البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013

نماذج لسانية من التراث اللغوي العربي القديم

مختارات لسانية من كتاب  (سر الفصاحة)
فصل في الحروف
الحرف في كلام العرب يراد به حد الشيء وحدته‏.‏ومن ذلك حرف السيف إنما          
حده وناحيته‏.‏وطعام حريف‏:‏ يراد به الحدة‏.‏ورجل محارف أي محدود عن الكسب‏.‏
وقولهم‏:‏ انحرف فلان عن فلان أي جعل بينه وبينه حدا بالبعد‏.‏
وفسر أبو عبيدة معمر بن المثنى قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ومن الناس من يعبد الله على حرف ‏"‏
أي لا يدوم‏.‏
وفسره أبو العباس أحمد بن يحيى أي على شك‏.‏
وكلا التأويلين على ما قدمناه لأن المراد أنه غير ثابت على دينه ولا مستحكم
البصيرة فيه فكأنه على حرفه أي غير واسط منه‏.‏
وسميت الحروف حروفاً لأن الحرف حد منقطع الصوت‏.‏
وقد قيل‏:‏ انها سميت بذلك لأنها جهات للكلام ونواح كحروف الشيء وجهاته‏.‏
فأما قولهم في القراءة‏:‏ حرف أبي عمرو من القراء وغيره فقد قيل فيه‏:‏ إن المراد أن
الحرف كالحد ما بين القراءتين‏.‏
وقيل أيضاً‏:‏ أن الحرف في هذا القول المراد به الحروف كما قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ والملك     
على أرجائها ‏"‏ أي والملائكة‏.‏
وكقولهم‏:‏ أهلك الناس الدينار والدرهم أي الدنانير والدراهم‏.‏
والمعنى‏:‏ أن القارىء يؤدي حروف أبي عمر وبأعيانها من غير زيادة ولا وقد
اختلفوا في تسمية الناقة الضامر حرفاً‏.‏
فقال قوم‏:‏ أي أنها قد حددت أعطافها بالضمر‏.‏
وقال أبو العباس أحمد بن يحيى‏:‏ لأنها انحرفت عن السمن‏.‏
وقال غيره‏:‏ شبهت بحرف الجبل في الشدة والصلابة‏.‏
وزعم بعضهم‏:‏ أنها شبهت بحرف السيف في مضائه‏.‏
وقال آخرون‏:‏ شبهت بالهاء من الحروف لدقتها وتقويسها‏.‏
وكل هذا راجع إلى ما تقدم‏.‏
ومنه سمى مكسب الرجل حرفة لأنه الجهة التي انحرف إليها‏.‏
وسموا الميل محرافاً لدقته‏.‏
وأنشد أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد‏:‏ كما زل عن رأس الشجيج المحارف
والتحريف في الكلام الميل والانحراف‏.‏
قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ يحرفون الكلم عن مواضعه ‏"‏‏.‏
أما تسمية أهل العربية أدوات المعاني نحو‏:‏ من وقد حروفا فإنهم زعموا أنهم سموها
بذلك لأنها تأتي في أول الكلام وآخره فصارت كالحروف والحدود له‏.‏
وقد قال بعضهم‏:‏ إنما سميت حروفاً لانحرافها عن الأسماء والأفعال‏.‏
وهي عندنا نحن كلام لأنها منتظمة من حرفين فصاعداً‏.‏
وأما قولهم للحروف التي في لغة العرب حروف المعجم فليس بصفة للحروف لأن
ذلك يفسد من وجهين أحدهما‏:‏ امتناع وصف النكرة بالمعرفة والثاني‏:‏ اضافة
الموصوف إلى صفته والصفة عند النحويين هي الموصوف في المعنى ومحال أن يضاف
الشيء إلى نفسه‏.‏
إلا أن أبا العباس المبرد ذهب في ذلك إلى أن المعجم بمنزلة الإعجام كما تقول‏:‏
أدخلته مدخلا أي إدخالا‏.‏
وكما حكى أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش‏:‏ أن بعضهم قرأ ‏"‏ ومن يهن الله فما له من مكرم ‏"‏ بفتح الراء أي من إكرام‏.‏
فكأنهم قالوا - على هذا الوجه‏:‏ حروف الإعجام‏.‏
ولم يجز أبو الفتح عثمان بن جنى أن يكون قولهم‏:‏ حروف المعجم بمنزلة قولهم صلاة
الأولى ومسجد الجامع‏.‏
قال‏:‏ لأن معنى ذلك‏:‏ صلاة الفريضة الأولى ومسجد اليوم الجامع فهما صفتان
حذف موصوفاهما وأقيما مقامهما وليس كذلك حروف المعجم لأنه ليس معناه
حروف الكلام المعجم ولا حروف اللفظ المعجم‏.‏
وليس يبعد عندي ما أنكره أبو الفتح بل يجوز أن يكون التقدير‏:‏ حروف الخط
المعجم لأن الخط العربي فيه أشكال متفقة لحروف مختلفة عجم بعضها دون بعض
ليزول اللبس‏.‏
وقد يتفق في غيرها من الخطوط أن تختلف أشكال الحروف فلا يحتاج إلى النقط
فوصف الخط العربي بأنه معجم لهذه العلة‏.‏
وقيل‏:‏ حروف المعجم أي حروف الخط المعجم كما يقال‏:‏ حروف العربي أي
حروف الخط العربي وليس يمكن أن يعترض على هذا القول بأن يدعى أن وضع
كلام العرب قبل خطهم وأن التسمية كانت لحروفه بحروف المعجم من حين تكلم
به لأن قائل هذا يحتاج إلى إقامة الدلالة على ذلك وهي متعذرة لبعد العهد وفقد
الطرق التي يتوصل بها إلى معرفة ذلك لا سيما إثبات التسمية لهذه الحروف بأنها
حروف المعجم قبل وضع الخط وكلما يروى من ابتداء وضعه وأنه خرج على ما
قيل من الأنبار وما يجري هذا المجرى فليس يثمر ولا الظن‏.‏
فإذا قيل أعجمت الكتاب فمعناه ازلت ابهامه كما يقال اشكيته إذا إذا أزلت ما
يشكوه‏.‏
لأن هذه اللفظة في كلام للابهام والخفاء‏.‏
ومنه‏:‏ رجل أعجم‏.‏
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم‏:‏ جرح العجماء جبار يريد البهيمة‏.‏
وعجم الزبيب وغيره أي المستتر فيه‏.‏
وسموا صلاتي الظهر والعصر‏:‏ عجماوين لأنه لا يفصح بالقراءة فيهما‏.‏
والحروف تختلف بأختلاف مقاطع الصوت حتى شبه بعضهم الحلق والفم بالناي
لأن الصوت يخرج منه مستطيلاً ساذجاً فإذا وضعت الأنامل على خروقه ووقعت
المزاوجة بينها سمع لكل حرف منها صوت لا يشبه صاحبه فكذلك إذا قطع
الصوت في الحلق والفم بالإعتماد على جهات مختلفة سمعت الأصوات المختلفة التي
هي حروف‏.‏
ولهذا لا يوجد في صوت الحجر وغيره لأنه لا مقاطع فيه للصوت وليس يحتاج إلى
حصر الحروف التي يتعلق بها‏.‏
وإنما الغرض ذكر ما في اللغة العربية التي كلامنا عليها لأن في غيرها من اللغات
حروفاً ليست فيها كلغة الأرمن وما جرى مجراها‏.‏
فحروف العربية تسعة وعشرون حرفا وهي‏:‏ الهمزة والألف والهاء والعين والحاء
والغين والخاء والقاف والكاف والضاد والجيم والشين والياء واللام والراء والنون

والطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين والظاء والذال والثاء والفاء والباء والميم
والواو‏.‏
فهذا ترتيبها على المخارج‏.‏
وكان أبو العباس محمد بن يزيد المبرد لا يعتد بالهمزة ويجعل الحروف ثمانية
وعشرين حرفاً‏.‏
وقوله هذا عند النحويين مرفوض واعتلاله بأن الهمزة لا صورة لها مستكره غير
مرضى لأن الأعتبار باللفظ دون الخط وهي ثابتة فيه‏.‏
ولو أن العرب خط لها كغيرها من الأمم لم يمنع ذلك من الاعتداد بجميع هذه
الحروف المذكورة‏.‏
فأما الألف التي هي ساكنة أبداً فقد قالوا‏:‏ إن واضع الخط و لا ى أتى بلا على
وزن ما لأن الألف ساكنة لا يصح الابتداء بها فجاء بحرف قبلها ليمكن النطق بها
ويقع تمثيل ذلك‏.‏
وليس غرضه أن يبين كيف يتركب بعض هذه الحروف من بعض كما يقول
المعلمون‏:‏ لام ألف‏.‏
ولو أراد أن يبين التركيب لبينه في سائر الحروف ولم يقتصر على الألف مع اللام
وقد قال أبو الفتح عثمان بن جتى‏:‏ أنهم إنما اختاروا لها حرف اللام دون غيره من
الحروف لأن واضع الخط أجراه في هذا على اللفظ لأنه أصل للخط والخط فرع
عليه‏.‏
فلما رآهم قد توصلوا إلى النطق بلام التعريف بان قدموا قبلها الفا نحو الغلام
والجارية لما لم يمكن الابتداء باللام الساكنة كذلك أيضاً قدم قبل الألف في لا لا ما
توصلا إلى النطق بالألف الساكنة‏.‏
وكان في ذلك ضرب من المعارضة بين الحرفين‏.‏
ويمكن عندي أن يعترض على هذا القول بأن يقال‏:‏ أن التي مع اللام في الرجل
والجارية هي الهمزة وليست الألف الساكنة التي جاءت اللام معها في لا فكيف
تجعل العلة في ورود اللام هنا مع الألف ورود الهمزة هناك مع اللام وليس بين
الموضعين تناسب ولا معارضة كما ذكرت وهل يصح أن يقال‏:‏ إن الألف الساكنة
التي لا يمكن أن يبتدأ بها في النطق بل يحتاج إلى حرف قبلها يتوصل بها إلى النطق
بلام التعريف التي هي ساكنة مثلها وكل من الحرفين يحتاج إلى ما يحتاج إلى ما
يحتاج إليه الآخر فإن قال‏:‏ إن الهمزة التي مع اللام في الرجل هي ألف على الحقيقة
وهي التي بعد اللام في قولهم‏:‏ لا وإن كانت ساكنة هناك قيل له فما وجه انكارك
وانكار أصحابك على أبي العباس المبرد أنه لم يعتد بالهمزة في الحروف بل جعلها
ثمانية وعشرين حرفا فقط أو ليس هذا منكم انكار للهمزة رأسا وليس يحظر أن
يجاب عن هذا الكلام إلا بأن كافة النحويين يطلقون على الهمزة التي مع لام
التعريف أنها ألف ومثل هذا لا يقنع لأن التعليل فيما ذكره أبو الفتح إذا قصر على
الشبه في الاسم ضعف جداً واطرح‏.‏
ثم الكلام عليهم أيضاً باق في قولهم أن الهمزة في نحو الرجل ألف على الأطلاق مع
اعتقادهم أن الألف هي الحرف الساكن أبداً في نحو كتاب وغيره والهمزة حرف
غيره وانكارهم على أبي العباس المبرد ما ذكرناه‏.‏
فأما نحن إذا سئلنا عن العلة في إيراد اللام مع الألف للتوصل بحرف متحرك دون
غيرها من الحروف فمن جوابنا أن الغرض كان إيراد حرف متحرك للتوصل به
والعادة جارية في مثل هذا الموضع بمجىء همزة الوصل كما جاءت في نحو اذهب
وغيره فمنع من ذلك ما ذكره أبو الفتح من أنها تأتي مكسورة ولو جاءت قبل
الألف مكسورة لانقلبت الألف ياء لانكسار ما قبلها وانتفض الغرض‏.‏
فلما خرجت الهمزة بهذه العلة التي ذكرها كانوا في غيرها من الحروف بالخيار أي
حرف متحرك ورد صح به الغرض فأتوا باللام لغير علة كما خص واضع الخط
بعض الحروف بشكل دون بعض لغير سبب‏.‏
وأمثال هذا الذي لا يعلل كثيرة لا تحصى‏.‏
ويلحق هذه الحروف التي ذكرناها حروف بعضها يحسن استعماله في الفصيح من
الكلام وبعضها لا يحسن فالتي تحسن ستة أحرف وهي‏:‏ النون الخفيفة التي تخرج من
الخيشوم والهمزة المخففة وألف الامالة وألف التفخيم وهي التي بها ينحا نحو الواو
وذلك كقولهم في الزكاة‏:‏ الزكاوة والصاد التي كالزاي نحو قولهم في مصدر مزدر
والشين التي كالجيم نحو قولهم في والحروف التي لا تستحسن ثمانية وهي الكاف
التي بين الجيم والكاف نحو كلهم عندك والجيم التي كالكاف نحو قولهم للرجل
ركل والجيم التي كالشين نحو قولهم خرشت والطاء التي كالتاء كقولهم طلب
والضاد الضعيفة كقولهم في أثرد أضرد والصاد التي كالسين في قولهم صدق والظآء
التي كالثآء كقولهم ظلم والفآء التي كالباء كقولهم فرند ومخارج هذه الحروف ستة
عشر مخرجاً‏:‏ ثلاثة في الحلق فأولها من أقصاه مخرج الهمزة والألف والهاء وهذا على
ترتيب سيبويه‏.‏
وزعم أبو الحسن الأخفش أن الهآء مع الألف لا قبلها ولا بعدها‏.‏
ثم يليه من وسط الحلق مخرج العين والحآء‏.‏
ثم من فوق ذلك مع أول الفم مخرج الغين والخآء‏.‏
ثم من أقصى اللسان مخرج القاف‏.‏
ومن أسفل ذلك وأدنى إلى مقدم الفم مخرج الكاف‏.‏
ومن وسط اللسان ذلك بينه وبين الحنك الأعلى مخرج الجيم والشين والياء‏.‏
ومن أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد‏.‏
ومن حافة اللسان من ادناها إلى منتهى طرفه بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى
مخرج اللام‏.‏
ومن طرف اللسان بينه وبين ما فوق الثنايا مخرج النون‏.‏
ومن مخرج النون غير أنه ادخل في ظهر اللسان مخرج الرآء‏.‏
ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا مخرج الطآء والتآء والدال‏.‏
ومما بين الثنايا وطرف اللسان مخرج الصاد والزاي والسين‏.‏
ومما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا مخرج الظاء والثاء والذال‏.‏
ومن باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا ومن هذه الحروف المجهور والمهموس
ومعنى الجهر في الحرف أنه أشبع الاعتماد في موضعه ومنع النفس أن يجري معه
حتى ينقضى الاعتماد ويجري الصوت‏.‏
ومعنى الهمس فيه أن يضعف الأعتماد في الصوت حتى يجري معه النفس‏.‏
والحروف المهموسة عشرة أحرف وهي الهآء والحآء والخآء والكاف والسين
والصاد والتاء والشين والثآء والفآء ويجمعها في اللفظ ستشحثك خصفه وجمعت
أيضا‏:‏ سكت فحثه شخص وما سوى هذه الحروف هو المجهور‏.‏
ومنها أيضا الرخو والشديد والذي بين الشديد والرخو فالشديد الحرف الذي يمنع
الصوت أن يجري فيه‏.‏
وهي ثمانية أحرف‏:‏ الهمزة والقاف والكاف والجيم والطآء والدال والتاء والبآء
ويجمعها في اللفظ أجدك قطبت‏.‏
والتي بين الشديد والرخو ثمانية أحرف وهي‏:‏ الألف والعين والرآء واللام واليآء
والنون والميم والواو ويجمعها في اللفظ‏:‏ لم يروعنا‏.‏
والرخوة الحروف التي لا تمنع الصوت أن يجري فيها وهي ما سوى هذين القسمين
المذكورين‏.‏
ومنها أيضاً المنطبقة والمنفتحة ومعنى الأطباق أن يرفع المتلفظ بهذه الحروف لسانه
ينطبق بها الحنك الأعلى فينحصر الصوت بين اللسان والحنك‏.‏
وهي أربعة أحرف‏:‏ الصاد والضاد والطآء والظآء‏.‏
وما سواها من الحروف مفتوح غير منطبق‏.‏
ومن الحروف أيضاً حروف الأستعلآء‏.‏
وحروف الأنخفاض ومعنى الأستعلآء‏:‏ أن تصعد في الحنك الأعلى وهي سبعة
أحرف‏:‏ الحآء والغين والقاف والضاد والظآء والصاد والطآء‏.‏
وما سوى ذلك من الحروف منخفض‏.‏
ومنها حروف الذلاقة ومعنى الذلاقة أن يعتمد عليها بذلق اللسان وهو طرفه وذلق
كل شيء حده‏.‏
وهي ستة أحرف‏:‏ اللام والرآء والنون والفآء والبآء والميم‏.‏
وما سواها من الحروف فهي المصمتة‏.‏
وللحروف أيضاً انقسام إلى الصحة والأعتلال والزيادة والأصل والسكون والحركة
وغير ذلك مما أكثر علقته بالنحو ولو ذكرناه في هذا الكتاب أطلناه‏.‏
وعدلنا عن الغرض في تقريبه‏.‏
وإنما أربنا ذكر مالا يستغنى عنه طالب معرفة الفصاحة التي لها يقصد وإليها ينحو‏.‏
فأما ما سوى ذلك فاللمحة تقنع منه واللمعة تغنى فيه‏.‏
وفيما اردناه من أقسام الحروف وأحكامها في هذا الفصل مقنع ولا يليق به الزيادة
عليه والاسهاب لأنه كالطريق الذي يجتاز فيه إلى مرادنا ونتوصل بسلوكه إلى
مقصدنا فاللبث به غير واجب والريث فيه غير محمود‏.‏


ليست هناك تعليقات: