + الصعاب
يعش
نشيط (+)
الحياة + الدوام + الذل
تحذير الرياح وتشجيعها
متسارعة  (<)
حيز النبض
09
فعل النبض
درجة النبض
مواد النبض الثابتة
مادة النبض المتحركة
طبيعة النبض
فعجت
خافت
الضجيج + نشاط مادي جسمي
وضجت
حافت 2
الضجيج + نشاط نفسي
عودة إلى الذات لاستنهاضها
متباطئة (>)
حيز النبض
10
فعل النبض
درجة النبض
مواد النبض الثابتة
مادة النبض المتحركة
طبيعة النبض
أطرقت    أصغى
خافت      نشيط
السماع + الرياح
(/)
سكون
السماع + العواطف
محاكاة الطبيعة وتقليدها
تسارع إلى السكون (=<)

رسم بياني يمثل نبض الفعل في الأبيات وحركته:
                                                                                               عدد النبوض    

    -
    -
مجال النبض النشيط
 
3 
2 
1 
خط  السكون                                                                                              0
1 –
مجال النبض الخافت
 
2 –
3 –
4 –
                                   |         |         |          |        |         |          |         |         |        |       |
عدد الأبيات                    1        2        3         4       5        6         7        8       9       10    11
ن: نبض
ب: البيت
ــ : مسار النبض الفعلي
---: مسار النبض المتوسط

وعند تحليل نتائج هذا الرسم معتمدين على مسار النبض المتوسط في الرسم البياني نجد:
1.   قمة النبوض النشيطة في البيت الثاني (حتمية الحرية) ، أما قاعدة النبوض الخافتة في البيت السادس (استعراض معنوي للرياح) لاحتوائه على ثلاث نبوض خافتة وتتضح قمة النشاط في الأفعال (ينجلي، وينكسر، يستجيب أصغي، يعش) فهي أفعال ذات نبوض قوية بمعاني قوية بمعاني قوية أيضا، كما تتضح بساطة وضعف الأفعال في البيت السادس (...طمحت ...) التي تتجسد في أفعال فرعية (...لبست وخلعت).
2.      مرحلة الثبات النبضي بين البيت الثالث والرابع في مسار النبض المتوسط تفسر كما يلي:
لم يعانقه + تبخر + أندثر ----<  كذلك  ---->  قالت + حدثني
        مقول قول         ----<  يساوي ---->   لفظ القول
3. في مجال النبض الخافت نبوض كثيرة وأكثر من مجال النبوض النشطة أي 12 نبوض خافتة مقابل        8 نبوض نشيطة، ثم العودة إلى مجال النبض النشيط، وقد فسر بعض النقاد هذه الظاهرة إلى أن الشاعر ينطلق من الماضي (نبض خافت) ليصل إلى الحاضر (نشيط) لعوامل نفسية وواقعية وربما جسدية يجعله يميل إلى حاضره (القائم) المجهول فلا يزعم أنه سيحيا هذا المستقبل((19)
4. بدأ نبض الفعل في القصيدة بنبض الكائنات من بداية البيت الأول إلى البيت الرابع من الخفوت إلى النشاط ثم العودة إلى الخفوت بعد تقديم النصيحة وتأييد مبدأ الحرية ثم تنطلق الرياح بنبوض من البيت الخامس إلى الثامن بنفس عدد الأبيات من الخفوت إلى السكون، ثم قمة النشاط في نهاية البيت الثامن ومنه يعود الشاعر إلى ذاته في مرحلة الخفوت ليحاكي هذه الرياح في نشاطها وذلك في البيت التاسع والعاشر.
5.   بداية النبض كانت من نبض الفعل (أراد) الخافت وتوالت النبوض للوصول في النهاية على نبض الفعل (أصغى) النشيط، ويبدو أن (أراد) الخافت هو للضمير الجماعي في الشعب أما (أصغى) فهو الضمير الفردي للشاعر، وكل منهما في مجال مختلف عن الأخر بين خط السكون.
6.      مسار النبض المتوسط للبيت (1+2+3) يطابق مسار النبض المتوسط للبيت (7+8+9) بالشكل التالي:
-        المسار بين البيت 2،1 يطابق تمام المسار بين 7،8
-        المسار بين البيت 6،7 يوافق مسار البيت 1
-        المسار بين البيت 2،3 يوافق المسار بين البيت 9،8
ومنه فالمسار بين 3،2،1 تكشف فيه الكائنات عن حديثها للشاعر ودعوته للحرية وهذا لا يتحقق إلا بسلوك الشعر مسلك الرياح في أستعراضها وتحذيرها وتشجيعها (مسار البيت 9،8،7)
7. أما قمتي المسار المتوسط في البيت 10،5 فآلت كلاهما إلى السكون وهما مساران متشابهان والفرق بينهما أن الأول أشد تسارع من الثاني ويفسر ذلك في أستعراض الرياح المادي بين البيت الرابع والخامس أمام أعين الشاعر ثم عودت الشاعر إلى ذاته ومحاكاته لهذا الإستعراض بين البيت 10،9 وهو سلوك أقل شدة في التسارع.
ويمكننا بعد ذلك بيان العلائق بين النبوض الكائنات، ونبوض الرياح ونبوض الشاعر للوصول إلى نتيجة وفق            ما يلي:
نبض الكائنات (قالت + حدثني) ----> أراد + تستجيب (خافت + نشط)
                                            ينجلي + ينكسر (2 نشيط)
                                            لم يعانقه + تبخر + أندثر (نشيط (-) + 2 خافت)
أما نبض الرياح (دمدمت) ---->  طمحت + لبست + خلعت (3 خافت)
                                            لم أتخوف (نشيط -) 
                                            لا يحب، يعش (نشيط(-) + نشيط)
أما نبض الشاعر (فعجت + ضجت) ----> ليس لهما ردود (0)
                       (أطرقت)      ---->   أصغى (نشيط)
بجمع المعادلة الأولى (الكائنات) نحصل على: 2 خافت ----> (3 خافت + 3 نشيط + نشيط(-))
                                                : 2 خافت ----> 3 خافت + 2 نشيط
وبجمع المعادلة الثانية(الرياح) نحصل على: 1 خافت ----> 3 خافت + 2 نشيط(-) + نشيط
أما إذا جمعنا المعادلتين في الطرف الأول وأختصرنا في الطرف الثاني نجد:
نبض الرياح والكائنات: 3 خافت ----> 0 خافت + 1 نشيط
                       : 3 خافت ----> 1 نشيط
ولدينا مسبقا نبض الشاعر: 3 خافت (فعجت + ضجت + أطرقت) ----> أصغى (نشيط)
                          : 3 خافت ----> 1 نشيط
والنتيجة المحصلة هي تطابق نبض الشاعر مع نبض الرياح، والكائنات معا وهي نتيجة تبين ارتباط هذه الأبيات بعلاقة مع صاحبها تتجاوز التعبير عن الرغبات المكتوبة والعلل النفسية إلى التعبير عن الخيوط والعلاقات التي تربط الإنسان ماضيه، وحاضره، ومستقبله (20).و هذا ما وجدته بعض الدراسات في شعره أو في  مراسلاته أو في يومياته ذلك الصدى( (بل أصداء مرضه فهو يحدثنا عن مرضه، و عن حقيقة هذا المرض، و عن أزمة الرجل المريض) )(21) فنحن كثيرا((ما نجد كلمة (القلب) أو (يا قلبي) ففي عناوين قصائده نجد (إلى قلبي التائه)، و (قال قلبي للإله ) و (قلب الشاعر) و ليست كلمة القلب رمزا جميلا فقط و رمزا إبداعيا فحسب، بل هي أيضا تعبير نفساني  نظنه لاشعوريا ـ غالبا ـ عن مرض الشاعر))(22 ) ففي المقطع المحلل، أو المشرح سالفا نرى(( أن الشابي قد صور مطامحه، و إندفاعاته كمريض ...فهو في دعوة (إرادة الحياة) يتجسم في شعب بأسره، و يرى ذاته المريضة تطابق ذات الشعب المريض، و لكن كلاهما مندفع نحو الحياة نحو كسر القيود نحو الوجود الأخصب ))(23 ) .

الهوامـــــش


1 ـ أبو القاسم الشابي:الخيال الشعري عند العرب، الدار التونسية للنشر، ط 2 ـتونس ،1983ص22
2 ـ المرجع نفسه: ص22
3 ـ أحمد عبد الوهاب بكير: معجم أمهات الأفعال ج ،1دار الغرب الاسلامي ط،1 1997 ص10
4 ـ عبد الملك مرتاض: التحليل السميائي للخطاب الشعري، دار الكتاب العربي ،2001ص11
5 ـ المرجع نفسه:ص32
6 ـ شكري عزيز الماضي:محاضرات في نظرية الأدب، ط1دار البعث، 1984ص63، 64
7 ـ أبو القاسم الشابي:ديوان( أغاني الحياة) ، دار العودة ،بيروت ص 167 ـ 170
8 ـ  إيليا الحاوي :أبو القاسم الشابي (شاعر الحياة و الموت) دار الكتاب اللبنلني، بيروت 1981 ص90
9 ـ المرجع نفسه:ص42
10 ـ أحمد عبد الوهاب بكير:معجم أمهات الأفعال ص5
11 ـ بدرالدين بن تريدي:الفعل زمنه و إعرابه و تصريفه، المؤسسةالوطنية للكتاب، 1992ص05
12 ـيمنى العيد :الدلالة الاجتماعية لحركة الأدب الرومنطيقي في لبنان، دار الفارابي ،1979ص131
13 ـ عبدالجبار توامة :زمن الفعل في اللغة العربية، ديوان المطبوعات الجامعية،1994الجرائرص03نقلا عن سيبويه(الكتاب)ج ص12
14 ـالمرجع نفسه:ص82
15 ـ بكري عبد الكريم:زمن الفعل في القصة العربية (مقال) تجلبات الحداثة ع 1جامعة وهران
     سنة1992ص109
16 ـيمنى العيد :الدلالة الاجتماعية لحركة الأدب الرومنطيقي في لبنان ص132
17 ـ عبد الجبار توامة:زمن الفعل في اللغة العربية ص20
18 ـ المرجع نفسه :ص19
19 ـ عبد الملك مرتاض:بنية الخطاب الشعري، ديوان المطبوعات الجامعية1991الجزائرص27
20 ـ أحمد حيدوش:الإتجاه النفسي في النقد العربي الحديث، ديوان المطبوعات الجامعية1990ص157
21 ـمحمد فريد غازي :الشابي من خلال يومياته ، الدارالتونسية للنشر ط2، 1983ص35
22 ـ المرجع نفسه:ص38
23 ـالمرجع نفسه:"ص45

 ملحوظة : نشرت هذه الدراسة في إحدى المجلات المتخصصة

ليست هناك تعليقات: