المحايثة immanence
يعد مفهوم " المحايثة " من المفاهيم التي أشاعتها البنيوية في بداية الستينات، ليصبح بعد ذلك مفهوما مركزيا استنادا إليه يفهم النص وتنجز قراءاته. وأصبح "التحليل المحايث" هو كلمة السر التي يتداولها البنيويون كبضاعة مهربة تشفي من كل الأدواء. ف" التحليل المحايث" هو وحده الذي يجيب عن كل الأسئلة ويدرك كل المعاني. والمقصود بالتحليل المحايث أن النص لا ينظر إليه إلا في ذاته مفصولا عن أي شيء يوجد خارجه. والمحايثة بهذا المعنى هي عزل النص والتخلص من كل السياقات المحيطة به. فالمعنى ينتجه نص مستقل بذاته ويمتلك دلالاته في انفصال عن أي شيء آخر.
ومع ذلك، فإن المحايثة لها أصول أخرى غير ما أثبتته البنيوية في تفاصيل تحاليلها. فالمحايثة هي ما هو معطى بشكل سابق على الفعل الإنساني وتمفصلاته، فهي، كما يشير إلى ذلك لالاند في قاموسه،(2) مرتبطة بنشاطين : نشاط يحيل على كل ما هو موجود بشكل ثابت وقار في كائن ما، وآخر يحيل على ما يصدر عن كائن ما معبرا عن طبيعته الأصلية. وفي الحالتين معا نكون أمام مضامين سابقة ومعطاة مع الطبيعة ذاتها. وفي هذا السياق فإن المحايثة هي رصد لعناصر لا تفرزها السيرورة الطبيعية لسلوك إنساني مدرج داخل الزمنية باعتبارها مدى يخبر عن المضامين وينوعها.
ولقد حاول القديس أوغستين (3)شرح السيرورة المنتجة للتلفظ الإنساني باعتباره مدخلا أساسا نحو الفهم وإنتاج الدلالات، من خلال القول بوجود " معرفة محايثة" يمتلكها الله ويسربها إلى الإنسان عبر مفصلتها في ألفاظ ثلاثة : لفظ القلب وهو لفظ مفكر فيه خارج أي لسان وهو ما يشبه القدرة التي يملكها الإنسان من أجل اكتساب اللغة، واللفظ الداخلي، وهو لفظ مفكر فيه من خلال لسان ما، وهو ما يشبه لحظة تصور العالم من خلال حدود لسانية، ثم اللفظ الخارجي، وهو اللفظ الذي ينتسب إليه الفرد اختيارا أو قدرا. والأساس في كل هذا أن المعرفة، من منظور لاهوتي، سابقة في الوجود على السلوك الإنساني ومصدرها محفل متعال، ولا يقوم هذا الإنسان إلا بتصريفها في وقائع بعينها.
وتعد هذه التعاريف مدخلا رئيسا لتحديد مضمون هذا المفهوم في مواقعه الجديدة كالتحليل السردي مثلا، حيث يشار إلى مفاهيم مشتقة منه ولا تدرك إلا في علاقتها به من قبيل "الدلالة الأصولية" و"مستويات التحليل" و"النص ومستوياته". ولقد كانت السميائيات السردية، خاصة تحت تأثير يالمسليف، الذي كان يقول بضرورة دراسة اللسان دراسة محايثة بعيدا عن كل العناصر الخارجية، سباقة إلى الاستفادة من المردودية المعرفية والتحليلية لهذا المبدأ في تحديد مستويات الدلالة وأنماط تشكلها.
فاستنادا إلى روح هذا المفهوم تبلورت الفكرة القائلة بأن الدلالة لا تكترث للمادة الحاملة لها، ولا دور لهذه المادة في ظهورها وانتشارها واستهلاكها. وهذا معناه أن هناك سقفا مضمونيا ( مادة مضمونية محايثة ) يتحدد من خلال ثنائيات توجد خارج مدارات التحقق.
وعلى هذا الأساس كان الحديث عن المحايثة والتجلي باعتبارهما يغطيان نمطين للوجود في حياة الدلالة وتجليها عبرالوسيط السردي : المادة المضمونية العديمة الشكل، وهي المادة التي يستند إليها المبدع بدئيا من أجل إنتاج نصوص مخصوصة. وهناك الأشكال المضمونية التي تشير إلى التحققات الخطابية المخصوصة، وهي ما يخبر عن التلوين الثقافي الخاص بتوزيع المادة المضمونية.
على أن المادة المحايثة في هذا المجال لاعلاقة لها بمضامين إلهية أو غيرها. إن الأمر يتعلق بالنماذج السلوكية التي تفرزها الممارسة وتضعها أساسا لكل تواصل. فمن نافلة القول إننا نتواصل من خلال النماذج لا من خلال النسخ المتحققة. والحاصل أن المادة التي نتحدث عنها هي وليدة ممارسة سابقة تمكن السلوك المفرد من التحقق المعقول وتغتني في ذات الوقت من خلال كل تحقق.
المعنى sens
استنادا إلى مفهوم المحايثة يمكن تناول المعنى وتحديد مداراته. فالمعنى من المفاهيم التي تستعصي على التحديد والضبط. ورغم أن الاستعمال العادي لا يميز إلا نادرا بين المعنى والدلالة، فإن الفرق بينهما واسع وكبير. ولا عجب أن نجد يالمسليف، وهو صاحب مدرسة قائمة الذات في التحليل الدلالي، يجعل من المعنى المادة التي تشتق منها الدلالات. وباعتباره كذلك، فإنه قريب من مفهوم "الشيء في ذاته" كما يتصوره كانط، فبالإمكان أن نتعرف على الطاولة من حيث الامتداد والمقاومة واللون والذوق ولكننا لا نستطيع التعرف على جوهر الطاولة.
ولعل هذا ما دفع گريماص مثلا إلى النظر إلى المعنى من زاويتين : > أولا باعتباره ما يسمح بالقيام بعمليات الشرح والتسنينات التي تنقلنا من سنن إلى آخر، وثانيا باعتباره ما يؤسس النشاط الإنساني منظورا إليه كقصدية. فلا شيء يمكن أن يقال عن المعنى قبل أن تتم مفصلته على شكل دلالات<. (4)
ويضعنا هذا الأمر أمام تقابل جديد يصف العلاقة بين المعنى باعتباره مادة، وبين الدلالة باعتبارها شكلا لهذا المعنى ومشتقة منه. ولهذا فإن ما تدرسه السميائيات، في تصور گريماص على الأقل، ليس جواهر مضمونية مكتفية بذاتها؛ إنها تدرس، على النقيض من ذلك، أشكالا مضمونية، وهي ما يشير إلى التحققات الممكنة للمادة الأصلية ( ما نعرفه عن الخير ليس مادة، بل أشكال تتحقق في الصيغ التي يتم من خلالها تجسيد فكرة الخير ).
أما داخل الاستقطاب الثنائي الشهير الذي يميز بين بعد تقريري وآخر إيحائي، فقد نُظر إلى المعنى من زاوية ضيقة جدا. فما يفهم بشكل مباشر من الواقعة دونما استعانة بشيء آخر يطلق عليه المعنى، في حين تعد الدلالات غير المعطاة بشكل مباشر معاني ثانية، أو دلالات مصدرها الثقافة والتاريخ، وهي دلالات يتم الحصول عليها من خلال تنشيط ذاكرة الواقعة والدفع بها إلى تسليم كل دلالاتها. ففي الحالة الأولى يطلق على المعنى التقرير، ويطلق عليه في الحالة الثانية الإيحاء.
وليس بعيدا عن ذلك ما نعثر عليه في التراث العربي حيث ميزت الشعرية العربية ممثلة في أحد رموزها الشامخة بين "المعنى" و"معنى المعنى"، فالكلام عند عبد القاهرالجرجاني مثلا على > ضربين : ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده وضرب آخر يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة، ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض (...) فها هنا عبارة مختصرة وهي أن نقول : " المعنى" و" معنى المعنى"، تعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ والذي تصل إليه بغير واسطة، و"بمعنى المعنى" أن تعقل من اللفظ معنى، ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر< (5). فالمعنى الأول كما يتجلى من خلال فعل الإحالة الأولى هو الإحالة المباشرة التي تتم داخل العلامة وبشكل مباشر، أما معنى المعنى فهو الدلالة التي تشير إلى السياقات الممكنة التي تشتمل عليها العلامة.
وتلك هي المنطلقات الأساس التي انبنت عليها فكرة السميوز، أي السيرورة التي تشترطها الدلالات لكي توجد. فالأصل واحد، أي معنى معطى من خلال لحظة الإحالة الأولى، والامتدادات متنوعة. وهو أمر لا يخص كلمات اللسان فحسب، بل يشمل كل ما تنتجه الممارسة الإنسانية من أشياء وإيماءات أو كلمات أو طقوس. وفي هذا المستوى يقف التدليل عند حدود رصد النفعي المباشر في السلوك الإنساني، أما في المستوى الثاني فيتم التخلص من العام المكره والضروري للإيغال في المحلي والثقافي والخاص. حينها تبرز قيمة المتعة التي تولدها الدلالات غير الإكراهية. في الحالة الأولى يشار إلى تأويل مباشر وعفوي، ويشار في الحالة الثانية إلى تأويل حيوي ينشط ذاكرة الكلمات والوقائع والموضوعات.
الدلالة signification
تحيل الدلالة على مفهوم رئيس في تصور العلاقات بين الحدود المنتجة للقيم المضمونية وتداولها، ويتعلق الأمر ب"السيرورة"، فلا يمكن تصور " كم معنوي" خارج مدار سيرورة تتمحور حول مفهوم العلاقة باعتبارها الحد الأساس في إنتاج أي نشاط دلالي. وعلى هذا الأساس فإن مفهوم >الدلالة مفهوم مركزي ينتظم حوله النشاط السميائي في مجمله <. (6) بل يمكن القول إن رصد شروط إنتاج الدلالة، هو رصد للضوابط الثقافية التي تشتغل كقوانين يتم استنادا إليها تأويل كل الوقائع.
وعلى هذا الأساس، إذا كان المعنى يشير، كما رأينا ذلك أعلاه، إلى كم مادي عديم الشكل وسابق على التمفصل، فإن الدلالة هي الناتج الصافي لهذه المادة وهي وجهه المتحقق. ولهذا فهي من جهة، ليست مفصولة عن شروط إنتاجها، فكل نسق له إرغاماته الخاصة، وله أنماطه في إنتاج دلالاته،(النصوص والصور والوقائع الاجتماعية والموضوعات ...)، وليست مفصولة، من جهة ثانية، عن التدليل ذاته، فالدلالة ليست معطى جاهزا، بل هي حصيلة روابط تجمع بين أداة للتمثيل وبين شيء يوضع للتمثيل ضمن رابط ضروري يجمع بين التمثيل وما يوضع للتمثيل، أي ما يضمن الإحالة استقبالا على نفس الموضوع في حالاته المتنوعة.
ولأن الدلالة هي " سيرورة لإنتاج المعنى" من خلال تحويله من طابعه المادي إلى أشكال مضمونية تدرك ضمن السياقات المتنوعة، فإنها ليست مفصولة عن حقل دلالي غني بمفاهيم تشير كلها إلى طبيعة هذه السيرورة وأنماط وجودها. وهكذا استنادا إلى مفهوم الدلالة تم نحت مجموعة من المفاهيم التي تحيل على نفس النشاط منظورا إليه في حالات تحققه المتنوعة من قبيل "الوظيفة السميائية" (يالمسليف)، و "السميوز (بورس) و"الاندلال" (بارث). وكلها مفاهيم تدل - ضمن سياقاتها النظرية الخاصة- على السيرورة والشروط التي تنتج ضمنها الآثار المعنوية.
وهذا أمر بالغ الأهمية، فالسميائيات لا تبحث عن دلالات جاهزة أو معطاة بشكل سابق على الممارسة الإنسانية، إن السميائيات بحث في شروط الإنتاج والتداول والاستهلاك، مع كل ما يترتب عن ذلك من تصنيفات تطال الدلالة كما تطال السلوك الإنساني ذاته. فما يستهوي النشاط السميائي ليس المعنى المجرد والمعطى، فهذه مرحلة سابقة على الإنتاج السميائي، بل المعنى من حيث هو تحققات متنوعة ميزتها التمنع والاستعصاء على الضبط.
ولقد ارتبط مفهوم الدلالة عند بورس بمفهوم السميوز، وهو مفهوم يشير، من جهة، إلى القدرة على إنتاج دلالة ما استنادا إلى روابط صريحة هي ما يشكل جوهر العلامة وشرط وجودها، ويشير، من جهة ثانية، إلى سيرورة التأويل التي تعد إوالية ضمنية داخل أي سيرورة لإنتاج الدلالة. فبما أن الموضوع المطروح للتمثيل يتجاوز بالضرورة أداة التمثيل، فإن تصور إحالات متتالية تستعيد ما تم إهماله في الإحالة الأولى أمر ممكن، بل هو أمر ضروري. ومن هنا ارتبطت فكرة التأويل عند بورس بفكرة إنتاج الدلالة ذاتها. وهذا ما سنتناوله في الفقرة الموالية.
التأويل
إن مفهوم التأويل شديد الارتباط بالتصورالذي نملكه عن الدلالة وعن شروط وجودها وأشكال تحققها. فالمعطيات الأولية، في مجال اللسان على الأقل، تشير إلى أن الكلمة لا يمكن أن تقف عند حدود التعيين المحايد لمرجع موضوعي مستقل. فبالإضافة إلى حالة التعيين هاته، تشتمل هذه الكلمة على مجموعة من السياقات المحتملة القابلة للتحيين مع أبسط تنشيط لذاكرتها. فالمعانم ( الوحدات الدلالية الصغرى ) تنقسم إلى قسمين : ما يحيل على جوهر الظاهرة وأصلها ( تثبيت حالة خاصة بالشيء الذي نحتت من أجله الكلمة )، وما يحيل على سياقات ضمنية هي من صلب الثقافي والذاتي أي ليست أصلية. ولعل أبسط التعابير الدالة على التأويل وضروراته هي الاجماع على القول بالتعددية الدلالية، سواء تعلق الأمر بالكلمة أو بالوقائع غير اللسانية.
وعلى هذا الأساس، إذا كان من الممكن الحديث عن وجود ثابت لكل ظاهرة، فإن الوجود الأصلي " المحايد" في كل عملية تدليل يتشكل من العناصر المحددة للماهية الوجودية للظاهرة في ذاتها، وهي العناصر التي لا يمكن التصرف فيها دون أن يؤدي ذلك إلى المساس بالجوهر المحدد لهذه للظاهرة.
إن هذا المبدأ المحدد لوجود الظواهر قابل للتعميم على كل الأشكال التعبيرية والوظيفية التي يتوسل بها الإنسان من أجل التواصل وإنتاج الدلالات : هناك لحظة أولى للتعيين المرجعي " المحايد"، وهناك لحظة ثانية خاصة بإنتاج الدلالات المرتبطة بخصوصية الفعل المندرج ضمن وضع ثقافي خاص. إن الوجود الأول يشير إلى المعنى المباشر الذي يمكن اعتباره قاسما مشتركا لكل الدلالات التي تتبناها مجموعة لغوية ما، في حين يمكن التعامل مع المعاني الثانية باعتبارها قيما مضافة تعد نتاجا للوضع الخاص للإبلاغ.
ولقد طور التقليد اللاهوتي الغربي تصورات غنية للتأويل ( الذي يطلق عليه عادة الهرمنطيقا). فلقد انبنى التأويل داخل هذا التقليد على وجود استقطاب ثنائي يجمع بين معنى خفي وآخر مباشر. فشراح الكتاب المقدس كانوا يتصورون أن الحدود اللغوية التي صيغ فيها هذا الكتاب تحتوي على معنى ظاهر، هو المعنى الحرفي، ومعنى خفي، هو سر الكلمات وجوهرها، ودور المؤول يكمن في الكشف عن المعنى الثاني لأنه هو الذي يحتوي على القصدية الحقيقية للذات الإلهة. ومن هنا كانت نظرية المعاني الأربعة ( المعني الحرفي والمعني الروحي والمعني المجازي والمعنى الأخلاقي ). فكلمات الله تحتاج إلى تدبر لكي تسلم بعض أسرارها.
وهذا المعنى قريب جدا من السياق الذي يشير إلىه صاحب لسان العرب ( مادة أول) حيث ارتبط التأويل عنده بالتفقه وتدبر نصوص القرآن ف> المراد بالتأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ماترك ظاهراللفظ<.
إن هذه المعاني الثانية يجب التعامل معها باعتبارها منطلقا للبحث عن > حقيقة غائبة ومستعصية على الإدراك <. فحقيقة التأويل هو ربط المتحقق بكل الإحالات الممكنة. وفي هذه الحالة، فإن ما يمثل أمامنا باعتباره نسخة متحققة لا يشكل سوى ذريعة الهدف منها إطلاق العنان لدلالة منفلتة من عقالها قد لا تتوقف عند حد بعينه.
إلا أن التأويل كنشاط معرفي لم يعد محصورا ضمن حدود هذا الاستقطاب الثنائى، كما لم يعد يبحث في النصوص الدينية عن سر أو أسرار تختفي في تلابيب المعني الحرفي، لقد أصبح التأويل نشاطا معرفيا تستند إليه كل العلوم الإنسانية من أجل فهم أفضل للتراث الإنساني قديمه وحديثه. وفي هذه الحالة، فإن التأويل لن يكون مجرد تحديد لمعنى لا يُرى بشكل مباشر، إنه حالة وعي فلسفي لا ترى في المحدد بشكل مباشر سوى حالات رمزية تحتوي هذه المرة على " أسرار الإنسان". وهي أسرار يجب الكشف عنها من خلال امتلاك المفاتيح الضرورية للتأويل.
ولقد قسم إمبيرتو إيكو (7)التأويل إلى تيارين كبيرين :
- تيار يرى في التأويل فعلا حرا لا يخضع لأية ضوابط أوحدود. فالسيرورة التأويلية تتطور خارج قوانين انسجام الخطاب أوتماسكه الداخلي. > فمن حق العلامة أن تحدد قراءتها حتى ولو ضاعت اللحظة التي أنتجت ضمنها إلى الأبد، أو جهل ما يود الكاتب قوله ، فالعلامة تسلم أمرها لمتاهتها الأصلية > (8). وفي هذه الحالة، فإن التخلص من اللحظة التلفظية الأولى سيقود القراءة إلى استحضار كل التأويلات الممكنة استنادا فقط إلى رابط دلالي يفصل بين المعرفة التي تقدمها العلامة في حالتها البدئية وبين المعرفة التي تقترحها المدلولات التالية الناتجة عن فعل (أو أفعال) التأويل.
- وهناك تيار ثان يعترف بتعددية القراءات ولكنه يسجل في الوقت ذاته محدوديتها من حيث العدد والحجم وأشكال التحقق. فعلى الرغم من تسجيل أحقية النص في التمنع والتردد في تسليم أسراره، إلا أنه يحتوي على مجموعة من " التعليمات الضرورية " التي توجه قراءاته الممكنة. فنحن لا نؤول خارج كل الغايات، إن التأويل مرتبط بغاية، وهي >غاية توجد خارج السميوز < كما يقول بورس. وهذه الغايات هي التي تجعلنا نقبل ببعض التأويلات ونرفض أخرى، أو قد نقبل بها في هذا السياق ونرفضها في سياق آخر. وعلى هذا الأساس يجب الحديث عن سيرورات تقودنا إلى نسج علاقات غير مرئية من خلال التجلي المباشر للنص. وهذه العلاقات لا قيمة لها إلا داخل هذه السيرورة، فأي تغيير يلحق هذه السيرورة سيؤدي إلى بروز علاقات جديدة بدلالات جديدة.
وفي جميع الحالات، يمكن القول إن التأويل ليس ترفا ولا يمكن أن يكون إضافة غير ضرورية لفعل إنتاج الدلالات، إنه على العكس من ذلك حاجة إنسانية، من خلاله يتخلص الإنسان من إكراهات النفعي المباشر .
السميوز semiose إن السميوز أو سيرورة التدليل
الهوامش
1- A J Greimas : Sémantique structurale, éd, Larousse, Paris , 1966,p.5
2- André Lalande: Vocabulaire technique et critique de la philosophie, article Immanence
3- انظر Tzvetan Todorov : Théorie du symbole , éd Seuil , 1977, pp 34 et suiv
4-A J Greimas, J Courtès , Dictionnaire raisonné de la théorie du langage , sens
5- عبد القاهرالجرجاني : دلائل الإعجاز، منشورات مكتبة الخانجي،القاهرة 1984، صص 264 - 265
6- A J Greimas, J Courtès , op ct, signification
7- انظر أمبيرتو إيكو : التأويل بين السميائيات والتفكيكية، ترجمة سعيد بنگراد، المركز الثقافي العربي، 2000
8- دريدا ذكره إيكو المرجع السابق ص 132
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق