البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

السبت، 22 أكتوبر 2011

مقدمة في الأدب الشعبي


                             الأدب الشعبي ( المفاهيم والتوجهات)
               من  مجموعة  محاضرات  للباحث الدكتور عبد الحميد بوسماحة
                                        المدرسة العليا للأساتذة 
                                                 الجزائر
لاشك أن إسم (الأدب الشعبي) مصطلح عربي أي مؤلف من ألفاظ عربية خالصة في العصر الحديث، وإذا إبتكر العرب هذه الصيغة فقد استعار الباحثون العرب المفهوم من الكلمة الغربية (فولكلور Folklore) في فترة الخمسينيات منهم أحمد رشدي صالح وفاروق خورشيد وفوزي العنتيل ونبيلة إبراهيم وحسين النصار ، ويواجه الباحثون العرب في تحديد مفهوم الأدب الشعبي مشكلة وضع مقايس معينة .ويرتبط الأدب الشعبي في الأبحاث العربية بتعريفات محددة ستكون محاورها الأساسية نقطة إنطلاقنا لمحاولة التوصل إلى تحديد مفهوم الأدب الشعبي.
"إن الأدب الشعبي لأية أمة هو أدب عاميتها التقليدي الشفاهي ،مجهول المؤلف ،المتوارث جيلا بعد جيل".
التقليد : إن مايمثل الأصل في تسمية (أدب العامة التقليدي) متضمن في مفهوم الأدب الشعبي بشكل ملخص إذ نتبنى تعبير الأدب الشعبي للدلالة على مجموعة من الأشكال التقليدية (الأساطير – الحكايات الخرافية – القصص – الأمثالالأغاني – السير...) وسواء أكانت هذه الأنواع التقليدية شفوية أم أعيدت كتابتها وانتقلت فيما بعد من جيل إلى جيل. غير أن حصر الأدب الشعبي في العراقة يعني بالضرورة اعادة إنتاج إبداعات الأدباء السابقين. إن التقليد مناقض للتطور. والأدب الشعبي ظاهرة اجتماعية تعبر باستمرار عن حاجات جديدة.
تؤدي عراقة الأدب الشعبي دورا هاما في دراسة الحياة الذهنية والروحية لأسلافنا الأقدمين وضبط التاريخ الإجتماعي لهذه المراحل الأولى من المجتمع البشري ، وقد ترتب على عراقة الأدب الشعبي قيام ظاهرة خاصة به ثار حولها جدل وهي اهتمامه بالأسطورة والخرافة والخارقة، فيوصف بذلك بأنه أدب محافظ من حيث الشكل والمحتوى، غير أن هذا الرأي خاطئ إذ يسقط أهم صفات الأدب الشعبي وهي واقعيته. إن الوهم والخرافة والغيب حقائق واقعية عند مؤسس ذلك الأدب وجمهوره.
هناك تداخل بين الأدب الشعبي والمعتقدات الدينية القديمة، فالعمل الأدبي الشعبي لا يتم إلا بالغناء والرقص والتمثيل، فالشعر والأغاني هي من الفنون التي تطورت مع الرقص والموسيقى وارتبطت بالعقائد والطقوس والسحر. وقد ارتبط في اللغة العربية قول الشعر بالإلهام والشيطان، حيث قيل لكل شاعر شيطانه، وتظهر وظيفة الشعر المقفى أو المعنى في تأثيره السحري أكثر من تأثيره الجمالي.
ومن الصعب ربط ظهور الأدب الشعبي بتاريخ معين، وقد ظل الأدب الشعبي مقرونا بالإنسان الأول الذي برز فوق سطح الأرض وهو الذي أطلق عليه علماء الأنتروبولوجيا والأنثولوجيا إسم الإنسان البدائي صاحب المستوى الحضاري البسيط، وقد مارس الإنسان البدائي صراعا مع الطبيعة وقواها فشكلت هذه الممارسات رصيده الثقافي والأدبي فتوارثها أبناؤه عبر العصور، ويتمثل هذا الأدب البدائي في الملاحم والأساطير والحكايات الخرافية وحكايات الحيوانات، وقد احتوت هذه الأنواع العناصر السحرية والدينية كالصراع مع الآلهة وتضمنت التاريخ الإجتماعي، إن غياب الكتابة وانعدام التدوين قد أضاع جزءا كبيرا من هذا الأدب، يرى أحمد رشدي صالح أن أدب الملاحم الشعبية سابق على الدين. وأن قصص الجان القصيرة أو القصص الإخبارية وأغاني العمل قد سبقت الملاحم بدورها بفترة طويلة.
وينبغي أن نميز بين الواقعية في الأدب المدرسي والواقعية في الأدب الشعبي، في الأدب الأول فإن الواقعية تعبير عن المذهب الفني يوظفه الأدباء من أجل التقرب إلى الشعب، ومن عناصر المذهب الواقعي في الأدب المدرسي اللغة العامية، الأمثال، شخصيات مستعارة من التاريخ، إلخ.....
غير أن هذه النزعة اصطناعية بخلاف الأدب الشعبي فإن واقعيته طبيعية عفوية، تدل على فطرة الشعب كيف يكون الأدب الشعبي واقعيا وهو يزخر بالرموز الخيالية والغريبة والعجيبة كالطقوس والقوى الغيبية والسحرية والخروج عن المكان والزمان فأين تتمثل واقعيته ؟
إن الأدب الشعبي مرتبط شكلا ومضمونا بقضايا الشعب إن الخروج عن المألوف ما هو إلا قراءة بطريقة خاصة للواقع. إن العجز عن تحقيق الرغبات والإنشغالات يؤدي بالمبدع إلى اللجوء إلى الخيال، إن الرموز والسحر والخيال والغرابة تعبير عن حرمان اجتماعي يهدف إلى إعادة النظام إلى أصله والتوازن في الإنسان.
جهل المؤلف : إن شرط جهل المؤلف غير وارد في تعريف الأدب الشعبي ذلك أن عددا كبيرا من المؤلفين يذكرون اسماءهم في آخر القصيدة وتاريخ نظمها أحيانا.
وقد دلت الأبحاث منذ نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 عن خطأ افتراض مؤلفات انتجها الإبداع الشعبي اللاشخصي وكشفت الأبحاث المنظمة عن حياة الرواة وأعمالهم ممن يسمون "حملة التراث الشعبي" عن الدور الهام الذي تؤديه كل جوانب النشاط الفردي المختلفة كالمهارة والتدريب والموهبة والذاكرة والخيال، إن كل مؤد للأعمال الشفاهية إنما هو مبدعها في آن واحد، إن مجهولية العمل الأدبي وعدم انتسابه إلى مؤلف يرجع إلى أن أسماء المؤلفين لم يكشف عنها في أغلب الأحيان لأنها لم تدون وصارت وسيلة حفظها ذاكرة الشعب فقط. غير أن الحال لم يكن كذلك في كل مكان دائما، إذ أن عددا من الأغاني المؤلفة قديما والحديثة نسبيا تحتفظ بأسماء مؤلفيها وترد هذه الأسماء عادة في آخر الأغنية داخل صياغات صوتية (الوزن، القافية، التجانس). وقد أصبحت هذه الحيلة التي لجأ إليها الشعراء للإحتفاظ بأسمائهم في النصوص معروفة الآن على نطاق واسع، إن أسماء كثير من مؤلفي الأغاني ستظل مجهولة لأنهم لم يسجلوا أسماءهم حين ألقوا هذه الأغاني وإنما نشروها عن طريق الرواية، ومع ذلك نؤكد أن المجهولية لا تعني أن النتاج الشفوي غير شخصي أو ينقصه المؤلف، إن المجهولية ليست سمة خاصة بالأدب الشعبي عند مقارنته بالأدب المدون، لقد أصبح الإبداع الشخصي مع بداية العصر الرأسمالي ينسب إلى مجموع الشعب ضمانا لحياة مؤلفيه وحماية أسمائهم، وفي العصر الإقطاعي كان مؤلفو الآداب المدونة وأصحاب الأعمال الفنية في ميدان فنون الحفر arts graphiques (العمارة، النحت، التصوير) لا يميلون في الغالب إلى نسبة أعمالهم إلى شخوصهم.
إن مفهوم (المؤلف الجماعي) موجود في الفكر الحديث عند مفكرين مختلفين تماما هما : لوسيان غولدمان وميشيل فوكو. فالأول حاول بلورة المفهوم من خلال منظور ماركسي قائلا بأن الكاتب أو الأديب لا يعبر عن ذاته بقدر ما يعبر عن الوعي الجماعي أو قل أنه فيما يعبر عن ذاته ينضج بوعي جماعة ما أو طبقة ما أو فئة ما.
أما ميشيل فوكو فقد طرح فكرة (موت) المؤلف أو إمحاء المؤلف، فالمؤلف ليس فردا ولا صوتا واحدا وإنما حصيلة مجموعة الأصوات والأفكار التي يتلقاها من المحيط وتخترقه فيسجلها على الورق، بمعنى آخر فإنها له وليست له.
وقد يكون معرفة الشاعر سببا في انتشاره بين العامة ولا سيما إذا كان مبدعا بارعا، ولا تخلو مجالس العامة من المقارنة بين الشعراء والمفاضلة بينهم، وقد يحملون الشعراء على التباري في قرض الشعر ويحكمون في النهاية على الشعر الضعيف.
وترجع فكرة حصر الأدب الشعبي في الأثر المجهول المؤلف إلى الإعتقاد بأن هذا النوع يحظى باهتمام الجماعة الشعبية غير أن ممارسة الجماعة للنص الأدبي أمر مشترك بين المؤلف المجهول والمؤلف المعروف، إن ممارسةالجماعة للنص الأدبي معناه أن تجد فيه ما يعبر عن وجدانها بالطريقة التي تفهمها، إن الأثر المعروف المؤلف ليس عاجزا دائما عن تحقيق هذه الوظيفة، كما أن اشتراط (التجهيل) يؤدي إلى إلغاء الأدب الشعبي الحديث، ويبدو الرأي القائل بأن اطلاق الأدب الشعبي على الأثر المجهول المؤلف والأثر المعروف المؤلف سيؤدي إلى تحديد الموضوع مبالغا إذ أن اطلاق الأدب الشعبي على الأثرين يؤدي بالعكس إلى توسيع الإطلاق من جهة وتوحيده من جهة ثانية وحتى لا يصبح الأدب الشعبي الحديث والأدب المعروف المؤلف أنماطا خارجة عن الأدب الشعبي والأدب الرسمي معا.
حيث يكون صاحب النص مجهولا (الحكايات – الأمثال – الألغاز) وقائل النص معروفا (نصوص الشعر).
"
الأدب الشعبي هو أدب العامية سواء أكان مطبوعا أم مكتوبا، مجهول المؤلف أو معروفا متوارثا أم أنشأه معاصرون، معلمون"
أدب العامية : يذهب هذا التعريف إلى أن العامية شرط جوهري في تحديد مفهوم الأدب الشعبي ، وبقدر ما تشكل اللغة جزءا هاما من العمل الأدبي فإن المحتوى لا يقل عنها أهمية وهما عنصران متداخلان من الصعب الفصل بينهما.
ويمكن أن نوجز تقديم هذه الإشكالية في النقاط التالية :
أ/- ليس كل ما يكتب بالفصحى يكون بالضرورة أدبا رسميا فقد لاحظنا مثلا أن كثيرا من الآثار الأدبية الخالدة كتبت أو رويت بالفصحى البسيطة وهي مع ذلك تصنف في الآداب الشفوية أو الشعبية ومنها ألف ليلة وليلة والسير العربية، فالفصحى إذن ليست شفيعا لهذا الأدب من أن يكون شعبيا. فشعبيته لا تكمن في عامية لغته على الرغم من أن بعض هذه الآثار السردية تلتجئ في بعض الأطوار إلى الإعتراف من العامية لغايات فنية طورا ولعجز الرواة والساردين، فيما يبدو عن العثور على ألفاظ فصيحة طورا آخر.
ب/- فما كل ما يكتب بالعامية كذلك يعد بالضرورة أدبا شعبيا، وتجري هذه السيرة على ما يكتبه المثقفون من مسرحيات وروايات وكلمات أغان بالعامية التي لا ينبغي أن ترقى إلى درجة الأدب الشعبي.
جـ/- إن صفة الشعبية التي تلازم أجناسا من الأدب وضروب من القول لا تكمن إذن في العامية ولا في الفصحى، وإذا كانت العامية أداة الأدب الشعبي بوصفها من مقوماته وأنها عامل مشترك بين الأثر المجهول المؤلف والمعروف فإنه لا ينبغي الخيار في استخدام اللغة التي يريدها المبدع الشعبي عامية أو فصحى فمن الخطأ أن نطلب من المبدع الشعبي الذي ينتمي إلى الطبقة الدنيا التعبير بالفصحى والعامة الذين يخاطبهم عاجزون عن فهمها.
3- "
الأدب الشعبي هو المعبر عن ذاتية الشعب المستهدف تقدمه الحضاري ، الراسم لمصالحه، يستوي فيه أدب الفصحى وأدب العامية، وأدب الرواية الشفاهية وأدب المطبعة".
ذاتية الشعب : لا يقدم هذا التعريف تحديدا واضحا للأدب الشعبي بقدر ما يميل إلى التعميم، من الصعب الإهتداء إلى تحديد المقصود من ذاتية الشعب، إن كلمة الذاتية يمكن أن نفهم منها دلالات مختلفة ولكنها لا تحدد مفهوما خاصا بالأدب الشعبي.
التقدم الحضاري : هو قول عام ذلك أن المطلوب من المبدع – شعبيا أو رسميا – أن يهدف إلى تحقيق هذه الوظيفة الحضارية، إن هذه الخاصية متوفرة في الأدب الشعبي ولكنها أوضح في الأدب الرسمي ثم إن التصور الذي يملكه الأدب الشعبي في مجال الحضارة محدود ويختلف حتما عن الرؤية التي يتضمنها الأدب الرسمي، يعبر المبدع الشعبي عن حياة اجتماعية بسيطة ومحلية.
4- "
الأدب الشعبي هو القول التلقائي العريق المتداول بالفعل، المتوارث، جيلا بعد جيل المرتبط بالعادات والتقاليد".
القول التلقائي : يحدد معجم العلوم الإجتماعية التلقائية على أنها "القدرة على الإستجابة بأسلوب مباشر والتكيف مع وضعية معينة" إن الفعل التلقائي هو الذي يحدث بنفسه بدون تفكير سابق ودون إثارة، وهو التعبير في الحال عما نشعر به وكما نشعر به، قول يصدر تحت تأثير العواطف واندفاعها دون الإستناد إلى تحليل أو حساب، ولقد استخدم الباحثون العرب جميع هذه الأوصاف لتحديد معنى هذا المحور، غير أن المصطلحين التلقائية – القول – يعودان إلى دلالة واحدة ضمن هذا السياق المحدد بوصفهما يرتكزان على اقتران كلمتين مترافدتين، وتتمثل الكلمة الأولى في التلقائية التي تدل على مجموعة من الأفعال التي تتوقف على اندفاع السلوك الطبيعي القائم على الوضوح والحرية (تحرر الفاعل من كل عقدة أو نوع من التقويم أو التهذيب أو التكيف) وتتمثل الكلمة الثانية في القول وتدل على استعمال كل واحد منا للقول في نطاق حر من أجل التعبير (تبليغ الأفكار أو الآراء من خلال نظام الأصوات المنطوقة) وبذلك يكون القول عندما نخاطب به الغير انتاجا تلقائيا نخلص في أغلب الأحيان من قواعد لغة النخبة ومن ثم يمكن القول أن تسمية (تلقائي القول) لا تدل على مفهوم بقدر ما تصبح كلمة زائدة لأن الإشكالية الحقيقية لا تتمثل في التلقائية من جهة والقول من جهة ثانية، ولكن تكمن فيما بين الشفوي والمكتوب (وسائل انتقال الأدب الشعبي) ، ويعتبر الأدب الشعبي مخزون المعرفة البسيطة ويقوم هذا المخزون أساسا على ذاكرة متكونة من الملاحظات والأحكام والنصائح الناتجة عن تجربة بشرية طويلة ولذلك يبدو لنا أن مصطلح تلقائية القول الذي اعتبره بعض الباحثين العرب محورا ما هو في الحقيقة إلا تسمية مرادفة للقول المرتبط باللهجة.
التداول والتوارث أو التناقل الجماعي : أسهمت الرواية في نقل التراث العربي الرسمي، كان القرآن الكريم والحديث الشريف يرويان شفاهيا، ويعتبر الفقهاء التواتر من المصادر الهامة، وتظل الرواية أداة هامة في نقل الأدب الشعبي الموزع بين المقلدين والمبدعين من الرواة ولكن لا يمكن أن تكون الرواية مع ذلك شرطا أساسيا، إن اشتراط الرواية يتضمن عدم الإعتراف بالأدب الشعبي المطبوع مثل ألف ليلة وليلة والسير الشعبية، وقد زادت الطباعة هذا الأدب المكتوب انتشارا بين الناس.
إن الرواية أعم من موضوع الأدب الشعبي، إن التراث العربي وصلنا عن طريق الرواية قبل أن توجد وسائل الطباعة والنشر، وقد اتخذ الجاهليون الرواية وسيلة لحفظ أشعارهم.
إن التواتر عند الفقهاء يعتبر من المصادر الهامة في السند كالإجماع، وإذا كانت الرواية لم تصبح قيدا للتراث العربي المدرسي فإنها بالنسبة للأدب الشعبي أداة للحفاظ عليه ولكنها لا ينبغي أن تكون شرطا.
وقد ظل الشعر الجاهلي غير مكتوب نحو قرنين وظلت تتناقله الرواة شفاها وتعرض للخطأ والتغيير ومع ذلك فهو يندرج ضمن الأدب المدرسي، والجدير بالذكر في هذا الصدد أن عددا من الدارسين يقدمون المادة الشعبية كما لو أنها جاءت من مصادر معروفة أو كما لو كانت أدبا مقروءا ولا أدبا مرويا مسموعا ومن ثم يعالجون هذه المادة الشعبية بالمعايير نفسها التي يدرس بها الأدب المدرسي، وقد وقع في هذا الخطأ دارسي الأدب العربي القديم الذي كان معظمه شفويا من ناحية الأصل والمنشأ ومن ناحية التقديم والعرض.
إن الأدب الشعبي جوهرة محصورة في ذاكرة شعب معين، فهو يؤلف الرأسمال الثقافي الذي يعكس الملامح المتميزة لجماعات بشرية مختلفة، إن الأدب الشعبي صدى الماضي لا يصاب بالإتلاف أو الإبتدال، ينتقل من جيل إلى جيل باستمرار ليصل إلينا متأثرا ببصمات الزمان.
كيف ينتقل الأدب الشعبي من جيل إلى جيل آخر ؟ ماهي السبل التي سلكها الأدب الشعبي للوصول إلينا ؟
اعتمد الأدب الشعبي في تناقله على قناتين أساسيتين :
1-
القناة الشفاهية
2-
القناة الكتابية
ويقوم هذان الأسلوبان المتعلقان بالتناقل على التفاعل المتبادل بينهما من خلال مقابلة نظيرية Bijection وهي (مقابلة بين عنصر واحد من مجموعة وعنصر واحد معين من مجموعة أخرى) وذلك اعتمادا على بعض السمات التي تكون سببا في تعارضهما، إن الإستعانة بالبصر في النقل المكتوب وبالسمع في النقل الشفاهي فعل ضروري ومسلم به، وقد توارث الأجيال الأدب الشعبي من الممارسة العائلية، من فم الشيوخ في المقاهي العمومية أو من فم المداحين وهم المغنون العموميون الذين ينشرون الأدب الشعبي في الأسواق وينقل كل واحد منهم الأدب الشعبي بالطريقة الشفاهية أثناء حفل أو تجمع أو حديث مع القدامى، ويعود أصل النقل المكتوب عند الغير إلى الثقافة الصادرة عن الكتب حيث يتم ترسيخ الأدب الشعبي في الذاكرة البشرية.
ويمكن للإنسان أن ينتج بالكتابة نصا شفاهيا روي إليه ويستطيع أيضا أن يقرأ نصا مكتوبا وأن يرويه شفاهيا بعد ذلك لشخص معين. وهكذا يمكن أن يتحول الإنتاج الشفاهي إلى انتاج مكتوب والعكس صحيح بعد أن يطرأ عليه تعديلات سلبية أو إيجابية في الذهن البشري المبدع، ومن هنا فإن العلاقة النظيرية بين النقل الشفاهي والنقل المكتوب مشروعة ، ويمكن أن نسوق للدلالة على هذه العلاقة الموضوعية بين القناتين عددا من الأعمال الشعبية كالحكاية والأغنية والسيرة التي انتقلت من مرحلة الأدب الشفاهي إلى مرحلة الأدب المدون كما هو الشأن بالنسبة لسيرة عنترة بن شداد وأبي زيد الهلالي والأميرة ذات الهمة، ويعتبر العكس صحيحا كذلك إذ كثير من النصوص التي ثبت أصلها أصبحت موضوعا للأدب الشفاهي مثل (الوقائع الدينية والتاريخية « Recueils de faits religieux et historiques ».
لا نعلم الكثير عن العمليات التي يتم عن طريقها نقل الأدب الشعبي يجب أن نحاول معرفة ممن تعلم الراوي مادته والطرق التي اعتمد عليها في ذلك والزمن والظروف التي أحاطت بسماعه لها لأول مرة وما حدث بعد ذلك وعدد المرات التي استمع إلى هذه المادة في حالة الإعادة وقيامه هو بأدائه لغيره أو ترديدها لنفسه فقط والأسباب التي دعت إلى ذلك في كلتا الحالتين والدور الذي يقوم به الراوي في أداء ما يعرفه في حدود السماع فقط أم إنه يغير في النص ويحذف ويعدل ويضيف وأسباب ذلك وتحديد طبيعة المواقف التي تم ذلك فيها العلاقة القائمة بين هذا الأداء والجمهور.
ومن الطرق الصالحة لإنتقال الأشكال الأدبية التي تعتمد أساسا على الكلمة ومنها الأدب الشعبي هي الإنتقال عن طريق المصادر المطبوعة ولا سيما في المجتمعات الحديثة، إذ يمكن تسجيل النصوص الشعبية وإتاحتها للقادرين على القراءة الذين يمكنهم بعد ذلك أن يروون فيها، والمشكلة التي تبدو في نطاق الأدب الشعبي بأشكاله المختلفة أن الحكاية والمثل واللغز والأغنية تخضع بدون شك في ذلك لقانون واحد ولكن يؤثر الشكل الخاص لكل منها وطبيعته على عملية الإنتقال، فالحكاية والأغنية على سبيل المثال مختلفتان في انتقالهما بين الأفراد والجماعات، وتظهر تغييرات محددة أثناء الإنتقال إذ تبقى بعض العناصر أو يحتفظ بها الراوي وتسقط عناصر أخرى أثناء ذلك، وترتبط هذه العمليات بفترات زمنية وأسباب محددة منها العوامل السيكولوجية كالتذكر والنسيان.
5- "
الأدب الشعبي هو الأدب الذي يصدر عن الشعب فيعبر عن وجدانه ويمثل تفكيره ويعكس اتجاهاته ومستوياته الحضارية" .

الإرتباط بالعادات والتقاليد للتعبير عن وجدان الشعب :
يحتوي الأدب الشعبي مجموعة من العناصر التي تعود أساسا إلى الماضي إلا أنها متميزة بالتغيير الذي يطرأ عليها عبر الزمن، وتختفي هذه الرواسب في ثناياها الحكمة والتجارب وأساليب العيش القديمة، ويعبر كل شعب من خلال العادات والتقاليد عن أفراحه وأحزانه، ويذاع الأدب الشعبي في مناسبات تقليدية مثل الزواج والولادة والوفاة وأماكن العمل والتسلية والأسواق العمومية، ويعتمد في هذه الأماكن والظروف نفسها على الأدب الشعبي لإدانة فعل أو حكم على سلوك معين، ويكتسب الأدب الشعبي وزنا اجتماعيا وسياسيا وثوريا ضخما، كما يعد الأدب الشعبي اللغة الوحيدة التي لم تتقلص إلى شعار فهو لغة ذات علاقة جدلية مع الواقع وتتمتع بقدرة كبيرة على تفسيره، إن الأدب الشعبي وعي فردي وجماعي ويعبر عن حياة الأمة بجميع شرائحها في كافة مناطقها، ويغطى الأدب الشعبي باستمرار كل احتياجات الشعب اليومية، ويقوم تناقل الأدب الشعبي من جيل إلى جيل على التغيير في الشكل والثبات في المضمون ويساعد الأدب الشعبي على نقل الخطاب الفلسفي والروحي الموغل في القدم.
يتجذر تناقل الأدب الشعبي في موروثات عشرة قرون ويرسخ في ذاكرة الجماعة إما بالكتابة كالوقائع الدينية والتاريخية على سبيل المثال أو بالكلام المقولب (وهو سلوك مكرر على نحو لا يتغير تعوزه الصفات الفردية المميزة) كالأمثال والأساطير والحكايات والسير، ويرتبط الأدب الشعبي المستمد من التجربة البشرية قبل ظهور الكتابة بالتناقل من جيل إلى جيل إلا أن هذه الإرادة حصرته في قوالب جاهزة قريبة من السلوك المكرر، وتعتبر الكتابة الوسيلة الهامة التي اعتمد الأدب الشعبي عليها لتناقله عبر الأجيال إلى جانب الرواية.
إن اقصاء الأدب الشعبي واحتقاره بمثابة الحد من تعبير الشعب والقضاء على قوته الإبداعية ، إن هذه السلطة الخلاقة هي التي تساعد على إعادة النظر في نظام القيم الذي يقوم على التمييز الواضح بين الخير والشر في المجتمع.
6- "
إن الأدب الشعبي لا يمكن أن يكون شعبيا إلا إذا استقبلته الجماعة الشعبية بأسرها ورددته".
الجماعية : يتميز الأدب الشعبي بالروح الجماعية، فالجماعة هي التي تشكل النص حسب مزاجها وظروفها، ويعبر المبدع الشعبي عن وجدان الجماعة، ولا يعني هذا أن دور الفرد معدوم في الأدب الشعبي بقدر ما يدل على أن الجماعة لا تهتم بصاحب النص أكثر من انشغالها بالنص الأدبي ذاته.
اهتم كثير من الباحثين بالبحث عن مصدر انتاج العمل الأدبي، وانشغل هؤلاء بما إذا كان الفرد أو الشعب هو مؤلف الأثر الشعبي، ويعتبر عدد من العلماء فعلا أن الأدب الشعبي إعداد جماعي وغير فردي مقابل الأدب المدون الذي يعد فرديا وشخصيا. إن هذه الفرضية التي ظلت في صالح الأدب الشعبي وقتا طويلا صارت غير مقبولة الآن لأنه لا يمكن أن نتصور عملا شعبيا ألفه شعب بأسره، ومن هنا يبدو لنا أن الأدب الشعبي انتاج مجهول، ويصبح النص الشعبي ممثلا لحدث معين ومتناقل من جيل إلى جيل عن طريق الرواة، ومهما كان دور الفرد في تكوين العمل الشعبي مثلما نجد ذلك في حالات الأغنية الشعبية أو الشعر الشفاهي فإن الإنتاج لا يكون شعبيا إلا إذا استوعبته الجماعة وتداولته، ويتمكن الإنتاج الشعبي من التأقلم والإنتشار عندما يقوم الشعب باسترجاعه، يتخلى المؤلف إن كان موجودا عن العمل الذي انتجه ويصبح جزءا أساسيا من الجماعة التي ينتمي إليها ويتحول بذلك إلى مؤد ويشارك كل مؤد بما فيه المؤلف في العمل الشعبي ولكن لا يصنعه أحدهم بمفرده، ولا يصبح الإنتاج شعبيا بأتم معنى الكلمة إلا بعد أن يدخل عدد لا حصر له من الرواة، تعديلات وتنقيحات وتحويرات عليه، يتحول الأدب الشعبي إذن باستمرار ولكن هذا التعديل مرتبط أساسا بالظروف التي انجز فيها هذا العمل الشعبي نفسه، إذ يحاول المؤدون تعديل آثارهم الشعبية حسب مزاجهم وطبيعة مستمعيهم .
إن الرواوي لا يستطيع أن ينتج نصا بمعزل عن الجمهور، ويتحدد معنى تدخله في النص الأدبي من خلال هذه العلاقة القائمة بين الراوي والجمهور، وتفترض عملية التواصل بين المرسل والملتقى جملة من عوامل تؤدي دورا هاما في صياغة الأثر الأدبي وتشكيله صورة ومعنى. تسيطر على الجمهور حاجات عديدة، وتتفاوت هذه الحاجات من فئة اجتماعية إلى أخرى حسب العمر (الشباب – الكهولالشيوخ) والجنس (الذكور والإناث) ويعمل الراوي على أشباعها، وتختلف قدرات الرواة على الرواية وطاقاتهم على الحفظ والتذكر ومن ثم فإن النص يتعرض باستمرار للتغيير أثناء انتقاله في المجتمع، ولكن حجم هذا التغيير وأهميته تختلف باختلاف العناصر التي يصيبها التغيير، فالتغيير في مكان الأحداث وزمانها أو في الشخصيات يعد تغييرا بسيطا ولكن التغيير في حبكة الأحداث وتسلسلها أو في وضع نهاية مختلفة يعد أمرا هاما وهو ما يحدث عادة أثناء انتقال الحكاية، وإذا كان الأدب الشعبي يتعارض مع الكتابة فإنه من الطبيعي أن نقدر أن هؤلاء الأميين سوف يكونون المهتمين بالأدب الشعبي المحافظين عليه القادرين على ترديده. ولكن إن ترديد الأدب الشعبي موجود دائما بين الناس جميعا ويرتبط بمناسبات عديدة.
إن نصوص الأدب الشعبي بأنواعه المختلفة تتقبل الإضافة والحذف والتعديل دائما بينما تعيش الأنواع الأدبية الخاصة على حالتها التي ابدعها بها مؤلفها، ويؤثر جمهور كل من الأدبين (الشعبي والمدون) في طبيعة كل منهما، يمكن للكاتب أن يعيش بعيدا عن الناس منعزلا في مكان خاص لا يشاركه فيه أحد أثناء ابداعه ولا يمكن للراوي أن ينعزل عن المستمع فلا بد أن يكون على صلة مباشرة به وأن يواجهه.
إن الكاتب أو الشاعر يشبهان جهاز الإرسال ويصبح الجمهور جهاز الإستقبال، وتوجد علاقة مباشرة بين المرسل والمستقبل.
لا يوجد رد فعل مؤثر مباشر من جانب الجمهور فيما يتعلق بالأدب المكتوب فإن الإرسال (الأثر الأدبي) هنا يعد مكتملا ومنتهيا قبل أن يصل إلى المستقبل وهو الجمهور أو القراء بينما نجد في نطاق الأدب الشعبي، ظهور ردود فعل مباشرة أثناء عملية الإرسال (أي أثناء الأداء) ومن هنا فإن الصورة النهائية التي يبدو بها هي نتيجة التفاعل المتواصل بين المرسل (الراويالمغني) وبين الملتقى (الجمهور المستمعين) وتؤثر طبيعة الجماعة من حيث السن (الشبابالكهول – الشيوخ) والجنس (الذكور أو الإناث) والثقافة (القراءة والكتابةالأمية) في تنوع أساليب رواية النص ومضمونه، يتغير الأدب الشعبي إذن باستمرار ولكن هذا التعديل مرتبط بالظروف التي أنجز فيها هذا العمل الشعبي نفسه، إذ يحاول المؤدون تعديل نصوصهم الشعبية حسب مزاجهم وطبيعة مستمعيهم والمدة الزمنية التي وضعت في تصرفهم، فهم يختزلون العمل الشعبي أو يمددون فيه، يطورونه ويفصلونه أو يحذفون مقطعا منه حفاظا على أصالته إن الأدب الشعبي ملك الجميع وغير معقول أن تكون الجماعة باسرها مصدرا له.
يقول هابرلاندت M. Haberlandt أن من أهم واجبات علم الفولكلور أن ينتبه إلى وجود أولئك الأفراد المبدعين الذي تمكن معرفتهم بالإسم في كل مجال من مجالات الثقافة الشعبية الحية بين الناس وعليه يتحتم علينا أن نعدل بعض الشيء من مفهوم (الثقافة الشعبية الجماعية) ذلك أن الإبداع الثقافي الفردي كامن في كل ثقافة جماعية من هذا النوع والفرق بين شعب وآخر وعصر وآخر هو في عدد وأساليب هذه الشخصيات الإيجابية المبدعة.
ولا يركز علم الفولكلور بالدرجة الأولى على فردية الإبداع الشعبي أي على الصورة الفردية التي يخرج بها الأثر الأدبي إلى الناس وإنما هو يهتم أولا وقبل كل شيء بالرصيد المشترك الشائع بين الأغلبية، ولكن لا يمكن فهم هذا الرصيد المشترك الشائع إلا عن طريق هذا الشيء المتفرد، ودراسة حياة حملة هذه المنتجات الشعبية المتفردة والمتميزة بسمات مبدعيها، فكثير من الصور التي اتخذها التراث المشترك لا يمكن فهمها دون اعتبار دور القوى المبدعة للإنسان الشعبي الفرد، فتحديد اسهام هذا الفرد في التراث الجماعي أمر ضروري ومنهجي في ميدان الدراسات الشعبية.
إن المقصود بالقوة الإبداعية للجماعة الشعبية هو ابداعات الأفراد الموهوبين قد تكون معروفة بالإسم في البداية إلا أنها سرعان ما تدخل ضمن الرصيد المشترك لا يمكن لأحد أن يدعى إزاءه حق شخصي لأنها لا تستند إلى مؤلف معين إن النوع الشعبي هو انتاج شخص مبدع صاحب موهبة ولكن حينما يوجد فيه تعبير معين أو اصطلاح أو صورة غير موفقة أو غير مفهومة للكافة تعمد الجماعة إلى تغييرها من تلقاء نفسها وتجعل كل اجزاء هذا النوع الشعبي سهلا على نطاقها وفهمها، هذه المشاركة هي التي تسمو بالنوع الشعبي إلى درجة فنية راقية إلى الحد الذي تجعله بشكله المتداول فوق مستوى الفرد المبدع.
كان الرومانسيون يرجعون مثلا أسباب التنويعات والروايات المتعددة لحكاية واحدة إلى الأخطاء أو سوء الفهم والإضطراب وغيرها من أسباب كثرة تداول مواد الأدب الشعبي، فيرجعونه إلى الربط غير الواعي بين موتيفات متعددة من حكايات متباينة في حكاية واحدة وليس إلى الخلق الواعي.
إن فرد السرد سواء كان مقلدا أو مبدعا لا يمارسه بين الجماعة سوى أفراد قلائل دائما، إن امثال هؤلاء الرواة لا سيما المبدعون منهم ليسوا كثرة سواء بين الطبقة الدنيا أو العليا، إن المقلد وهو الطراز الملتزم بالرواية الأصلية هو الشائع بين الناس ، فهو يعيش على افراز القلة من المبدعين.
إن الإهتمام بالنص وممارسته من قبل الجماعة على الرغم من أنه من أهم مميزات الأدب الشعبي فإنه قضية نسبية فهناك قصائد شعرية نشرت في المجلات أو لدى بعض الأفراد ولم تدخل حياة الجماعة الشعبية وقد لا تسمع بها اطلاقا.
إن الجماعية هو أن يكون العمل الأدبي مجهول المؤلف لا لإن دور الفرد في إنشائه معدوم ولا لأن العامة اصطلحوا على أن ينكروا على الخالق الفرد حقه في أن ينسب إلى نفسه ما يبدع بل لأن العمل الأدبي الشعبي يستوي أثرا فنيا بتوافق ذوق الجماعة وجريا على عرفهم من حيث موضوعه وشكله ولأنه لا يتخذ شكله النهائي قبلما يصل جمهوره شأن أدب المطبعة وأدب الفصحى عامة بل يتم له الشكل الأخير من خلال الإستعمال والتداول، ثم إن وسيلة إذاعته وهي النقل الشفاهي لا تلزمه حدودا جامدة بحيث يكون من المستطاع أن يضاف إليه أو يحذف منه أو يعاد ترتيب عناصره أثناء انتقاله من موطن إلى آخر.
من هو مؤلف الأدب الشعبي ؟ أهو الشعب كمجموع أم فرد مجهول يعبر عن روح المجموع، ثم يتناقل الرواة ما ألفه بالإضافة والحذف ؟

الجماعية :
الجماعية بالمعنى السياسي أو الإجتماعي المعروفة به هي مبدأ اشتراكي قائل بسيطرة الدولة أو الشعب على جميع وسائل الإنتاج والنشاطات الإقتصادية.
الجماعية في الأدب والفن تعني تيارات الطليعية (وخاصة مذاهب التعبيرية والتجريدية والفعالية والفعالية مذهب خلقي يعني بمتطلبات الحياة الفعلية ومنجزاتها أكثر من عنايته بالمبادئ النظرية هذه التيارات تحاول أن تنقص من النظرة المستقلة الذاتية لصاحب التكوين الفني، في سبيل إثبات الجماعية التي ينبغي عليها أن يكون لها المقام الأول وقد حاول جماعة من الفنانين الذين يدعون إلى الجماعية توحيد صفوفهم وجهودهم في التكوين الفني الواحد لإثبات قوتهم.
ويرى بعض الفلاسفة أن فكرة الجماعية في الفن والأدب هي فكرة خاطئة مستندين إلى أن أصل جوهر التكوين أو الخلق الفني ماهو إلا نظرة ذاتية للفنان يخرج منها إلى الإيضاح وإلى التعبير وإلى عكس الأشياء من وجهة نظر واحدة هي وجهة نظره فقط
الجمهور :
أصل الكلمة اللاتينية Publicus وهي تعني مجموعة المشاهدين والسامعين للعرض الفني، كما تعني المستقبلين لكل عمل فني آخر والجمهور مهما كانت شاكلته، واعيا أم غير واع ، أميا كان أم متعلما هو في النهاية الحكم الحقيقي والفعلي على مختلف الإنتاجات الفنية في أي فرع من الفروع، وفي العروض الحديثة يمكن أن يقوم الممثل بالتمثيل وممارسة فنه ومهنته وسط قاعة الجماهير بما يتشابه مع بعض العصور سابقا كما في دراما السوق في القرون الوسطى أو في الإتصالات بين الممثل وجمهوره في كوميديا الفن (الكوميديا دي لارتي) والعكس يمكن أن يحدث اليوم فإن يصعد الجمهور إلى خشبة المسرح لأماكن معدة له ليشاهد التمثيل في مواجهة لبقيته ووجها لوجه مع صالة الجمهور.
7-
الأدب الشعبي هو مجموعة العطاءات القولية والفنية والفكرية والمجتمعية التي ورثتها الشعوب التي أصبحت تتكلم العربية وتدين بالإسلام"
الموروث التاريخي :
يدل هذا التعريف على أن الأدب الشعبي ليس وليد الجزيرة العربية وحدها وإن كانت أصلا رئيسيا فيه ولكنه نتاج رقعة جغرافية وحضارية واسعة شاركت شعوبها التي تعبر بالعربية وتدين بالإسلام في صنعه بموروثها القديم عبر مراحل التاريخ، ويتضمن الأدب الشعبي آثار الفلسفات والعقائد سواء التي انتجتها الشعوب صاحبة هذا الأدب أو التي تتعلق بالبلدان المجاورة لها.
ولا يتحدد معنى الأدب الشعبي دون صلته بكل هذه التأثيرات، ولا يمكن أن نتجاهل التأثير الذي مارسه الموروث التاريخي على الأدب الشعبي.
إن الموروث التاريخي مقوم أساسي للأدب الشعبي، وأن النقاد والدارسين لم يلتفتوا إلى الموروث القديم بصورة كافية، واعتبروه مرة عقبة في سبيل استمرار العقيدة الدينية ومرة مجرد ظواهر لا قيمة لها، أو الوقوف على موروث الجزيرة العربية وحدها وعزل آثار المناطق الجغرافية والتاريخية الأخرى التي اسهمت في تكوين حصيلة الأدب الشعبي بمختلف أنواعه.
ماذا نعني بارتباط الأدب الشعبي بالعنصرين العربية والإسلام، هل نعني أنه الأدب الخارج عن الجزيرة العربية والمرتبط تاريخيا بالعطاء الصادر من الجزيرة العربية والذي يرجع إلى الأصول العربية قبل الإسلام وبعده ؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل استطاع العرب أن يزيلوا الموروث الحضاري للشعوب التي دخلت الإسلام منذ سنواته الأولى وكونت من البداية المنطقة الحضارية العربية التي صمدت أمام كل محاولات تفتيتها حتى اليوم، وبمعنى آخر هل تخلت شعوب المنطقة التي تمسكت بانتمائها العربي عن موروثها الحضاري والشعر القديم بمجرد دخولها إلى الإسلام دينا واستخدامها العربية لغة رسمية ؟
إن سبب الخلاف بين العلماء في تحديد مفهوم الأدب الشعبي يعود أساسا إلى عنايتهم بالشروط الخارجة عن ماهية النصوص الأدبية، وقد وضعت هذه القيود في مرحلة الإهتمام بدراسة الأدب الشعبي (الرواية والتوارث وجهل المؤلف – الجماعيةالتقليد أو العراقة – اللغة العامية والفصحى – العادات والتقاليد – الوجدان الشعبيالذاتية الشعبية – التقدم الحضاري – القول التلقائي) وهي شروط لا تقتصر على التعبير الشعبي بقدر ما يشترك في بعض منها الأدب المدون ، وتعتبر هذه الشروط الآن جزءا من تاريخ الأدب الشعبي وهي شروط لا تحدد مفهوم الشعبية في الأدب، ينبغي أن ينصب الإهتمام في تحديد الشعبية على النص الأدبي قبل صاحبه الذي أبدعه والظروف التي أحاطت به ، إن الجماعة تتفاعل مع النص الذي يعبر عن همومها ، إن تعريف الأدب الشعبي يكمن في خصائص أخرى ينفرد بها النص الشعبي في نظر صاحبه وتفكيره وإحساسه وتذوقه ، كالإعتقاد الشديد بالغيب والإلتجاء إلى اصطناع حيز غير جغرافي والتعامل المطلق مع المجهول والإقبال على التعايش مع الكائنات الخارقة وغيرها من العناصر الغريبة والشاذة والمألوفة التي يتألف منها الواقع المعيش L’histoire Vécue

ليست هناك تعليقات: