مفهوم الفصاحة عند النحاة العرب القدماء والمحدثين
أ.د. محمد الحباس
أستاذ الدراسات اللغوية بجامعة الجزائر
eيعتبر هذا الموضوع من الموضوعات التي استرعت اهتمام
الكثير من الدارسين العرب المحدثين ، وقد وقع بينهم خلاف حوله ، ولعل أسباب الخلاف
ما نجده من جهل بعضهم للفرق بين الفصاحة اللغوية والبيانية ، فكان بعض منهم يجري
إحداهما على الأخرى فلا يجد مبررا للكثير من القضايا المتعلقة بهما ، وسنحول في
هذا المقال إلقاء الضوء على كل من الفصاحتين ، كما سنبين منهج النحاة واللغويين في
تحديدهم لرقعة الفصاحة اللغوية زمانا ومكانا ، وكذا توضيح السبب في ربطهم للفصاحة
بالبداوة بعد زمان بدء التحريات الميدانية ، والرد على من زعم أن النحاة العرب قد
ربطوا بين الفصاحة وبين الجنس العربي ربطا اعتباطيا لا مبرر له .
الفصاحة
لغة :
اعتاد الدارسون ـ وخاصة العرب منهم ـ أن يحددوا المعنى اللغوي للمصطلحات، قبل
المعنى الاصطلاحي ، وهذا للصلة الوثيقة الموجودة عادة بين المعاني اللغوية
والمعاني الاصطلاحية للكلمات .
فالفصاحة في اللغة : خلو
الشيء مما يشوبه ، وأصله في اللبن ، يقال : فصُح اللبن ، إذا ذهب عنه اللبأ ، أي
الرغوة التي تغطي سطحه )1( . قال
نضلة السلمي)2( :
فَلَمْ يَخْشَوْا مَصَالَتَهُ
عَلَيْهِمْ وَتَحْتَ الرِّغْوَةِ اللَّبَنُ الْفَصِيحُ
ومعنى خلوص الشيء مما يشوبه
كونه واضحا بينا ، واستعير للدلالة على البين من القول. ذكر الأزهري عن الليث )3( :
" وقد يجيء في الشعر وصف العجم بالفصيح ، يراد به بيان القول ، وإن كان بغير
العربية ، كقول أبي النجم يصف حمارا :
أَعْجَمُ فِي آذَانِهَا فَصِيحاً
يعنى صوت الحمار أنه أعجم ،
وهو في آذان الأُتُنِ فصيح بين " .
فالمعنى اللغوي للفصاحة من
خلال هذه الأمثلة هو البيان والوضوح ، فكل ما كان بينا واضحا فهو فصيح ، ساء أكان
كلاما أم غيره .
المعاني الاصطلاحية للفصاحة :
اضطرب مفهوم الفصاحة كثيرا لدى المحدثين من المهتمين بالدراسات اللغوية العربية،
وهذا الاضطراب ناتج عن عدم تفريقهم بين الفصاحة بمعناها اللغوي وبين الفصاحة
بمعناها البياني .
فالفصاحة اللغوية عند النحاة واللغويين العرب القدماء كانت تعني السليقة ، أي
التكلم باللغة دون تعلم )1( . وهذا
المفهوم يمكن استنتاجه من كلام الجاحظ بوساطة المقابلة التي أقامها بين عدة مفاهيم
متقاربة ، يقول : " فمن زعم أن البلاغة أن يكون السامع يفهم معنى القائل، جعل
الفصاحة واللكنة ، والخطأ والصواب ، والإغلاق والإبانة ، والملحون والمعرب، كله
سواء وكله بيانا " )2( .
فإذا قابلنا بين هذه المفاهيم على النحو الأتي :
فصاحة : لكنة
صواب : خطأ
إبانة : إغلاق
معرب : ملحون
نلاحظ أن الفصاحة تقابل الخطأ
واللحن ، ومقابلتها للحن يفهم منه الخروج عن أوضاع العرب في كلامها ، لأن هذا هو
تعريف اللحن ، ولا يطلق على عدم الفصاحة البيانية اللحن، بل يطلق عليه العيّ وما
شابهه ، ومن هنا ندرك أن الكلام في هذا المضمار مستويان : مستوى السلامة اللغوية ،
وهو خلوه من اللحن ، ومستوى السلامة البيانية ، وهو اختيار الكلام الجيد المؤثر في
السامع .
ونفس الكلام نجده عند الفارابي حين يقول : " فتصير عبارته خارجة عن عبارة
الأمة، ويكون خطأ ولحنا وغير فصيح " )3( ،
فالخطأ واللحن يضادان الفصيح عنده ، كما رأينا عند الجاحظ .
والفصاحة والسليقة والملكة مصطلحات استعملها النحاة العرب القدماء ، وتطلق عندهم
على معنى واحد في ميدان الدراسات اللغوية ، وتعني عندهم تعلم اللغة من المحيط في
الصغر ودون معلم ، وهي مقابلة للحن الذي فشا على ألسنة المولدين . " ولم تزل
العرب في جاهليتها وصدر من إسلامها تبرع في نطقها بالسجية ، وتتكلم على السليقة ،
حتى فتحت المدائن … فوقع الخلل في الكلام ، وبدا
اللحن على ألسنة العوام ")1(.
من خلال كلام الزبيدي هذا وكلام ابن منظور عن السليقة)2( ، ومن
خلال تعريفنا للفصاحة اللغوية نفهم أن هذه المصطلحات كانت تعني عندهم معنى واحدا ،
وإن كانت الفصاحة خاصة بالكلام ، والسليقة عامة في كل ما يقوم به الإنسان من أعمال
محكمة ، سواء أكانت كلاما أم غيره .
أما الملكة عند ابن خلدون فهي الفصاحة كذلك ، أو قل بأن الفصاحة نوع من الملكة، إذ
لا يشترط في الملكة أن تتعلم في الصغر دون معلم كالفصاحة ، لكن غايتهما واحدة ،
وهي إجادة الكلام ، وإن كانت الملكة كالسليقة ليست خاصة بالكلام ، بل تشمل جميع
أنواع المهارات ، فاللغة العربية عند العرب الفصحاء : " ملكة في ألسنتهم
يأخذها الأخر عن الأول كما تأخذ صبياننا لهذا العهد لغاتنا ")3( .
الفصاحة والجنس العربي :
يزعم بعض الدارسين المحدثين أن الفصاحة أو ما يسمونه بالسليقة كان لها عند القدماء
ارتباط وثيق بالجنس العربي ، ولذا كانوا يعتقدون أن غير العربي لا يمكنه تعلم
العربية ، ولو ولد ونشأ في بيئة عربية ، يقول في هذا المعنى إبراهيم أنيس ـ بعد أن
عرف السليقة عند المحدثين ـ : " أما الأقدمون من علماء العربية فقد سيطرت
عليهم فكرة أخرى، ورأوا أمر الكلام بالعربية يرتبط ارتباطا وثيقا بالجنس العربي ،
ولذا ينكرون على الفارسي أو اليوناني إمكان إتقان هذه اللغة ، كما يتقنها أهلها من
العرب … فكأنما تصور هؤلاء الرواة أن
هناك أمرا سحريا يمتزج بدماء العرب ، ويختلط برماله وخيامهم ، وهو سر السليقة
العربية، يورثه العرب لأطفالهم ، وترضعه الأمهات لأطفالهن في الألبان ، ولذا لم
يتورع الرواة في الأخذ عن صبيان العرب ")4( . ولا
غرابة أن يقول إبراهيم أنيس هذا القول بعد أن زعم بأن الإعراب عبارة عن قصة مفتعلة
من طرف النحاة العرب ، وقد رددنا على هذا الرأي السخيف بردود داحضة في كتابنا
" محاضرات في فقه اللغة " . ولولا أن بعضا من طلاب العلم عندنا ربما
افتتنوا بهذه الأفكار الغريبة لما جشمنا أنفسنا عناء إيرادها والرد عليها .
أما عبد التواب رمضان فقد نهَج نهْج إبراهيم أنيس حين قال : " وليس في
السليقة اللغوية لدى المحدثين ، شيء غامض ، كما كان علماء العربية القدماء يظنون ،
حين ربطوا بينها وبين البداوة حينا ، أو الجنس العربي حينا آخر ")1(
هذا التقول والزعم الباطل نشأ بسبب تحديد العرب القدماء لمفهوم الفصاحة والفصحاء،
ولكن الحقيقة أن رواة اللغة كانوا علميين في تحديدهم للفصاحة . وقد أكد علماء
النفس المحدثين أن المهارات لا تدرك إلا قبل اكتمال نمو الدماغ ، وهذا ما اعتمده
علماء اللغة، وهم ـ وإن لم يدركوه علميا ـ فقد أدركوه بالتجربة والملاحظة ، حيث
رأوا أن الكبار من العجم لا يستطيعون إتقان العربية مهما طلت إقامتهم في بلاد
العرب : " ألا ترى أن الزنجي إذا جلب كبيرا فإنه لا يستطيع إلا أن
يجعل الجيم زايا ، ولو أقام في عليا تميم أو سفلى قيس، وبين عجز هوازن خمسينا عاما
")2( .
فالجاحظ ـ كما تلاحظ ـ نص على الكبر، ومعنى هذا أنه إذا جلب صغيرا فإنه ينشأ عربي
اللسان مثله مثل كل العرب ، وقد كان هذا موجودا كثيرا في بلاد العرب ، حيث كان
الكثير منهم من غير العرب يجلبون صغارا ويباعون عبيدا، فكان الرواة يأخذون عنهم
اللغة تماما كما يأخذون عن العرب .
هذه هي إذن نظرة الرواة العرب القدماء للفصاحة ، ولا توجد عندنا نصوص تبين أنهم
كانوا يربطون بين الفصاحة وبين الجنس العربي إلا من الزاوية التي ذكرناها. جاء في
اللسان : " رجل عربي إذا كان نسبه في العرب ثابتا ، وإن لم يكن فصيح … ورجل
معرب إذا كان فصيحا ، وإن كان عجمي النسب ")3(.
وقد أفاض ابن خلدون في هذا الموضوع وبين أن ملكة اللسان تتعلم بالدربة والممارسة ،
وليست طبعا ، ويمكن أن يجيد العربية الأعاجم كما أجادها العرب ، ويضرب لذلك أمثلة
لعلماء أعاجم أجادوا العربية مثل سيبويه وأبي علي الفارسي والزمخشري)4(. بل ويرد ابن خلدون على من زعم أن العربية كانت طبعا
في أهلها ، ويبين أن: " الملكات إذا استقرت ورسخت في محالّها ظهرت كأنها
طبيعة وجبلة لذلك المحل . ولذا يظن كثير من المغفلين ممن لم يعرف شأن الملكات أن
الصواب للعرب بالطبع ، وليس كذلك، وإنما هي ملكة لسانية في نظم الكلام تمكنت ورسخت
، فظهرت في بادئ الرأي كأنها جبلة وطبـع")5(.
لقد وصف ابن خلدون من يعتقد هذا الاعتقاد بأنه مغفل ، فهل نظن أن العلماء الأفذاذ
مثل أبي عمرو بن العلاء والخليل وسيبويه والأصمعي وابن جني وأبي علي الفارسي وغيرهم
من أساطين النحو العربي يطلق عليهم وصف ابن خلدون ، أو أن ابن خلدون كان يقصدهم؟
حاش لله أن يكون ذلك ، وإنما كان ابن خلدون يقصد أناسا ممن لم يشموا رائحة هذا
العلم فضلا أن يتقنوه ، ولكن حسب رأي إبراهيم أنيس وعبد التواب رمضان فإن هذا
الوصف ينطبق على النحاة واللغويين العرب القدماء دون استثناء ، وهذا تقوُّل نربأ
بألسنتنا أن تتفوه به، وبقلوبنا أن تعتقده .
وحين تطرق تمام حسان [1] إلى علاقة السليقة بالطبيعة فهم الملكة كما
يفهمها علماء النفس على أنها أمر فطري فعد إبراهيم مصطفى من أنصار الطبع في
السليقة اللغوية بسبب استخدامه لمصطلح الملكة ، وفاته أن ابن خلدون قد نص وأكد على
أن الملكات ليست طبيعية وإنما هي مكتسبة ، وهذا الوهم ناتج عن عدم تفريقه بين
الملكة التي هي مكتسبة، وبين القدرة التي هي فطرية [2] .
ويورد تمام حسان [3] نصوصا لعلماء عرب قدماء يزعم أنهم يقولون
فيها بفكرة الطبع في السليقة اللغوية ، ويرى أن القائلين بالطبع كثرة ، فذكر منهم
ابن جني الذي أتى بحكاية أبي حاتم السجستاني مع الأعرابي في قوله تعالى [4]: { طُوبَى لَهُمْ } [5] ، والتي قرأها الأعرابي: طيبى [6] ، وذكر قول الشاعر الكلبي :
كَمْ بَيْنَ قَوْمٍ قَدِ احْتَالُوا
لِمَنْطِقِهِمْ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَلَى
إِعْرَابِهِمْ طُبِعُوا
وكذلك قول ابن فارس : "
فاجتمع ما تخيروا من تلك اللغات إلى نحائزهم وسلائقهم التي طبعوا عليها " [7] .
أتى بكل هذه الشواهد لكي يدلل على أن النحاة العرب واللغويين كانوا يعتقدون أن
السليقة أو الفصاحة أمر طبيعي لا مكتسب ، ولكن الذي يمكن ذكره في هذا المجال أن
الطبع هنا لا يعني الفطرة التي هي عكس الاكتساب ، وإنما يعني العادة التي تصبح بعد
المران كأنها طبيعة ، وهذا ما أكده ابن خلدون ـ كما رأينا من قبل ـ .
وكيف يمكن للعلماء العرب أن يقولوا بأن الفصاحة طبع عند العربي وهو يشاهدون من
حولهم أعاجم قد صاروا فصحاء ، وعربا يلحنون في كلامهم ، وعلى هذا الأساس حددوا
رقعة الفصاحة من الناحية الزمانية والمكانية ، فلو كانوا يعتقدون أن الفصاحة للعرب
بالطبع لحددوها بالجنس العربي ، فكل من كان عربيا فهو فصيح ، ولو عاش وسط الأعاجم،
ولكن تحديدهم لرقعة الفصاحة لم يكن على هذا الأساس ، بل أبعدوا قبائل كثيرة بحجة
التأثر بغيرها من الأمم المحيطة بها .
ونلاحظ أن تمام حسان [8] يورد أحكاما على القدماء في هذه المسألة دون
أن يأتي بشاهد واحد يثبت ما يدعيه ، فليس صحيحا أن اللغة العربية في دم العربي
تظهر على لسانه، ولو ولد في بيئة أجنبية ، وليس مستساغا أن المرء إذا نشأ على
الكلام بلغة بقي أمينا على تمثيل هذه اللغة . فكأن تمام حسان ينسب هذه الأفكار التي
يرد عليها إلى النحاة العرب القدماء، ولكنهم منها براء .
أما كلمة الطبع في قول الشاعر فهي لا تعني الطبع في مقابل الاكتساب ، وإنما تعني
الطبع الذي يقابل الصنعة والتكلف ، وهي فكرة ظهرت في الأدب العربي القديم ، وهذا
داخل في إطار المشادات التي كانت تقوم بين الشعراء والنحاة ، فكان الشعراء يفخرون
على النحاة بأنهم يتكلمون بالسليقة ، دون تكلف ولا صنعة ولا إطالة نظر وتعلم
كالنحاة ، وهذا هو معنى قول الشاعر أيضا :
ولست نحويا يلوك
لسانه ولكن سليقي أقول فأعرب
وهذا ما ذهب إليه ابن خلدون
في تفسيره للطبع في هذا المقام حيث يقول : " هكذا تصير الألسن واللغات من جيل
إلى جيل ، وتعلمها العجم والأطفال ، وهذا هو معنى ما تقوله العامة من أن اللغة
للعرب بالطبع ، أي بالملكة الأولى التي أخذت عنهم " [9].
وهناك قضية أخرى تتصل بهذا الموضوع ، وهو ما أثبته العلماء القدماء الذين شافهوا
فصحاء العرب ، وهي أن العربي الفصيح ـ وخاصة الأعرابي ـ لا يطاوعه لسانه على النطق
باللحن ، وذكر هؤلاء العلماء قصصا عديدة في هذا الشأن ، كقصة " ليس الطيب إلا
المسك " التي أوردها الزبيدي عن أبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر الثقفي [10] . كما ذكر ابن خلدون أن صاحب الملكة لا
يستطيع أن يحيد عنها : " ولو رام صاحب هذه الملكة حيدا عن هذا السبيل المعينة
والتراكيب المخصوصة لما قدر عليه ، ولا وافقه عليه لسانه ، لأنه لا يعتاده ، ولا
تهديه إليه ملكته الراسخة عنده " [11] .
قال بهذه الفكرة كل النحاة العرب القدماء ، لكن بعض الدراسين المحدثين أنكروا
عليهم هذه المبالغة ـ في نظرهم ـ حول فصاحة العرب ، كما أنكروا عليهم الاستشهاد
بأقوال الأمَة الوكعاء [12] لاعتقادهم أن هذه الأمَة لا يمكن أن تجيد
اللغة الفصحى ، وهذا ناتج عن سوء فهم للفصحى بمفهومها قديما ، كما سنرى ـ إن شاء
الله ـ . ويندهش تمام حسان من موقف ابن جني من فصاحة الأعرابي الذي لم يستطع قراءة
" طوبى " فيقول : " فما هي تلك السليقة المدهشـة ؟ وأي نـوع من
السحر هـي ؟ بل في أي قسم تقع من أقسام البطولات ؟ " [13] .
والحقيقة أنه لا دهشة ولا سحر من هذه السليقة ، ولماذا نندهش مما ذكره النحاة
القدماء ونحن أنفسنا نشاهد مثله في زماننا هذا ، فالكثير من الناس ـ وخاصة أهل
البادية ـ لا يستطيعون التحدث بغير لغتهم في القطر الواحد . فهناك أصحاب التل
عندنا مثلا يقلبون الغين قافا ، فإذا ما قدموا إلى العاصمة أو إلى بلدة أخرى لا
تفعل ذلك صعب عليهم تبديل عادتهم النطقية ، ولا يستطيعون ذلك إلا بعد مكثهم زمنا
طويلا في البلدة الثانية ، وقد لا يتأتى لبعضهم البعد عن لغته مهما طال به الزمن ،
ومهما تكررت المحاولة ، وقد قال لي صديق من الجلفة [14] أنه يحاول أن يلقن أمه النطق بالغين فتأبى
النطق إلا بالقاف ، فإذا ألح عليها قالت له : إنني أنطق مثلك ، وهي لا تشعر ، فهل
إذ كذبنا الموتى الذين لا يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم نكذب الأحياء أيضا ؟ ! إن
هذا لشيء عجيب . فهؤلاء الفصحاء في لغاتهم مثلهم كمثل الزنجي الذي ذكره الجاحظ ،
والذي لا يستطيع إلا أن يجعل الجيم زايا ولو أقام في عليا تميم أو سفلى قيس وبين
عجز هوازن خمسين عاما [15] .
فكذلك العرب الفصحاء ، والأعراب منه خاصة ، لأن : " سكان البرية في بيوت
الشعر أو الصوف والخيام والأحسية من كل أمة أجفى وأبعد من أن يتركوا ما قد تمكن
بالعادة فيهم " [16]. فمن خلال المشاهدة ومشافهة فصحاء الأعراب
استنتج الفارابي هذه النظرية ، وهي صحيحة ، يؤكدها علم الاجتماع الحديث ، وكذا علم
النفس اللغوي .
وتؤكد الدراسات الحديثة في علم البيولوجيا والنفس أن الملكات ترسخ في الصغر وقبل
اكتمال نمو الدماغ ، ومتى اكتمل نموه صعب على الإنسان استبدالها بملكات أخرى من
جنسها ، كما يصعب عليه اكتساب ملكات جديدة ، وقد تنبه إلى هذا ابن خلدون فقرر في
مقدمته [17] بأن الإنسان إذا تعلم ملكة تخلف في الملكات
التي تليها ، وهذا هو شأن الألسنة ، إذا سبقت إليها ملكة لسان ما صعب عليها تحصيل
ملكات ألسنة أخرى [18] . وهذا هو السبب الذي جعل النحاة العرب
القدماء يقصرون الفصاحة على العرب دون العجم الذين دخلوا الإسلام، لا لجنسهم
العربي . بل أخذوا عن العبيد والإماء والكثير منه لم يكنوا عربا في النسب، بل كان
أغلبهم من عبيد الحبشة وغيرهم .
وابن جني وغيره ممن أعجب بفصاحة العرب والأعراب خاصة ، نراهم يستبعدون الكثير منهم
، بل ويلحنونهم ، كما فعل ابن جني مع الأعرابي الذي أنشده شعرا لنفسه يقول في بعض
قوافيه : أشأؤها وأدأؤها ، فضعف فصاحته ، وترك الأخذ عنه [19] . فلو كان هؤلاء غير صادقين في إعجابهم
بسليقة الأعراب لما أنكروا عليهم شيئا ، ولقالوا بأن العرب لا يخطئون أبدا ، ولكن
الذي قالوه هو أن الفصحاء من العرب هم وحدهم الذين يجوز التعجب من فصاحتهم ، ولكن
بجانبهم عرب وأعراب كثيرون أبعدوا من رقعة الفصاحة زمن التحريات ، ولم يشفع لهم
كونهم عربا ولا أعرابا ، وكان على رأس من أبعد قبيلة قريش رغم اعترافهم بأنها كانت
أفصح القبائل قبل الإسلام وقبل فساد لسانهم ، بسبب اختلاطهم بغير العرب ممن كانوا
يقصدون مكة للحج والعمرة . فلماذا إذن نتهم هؤلاء بأنهم كانوا يبالغون في موقفهم
من فصاحة من ذكروا ، ولماذا ترد رواياتهم وقد عرفوا بالأمانة ، بل وتوفر التواتر
في هذه الروايات ، ولم يردها أحد من العلماء ، سواء أكانوا علماء لغة أم غيرهم ،
فهل تجمع الأمة على شيء غير صحيح ، وقد قال فيها النبي ـ صلى الله عليه وسلم : {
إِنَّ أُّمَّتِي لاَ تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلاَلَةٍ } [20] .
وفكرة السليقة ، أو ما سماه ابن خلدون بالملكة ، لم تكن واضحة عند جميع الدارسين
العرب المحدثين ، فهذا محمد كامل حسين يقول : " ومن أعجب القواعد التي لا
يمكن أن تكون سليقة إعراب "غير" فعليك أن تغير الجملة في ذهنك ، وأن تضع
بدلا منها "إلا"، ثم تحدد إعراب ما بعد "إلا" وبذلك يتم لك
إعراب "غير" ، بعد تفكير طويل " [21] .
لولا أن هذا الكلام قد كتب في كتاب يقرأه الناس وقد ينخدعون به لما جشمنا أنفسنا
عناء الرد عليه لتهافته جدا جدا . أما الإجابة عنه فنقول بأن العربي الفصيح ذا
السليقة اللغوية في كلمة "غير" وفي غيرها لم يكن يجري هذه العملية ، ولم
يكن يعرف الإعراب ولا علاقة غير بإلاَّ ، إنما هذا الإعراب والعلاقات الموجودة بين
الكلم مكتشف من كلامه هو، وليس الفصيح خاضعا لقواعد النحاة المستنبطة من كلامه .
وهذا الخلط ناتج من عدم إدراك هذا الكاتب للفرق بين الفصاحة عند أولئك ، والتي
كانت عندهم ترادف السليقة ، وبين الفصاحة عندنا اليوم ، التي لا تكتسب إلا بعد
تمرين طويل ، ومعرفة قواعد اللغة ، بل إن تعلمنا للملكة اللغوية ـ كما نص على ذلك
ابن خلدون ـ لا ينبغي أن يكون انطلاقا من القواعد، لأن ملكة اللسان غير صناعة
العربية ومستغنية عنها في التعليم . وأنا أسأل محمد كامل حسن: هل أنت عندما تتكلم
أو تكتب تشعر بقواعد اللغة التي تستعملها ؟ فكذلك كان القوم ، بل كانوا أكثر سليقة
منك ومنا جميعا ، فلا ينكر عليهم أنهم يتكلمون بأعقد الأساليب اللغوية ثم هم لا
يعرفون قواعدها ، إن مثل العربي الفصيح وغير العربي بالنسبة إلى العالم في اللغة
كمثل الإنسان في جسمه ونفسه ، فهو مركب تركيبا جسميا ونفسيا عجيبا ، ولكنه لا يدرك
ذلك من نفسه وجسمه، بل الذي يدرك ذلك هو عالم البيولوجيا وعالم النفس ، هو يتصرف
على السليقة وهما يكتشفان علل تصرفه ، فكذلك الفصيح واللغوي .
الفصاحة والأعراب :
ارتبطت الفصاحة عند القدماء
ارتباطا وثيقا بالأعراب وبالبادية ، حتى بدا للكثير من الدارسين المحدثين أن
النحاة العرب كانوا يربطون الفصاحة بالأعراب لا لشيء إلا لأنهم أعراب، ويظهر هذا
الارتباط في الكثير من كلامهم ، كقول الجاحظ : " ممن كان لا يلحن البتة كأن
لسانه أعرابي فصيح ، أبو زيد النحوي وأبو سعيد المعلم " [22] . كما يظهر هذا في كلام ابن جني في الخصائص
حين يقول : " وكان قد طرأ علينا أحد من يدعي الفصاحة البدوية ويبتعد عن
الضعفة الحضرية " [23] ، ويظهر كذلك من قول الفارابي : "
وبالجملة فإنه لم يؤخذ من حضري قط " ، وقوله : " ولا من حاضرة الحجاز
" [24] . وقول الفارابي هذا أتى به في معرض حديثه
عن تحديد الرواة لرقعة الفصاحة مكانا ، حيث أبعدوا كل القبائل الحضرية بما في ذلك
قبائل الحجاز .
هذه شهادات قليلة من كثير تبين جليا اهتمام اللغويين القدماء بالفصاحة البدوية،
فما هو السر في ذلك ؟ وهل كان القدماء مبالغين في ربط الفصاحة بالبداوة ـ
كما ادعى بعض الدارسين المحدثين ـ ؟ [25] .
لقد أجاب عن هذا التساؤل اللغويون والنحاة أنفسهم ، حيث أجمعوا على أن الأعراب
كانوا أفصح من الحضر ، ونعني هنا الفصاحة اللغوية التي سنحددها لاحقا ـ إن
شاء الله ـ.
والروايات التي تنسب إلى
الأعراب الفصاحة أكثر من أن تحصى ، وهي شهادات من طرف من شافه هؤلاء الأعراب ،
وقارن فصاحتهم بفصاحة غيرهم ، وقد حكم الجاحظ على البادية بأنها معدن الفصاحة ،
وهو ممن شافه فصحاء الأعراب وخبر لغتهم [26] ، كما روي عن الفراء قوله : " إلا أن
تسمع شيئا من بدوي فصيح فتقوله " [27] .
وهناك جواب آخر للاستفسار عن سبب ربط الفصاحة بالبداوة نجده عند القدماء، يقول ابن
جني في الخصائص تحت عنوان : " باب في ترك الأخذ عن أهل المدر كما أخذ عن أهل
الوبر " : " علة ذلك ما عرض للغات الحاضرة وأهل المدر من الاختلال
والفساد والخطل، ولو علم أن أهل قرية باقون على فصاحتهم ، ولم يعترض شيء من الفساد
للغتهم ، لوجب الأخذ عنهم كما يؤخذ عن أهل الوبر . وكذلك لو فشا في أهل الوبر ما
شاع في لغة أهل المدر … لوجب رفض لغتهم " [28] .
كما أن الفارابي أجاب إجابة واضحة عن هذا التساؤل عند تعرضه لسبب تحديد رقعة
الفصاحة مكانا ، فذكر أن : " سكان البرية في بيوت الشعر والصوف والخيام
والأحسية من كل أمة أجفى وأبعد من أن يتركوا ما قد تمكن بالعادة فيهم ، وأحرى أن
يحصنوا نفوسهم عن تخيل حروف سائر الأمم وألفاظهم ، وألسنتهم على النطق بها ، وأحرى
ألا يخالطوا غيرهم من الأمم للتوحش والجفاء الذي فيهم . وكان سكان المدن والقرى
وبيوت المدر منهم أطبع، وكانت نفوسهم أشد انقيادا لتفهم ما لم يتعودوه ، ولتصوره
وتخيله ، وألسنتهم للنطق بما لم يتعودوا ، كان الأفضل أن تؤخذ لغات الأمة عن سكان
البراري منهم " [29] .
فليس في الأمر سر كما ذهب إلى ذلك بعض الدارسين المحدثين ، إنما هي أمور علمية
معللة تعليلا واضحا لا مجال للطعن فيه . ولكن السر يكمن في هذا التهجم من طرف
هؤلاء الدارسين المحدثين على النحاة واللغويين القدماء بدون دليل ولا حجة ، هل هو
رفض القديم بكل ما فيه ؟ أم لحاجة في أنفسهم ؟ أم جريا وراء بعض المستشرقين غير
النزهاء في موقفهم من التراث العربي ؟ أم أن كل ذلك وارد ؟ وعلى كل حال فالسر ليس
في عمل علمائنا الأوائل بل في موقف هؤلاء منهم .
والشيء الذي لم يستطع أن يهضمه هؤلاء الدارسين هو أنه لا يمكن أن تكون البادية
أفصح من الحاضرة ، " فالقول بأن لغة البدو أفصح من غيرها من لهجات الحاضرة،
ينقصه البرهان ، ولا يثبت أمام الواقع " [30] . ولكن علم الدين نسي وهو يطلق هذا الحكم أن
كلامه هو الذي يحتاج إلى دليل ، ولا يثبت أمام الواقع الذي شاهده أولئك العلماء
وأجمعوا عليه، وغاب هو وأمثاله عنه ، ثم رجموا بالغيب في هذه المسألة ، كما رجموا
في مسالة ربط الفصاحة بالجنس العربي .
والغريب أن علم الدين يواصل حديثه بقوله : " ومقياس الفصاحة ـ كما أراه ـ لا
يتصل بالبداوة أو الحضارة ، لأننا رأينا بدوا فسدت لهجاتهم ، وإنما يجب أن يكون
المقياس هو الوثوق من سلامة لغة المحتج به ، بدويا كان أم حضريا " [31] . فكأنه لم يقرأ مطلقا ما قاله القدماء في
هذا الشأن ، لأن هذا الرأي هو نفسه رأي القدماء في الفصاحة ، وقد رأينا كيف نص ابن
جني على هذا في الخصائص [32] ، والفارابي في الحروف [33] . فربط الفصاحة بالبداوة لم يكن اعتباطا ،
ولكن المقياس الذي وضعه العلماء كان لا ينطبق بعد القرن الأول للهجرة إلا على
البدو فاقتصروا على الأخذ منهم دون الحضر .
وهناك من فهم الفصاحة التي ينسبها اللغويون إلى الأعراب فهما بيانا ، فاندهش كيف
يمكن للأمَة الوكعاء أن تميز بين المعاني الدقيقة والأساليب الراقية [34] . وادعى أن كلام البدو لا يمكن أن يزيد على
خمسمائة كلمة ، فكيف يكون حجة في كل كلام العرب ؟! وللإجابة عن هذا الوهم نقول بأن
كلام العرب جميعا كان بدويا ، حتى بعض الحواضر منه كمكة والمدينة والطائف لم تكن
الحياة فيها بعيدة عن حياة البادية ، ولم تكن فيها منتجات حضرية تختلف كثيرا عن
منتجات البادية ، إنما شبه جزيرة العرب كلها كانت متقاربة من حيث التحضر، ومن هنا
فاللسان العربي كان واحدا عند البدو والحضر في الجاهلية وصدر الإسلام .
أما قولهم بأن البدوي لم يكن يعرف أكثر من خمسمائة كلمة ، فهو كلام لا يقف أمام
الواقع الذي حدثنا به رواة اللغة المشافهين لهؤلاء الأعراب . فهل كان هؤلاء الرواة
يختلقون اللغة ثم ينسبونها إلى الأعراب ؟ وهل يعقل أن يجمع كل الرواة على ذلك ؟ مع
ما يروى عنهم من الورع والأمانة العلمية والتحرج الشديد في الرواية ؟ ثم إذا
افترضنا جدلا إجماع الرواة على الكذب على الأعراب فهل كان سيسلم لهم بذلك باقي
علماء الأمة في الشريعة ؟ وهم يعلمون أن القرآن والسنة فهمهما مقصور على ما يجمعه
هؤلاء الرواة ؟ كل هذه الأسئلة وغيرها يمكن أن تدحض هذه الأقوال التي تشكك فيما
رواه اللغويون عن الأعراب. فالغرابة كل الغرابة أن يُكَذِّبَ الغائب الشاهد ، وما
رأينا هذا إلا في هذا ، وقديما قال العرب في أمثالهم: ليس من راء كمن سمع .
وكل ما يمكن أن نقوله في هذا المجال هو أن العرب بدهم وحضرهم كانوا أمة الكلام
والخطابة والشعر ، والتاريخ يحدثنا أنهم كانوا يهتمون أشد الاهتمام بالشعر
وبالكلام عامة، وكانوا جميعا في مستوى متقارب من التذوق وفهم الشعر والخطابة .
فالفصحى التي نقضي نحن السنين الطوال في تعلمها كانت لغة المنشإ عندهم .
والشعر وأنواع الأدب عندهم كانت تعبر عن حياتهم اليومية ، وكان يفهما العامة
والخاصة ، فالشعر عندهم ـ وهو بالفصحى عندنا اليوم ـ كان أشبه ما يكون بالشعر
الشعبي الذي يقال باللهجات العامية ، فهل نجد نحن صعوبة لغوية في فهم هذا الشعر أو
تذوقه ؟ أما إذا اعتبرنا الفصحى لغة الطبقة الراقية المتمدنة ـ كما هو حالنا اليوم
ـ فمن الغريب في هذه الحال أن يتقنها هؤلاء البدو الأجلاف ، وهذا ما بنى عليه
الكثير من المحدثين انتقاداتهم .
الفرق بين الفصاحة اللغوية
والفصاحة البيانية :
إن الكثير من الدارسين العرب المحدثين لم يفهموا معنى الفصاحة عند النحاة
واللغويين العرب القدماء ، إذ فهموها فهما بيانيا ، وهذا ما جعلهم يرفضون أن يكون
العرب كلهم فصحاء ،حضرهم وبدوهم ، أغنياؤهم وفقراؤهم ، عبيدهم وسادتهم ، كبارهم
وصبيانهـم. ولهذا وجدناهم يفرقون بين السلامة اللغوية وبين الفصاحة . فالسلامة
اللغوية في رأي جواد علي [35] كانت في بني سعد خيرا مما عليه في قريش ،
فوصف النحاة العرب لقريش بالفصاحة لا يعني السلامة اللغوية من الدخيل ، لأن قريشا
كانت تتصل بغيرها من الأمم عن طريق التجارة ، فلم تسلم لغتها من التأثر باللغات
الأخرى . لكن حقيقة الأمر أن الفصاحة التي وصفت بها قريش هي عينها السلامة اللغوية
، لأن شبه جزيرة العرب كانت كلها فصيحة زمن نزول القرآن الكريم ، وهو الزمن
الذي نعتت فيه لغة قريش بأنها أفصح اللغات ، أما اختلاط قريش في الجاهلية فلم يكن
إلا بالعرب ، لأننا لا نعرف أن أمة أخرى كانت ترد مكة للتجارة أو الحج سوى العرب ،
ولهذا كما يقول هؤلاء النحاة كانت قريش تتخير من لغاتهم أجودها فصارت أفصح القبائل
، والأمر يختلف بعد الإسلام حيث أصبحت مكة مقصد الحجيج المسلمين من شتى بقاع الأرض
، ففسدت لغة قريش بسبب هذا الاختلاط ، ولهذا استبعدت من رقعة الفصاحة زمن التحريات
الميدانية ، وقد نص الفارابي [36] على أنه لم يؤخذ من حاضرة الحجاز ، لأن
الرواة لما بدأوا في جمع اللغة وجدوا ألسنتهم قد تغيرت .
ويرد إبراهيم أنيس بصراحة على الرواة الأولين رافضا رأيهم في نسبتهم الفصاحة إلى
جميع العرب دون تمييز ما بين المثقف وغير المثقف [37] . ويمكن الرد على ما ذهب إليه إبراهيم أنيس
من وجهين :
الوجه الأول : ذكر أن بعض
الرواة فقط نسب الفصاحة إلى كل العرب دون تمييز ، وهذا غير صحيح ، فكل الرواة
والنحاة كانوا ينسبون الفصاحة إلى من تتوفر فيهم الشروط التي حددوها لذلك دون
تمييز بين الطبقات الاجتماعية والثقافية ، بل فضلوا الطبقات الدنيا على الطبقات
الراقية (المثقفة) طبقة الحضر ، إذ الرقي والثقافة موطنهما الحضر لا البادية،
والرواة قصروا الفصاحة في زمن التحريات على الأعراب لأسباب علمية قرروها .
الوجه الثاني : من خلال كلامه
نفهم أنه يقصد الفصاحة بمعناه البياني ، يظهر ذلك من قولـه: " والإجادة في
صناعة الكلام " . أما ما كان يقصده أولئك الرواة من الفصاحة فهو ما سماه جواد
علي بالسلامة اللغوية ، بدليل تركيزهم على الأعراب الذين : " تمكنت عادتهم لهم
على طول الزمان في ألسنتهم وأنفسهم تمكنا يحصنون به عن تخيل حروف سوى حروفهم
والنطق بها " [38] . فالشرط هو عدم الاختلاط ، وعدم التأثر
بالأمم الأخرى ، وليس هو الثقافة والبيان وإجادة فين القول ، ولهذا أخذوا من
الأمَة الوكعاء ومن الصبيان ، ولم يستشهدوا بشعر بشار بن برد والبحتري وأبي تمام
والمتنبي ، وهم من هم في الفصاحة والبيان والثقافة العالية.
وإذا تتبعنا شروط الفصاحة اللغوية فإننا نجدها متعارضة في بعضها مع شروط الفصاحة
البيانية . ففي الفصاحة اللغوية ، كلما شاعت الكلمة على ألسنة العامة كانت أفصح،
يقول السيوطي في المزهر : " فالمراد بالفصيح ما كثر استعماله في ألسنة
العرب"[39]، لكن هذه الصفة المستحسنة في الفصاحة اللغوية
قد لا تكون كذلك في الفصاحة البيانية ، وهي ما يسمونه بالابتذال ، وهو مستقبح في
الفصاحة البيانية .
كما أن من شروط الفصاحة البيانية كعدم تنافر الحروف وعدم الغرابة وعدم مخالفة
القياس،[40] كلها ليست من شروط الفصاحة اللغوية ، فيقبل
فيها ما تنافرت حرفه ، وما كان غريبا ، ولو جاء به شخص واحد ، كالألفاظ التي جاءت
عن ابن أحمر ولم ترد عن غيره[41]، وكذلك ما خالف القياس وشاع في الاستعمال
لأن السماع يبطل القياس عندهم [42] ، فالحمل على التوهم عندهم جائز رغم مخالفته
للقياس ، لأنه كثر استعماله على ألسنة العرب الفصحاء، كجمعهم مصيبة على مصائب ،
تشبيها لها ـ خطأ ـ بسفينة وسفائن والقياس يوجب مصاوب.
على أن هناك صلة بين المعنيين تستمد من المعنى اللغوي لهذا المصطلح . رأينا أن
المعنى اللغوي للفصاحة هو البيان والوضوح ، والفصاحة البيانية تعني إجادة فن
القول، وتزيينه للسامع حتى يقع من نفسه موقعا حسنا ، والإنسان لا يتأثر بالكلام
إلا إذا فهم معناه، ففيها معنى الوضوح ، وكذلك الفصاحة اللغوية ، فإذا خرج المتكلم
عن أوضاع العرب في مخاطباتهم فإنه لا يفهم كلامه ، ولهذا قالوا : فصح الأعجمي ، أي
تكلم بالعربية وفهم عنه، ولهذا وجدناهم يفاضلون بين القبائل الفصيحة ، ويذكرون أن قريشا
هي أفصح القبائل .
تحديد رقعة الفصاحة زمانا
ومكانا [43] :
من أشهر ما اشتهرت به الدراسات اللغوية العربية هو تحديدهم لرقعة الفصاحة زمانا
ومكانا . فمن الناحية المكانية اعتمد اللغويون على القبائل البدوية ، وخاصة قبائل
قيس وتميم وأسد وطيء وهذيل [44] ، وأبعدوا ما سواها من القبائل المتاخمة
للأعاجم ، أو القبائل الحضرية. فإنهم لم يأخذوا من حاضرة الحجاز " لأن الذين
نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدأوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم
" [45] .
أما من الناحية الزمانية فإن رقعة الفصاحة بدأت تضيق شيئا فشيئا ، وهجم اللحن
تدريجيا على ألسنة سكان البادية ، ففي حين كانت الفصاحة شاملة لكل بلاد العرب
حضرها وبدوها في الجاهلية وصدر الإسلام ، وجدنا هذه الرقعة تضيق في بداية التحريات
الميدانية، فتبعد كل قبائل الحضر ، وكذا القبائل المتاخمة للأعاجم ، ولم تبق إلا
مناطق نائية في بوادي نجد والحجاز وشمال اليمن . واستمرت تضيق حتى انقرضت الفصاحة
العربية نهائيا في أواخر القرن الرابع للهجرة [46] . وأصبحت العربية الفصيحة لغة الكتابة
والثقافة فقط، وحل محلها في التخاطب اليومي ما اصطلح عليه بالعاميات .
وقد قامت انتقادات كثيرة من طرف الدارسين العرب المحدثين لهذا التحديد الزماني
والمكاني ، لم تكن في معظمها موفقة .
هناك من هؤلاء الدارسين من لم يدرك معنى التحديد الزماني للفصاحة ، حيث اعتقد أن
هذا التحديد كان ابتداء من العصر الجاهلي وصدر الإسلام ، يظهر هذا من خلال ما ذكره
محمد حسين آل ياسين من أن تحديد الفارابي للقبائل التي أخذت منها اللغة الفصيحة
غير صحيح ، بدليل وجود لغات كثيرة كلغة الأزد والأوس والخزرج وجرهم في القرآن
الكريم[47].
كما ذكر في موضع آخر أن اللغويين كانوا متناقضين حين عدوا لغة قريش أفصح اللغات
حينا ، ورفضهم الأخذ عنها لأنها من حاضرة الحجاز ، حينا آخر [48] .
فمن خلال هذه الآراء نلاحظ أن هؤلاء الدارسين لم يدركوا جيدا معنى التحديد الزماني
والمكاني لرقعة الفصاحة . فالإبعاد الذي أحدثه اللغويون العرب لبعض قبائل العرب من
رقعة الفصاحة يبدأ من زمن بدء التحريات الميدانية ، أي الزمن الذي بدأ فيه
اللغويون يخرجون إلى البادية ويشافهون فصحاء الأعراب ويأخذون عنهم اللغة مباشرة ،
وهذا الزمن يبدأ من سنة 90 للهجرة ، وكان ذلك على يد أبي اللغويين العرب أبي عمرو
بن العلاء البصري اللغوي النحوي القارئ أحد القراء السبعة المشهورين في الأمصار .
أما النصوص المأثورة قبل ذلك ، فكلها كانت فصيحة ، وإذن فاللغات الموجودة في
القرآن الكريم والشعر الجاهلي وشعر صدر الإسلام كلها فصيحة ، لأن القرآن أنزل في
زمن كانت فيه هذه القبائل فصيحة ، بل اللحن نفسه لم يشع إلا بعد ظهور الإسلام
واختلاط العرب الفصحاء بغيرهم من الأمم التي كانت تتكلم لغات أخرى .
أما ما رآه بعضهم [49] من التناقض في كون لغة قريش أفصح اللغات ثم
إبعادها من رقعة الفصاحة ، فهو راجع إلى السبب نفسه ، فلغة قريش كانت أفصح اللغات
في الجاهلية وزمن نزول القرآن أما في زمن التحريات الميدانية فقد دخلها اللحن
وفسدت ، فلم تبق فصيحة فضلا عن كونها أفصح اللغات ، وبالتالي فلا تناقض في الحكمين
.
وقد أدى هذا الوهم ببعض الدارسين إلى القول بأن الرواة آثروا " الأخذ عن قريش
وقيس وتميم وهذيل وغيرهم ممن منازلهم في وسط الجزيرة " [50] . فتوهم إبراهيم أنيس أن الرواة أخذوا عن
قريش لما سمعهم يقولون بأن قريشا أفصح القبائل ، وقد رأينا أن الفارابي نص على عدم
الأخذ من حاضرة الحجاز [51] .
ينبغي إذن أن نفرق جيدا بين الأخذ مشافهة عن فصحاء العرب زمن التحريات الميدانية ،
وبين رواية النصوص الشعرية والنثرية المأثورة ابتداء من العصر الجاهلي وحتى زمن
التحريات . فإذا فهمنا هذا الفرق اتضح لنا أن اللغويين كانوا على صواب في تحديدهم
لرقعة الفصاحة زمانا ومكانا ، لأنه كل ما مر وقت كانت الرقعة تضيق معه .
كما أن هذا الوهم نفسه أوقع علم الدين في تناقض بين حيث قال في كتابه اللهجات
العربية في التراث ما نصه : " وبهذا يكون علماء العربية قد ضيقوا المنافذ حين
حصروا أخذ اللغة عن قيس وتميم وأسد " [52] ، ثم يكمل نص الفارابي ، ويقول في موضع آخر
من نفس الكتاب : " فلأنهم كانوا يحترمون لغة قريش لمكان النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ منها جمعوا لهجتها وتركوا ما سواها " [53] فقولهم بأن قريشا أفصح القبائل جعله يعتقد
أنهم جمعوا لغتها ، في حين ذكر كلام الفارابي الذي لم يذكر فيه قريشا ضمن القبائل
التي أخذوا منها اللغة، بل ذكر أنهم لم يأخذوا من حاضرة الحجاز .
كما لحى الكثير من الدارسين المحدثين [54] على القدماء تحديدهم لرقعة الفصاحة واعتبروا
عملهم هذا غير علمي ، لأنه ليس من مهام العالم أن يقف في وجه تطور اللغة، بل هذه
مهمة المربين الذين يهتمون بالمحافظة على اللغة . كما ذهب بعضهم إلى اعتبار اللحن
ظاهرة تطورية طبيعية للغة العربية كان الأجدر بالنحاة القدماء تسجيلها ودراستها،
وليس الوقوف في وجهها [55] . ويمكن الإجابة عن هذا الإشكال
بالقول بأن النحاة العرب القدماء حين رقعة الفصاحة زمانا كانزا يهدفون إلى شيئين
اثنين :
الأول : وضع قواعد تعرف بها
اللغة العربية الأصيلة التي لم تتأثر بغيرها من اللغات، ولهذا تحرجوا كل التحرج من
الاختلاط .
الثاني : لم يكن هؤلاء
العلماء يهدفون إلى تسجيل تطور اللغة العربية ، وإنما كانت دراستهم دراسة بنوية
آنية ، الهدف منها تحليل اللسان العربي في مرحلة واحدة منه وإليه ، كما قال دو
سوسور ، ولهذا فهم من وجهة النظرة البنوية كانوا مصيبين في تحديدهم لرقعة الفصاحة
زمانا ، لأنهم لو لم يفعلوا ذلك لوجدوا أنفسهم يدرسون تطور اللغة ، وهذا منهج آخر
لم يكونوا يقصدون إليه .
وخلاصة القول في هذا الباب هو أن للفصاحة في الاصطلاح العربي معنيين : الفصاحة
البيانية ، وهي عبارة عن قدرة المتكلم على إنشاء كلام بليغ مؤثر في السامع،
والفصاحة اللغوية : وهي التي نجدها عند النحاة واللغويين ، وتعني عندهم عدم اختلاط
صاحب هذه الفصاحة بغيره من الأمم التي تتكلم لغة غير لغته ، أو يكون قد اختلط وقتا
قصيرا لم تتغير فيه لغته . ولما بحث اللغويون والنحاة عن هذه الفصاحة في أواخر
القرن الأول الهجري لم يجدوها تتوفر إلا في الأعراب الذين لم يختلطوا بغيرهم من
الأمم ، ولهذا قاموا بتحديد رقعة هذه الفصاحة زمانا ومكانا ، فمن الناحية الزمانية
رأينا أن الفصاحة اللغوية استمرت في العرب منذ اكتشاف أول نص في العربية ـ وهي
نصوص أشعار امرئ القيس والمهلهل ـ إلى أواخر القرن الرابع للهجرة . أما من الناحية
المكانية فقد استبعد الرواة كل القبائل الحضرية ، وكذا كل القبائل المتاخمة
للأعاجم ، ولم يأخذوا اللغة إلا ممن ثبتت عندهم فصاحتهم من الأعراب القاطنين في
بوادي نجد والحجاز ، كقبيلة تميم وأسد وقيس وهذيل وطيء ، وأبعدوا قبائل كانت في
الجاهلية وصدر الإسلام أفصح العرب مثل قبيلة قريش للسبب الذي ذكرناه .
أما ربطهم الفصاحة بالجنس العربي، فلا أساس له من الصحة ، إذ لم نجد نحويا
واحدا ربط الفصاحة بالجنس العربي ، بل ربطوها بالمنشإ اللغوي وقد وجدناهم
أخذوا عن الكثير من العبيد السود. وبالجملة فمنهج النحاة العرب القدماء منهج علمي
تؤيده المناهج اللسانية الحديثة التي تعنى بما يسمى بالمدونة المغلقة .
الهوامش :
1 ـ الراغب الأصفهاني ، معجم
مفردات ألفاظ القرآن الكريم ، 380 ـ 381 .
2 ـ ابن منظور ، لسان العرب ،
فصح .
3 ـ تهذيب اللغة ، فصح .
4 ـ ابن منظور ، لسان العرب ،
سلق .
5 ـ البيان والتبيين / 1 /
162 .
6 ـ الحروف ، 146 .
7 ـ الزبيدي ، لحن العوام ، 4
.
8 ـ لسان العرب ، سلق .
9 ـ ابن خلدون ، المقدمة ،
1056 .
10 ـ من أسرار اللغة ، 20 ـ
21 .
11 ـ فصول في فقه العربية ،
96 .
12 ـ الجاحظ ، البيان
والتبيين / 1 / 70 .
13 ـ اللسان ، عرب .
14 ـ المقدمة ، 1087 ـ 1088 .
15 ـ يقول في ذلك : "
وإنما تحصل هذه الملكة بالممارسة والاعتياد والتكرار لكلام العرب ، فإن عرض لك ما
تسمعه من أن سيبويه والفارسي والزمخشري وأمثالهم من فرسان الكلام كانوا أعاجم مع
حصول هذه الملكة لهم ، فاعلم أن أولئك القوم الذين تسمع عنهم ، إنما كانوا عجما في
نسبهم فقط ، أما المربى والنشأة فكانت بين أهل هذه الملكة من العرب … "
المقدمة ، 1087 ـ 1088 .
16 ـ المقدمة ، 1085 .
17 ـ اللغة بين الوصفية
والمعيارية ، 173 وما بعدها .
18 ـ القدرة طبيعية كقدرة
الكلام عند الإنسان ، فهو مهيأ أن يتعلم أية لغة ، وهي ليست موجودة عند الحيوان
مثلا . أما الملكة فهي المهارة التي يكتسبها الإنسان في اللغة وغيرها عن طريق
الممارسة المستمرة، ولكن علماء النفس لا يفرقون بينهما ، فيستعملون الملكة في معنى
القدرة ، ونجد من يستعمل الملكة في الشعر ويقصد بها القدرة الفطرية ، فيقول : فلان
له ملكة شعرية ، وهذا هو السبب في الوهم الذي وقع فيه تمام حسان .
19 ـ اللغة بين المعيارية
والوصفية ، 73 ت 76 .
20 ـ يقول ابن جني : "
وأخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد القرميسيني عن أبي بكر بن هارون الروياني عن
أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني في كتابه الكبير في القراءات قال : قرأ عليَّ
أعرابي في الحرم: {طيبى لهم وحسن مآب } فقلت : طوبى ، فقال : طيبى ، فأعدت فقلت :
طوبى ، فقال : طيبى ، فلما طال علي قلت : طوطو ، فقال : طي طي . أفلا ترى إلى هذا
الأعرابي ، وأنت تعتقده جافيا كزا ، لا دمثا ولا طيعا ، كيف نبا طبعه عن ثقل الواو
إلى الياء فلم يؤثر فيه التلقين ، ولا ثنى طبعه عن التماس الخفة هز ولا تمرين ،
وما ظنك به إذا خلى مع سومه ، وتساند إلى سليقته ونجره " ، الخصائص / 1 / 75
ـ 76 .
21 ـ الرعد ، 29 .
22 ـ ابن حني ، الخصائص / 1 /
75 ـ 76 .
23 ـ الصاحبي في فقه اللغة ،
52 .
24 ـ اللغة بين الوصفية
والمعيارية ، 69 ـ 70 .
25 ـ المقدمة ، 1072 .
26 ـ طبقات الزبيدي ، 38 ـ 39
.
27 ـ المقدمة ، 1086 .
28 ـ محمد حسن كامل ، اللغة
العربية المعاصرة ، 32 .
29 ـ اللغة بين المعيارية
والوصفية ، 73 .
30 ـ مدينة تقع على حوالي 300
كلم جنوب الجزائر العاصمة .
31 ـ البيان والتبيين ، / 1 /
70 .
32 ـ الفارابي ، الحروف ، 146
.
33 ـ ص 1096 .
34 ـ يقول ابن خلدون : "
فالأعجمي الذي سبقت له اللغة الفارسية لا يستولي على ملكة اللسان العربي ، ولا
يزال قاصرا فيه ولو تعلمه وعلمه " المقدمة ، 1096 .
35 ـ الخصائص / 2 / 5 وما
بعدها .
36 ـ سنن ابن ماجة ، كتاب الفتن
، رقم 3950 .
37 ـ اللغة العربية المعاصرة
، 65 .
38 ـ البيان والتبيين ، 2 /
221 .
39 ـ ج 2 / 6 ـ 7 .
40 ـ الحروف ، 145 وما بعدها
.
41 ـ إبراهيم أنيس ، من أسرار
اللغة ، 20 ـ 21 .
42 ـ البيان والتبيين ، 2 /
97 .
43 ـ ابن جني ، الخصائص ، 2 /
97 .
44 ـ ج 2 / 5 .
45 ـ الحروف ، 146 .
46 ـ أحمد علم الدين ،
اللهجات العربية في التراث ، 1 / 143 ـ 144 .
47 ـ نفس المرجع السابق ونفس
الصفحة .
48 ـ ج2 / 5 .
49 ـ ص 146 .
50 ـ محمد حسن كامل ، اللغة
العربية المعاصرة ، 33 .
51 ـ المفصل في تاريخ العرب
قبل الإسلام / 8 / 609 .
52 ـ الحروف ، 145 وما بعدها
.
53 ـ يقول في ذلك : "
ولا معنى لأن ننساق مع بعض الرواة الأقدمين فننسب لكل العرب الفصاحة في القول،
والإجادة في صناعة الكلام ، إذ ليس العرب إلا شعبا ككل الشعوب ، فيهم القليلون ممن
وهبوا تلك الصفة ، وأغلبهم من العامة الذين يكنفون في حياتهم بنصيب ضئيل من حسن
القول وفصاحته " في اللهجات العربية ، 42 ـ 43 .
54 ـ الفارابي ، الحروف ، 145
.
55 ـ ج1 / 187 .
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق