البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

السبت، 23 أغسطس 2014

تعليمية اللغات: المبادئ والمفاهيم


ارتبط مفهوم التعليمية بكل شيء يتعلق بتعليم اللغات ، وهي أحد الحقول المعرفية الحديثة التي أفردت باهتمام الباحثين مع اختلافات تخصصاتهم ومجالات اهتماماتهم البحثية. وقد ظهرت أول ما ظهرت في كندا وبعض بلدان أوربا في نهاية الأربعينيات بمفاهيم مختلفة لارتباطها بتخصصات تتلاقى معها ففي إيطاليا وسويسرا ارتبطت بعلم النفس البيداغوجي واللسانيات النفسية ، في بلجيكا ارتبط مفهومها بالبيداغوجيا. وعلى كل حال نستطيع القول أن التعليمية أحد الفروع الرئيسية للسانيات التطبيقية ولقد كانت ثمرة لتطورات مناهج وطرق التعليم بحيث أصبحت امتدادا طبيعيا لهذه الخيرة تطور من اللسانيات التطبيقة
مبادئ ومفاهيم تعليميّة اللغات: تعتبر تعليميّة اللّغات علما حديث النشأة اقترن ظهوره باللّـسانيّات التّطبيقـيّة، يهتم بطرق تعليم اللّـغات، ثمّ اتّسعت دائـرة اهتمامه فأصبح يهتم بمتغيرات العملية التّعليميّة التـّعلميّة، فينظر في المحتويـات، فينتقيها وينظّمها لتتماشى مع الأهداف الموضوعة لها، ثمّ يحدد الطرائق والوسائل التي تكفـل نجاح العمليّة التّعليميّة التّعلّمـيّة.
وتعلميّة اللّغات(*) ميدان تتجسّد فيه ثمرة تكامل وتعاون جهود الإنسان في كثير من المجالات المعرفيّة باختلاف اتّجاهاتها وتخصّصاتها، فطبيعة الموضـوع الذي تعالجه وهو كيفيّة تعليم وتعلّم اللّغة، يتطلب منها هذا الارتباط الوثيق بينـها وبين حقول معرفية مختلفة، ولذا فالمشتغل في حقل التّعليمـية، لا يكتفي بمعطيات حقل معرفيّ دون آخر فلكلّ ميدانه الخاصّ به، فإذا كان اللّسانيّ يتناول البنى اللغـويّة التي بنيت عليها الأ لسنة البشرية ويبحث في وظائفها، وكيفية آدائها لها، فلا يمكننا أن نطمئن إليه، لكي يمدّ نا بنظرية متكاملة في كيفية اكـتساب اللـغة البشرية وتعّلمها؛ والأمر نفسه بالنسبة للبيداغوجي أوعالم النّـفس فهو الآخر وإن كان يهتم بظاهرة اكتساب اللّغة، لا يمكنه أن يفيدنا في التّعرف على أسرار البنى اللّغوية، لأنّ ذلك من اختصاص اللّسانيّات وحدها "وهذا دليل واضح على أنّ البحث الجماعي المتفاعل الممنهج المنتظم هو الذي يكفل-في هذه الميادين التّطبيقيّة (المتداخلة)- النتائج الإيجابية والحلول الناجعة...، وقد أيقن الباحثون أنّ هناك حقيقة قد يتجاهلها اللّسانيّون والمربون الذين يعملون كلّ واحد بمعزل عن الآخـرين، وهو أنّ بين البنى اللغوية وكيفيات اكتسابها علا قات ثابتـة وقوانين خفيـّة، يجب أن يكشـف عنها الغطاء، وأن تصاغ على ما تتطلبه الصّياغة العلمية الدقيـقة.(1) "ولذلك فتّعليميّة اللّغات تراهن على الجمع بين ثمـار فنون وعلوم عديـدة، لكونها ميـدانا فسيـحا، يتجسـّد فيه العمل الجماعيّ المتكامل والمثمر، وتتـقاطع فيه معـطيات اللسانيات، وعلم النّفـس اللّغوي، وعلم الاجتماع اللّغوي، وعلوم التّربية، ونظريات الاتـّصال، إلاّ أنّ الوظيفة الكبـرى للتّعليميـّة تتجسّد في إمكانية تكييف هذه المعطيات النّظريةالمجرّدة بإ يجاد نوع من التناغم بينهـــا ثم كيفية الاستفادة منها، وهي تتصدى لمعالجة موضوع اختصاصها وهو تعليم اللّغة وتعلـّمها، فالمشاكل المترتبة عن هذه المهمة، لا تنحصر في مستوى اللّغة المراد تعلّمها بل هناك مشاكل نفسية، يجب على المشتغل بالتّعليم أن يراعيها،لأ نّه يتعامل مع كائن بشري يعيش بكل أبعاده الذّهنية، والنّفسيّة، والجسد ية، داخل مجتمع معيّن له خصوصيته التي ينفرد بها. وتعليميّةاللّغات تتكفل بالإجا بة عن مثل الأسئلة التّاليّة:ماذا نعلم؟ من نعلم؟ لماذا ؟ كيف نعلم ؟ وانطلا قا من هذه التّساؤلات تحدّد التّعليمية أقطاب العمليّة التّعليميّة التّعلميّة المتمثلة في العناصر التالية:
- المتعلّم ( من؟ ) للتّعرف على الخصائص الذهنية والنّفسيّة للمتعلّم.
- المحتوى ( ماذا؟) لتحديد المضامين المعرفيـة المراد تعليمها.
- الأهداف ( لماذا؟) لتحديد أهداف ومرامي التّعليم.
- الطريقة ( كيف؟) لاختيارالطّرق والتقنيات البيداغوجية.
ونظرا لطبيعة عمل هذه الأقطاب المتداخل ونوعية العلاقة الرابطة بينها، فإنّ العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة تمثّل نظاما ترتبط فيه هذه الأقطاب فيما بينها ارتباطا عضويا، يؤثر كل عضو منها في الآخر ويتأثر به، بحيث لا يمكن أن نستغني عن أحدها ؛ وهذا التّصوّر يفيدنا كثيرا في حل كثير من المشاكل المرتبطة بالعمليّة التّعليميّة لوضعها في سياقها السّليم، ومـن ثمّ نتـفادى الارتجالية الناجمة عن النـّظرة القاصرة التي تتناول هذه العناصر معزولة بعضها عـن البعض. ويمكن أن يوضّح الارتـباط العضوي بين هذه العناصر بحيث يكـون المتعلّم المحور وبؤرة الاهتـمام بالشـّكل البياني التّالي:

المتعلم

غير أن التعليمية بصفة عامة وتعليمية اللغات بصفة خاصة تواجه مشكلات متعددة تفرضها طبيعة موضوع بحثها وأدواته الإجرائية.وترتبط هذه المشكلات بمجموعة مفاهيم إجرائية تعتبر من
والسّؤال الأساس الذي يمسّ صميم عمل تعليميّة اللّـغات، هو كيف يمكن تحويل المعرفة اللّسانيّة ذات الطّابع العلمي المجرّد إلى مـبادئ عملية إجرائية يمكن الاستفادة منهـا في الميدان التّربوي؟ ثمّ كيف تتمّ عمليّة تكييف محتوى المادة اللّغويّة لتنسجم مع الطرق التّربوية وتستجيب لحاجـيّات المتعلم اللّغـوية؟
التّكييف التّعليمي: إنّ مفهـوم التّكييف أوالتّحويل التّعليمي للمعارف النّظريــــة didactique La transposition يخص ّتلك العمليّة المتعلقة بالمراحل التي يمكن أن تتحول فيها المفاهيم المراد إكسابها للمتعلم في مستوى تعليمي معين،من معارف مرجعية Savoirs savants إلى معارف تعليمية Savoirs enseignés مع العلم أنّ هذه العملية، أي عمليّة التكييف، تخضع لمعايير لغويّة، ونفسية، واجتماعية، وبيداغوجية.(1) وهذا المفهوم لعملية التكييف له أهميته القصوى لدى المختصين في تعليميّة اللغات بصـفة عامة وتعليميّة النّحو بصفة خاصة فالنّحو التّعليمي يختلف عن النّحو العلمي، فإن كان علم النّحو يصف الأبنية اللّغوية معزولة عن سياقات استعمالها وصفا معمما ومجردا وتلك طبيعة عمله العلمي الدقيـق، فإنّ النّحو التّعليمي لا يأخذ هذه المعطيات النّحوية المجردة كما هي، بل يقوم بتطويعها وتكييفها من أجل أغراض تعليميّة صرفة، ولذا يرى التّعلميّون المهتمون بموضوع تعليم النّحو، أنّ الأمر يحتاج إلى بناء استراتيجيّة واضحة المعالم، محددة الغايات، تقوم على أسس علمية، وأخرى بيداغوجية بحيث تحدد فيها أهداف تعليم النّحو تحديدا واضحا ودقيـقا، فينتـقى فيها المحتوى النّحوي انتقاء يخضع لمعايير وضوابط علميّة وبيداغوجيّة، بعيدة عن الأهواء والأراء الشّخصيّة، يكون فيها المتعلّم محور العمليّة التّعليميّة التّعلميّة، فيقدم له النّحو والصّرف لا على أساس قواعد نظريّة جافـة معزولة عن أحوال الخطاب، تحفظ عن ظهر قلب بل كمثل عمليّة، تكتسب بكيفيـة خاصة(2) وذلك بتوفير نوع من النّـشاط وعفويّة التّعبير أثناء حصص القواعد التّلقينيّة و باعتماد نصوص وحوارات مفعمة بالحيويّة مستوحاة من واقع المتعلمين، بحيث لا تُقدّم لهم إلاّ البنى اللغويّة التي يكثر جريانها على الألسنة والتي يحتاجونها في استعمالهم الفعلي للغة. ومن هذا المنطلق يغدو النّحو وسيلة لتكوين ملكة لسانيّة سليمة، ويكون الهدف الأساس من وراء اختيار المحتوى النّحوي،هو إكـساب المتعلم ملـكة
تبليغيّة مشافهة وتحريرا، بحسب ما تقتضيه أحوال وظروف الخطاب المختلفة وإكساب المتعلم لهذه الملكة التّبليغيـة، لا يعني بأيّة حال من الأحوال أن يفهم، ويعبر، ويقرأ، ويكتب الجمل فقط ،بل أيضا أن يعرف كيفيّة استعمالها و توظيفها، في مختلف ملابسات الحدث التّواصلي. وإذا كنا قد حدّدنا الهدف الأساسي من تعليم النّحو، وهو تكوين ملكة لسانيّة تواصليّة لدى المتعلّم، فما هوالمـحتوى الذي ينبغي تعليمه؟ وماهـي مقاييس اختـياره ليكون منسجما مع هذا الهدف المحـدّد؟
معا يير اختيارالمحتوى النّحوي: من البديهي أنّه لا يمكننا أن نُدّرس النّحوكلّه للمتعلم، وهو ينتمي إلى مستوى تعليمي معين، ومرتبط بجدول زمني محدد؛ ولذلك فإنّ مسألة اختيار المحتوى وانتقـائه انطلاقا من الأهداف المسطرة، تصبح مسألة جوهرية، لأنّها أهمّ عنصر في العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة، وتُؤثّر في بقيّة العناصر تأثيرا كبيرا. فما هو إذن المحتوى الذي ينبغي اختياره عند تصميم مناهج تعليم قواعد اللغة العربيّة في مرحلة التّعليم الثّانوي؟ وماهي المقاييس والمعايير التي ينبغي اعتمادها، والتّقيّد بها أثناء عملية الانتقاء أوالاختـيار؟
يرى كثير من المربين المهتمين بدراسة وتصميم مناهج تعليم اللّغات، أنّ عمليّة اختيار محتوى المادة اللّـغويّة المراد تعليمها، ينبغي أن تتمّ على مستويين أساسيين اثنين هـما(1):
- اختيار النّمط اللّغوي.
- اختيار البنى الصّرفية والنّحويّة.
أ ـ اختيار النّمط اللّغوي أوالمستوى الأدائي: بيّنت العديد من الدّراسات في حقل علم الاجتماع اللّغوي، أنّ التّنوع اللّغوي أو المستويات اللغوية، ظاهرة تعرفها أغلب اللّغات البشرية، وهذه المستويات اللّغوية، هي التي تعرف بالأنماط اللّغوية و" أنّ أيّة لغة لا يمكن أن تكون نمطا واحدا، وإنّما هي تنتظم متنوعات ومتعددة، منها اللّهجة الإقليميّة، واللهجة الاجتماعية، واللهجات الخاصة، ومنها المستوى الفصيح على درجات متعددة أيضا (2)" فما هو النّمط اللّغوي الذي يصلح في عملية انتقاء المادة النّحوية للغة العربيّة؟ ويجيب التّعليميّون عن مثل هذا التـساؤل بأنّ النّمط اللّغوي المفضل في اختـيار المحتوى النّحوي هو النّمط الذي له امتـداد تاريخي وبعد ثقافي، ولذا فإنّ النّمط المناسب لتعليم اللّغة العربيّة ونحوها، هو المزج بين الفصيحة المعاصرة وفصيحة التّراث، والذي يكون أقـرب إلـى
الأحوال الخطابيّة التي تستلزمها الحياة اليوميّة للمتعلّم لأنّ الكلام المنطوق هوالأصل، أمّا لغة التّحرير ففرع عليه (1)، فإذا اعتمد في تدريس النّحو على نمط اللّغة (المكتوبة) اعتماد كلّيّا وأهمل أو استصغر أمر اللغة المنطوقة، أدّى ذلك حتما بالمتعـلّم المتخرج إلى أن يخاطب غيره بلغة مصطنعة لا تمتّ بصلة إلى الواقع المعيش، لأنّ استصغار ما يتطلبه الخطاب اليومي من مستوى لغوي يتميز بالخفة والاقتصاد والمرونة، يساهم بقسط وافر في عجز المتعلّم بالجملة على فهم واستيعاب قواعد اللغة العربيّة، ومن ثمّ يصعب عليه تمثل مختلف الأنـماط والبنى اللّغويّة، ونتيجة لكلّ ذلك يصعب على المتعلّم استعمال وتوظيف ما تعلّمه من بنى وأنـماط لّغويّة في حياته اليوميّة؛ وهذا ما يجعل رقعة استعمال العربية تتقلص وتتحول إلى لغة أدبيّة محضةلا لغة تخاطب ومشافهة، ثمّ ينتهي بها الأمر إلى أن تحرم الدخول إلى البيوت والنزول إلى الشوارع، وتحرم أيضا من الولوج إلى الميادين النّابضة بالحياة والحيويّة، ومن هنا فإنّ اختيار النّمط اللّغوي الفصيح، هو الذي يحتاج إليه المتعلّم للتعبير عن شتى أغراضه التّبليغيّة في مختلف المواقف الخـطابية انطلاقا من وظيفة اللغة الأساسية كوسيـلة للتبليغ والاتّصال " ولهذا فينبغي أن تراعى في تدريس العربية الأساليب التي تتصف بالخفة والابتذال، أي الكثيرة الاستعمال ( زيادة على الأسلوب التحريري) مع ثبوتها عن العرب، وهي أوصاف اللّـغة التي تستعمل في التخاطب العادي(2)" ولذا فإنّ اعتماد مستوى من التعبير الفصيح المتّسم بالخفّة والابتـذال والعفويّة في تلقين القواعد اللّغويّة، يؤدي بالمتعلّم إلى إدراك أنّ اللّغة العربيّة، لا تختلف عن العاميّة واللّغات الحيّة الأخرى من حيث وجود هذه المستويات التّعبيريّة التي تتّصف بالعفوية والخـفّة والاقتصاد فيمثّل له ذلك حافزا يجعله يُقبل على تعلّمها وتعلّم قواعدها بكل شـوق وحماسة، ممّا يسّهل تحقيق الأهداف المرتبطة بتعليم النّحو باعتباره وسيلة في إكساب الملكة اللّسانيّة التّواصليّة.
بـ - اخـتيارالمحتوى( الأ بنية الصّرفيّة والنّحويّة): ينطلق التّعليميّون في تحديد واختـيار
المحتوى النّحوي من السّؤال التالي: هل المعرفة النّحويّة غاية في حد ذاتها، أم وسيلة لتعلم اللغة؟ ولمّا كان هذا السّؤال يتعلّق بتحديد الهـدف الأساس من تعليم النّحو، فإنّه يمثل معيارا
أساسيّا في عملية اختيار المحتوى، لكون النّحو وسيلة جوهرية في تعليم اللّغة وتعلّمها لأنّ تعلّمها لا ينحـصر في معرفة أنـساقها الشّكلية، بل كذلك في معرفة قواعـد استعمالها
في عمليّة التّـواصل مع مراعاة سياقاتها " فالاخـتيار مسألة حتميّة، وهو لا يمكن أن يكون نافعا في التّعليم إلا إذا كان مستندا إلى معايير موضوعية(1)" فالمتعلّم في مرحلة التّعليم الثّانوي، يحـتاج إلى كل ماهو وظيفي وأساسي من البنى الصّرفية، والتّركيبية، المستعملة في جميع فنون المعرفة، بالإضافة إلى ثبوت كثرة استعمالها لدى العرب قديما، والشّائعة في كتابات المحدثين، والمتّصفة بحيويّة الاستعمال العام في زمننا الحاضر، فلا يُقدم له إلاّ الصّيغ الصّرفية، والبـنى النّحوية الأساسيّة الأكثر شيوعا، والأوسع استعمالا، والأقلّ صعوبة من حيث تعليمها وتعلّمها " إذ ليست كلّ البنى النّحوية متساوية من حيث الشّيوع، ولا من حيث التوزيع، ولا من حيث قابليّة التّعلّم والتّعليم...،هناك بنى بسيطة، وأخرى مركبة، وهناك بنى مركزية لا يستغني عنها الاستعـمال اللّغوي، وأخرى هامشية...(2)" لا تستعمل إلاّ في حالات نادرة، وهكذا يختارالمحتوى النّحوي انطلا قا من قوائم تتضمن البنى الأساسية، تلك التي يُتوصـل إليها عن طـريق الدّراسات الميدانـيّة الإحصائـيّة التي تؤسـس على مبدإ حصر وتحديد مختلف البنى اللّغـويّة التي يحتاجها المتعلّم في استعماله الفعلي للّـغة.
معايير تنظيم المحتوى النّحوي: ترتبط بعملية اختيار المحتوى النّحوي، عمليّة في غايـة الأهميّة، وهي عمليّة تنظيم الوحـدات التي يتكوّن منها، وهي ما يعرف بالتّدرج(*) الذي يقوم بربط الخبرات السّابقة باللا حقة، خاصّة أنّ دراسات علم النّفس المعرفي، تؤكّد أنّ للمتعلّمين معارف سابقة عن المواضيع التي يدرسونها، وأنّها تلعب دورا كبيرا في عمليّة التعلّم، ولذا ينبغي في عملية انتقاء المحتوى النّحـوي وتنظيمه، أن ننطلق من " الفرضية القائلة: أنّ اللّغة
أيّة لغة ليست عبارة عن لائحة من الكلمات والتراكيب، وإنّما هي ضوابط وقوانين ومتون تأتلف جميعا لتكوّن النّسق العام للّغة (3)" ولكي نُكسب المتعلّم هذا النّسق العام للّغة لابدّ مـن
مراعاة عملية التّدرج، وذلك بربط معارفه الجديدة بمعارفه السّابقة، ممّا يساعد ذلك المتعلّم على أن يستضمر بشـكل أسهل وأسرع، وبقدر كبيرمن الفعاليّة والنّـجاعة ما يتعلّمه. والتّدرّج الدوري هوالأ نسب في تنظيم وترتيب المادة النّحويّة، لانّه يراعي مستوى المتعلّم ويستجيب لمختف حاجياته، كما ينسجم مع أحوال وظروف الخطاب المختلفة التي يتطلبها الاستعمال الفعلي للّغة، فلا تُقدّم البنى والأنساق اللغويّة للمتعلّم إلاّ من خلال سياقات استعمالها في شتّى ملا بسات الخطاب.والأمرالذي ينبغي أن نؤكده في اختيار المحتوى، هوالأخذ بعين الاعتبار الاتّجاه الوظيفي الذي يربط بين البنى النّحوية وأحوال وظروف الخطاب، وهذا ما يجعلنا نفضّل التدريج الدوري"والذي لا شكّ فيه أنّ التّدريج الدّوري أكثر ملاءمة لتعليم اللّغة من التّدريج الطّولي،لأنّه يتيح فرصة طبيعية لمراجعة المادة في سياقات مختلفة..،وهو يجعل تعليم اللّغة أسرع حين يجد المتعلم نفسه قادرا على استعمال مايتعلمه(1)" كما ينبغي أيضا أن تستجيب المادة النّحوية المنتقاة إلى احتياجات المتعلمين، وتراعي ظروفهم الاجتماعية والثقافية المحيطة بهم، لأنّ أحسن وأجدى وسيلة في ترغيب المتعلّم ليُقبل على تعلّم القواعد بكل حماسة وفعاليّة، تحسيسُهم بأنّ ما يتعلمونه له قيمة في حياتهم، فيساعدهم في استقامة لغتهم، ومن ثمّ قدرتهم على توظيف وتنويع مختلف أساليبـها في شتى أحوال الخطاب.
(*) ينظر: . R.Galisson et D.Coste, Dictionnaire de didactique des langues,Paris:1976,Hachette,p150-151-152
(1) عبد الرحمن الحاج صالح " أثر اللسانيات في النهوض بمستوى مدرسي اللغة العربية " مجلة اللسانيات، الجزائر:73ـ1974،العدد 4، ص 25 ـ 24.
(1) إبراهيم حمروش "التعليمية: موضوعها،مفاهيمها،الآفاق الي تفتحها" المجلة الجزائرية للتربية،الجزائر: 1995،وزارة التربية الوطنية،العدد2،ص69.
(2) عبد الرحمن الحاج صالح " أثر اللسانيات في النهوض بمستوى مدرسي اللغة العربية" مجلة اللسانيات،الجزائر: 73 ـ 1974، العدد4، ص23.
(1) عبـد ه الراجحي، علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية، مصر:1998،دار المعرفة الجامعية،ص64.
(2) المرجع نفسه، ص 84.
(1) عبد الرحمن الحاج صالح "الأسس العلمية واللغوية لبناء مناهج اللغة العربيةفي التعليم ما قبل الجامعي" مقال غير منشور.
(2) عبد الرحمن الحاج صالح "علم التدريس اللغات والبحث العلمي في منهجية الدرس اللغوي" مقال غير منشور.
(1) عبده الراجحي، علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية، ص68.
(2) المرجع نفسه، ص71.
(*) التّدرج = Gradation : عمليّة ترتيب محتويات التّعليم درجة درجة بعد تحديد المعطيات المراد تدريسها ...تسعى عمليّة التّدرج إلى حلّ مشكلتين رئيسيتين: ماهي عناصر المحتوى التي يمكن تجميعها؟ ماهي العناصر التي تسبق أو تتلو غيرها؟ والتدرج نوعان: 1ـ تّدرج طولي، ويعتمد أساسا على تناول ومعالجة الموضوع المقرر تدريسه دفعة واحدة بكل تفاصيله، ثمّ يتمّ الانتقال إلى موضوع آخر.2 ـ تّدرج دوري: ويستند إلى النّظريّة البنويّة التي تنظر إلى اللّغة على أساس أنها نظام من العلاقات لا يمكن فهم عنصر لغوي إلا من خلال مجموع العلاقات التي تربطه بالعناصرالأخرى داخل النظام، واستنادا إلى هذا المفهوم، فالموضوع المقرر لا يعالج دفعة واحدة ،وإنما يوزع على وحدات المقرر، كلّ وحدة تتناول منه جانبا واحدا فقط. ينظر عبد اللطيف وآخرون، مرجع سابق،ص156.
(3) المصطفى بن عبد الله بوشوك، تعليم وتعلّم اللّغة العربية وثقافتها، ص78.
(1) عبده الراجحي، علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية، ص 75.

                                                                                   ـ   المؤلف مجهول  الهوية  ـ