البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

البهجة ((تقرت)) عروسة الواحات

الخميس، 12 يوليو 2012


وحدة بحث موسومة بـ : الطرق الصوفي بالجنوب الشرقي
ودورها في الحفاظ على الهوية الثقافية


حول الطريقة القادرية :
       يذهب المستشرق سبنسر ترمنقهام إلى أن عبد القادر الجيلاني تكونت أثناء حياته أساطير وترسخت بعد وفاته ، ويتساءل لماذا هو من بين مئات شخصيات الأولياء قد بقي بطريقة فريدة ليصبح ملهما للملايين وإن كان هو نفسه حنبليا متشددا ولم يقم مطلقا بادعاء الولاية ، وقد اعتبر واعظا عظيما وسمعته نبعت من محتوى مواعظه ، ويذهب إلى أنه لا يوجد أقل دليل على أنه كان صوفيا بالمرة . (سبنسر ترمنجهام : الفرق الصوفية في الإسلام ، ص 78 ، 79) .
ويخالف المترجم المؤلف فيما ذهب إليه حيث أن عبد القادر الجيلاني وضع خلاصة فكره الصوفي في كتابه المسمى (الفتح الرباني والفيض الرحماني) وقد طبع الكتاب في مصر سنة 1960م . (عبد القادر البحراوي : هامش الفرق الصوفية في الإسلام لسبنسر ترمنجهام ، ص 79) .
حول الطريقة القادرية :
عبد الباقي مفتاح : أضواء على الشيخ عبد القادر الجيلاني وانتشار طريقته ، دار الهدى ، عين مليلة ، الجزائر ، ط2008م .
من الطرق الصوفية المتفرعة عن الطريقة القادرية :
الطريقة القادرية البودشيشية والتي تنسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي ظهر في القرن الخامس الهجري ، أما لقب البودشيشية فقد اكتسبته بواسطة الشيخ علي بن محمد الذي حمل لقب (سيدي علي بودشيش) لكونه كان يطعم الناس - أيام المجاعة - طعام الدشيشة بزاويته . (موقع الطريقة على الانترنيت) .
ما يميز الطريقة القادرية البودشيشية أثر الإذن التربوي الخاص الذي يظهر على مريديها ، والمناخ الروحي الذي يحيون فيه بتوجيهات الشيوخ ورعايتهم القلبية لهم ، وكل شيخ مربّ يختار من وسائل التربية ما يناسب عصره ، ولما كان طابع هذا العصر هو اشتداد الغفلة وطغيان المادة فقد نهجت الطريقة سبيل التحبيب والتيسير بدل التشديد والتنفير ، فتأخذ بيد مريديها ليتذوقوا حلاوة الإيمان فيتخلوا تلقائيا عن كل عصيان . (موقع الطريقة على الانترنيت) .
عبد القادر خليفي : الشيخية والقادرية بين الجنوب الغربي الجزائري وشرقي المغرب ، الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة) ، جامعة أدرار ، أيام 09/10/11 نوفمبر 2008 ، ص 532 :
أما القادرية التي تسمى في المغرب بالبوتشيشية ، فقد ظهرت بعد استقرار سيدي بوتخيل أحد خلفاء عبد القادر الجيلاني ببلدة اربا جنوبي البيض حاليا ، ثم انتقال خلفه غربا ليبنوا بلدة عين الصفراء في القرن 15م ، وفي القرن 18م خرج من هذه البلدة علي بن محمد البوتخيلي في اتجاه المغرب ليستقر في جبال بني يزناسن بالقرب من تغجيرت ، ويؤسس زاوية صوفية تسير على نهج القادرية ، ثم انتشرت في بقية البلاد المغربية وحتى في خارجها .
منشأ ضلالات بعض المتصوفة :
       من الناس أتباع التصوف من يعتقد بشبهات كبيرة وأفهام خاطئة فيرى القدسية والتنزيه عن الأخطاء لأئمة الصوفية ومشائخهم ، ومن يعتقد النفع والضر من هؤلاء ، أو أنهم بعد رسول الله عليه السلام مباشرة لا يمكن أن يسبقهم في درجاتهم أحد مهما أوتي من العلم والمجاهدة والفضل .
       والتصوف ما دام أنه علم باطني فهو عرضة للضلالات والمزالق ، إذ أن منشأ الكمال في الشيء هو في باطنه أكثر مما يكون في ظاهره وفي قوته أكثر من مقداره وفي لبه أكثر من قشره وفي روحه أكثر من جسمه وفي مغزاه أكثر من شكله ، وكلما كان الشيء أعرق في الباطن والغموض كان أشد تعرضا للشبهات والضلالات وتطرقت إليه الأوهام ونسجت حوله الأساطير . (ممدوح الزوبي : ص 12) .
خطأ تصور أن التصوف لا يتقيد بظاهر الأعمال ، حيث يستنكر الصوفية ويؤكدون أنه ليس كل تزكية تصوفا ، فالتزكية البوذية أو الهندوسية ليست تصوفا إنما التصوف هو التزكية التي تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية . (ممدوح الزوبي : ص 16) .  
في القرن السابع الهجري نزل في العراق والشرق العربي بشكل عام متصوفون من الهنود والمشعوذين من الحكماء الإلهيين فأدخلوا على حلقات الصوفية صنوفا من المخدرات الصناعية والطرق الغريبة كالرقص المشاهد حتى يومنا هذا في تكايا الدراويش الذي يصاحبه أعمال شعوذة وأكل للزجاج والنار ووخز البدن بإبر الحديد المحمي . (هشام خالدي : التصوف ومنزلته من الفكر الإسلامي ، قراءة في مذاهب الصوفيين واتجاهاتهم ، حوليات التراث ، مجلة دورية تصدرها كلية الآداب والفنون ، جامعة مستغانم ، العدد 1 ، جوان 2004 ، ص 3) .
مذاهب الصوفية :
        تفرعت الصوفية إلى العديد من المذاهب التي تبنت كل منها اتجاها فلسفيا وعقائديا ميّزها عن غيرها من المذاهب نستعرضها كما يلي :
1 – المذهب الإشراقي : وهو أول مذهب غلبت عليه الناحية الفلسفية ، والإشراق الروحي أساس كل تصوف ظهر داعيا إلى الزهد والتقشف ، وأول من ادعاه ذون النون المصري .
2 – المذهب الحلولي : وبه نادى الحلاج .
3 – مذهب وحدة الوجود : والقائل به محي الدين بن عربي والسهروردي وابن الفارض والحلاج أيضا .
4 – مذهب الفناء في الله : وهو من المذاهب التي تأمر بالمزيد من العبادات وأعمال الجسم ولبس الخشن من الثياب ، وكان يحمل لواءه أبو يزيد البسطامي .
5 – مذهب حب الله : ويدعو هذا المذهب إلى الحضور الذهني والتعلق الإلهي ، والمنظّر الأول لهذا المذهب رابعة العدوية ومعروف الكرخي . (هشام خالدي : التصوف ومنزلته من الفكر الإسلامي ، قراءة في مذاهب الصوفيين واتجاهاتهم ، حوليات التراث ، مجلة دورية تصدرها كلية الآداب والفنون ، جامعة مستغانم ، العدد 1 ، جوان 2004 ، ص 3) .
نشوء الطرق الصوفية :
عبد الرزاق القاشاني : لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام ، تحقيق سعيد عبد الفتاح ، مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة ، ط¹ ، 1996م ، ج² ، ص 84 :
الطريق عبارة عن مراسم الله تعالى المشروعة التي لا رخصة فيها .
الطريقة هي السيرة التي يتخلق بها السالكون إلى الله تعالى .
عبد الرزاق القاشاني ، ص 88 : الطوالع أنوار التوحيد تطلع على قلوب أهل المواجيد وأرباب المعرفة فتطمس سائر الأنوار .
       ابتكر رجال التصوف طرقا عملية اتبعت مناهج وأساليب مختلفة في تربية المريدين ، ويمكن أن نقول أن طرق الصوفية كثيرة جدا يصعب حصرها إذا ما لاحظنا جانب السرية الذي يكتنف بعضها ، وأهم تلك الطرق هي :
1 – القادرية : مؤسسها عبد القادر الكيلاني ، عُرف بالكيلاني نسبة إلى مسقط رأسه (كيلان) بفارس وذلك سنة 471هـ ، ويعرف جده بالاسم الفارسي (حنكي دوست) ، وفي سنة 488هـ انتقل إلى بغداد أثناء خلافة المستظهر بالله العباسي . 
2 – الرفاعية : مؤسسها أحمد بن علي الرفاعي ، ولد سنة 512هـ بإقليم البطائح ما بين البصرة وواسط ، وقيل أن الرفاعي نسبة إلى رفاعة أحد البطون القبلية ، توفي سنة 578هـ ، يعرف مسجد في القاهرة باسمه .
3 – الميلوية : مؤسسها جلال الدين محمد بن محمد بن الحسين البلخي ، ولد سنة 604هـ ، وانتقل إلى نيسابور ثم إلى بغداد واستقر بمدينة قونية التركية إبان حكم علاء الدين السلجوقي ، وهذه الطريقة شائعة بين الأتراك ، كان أتباعها عند الأذكار يجتمعون في حلقات فيرقصون بلباسهم الخاص ويستخدمون الطبول الإيقاعية ، ولا يزال لهذه الفرقة وجود في تركيا ودمشق وإيران .
وهناك طرق صوفية معروفة عند متصوفة الهنود أهمها : الجشتية – النقشبندية – السهروردية – الكبروية – المدارية – القلندرية – الشطارية – العيدروسية .
(هشام خالدي : التصوف ومنزلته من الفكر الإسلامي ، قراءة في مذاهب الصوفيين واتجاهاتهم ، حوليات التراث ، مجلة دورية تصدرها كلية الآداب والفنون ، جامعة مستغانم ، العدد 1 ، جوان 2004 ، ص 3 ، 4) .

الطرق الصوفية :
الطريقة التجانية :
محمد حوتية : الطرق الصوفية بإقليم توات وغرب إفريقيا خلال القرنين 18/19م ، الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة) ، جامعة أدرار ، أيام 09/10/11 نوفمبر 2008 ، ص 448 ، 449 :
ظهرت مبادئ الطريقة التجانية من خلال مؤلفات بعض الأتباع وعلى رأسهم ابن العربي في كتاب جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض أبي العباس التجاني ، وانتشرت الطريقة التجانية في غرب إفريقيا بفضل جهود الحاج عمر الفوتي التكروري (1210-1281هـ/1795-1864م) والذي تلقى وردها على يدي عبد الكريم بن أحمد النفيل ، وقد وضع الحاج عمر أسس هذه الطريقة في كتابه (رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم) الذي يتكون من خمسة وخمسين فصلا إلى جانب المقدمة والخاتمة ،
ويتناول الكتاب عدة أمور مثل التشجيع على سلوك الطريقة التجانية والحديث عن معنى الزهد عند الصوفية ، ويعتبر التجانيون هذا الكتاب المرجع الأساسي للطريقة التجانية .
محمد حوتية ، ص 450 :
الأوراد التجانية :
أولا – الوظيفة : وهي قراءة فاتحة الكتاب ثم صلاة الفاتح ثم (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين) مائة مرة ثم ذكر الجوهرة وهي في مدح النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشر مرة ، وتختم الوظيفة بالآية : (إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) [الأحزاب 56] .
ثانيا – الورد المعلوم أن تستغفر الله مائة مرة ثم تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وتذكر (لا إله إلا الله) وتختم ذلك بالآية (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) [الأحزاب 56] .
ثالثا – الهيللة تُذكر مرة في الأسبوع يوم الجمعة ما بين العصر والمغرب وهي : (لا إله إلا الله) من مائة إلى ألف وستمائة ويُختم بدعاء الجمعة .
ويمارس أتباع التجانية أوراد الطريقة بشكل هادئ ولا يغنون أثناء المديح بل يجلسون في دائرة وينشدون الأذكار مرة كل جمعة بعد العصر .
محمد حوتية ، ص 450 ، 451 :
ومن العوامل التي ساعدت على انتشار الطريقة التجانية في غرب إفريقيا ذلك التكالب على القارة الإفريقية من جانب الأوربيين وما أعقبه من قيام الإدارة الاستعمارية بتشجيع رجال الصوفية بالمال وبسط النفوذ من أجل تشويه صورة الدين الإسلامي عن طريق نشر البدع والخرافات التي تعوق المسلمين عن مقاومة المستعمر الأوربي ، وبهذا عرف الأوربيون رغبة رجال الصوفية في الحصول على المال والنفوذ ، فراحوا يغذون هذه الروح حتى قال جوليان بأن حكومة فرنسا قد عرفت كيف تجمع المتصوفة حولها عن طريق التمويل والحماية ، ولقد ساعد هذا التمويل على انتشار الطريقة التجانية في أجزاء كبيرة من شمال إفريقيا ، ووجد فيها الفرنسيون وسيلة للتفريق بينها وبين الطرق الأخرى لاسيما القادرية حتى لا يتحد المسلمون في الوقوف صفا واحدا أمام محاولات فرنسا لتغريب المنطقة .      
الطريقة التجانية :
إدريس بن خويا : واقع الطرق الصوفية بإقليم توات – بين المرجعية المعرفية والممارسة العملية - ، الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة) ، جامعة أدرار ، أيام 09/10/11 نوفمبر 2008 ، ص 471 :
 عرفت التجانية انتشارا واسعا بفضل القوافل التجارية التي اتخذها التجاني وأتباعه وسيلة لنشر طريقتهم ، فكانت قوافلهم التي تجوب الصحاري مرورا بتوات إلى تمبكتو ومنها إلى السنغال ذهابا وإيابا تحمل البضائع ، وفي الوقت نفسه تبث الدعوة بين سكان تلك المناطق وتنظم أمور المريدين وتسهل عليهم إمكانية الدخول في الطريقة وأداء تعاليمها بما كان يوفره التجاني وأتباعه من شروط روحية ومادية تستقطب الجماهير نحو دعوته                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                       .          
إدريس بن خويا ، ص 472 :                           
وفي مدة قصيرة انتشرت التجانية بين معظم سكان توات وثبتت جذورها في عدة مناطق من الإقليم بحيث نجد دخولها إلى توات عن طريق سيدي علي العين صالحي (نسبة إلى عين صالح) الذي أخذ الطريقة وسار بها إلى تيدكلت التي هي محل نشأته ، وأنشأ الزاوية التجانية بعين صالح ، ولما توفي خلفه بعض إخوانه ، وبنى هناك زاوية يجتمع بها الفقراء للصلاة وتلاوة القرآن ودخل على يده جملة من التوارق في الإسلام ، وممن كان مؤثرا في نشرها إدريس بن العربي التينلاني ، وزاد انتشارها بتيميمون على يد أسرة بن جعوان منذ نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن 20م ، وما زال أفرادها يشرفون على نشر التجانية ، وقد تفرعت عنها زاويتا ماسين وأوقروت .
إدريس بن خويا ، ص 472 :                           
يرى التجانيون أن طريقتهم أفضل الطرق على الإطلاق ، لذا تغلب عليهم صفة الكبرياء ويعتبرون أنفسهم بأنهم أفضل الخلق ، يوضح ذلك قول أحد التجانيين :
ما الناس سوى قوم عرفو               ك وغيرهمو همج همج     
محاضرات الملتقى الدولي الثاني للطريقة التجانية (الخطاب الصوفي التجاني : زمن العولمة) ، قمار ، ولاية الوادي ، الجزائر ، 4/5/6 نوفمبر 2008 :
أحمد العروسي التجاني : قراءة تجانية أحمدية للبشائر المحمدية إلى السالك بأوراد المحبوبية في الطريقة التجانية ، ص 30 :
لقد أثارت الطريقة التجانية منذ برزت في الساحة الإسلامية سنة 1781م بقصر أبي سمغون بولاية البيض على يد مؤسسها أحمد التجاني المضاوي (1737-1815) اهتمام العلماء من المسلمين وغيرهم من الباحثين في شؤون الإسلام ، وكذلك أثارت اهتمام عامة المسلمين في الجزائر موطن ظهورها ثم في باقي أقاليم المغرب العربي ومن ثم في أقاليم إفريقيا الغربية المجاورة وفي مصر والحجاز ومن هناك في باقي ديار الإسلام .
ص 30 : وهناك من نهض يقاوم منهجية الطريقة التجانية بدعوى أنها بدعة وضلالة ، وقام الجدال حولها ولم يزل حتى اليوم ، ولكن يلاحظ أن الجدال لم يقم حول شخصية مؤسسها أحمد التجاني ، لكن بدأ الجدال حول مشروعية أورادها المبنية على أذكار محورها الاستغفار والصلاة على النبي وكلمة لا إله إلا الله ، وبعد حين من الدهر تبين للجميع أن أورادها اللازمة مأخوذة كلها من الكتاب والسنة ، وما بقي الجدال قائما اليوم إلا حول البشائر التي صرح بها مؤسسها قائلا أنه تلقاها يقظة من سيد الوجود محمد عليه السلام .
ص 30 ، 31 : وقال أحمد التجاني على غرار علماء التصوف أن التشريع العام للإسلام الموجه لعامة المسلمين إنما انطوى أمره بوفاة محمد رسول الله عليه السلام ، وما بقي إلا فيضه ومدده الخاص للخواص من المسلمين ، فكما أخص بعض أصحابه في حياته الدنيوية بأشياء دون غيرهم ، فما زال باب المدد الخاص مفتوحا بعد أن انتقل صلى الله عليه وسلم إلى الحياة البرزخية ، ومن هذا الباب الخاص يأخذ عليه خواص المسلمين توجيهات وأورادا إما عن طريق الرؤية المنامية أو يقظة طبقا لما جاء في حديث الرؤيا لذاته المحمدية في صحيح البخاري باب من رأى النبي صلى الله عليه وسلم (رقم 2592) : (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي) ، وهذه المزية الربانية خاصة به وحده صلى الله عليه وسلم دون غيره .
وسائل التربية الروحية في الطريقة التجانية :
أحمد التجاني صل : التربية الروحية في الطريقة التجانية ، ص 28 :
للتربية الروحية وسائل عدة منها :
1 – ذكر الله كثيرا .
2 – إقام الصلاة .
3 – قراءة القرآن وتدبر معانيه وأوامره ونواهيه .
4 – التعلق بالقدوة ، وهو أن يحاول التجاني حصر أفكاره وأفعاله بذات الشيخ (أحمد التجاني) ، وهذا يساعده على تحسين سلوكه وأعماله ، فإنه إذا شعر بأنه يراقب الشيخ أو هو مراقب من قبل الشيخ ينال مرتبة لم يكن ليصل إليها بنفسه .
إبراهيم وصيف خالد : أسباب الانتشار الواسع للطريقة التجانية ، محاضرات الملتقى الدولي الثاني للطريقة التجانية (الخطاب الصوفي التجاني : زمن العولمة) ، قمار ، ولاية الوادي ، الجزائر ، 4/5/6 نوفمبر 2008 ، ص 4 ، 5 :
يرجع أسباب الانتشار الواسع لأتباع الطريقة التجانية إلى :
1 – الإذن الصحيح الصادر من الحضرة المصطفوية ، وهو الإذن الخاص الصادر من الحضرة النبوية ، وهو يضمن صحة الوصول والسلامة من العطب .
2 – شخصية الشيخ العلمية ، وتتمثل في نسبه الذي ينتهي إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما ، إضافة إلى علو كعبه في العلم والمعرفة .
3 – سهولة الأوراد ويسر تطبيقها .
وقفات متفرقة في الطريقة التجانية :
فيما يتعلق بصلاة الفاتح :
إبراهيم وصيف خالد : أسباب الانتشار الواسع للطريقة التجانية ، ص 6 :
صلاة الفاتح لما أغلق ليست من القرآن ولا من الوحي التشريعي ، وإنما هي صلاة وردت عن طريق الإلهام للقطب البكري المصري المتوفى قبل ميلاد أحمد التجاني بـ 200 سنة .
إبراهيم وصيف خالد : أسباب الانتشار الواسع للطريقة التجانية ، ص 8 :
الشيخ في الطريقة نائب عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
إبراهيم وصيف خالد : أسباب الانتشار الواسع للطريقة التجانية ، ص 6 :
ختم الولاية مصطلح يعني أعلى مرتبة في الولاية ولا يعني آخر الأولياء ، وهو الوارث المحمدي أي وارث مقام النبي صلى الله عليه وسلم .
الإلهام وهو المخاطبات والمكاشفات التي تقع للعارف وهو مقام دون وحي التشريع أثبته الحق للأولياء ، فقال : (وأوحى ربك إلى النحل) ، (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه) .
عبد المجيد الدالي : دور رجال الطريقة التجانية في عصر العولمة ، محاضرات الملتقى الدولي الثاني للطريقة التجانية (الخطاب الصوفي التجاني : زمن العولمة) ، قمار ، ولاية الوادي ، الجزائر ، 4/5/6 نوفمبر 2008 ، ص 11 ، 12 :
بساطة منهجها : الطريقة التجانية عبارة على وردين والوظيفة وذكر الجمعة ليس إلا ، أما الورد فكيفته بعد الاستعاذة والبسملة الفاتحة ، أستغفر الله مائة مرة ، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي صيغة لكن بصلاةالفاتح لما أغلق أفضل وأعظم لما فيها من ثواب ، وهي : (اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم) مائة مرة ، لا إله إلا الله مائة مرة ، يقال ذلك بعد صلاة الصبح ومثله بعد صلاة العصر ، ويلي ذلك الوظيفة تقولها في الأربع والعشرين ساعة مرة واحدة أي ساعة تيسرت وهي : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم (30 مرة) وصلاة الفاتح (50 مرة) ولا إله إلا الله (100 مرة) وجوهرة الكمال (12 مرة) وهي : (اللهم صل على عين الرحمة الربانية والياقوتة المتحققة الحائطة بمركز الفهوم والمعاني ونور الأكوان المتكونة الآدمي صاحب الحق الرباني البرق الأسطع بمزون الأرياح المالئة لكل متعرض من البحور والأواني ونورك اللامع الذي ملأت به كونك الحائط بأمكنة المكاني ، اللهم صل وسلم على عين الحق التي تتجلى منها عروش الحقائق عين المعارف الأقوم صراطك التام الأسقم ، اللهم صل وسلم على طلعة الحق بالحق الكنز الأعظم إفاضتك منك إليك إحاطة النور المطلسم صلى الله عليه وعلى آله صلاة تعرفنا بها إياه) ، إضافة إلى ذكر الهيللة عصر الجمعة ، وهو ذكر الكلمة المشرفة في آخر ساعة من يوم الجمعة .
عبد المجيد الدالي : دور رجال الطريقة التجانية في عصر العولمة ، محاضرات الملتقى الدولي الثاني للطريقة التجانية (الخطاب الصوفي التجاني : زمن العولمة) ، قمار ، ولاية الوادي ، الجزائر ، 4/5/6 نوفمبر 2008 ، ص 15 ، 16 :
تنقيح الطريقة : إن الطريقة استمدت من غيرها من المناهج التي بُنيت على تزكية النفس للسلوك بها إلى الله سبحانه وتعالى ، وقد ادعى بعض أهل الأهواء تبنيها والسعي بها وفق ما يحقق أغراضهم فأضافوا فيها ما أضافوا وأدخلوا فيها ما أدخلوا ، ولا يعتبر ما أضافوه من الطريقة التجانية لأن صاحبها قد تبرأ من ذلك ونبه على مقارنة كل ما ينقل عنه بالشرع فما وافق فأهلا به وما خالف فهو رد على مفتريه أو قائله ، لذلك من الواجب علينا أن ننقحها من الباطل الذي يضاف إليها سواء في جانب الشيخ أو الطريقة ومن أمثلة ذلك ما نشره بعض الكاذبين من أسرار مكذوبة تتعلق بالجن والروحانيين وبعض خواص ليس عليها عمل أهل الطريقة .
مختار فيلالي : دور رجال الطريقة التجانية في مقاومة الاحتلال خلال الثورة التحريرية ، محاضرات الملتقى الدولي الثاني للطريقة التجانية (الخطاب الصوفي التجاني : زمن العولمة) ، قمار ، ولاية الوادي ، الجزائر ، 4/5/6 نوفمبر 2008 ، ص 66 ، 76 :
منذ أعلن أحمد التجاني أمام جمهور مريديه في أبي سمغون عام 1781م قرب الأبيض سيدي الشيخ عن تأسيس الطريقة التجانية بعد إعلانه الفتح الأكبر ، انطلق إلى تنظيم مريديه في هذه الطريقة الجديدة ، وظل يدعو للطريقة ومنهجها قرابة 18 سنة (1781-1798م) وهو متجول عبر الصحراء وتوات والسودان الغربي وتونس منشئا في كل مكان الزوايا ومعينا المقاديم لنشر توجيهات وتعاليم الطريقة .
مختار فيلالي : دور رجال الطريقة التجانية في مقاومة الاحتلال خلال الثورة التحريرية ، ص 67 :
هذا النشاط المكثف لمؤسس الطريقة أثار حفيظة الحكام الأتراك في الجزائر مما أدى إلى استيلاء باي الغرب الجزائري – محمد الكبير باي وهران – على مدينة عين ماضي مقر الطريقة ومسقط رأس التجاني سنة 1784م وفرض عليها إتاوة سنوية ، ولما أحس التجاني بالملل وعدم القدرة على مواصلة نشاطه نتيجة الخلافات التي ثارت ضده سيما من طرف الحكام الأتراك ترك الصحراء نهائيا سنة 1798م واستقر في فاس في قصر يُدعى حوش المرايات إلى أن توفي في 14 شوال 1230هـ / 19 سبتمبر 1815م .
قبل وفاته عهد بالإدارة الروحية للطريقة إلى صديقه وتلميذه علي بن عيسى الينبعي الذي عين مقدما وشيخا لزاوية تماسين ، والذي كُلف برعاية ولدي أحمد التجاني محمد الكبير ومحمد الصغير بعد أن أتى بهما من فاس .
ونظرا لاستمرار الحملات العسكرية التركية ضد زاوية عين ماضي ومحاصرتها من طرف بايات وهران وتيطري فقد قام ولدا أحمد التجاني بثورة بين سنتي 1826م و 1827م كرد فعل للاستفزاز التركي لكن ثورتهما فشلت وانتهت بموت محمد الكبير سنة 1827م .
مختار فيلالي : دور رجال الطريقة التجانية في مقاومة الاحتلال خلال الثورة التحريرية ، ص 67 :
كان الصدام المسلح بين الطريقة وبين الأتراك من جهة ثم بينها وبين الأمير عبد القادر بعد ذلك من جهة أخرى بسبب الفتنة التي كان يبثها الجاسوس ليون روش بين الجزائريين تأثير كبير على الطريقة حيث قلل من توسعها وحدّ من انتشارها داخل الجزائر ، ويتجلى ذلك في قلة عدد زواياها ومريديها في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر حيث أورد الضابط الفرنسي رين في الإحصاء الرسمي سنة 1882م أن عدد زوايا التجانية في الجزائر بلغ 17 زاوية و 100 مقدم و 11082 مريدا .
مختار فيلالي : دور رجال الطريقة التجانية في مقاومة الاحتلال خلال الثورة التحريرية ، ص 67 ، 68 ، 69 ، 70 :

1 - ضايقت الإدارة الفرنسية مقدمي الطريقة التجانية ، فمثلا تعرض الطاهر بوطيبة وكيل الزاوية التجانية بتلمسان لاضطهاد كبير كرد فعل لمواقفه الوطنية وأُبعد إلى جزيرة (سانت مرغريت) وذلك لفترة 1863-1871م ، واعتقل أحمد عمار حفيد أحمد التجاني في 10 فيفري 1869م عندما ساند ثورة أولاد سيدي الشيخ ، ونُفي إلى بولوغين بالعاصمة ثم نُقل إلى بوردو بفرنسا ، وبعد أن أُطلق سراحه وُضع تحت الإقامة الجبرية والرقابة بحيث لا يتنقل إلا برخصة من إدارة الاحتلال .
2 - تمسك رجال الطريقة التجانية بالقيم الوطنية وبعوامل وحدة الأمة ، وكمال محمد العيد آل خليفة شاعر جمعية العلماء .
3 – سخر رئيس زاوية تماسين (أحمد التجاني) كل إمكانات الزاوية خدمة لثورة نوفمبر .
4 – كانت دار أحمد التجاني التماسيني في تونس مقرا للاجتماعات ، وتموين الثورة بالمال في تونس والجزائر .
5 – كانت زاوية تماسين ملتقى القادة والمجاهدين سيما مسؤولي الناحية الرابعة .
الطريقة التجانية
محمد البشير محمد عبد الهادي : التصوف مفاهيم ومصطلحات ، مثال تجربة التصوف في السودان ، الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة) ، جامعة أدرار ، أيام 09/10/11 نوفمبر 2008 ، ص 428 ، 429 :
دخلت التجانية السودان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وانتشرت في غرب السودان المتاخم لإفريقيا ، وهي طريقة لا تقبل تراتيل غيرها ولا ترددها ، وتسمي أتباع الصوفية الأحباب بدلا من الفقراء ، وما ميز هذه الطريقة شروطها المتمثلة في : أن لا يجمع مع الطريقة طريقة أخرى ، تصديق الشيخ في جميع أقواله ، أن لا ينتقد الشيخ ، دوام محبة الشيخ ، مداومة الورد ، أن لا يزور المشايخ إلا بإذن من الشيخ ، الاجتماع للوظيفة .
الطريقة التجانية :
مؤسسة الشيخ أحمد التجاني (دكار - السنغال) : كبرى الطرق الصوفية ودورها في المجتمعات الإسلامية الإفريقية ، ملتقيات الفكر الإسلامي ، محاضرات ودراسات عن الحياة الروحية في الإسلام ، منشورات وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ، الجزائر ، ديسمبر 2005 ، ج³ ، ص 961 :
يخبرنا التاريخ أن التصوف كان موجودا في جميع الأديان السماوية ، وإن كان انتشاره في الإسلام أوسع وأوضح وخاصة في ظل ظروف سياسية سيئة وفكرية دخيلة دفعت المتصوفين إلى المقاومة بكل نفس ونفيس فنشأت منها باختلاف أساليب المقاومة : الخلوتية ، الشاذلية ، القادرية ، التجانية ، المريدية وغيرها .
مؤسسة الشيخ أحمد التجاني (دكار - السنغال) ، ص 962 :
ظهرت هذه الطريقة الصوفية إلى الوجود في الجزائر ، وعلى وجه التحديد بقرية أبي سمغون ، فانتشرت بين سكان القرية وضواحيها ، وتسربت فيما بعد إلى أقصى البلاد ثم إلى المغرب بعد انتقال الشيخ إلى فاس واتخذها موطنا له ووطد دعائم مدرسته الصوفية فأخذت تتسع رقعتها في جميع الأنحاء ، وهناك عبرت حدود المغرب إلى موريتانيا بوساطة مريده محمد الحافظ الشنقيطي ، ثم عبرت إلى السنغال وغرب إفريقيا .
مؤسسة الشيخ أحمد التجاني (دكار - السنغال) ، ص 963 :
ليس هناك من شك في أن الطريقة التجانية كغيرها من الطرق الصوفية لعبت أدوارا لا يستهان بها في مختلف المجالات نذكر منها : أ – نشر الإسلام ، ب – نشر الثقافة العربية الإسلامية ، ج – نشر التربية الروحية والخلقية .
مؤسسة الشيخ أحمد التجاني (دكار - السنغال) ، ص 964 :
ألّف عمر الفوتي (أحد علماء التجانية) : رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم ، سفينة السعادة ، قصائد كثيرة ، ويعتبر الكتاب الأول مرجعا هاما من مراجع الطريقة التجانية .
مؤسسة الشيخ أحمد التجاني (دكار - السنغال) ، ص 964 ، 965 :
الحاج مالك سي : أسس عدة زوايا ومساجد في طول السنغال وعرضها ، من مؤلفاته : خلاص الذهب في مدح سيد العرب ، مورد الظمآن ، إفحام المنكر الجاني على الورد التجاني ، زجر القلوب ، إلى جانب ديوان شعري كبير .
مؤسسة الشيخ أحمد التجاني (دكار - السنغال) ، ص 965 :
إبراهيم انياس : ساهم في نشر اللغة العربية ، التربية الروحية والأخلاقية ، نشر الطريقة وتوسيعها في البلدان الأخرى ، وكتابه (كاشف الألباس عن فيضة الختم أبي العباس) .
مصطفى عزيزة : الزهد والتصوف في الإسلام ، ملتقيات الفكر الإسلامي ، محاضرات ودراسات عن الحياة الروحية في الإسلام ، منشورات وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ، الجزائر ، ديسمبر 2005 ، ج³ ، ص 972 ، 973 :
أما التصوف فإنه يختص بعلم الباطن بالمقارنة مع الفقه الإسلامي الذي يختص بعلم الظاهر من الشريعة الإسلامية ، كما يقوم التصوف على أسس عملية أخلاقية تعتمد على دراسة النفس الإنسانية ، ويمتاز بنوع من المعرفة والتربية الذوقية والكشفية الإلهامية المتعلقة بالقلب غير الخاضعة للعقل والحواس ، فالتصوف يعد نشاطا روحيا خاصا بكل متصوف ترد عليه أحواله التي تعد مِنّة وهبة من الله يمنحها من يشاء من عباده الأخيار الذين تمسكوا بالكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح ، وبذلك نرى سقوط وإسفاف الادعاءات التي تحاول رد التصوف الإسلامي بأصوله النقية إلى مصادر غير إسلامية ، فالتاريخ الإنساني يشهد أن مصطلح التصوف نفسه مشتق من الصفاء والانقطاع إلى الله والعكوف على العبادة والإعراض عن الدنيا وزخرفها والزهد في ملذاتها حتى الطيبات من الرزق ، والإغراق في محاسبة النفس حتى تحصل للصوفي الأحوال والمقامات المتعاقبة كالإيمان واليقين والصدق والإخلاص والمعرفة والتوكل والمحبة والشوق والوجد ، ويبني الصوفية علمهم هذا على أربعة أركان هي :
1 – معرفة الله تعالى ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله .
2 – معرفة وساوس العدو ومكائده وخصاله .
3 – معرفة النفوس وشرورها ودواعيها .
4 – معرفة الدنيا وغرورها وتفننها وتلونها وكيفية الاحتراز منها والتجافي عنها .

أركان الطريقة التجانية (من موقع الزوايا التجانية بالانترنيت) :
       تقوم الطريقة التجانية على ثلاثة أركان حسب ما يرد في مصادرها ، وهي :
1-      الاستغفار .
2-      الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (صلاة الفاتح) .
3-      الهيللة (لا إله إلا الله) .
والأذكار اللازمة في هذه الطريقة الجليلة هي وردي الصباح والمساء ، والوظيفة ، وذكر الجمعة .
سالم الحبيب التجاني : نبذة تاريخية عن حياة الشيخ أحمد التجاني الأشعري المالكي (1737-1815م) ، دون ذكر دار النشر ، الوادي ، طبعة جانفي 1999م :
أركان الطريقة التجانية :
1-      الورد المعلوم اللازم صباحا ومساء : 100 استغفار الله ، ثم 100 الصلاة على النبي ، ثم 100 لا إله إلا الله . ص 11 .
2-      الوظيفة مرة في اليوم وشرطها الجماعة إلا لعذر وهي : 30 استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ، ثم 50 صلاة الفاتح (اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم) ، ثم 100 لا إله إلا الله ، ثم 12 جوهرة الكمال في مدح سيد الرجال (اللهم صل على عين الرحمة الربانية والياقوتة المتحققة الحائطة بمركز الفهوم والمعاني ونور الأكوان المتكونة الآدمي صاحب الحق الرباني البرق الأسطع بمزون الأرباح المالئة لكل متعرض من البحور والأواني ونورك اللامع الذي ملأت به كونك الحائط بأمكنة المكاني ، اللهم صل وسلم على عين الحق التي تتجلى منها عروش الحقائق عين المعارف الأقوم صراطك التام الأسقم ، اللهم صل وسلم على طلعة الحق بالحق الكنز الأعظم إفاضتك منك إليك إحاطة النور المطلسم صلى الله عليه وعلى آله صلاة تعرفنا بها إياه) .
3-      الركن الثالث هو ورد الأسبوع بعد صلاة عصر الجمعة إلى الغروب تختم الأسبوع الماضي وتستقبل الأسبوع القادم ، بقولك لا إله إلا الله ، وشرطها جماعة للرجال كالوظيفة ، وحدها الأدنى ألف وحدها الأقصى 1600 مرة . ص 11 .
سالم الحبيب التجاني : نبذة تاريخية عن حياة الشيخ أحمد التجاني الأشعري المالكي (1737-1815م) ، دون ذكر دار النشر ، الوادي ، طبعة جانفي 1999م :
ولد أبو العباس أحمد بن محمد التجاني الحسني بدائرة عين ماضي ولاية الأغواط سنة 1150هـ الموافق لـ 1737م ، أبوه محمد بن المختار متصل نسبه بالحسن بن علي صهر الرسول عليه السلام ، لقب بالتجاني نسبة لقبيلة أخواله بنو توجين ، نشأ وترعرع في بيت الصلاح والتقوى إلى أن حفظ القرآن عن أستاذه أبي عبد الله محمد بن حمو التجاني المضاوي وعمره لم يتعد السبع من السنين . ص 2 .
الطريقة المحمدية التجانية : مدرسة روحية لتزكية الروح وتهذيبها والسير بها في مدارج مقام الإحسان ، وأتباعها يعدون بالملايين ، عقيدتهم عقيدة سلف الأمة بمفهوم المذاهب الأربعة فقهيا ، الماتريدي الأشعري عقائديا ، وتنتسب إلى الشيخ أحمد التجاني المالكي الأشعري المضاوي الجزائري المولد والتكوين ، والفاسي الإقامة والوفاة ، وهي – أي الطريقة التجانية – أن تتعهد أمام أستاذ عارف ذو سند صحيح بمجموعة من الأذكار السنية (استغفار ، الصلاة على النبي المختار ، الكلمة المشرفة "لاإله إلا الله") صباحا ومساء حتى الممات . ص 22 .
في السابع عشر من ربيع الأول سنة 1213هـ هاجر موطنه قاصدا أرض المغرب واختار فاس ، وأهداه ملك المغرب أبو الربيع سليمان بن محمد دار (إمرايا) . ص 15 .
في محرم سنة 1214هـ حين كان عمره 64 عاما خرج على أصحابه متحدثا بأنه أدرك مقام الخلافة العامة المعبر عنها بمقام القطبانية العظمى والغوثية ، وادعى أن أمره بأمر الله بل خليفة الله في الكون ، وصرّح في وسط حشود تلاميذه وبين أظهر الأمراء بأنه أدرك مقاما أكثر من القطبانية ألا وهو مقام ختم الأولياء المحمدي الذي صرّح به الرسول عليه السلام للشيخ يقظة لا مناما صحوا بقاء . ص 16 .
يدعي بعض أصحاب الطريقة التجانية أن مقام خاتم الأولياء طوي فما لأحد من السادة الأولياء تشوف لذلك المقام ، بل هو من النبي عليه السلام للشيخ بصريح العبارة ، وتحقق به الشيخ حالا ومقاما . ص 16 .
من مظاهر التعظيم لدى الطريقة التجانية تعظيم حرمة الأولياء خاصة خلفاء أحمد التجاني ومقدموه أحياء وأمواتا . ص 13 .
تتلمذ التجاني على الشيخ محمود الكردي شيخ الطريقة الخلوتية بمصر . ص 5 .
سالم الحبيب التجاني : نبذة تاريخية عن حياة الشيخ أحمد التجاني الأشعري المالكي (1737-1815م) ، دون ذكر دار النشر ، الوادي ، طبعة جانفي 1999م :
ظهرت الطريقة التجانية إلى الوجود سنة 1196هـ ، وبقصر أبي سمغون حيث خلوة أحمد التجاني وتحققه باللقاء العياني كما يعتقد بالرسول عليه السلام يقظة لا مناما ، وعين له الطريقة التجانية بأذكارها العلوية ، وضمن النبي عليه السلام الوصول لكل من تعلق بها . ص 10 .
مؤسس الطريقة التجانية مالكي المذهب فقها أشعري العقيدة ، خلوتي جنيدي تصوفا ، اختار زيارة فاس القرويين وتونس الزيتونة ومصر وتلمسان كعبة أهل العلم بالجزائر ، واختار قصر أبي سمعون كخلوة وارتقاب وارد الفتح الأكبر كما ترى الطريقة . ص 9 .
حفظ القرآن وعمره لم يتجاوز السبع من السنين ، ودرس أمهات متون المذهب المالكي وهو ما يزال صغيرا ، ثم قصد فاس ودرس بالقرويين ، ثم رجع داعيا في عواصم العلم بالغرب الجزائري خاصة علمي الحديث والتفسير ، زار الزيتونة وعمره 36 سنة ، وجُعلت له سرية خاصة به فكان فيها معلّما درس كتاب الحكم العطائية لعطاء الله السكندري ، والتقى ببعض صوفيي تونس . ص 4 ، 5 .
للطريقة التجانية خمسة أسماء هي : التجانية نسبة لصاحبها الذي ادعى مقام الختمية من الرسول صلى الله عليه وسلم شفاهيا ، ثم المحمدية نسبة لصاحبها الحقيقي فما الشيخ إلا مقدم فيها عن سيدنا محمد الذي لقنه كما يدعي هذه الطريقة ، ثم الأحمدية نسبة مشتركة بين الرسول وأحمد التجاني ، ثم الإبراهيمية نسبة لأبي المسلمين إبراهيم عليه السلام ، ثم الحنفية نسبة لأهلها الموحدين المشهورين بأهل لا إله إلا الله . ص 10 .
عمار هلال : الطرق الصوفية ونشر الإسلام والثقافة العربية في غرب إفريقيا السمراء ، منشورات وزارة الثقافة والسياحة ، الجزائر ، ط 1988م :
يرجع تاريخ تأسيس القادرية إلى القرن الثاني عشر الميلادي ، ومؤسسها هو محي الدين أبو محمد عبد القادر الجيلاني (471 – 561 هـ) . ص 109 .
ولد الجيلاني في جبل أوجلاني قريبا من بغداد وربما استمد اسمه من مسقط رأسه هذا . ص 109 .
انتشرت القادرية في أول أمرها انتشارا عظيما في كل الأقطار العربية الإسلامية بالمشرق العربي ، وحتى وقت قريب منا كانت تحتل في الحجاز مكانة مرموقة بين الطرق الصوفية التي كانت تعمل هناك لا من حيث عدد أتباعها فحسب ولكن أيضا من حيث مكانة وقيمة صاحبها الأدبية والثقافية . ص 109 ، 110 .
ولكن القادرية شأنها شأن الطرق الصوفية في كافة العالم الإسلامي بدأت تضعف في إفريقيا الغربية السوداء في مستهل هذا القرن وتمثلت أسباب ضعفها في الانحرافات التي اتسم بها بعض دعاتها من جهة ، وتراجع بعض زعمائها وانتهاجهم أسلوب المهادنة والصداقة في كثير من الأحيان إزاء الاستعمار الأوربي في المنطقة مما ترتب عنه تقريبا اضمحلال القادرية تدريجيا وذوبانها في الطريقة الصوفية المريدية التي أسسها أحمد بامبا الذي توفي سنة 1926م . وتتجه هذه الطريقة نحو الخضوع المطلق لشيخ الطريقة وتعطي أهمية بالغة للعمل اليدوي ، و(العمل جزء من الإيمان) شعارها الأساسي ، ونلمس من هنا التغير الملحوظ الذي أحدثته هذه الطريقة الصوفية . ص 115 .
وربما كانت القادرية أوسع الطرق الصوفية انتشارا في العالم الإسلامي ، وذلك لما كان لصاحبها من كفاءة علمية وأدبية ، حيث برع الجيلاني في علوم الحياة ، حتى أعجز أصحاب العقول ، ثم طوى كل ذلك وأخذ يعبر بروحه إلى العالم غير المريء ، وقد اعتزل الجيلاني ما يقرب من 25 سنة في صحراء العراق ، لا علاقة له مع الناس ، لا يعرفهم ولا يعرفونه ، ثم عاد إلى بغداد ينشر العلم ، وكوّن تلاميذ أكفاء هناك . ص 116 ، 117 .
الطريقة الشابية :
خير الدين شترة : الصلات الروحية بين الطرق الصوفية في المغرب العربي (الجزائر وتونس أنوذجا) ، الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة) ، جامعة أدرار ، أيام 09/10/11 نوفمبر 2008 ، ص 412  .
من الطرق التونسية التي وجدت صدى في وادي سوف الطريقة الشابية ، وفي كتاب العدواني (محمد بن محمد بن عمر) (منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية) معلومات هامة عن نشاط الشابية من جهة وعن نمط حياة أهل سوف قبل العهد الفرنسي .
خير الدين شترة ، ص 413 : وتاريخ الشابية في الجزائر يرجع إلى القرن 16م ، وهي طريقة ناصرية لأن مؤسسها أحمد بن مخلوف كان أحد أتباع محمد ناصر الدرعي ، وقد نشطت الشابية في نواحي القيروان ، وأسسوا زوايا عديدة في تونس والجزائر ، وظهر منهم تياران ، تيار ديني يمثله مسعود الشابي ، وتيار سياسي يمثله عبد الصمد الشابي ، وقد انتشرت الشابية في نواحي الجريد ووادي سوف وتبسة وعنابة وخنشلة والخنقة ، بحيث كان لها زوايا ومقدمون بل وثورات ومداخلات سياسية في هذه المناطق ، أما شيخ الشابية الفعلي فهو محمد عبد الهادف ، الذي أنشأ زاوية في جبل ششار تسمى زاوية المسعود الشابي ، وكان ابنه المسعود يساعده على نشاطه .
خير الدين شترة ، ص 413 : وآثار الشابية تظهر في شكل مؤسسات دينية كالمساجد ، ومن حفدة المسعود الشابي ابن جدو بورقعة ورمضان ، ولهذا الأخير ابن يسمى عمار ترك جبل ششار والتحق بتوزر وأنشأ بها زاوية تسمى (بيت الشريعة) ، وقد لعبت الشابية دورا أساسيا في عهد الاستعمار كما لعبته من قبل في العهد العثماني ، ويذكر الفرنسيون أنهم وجدوا من قادة الشابية مساعدة أثناء احتلال تونس ، وذكرت تقارير فرنسية عام 1896م أن الشابية تكاد تختفي تماما من تونس ، أما في الجزائر فقد لاحظ الفرنسيون أنها ما تزال قوية في سوف ، لأن أهل الوادي ما يزالون على احترامهم لأجداد الشابية .
الطريقة البوعلية :
خير الدين شترة ، ص 417 : تنسب إلى بوعلي السني دفين نفطة (ت 610هـ) ، وقد اشتهر بالنفطي ولُقب بالسني لأنه انتصر لأهل السنة ضد أهل المذاهب الأخرى سيما الخارجية التي انتشرت في منطقة الجريد بالجنوب التونسي ووادي سوف ، كما كان من أصحاب وتلاميذ أبي مدين دفين تلمسان (594هـ) ، ونظرا لقرب نفطة من الحدود فإن بعض الجزائريين تأثروا بهذه الطريقة التي ترجع إلى القادرية ، وكان أتباعها موجودون في قسنطينة وعنابة وتبسة وسوف ، وهي الجهات التي يقصدها التجار التونسيون .
وقد أظهرت التقارير الفرنسية أن البوعلية التونسية المنشأ لها نفوذ أقوى من وصف رين لها ، فقد كان لها زاوية فرعية في خنشلة ولها مقدم اسمه (عمارة بوخشم) ، ولها عدد آخر من المقدمين والشواش وكان لها في إقليم قسنطينة أربع زوايا حسب إحصاء ديبون وكوبولاني عام 1897م ، وشيخها الرئيسي في الزاوية الأم بنفطة .
دور الطرق الصوفية :
مقلاتي عبد الله : الطرق الصوفية في الجزائر أمام جدلية فاعلية حضورها الاجتماعي والسياسي ، الموقف من الاحتلال الفرنسي نموذجا ، الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة) ، جامعة أدرار ، أيام 09/10/11 نوفمبر 2008 ، ص 519 :
- إن الجزائر كغيرها من شعوب العالم الإسلامي عايشت بتفاعل ظاهرة التصوف وأسهم علماؤها في نشر مبادئ التصوف ومفاهيمه ، والتي خلفت آثارا إيجابية على لحمة وتماسك المجتمع ، وبفضل جهود مشائخ التصوف انتشرت مختلف الطرق الصوفية عبر ربوع الوطن .
- أكدت الطرق حضورها الفعال في مختلف مجالات الحياة ، ونهضت بكثير من الأعباء الاجتماعية والدينية ، ومنها التعليم والتثقيف ونشر الأخلاق الفاضلة وتوحيد الكلمة ومواجهة الأخطار الأجنبية كالغزو والتنصير والتبشير .
- رفعت أغلب الطرق راية الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي ، ووحدت كلمتها على مواجهته بمختلف السبل الممكنة ، ونجحت بعض الطرق في تحقيق نتائج باهرة في هذا المجال كالقادرية والرحمانية والسنوسية ، الأمر الذي دفع الإدارة الفرنسية إلى العمل على تشويه صورة هذه الطرق .
- كان لأغلب الطرق دور هام في المقاومة الثقافية ومحاربة الإدماج والمحافظة على قيم المجتمع وشخصيته ، وذلك عن طريق التعليم والتضامن السياسي والتكافل الاجتماعي .
عبد القادر بوباية : الطريقة الزيانية وتطورها التاريخي ، الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة) ، جامعة أدرار ، أيام 09/10/11 نوفمبر 2008 ، ص 521 :
مما لاشك فيه أن الطرق الصوفية قد لعبت دورا كبيرا في حياة المسلمين سواء من خلال التعليم أو من خلال النشاطات الأخرى التي كانت تقوم بها ، وينطبق ذلك على الطرق المنتشرة في الجزائر عامة وفي المناطق الصحراوية منها على وجه الخصوص ، ذلك أن العزلة والابتعاد عن المراكز العلمية التي كانت تعيشها هذه الأخيرة قد ساهم بشكل كبير في ظهور الطرق الصوفية التي لعبت دورا كبيرا في نشر التعليم بين صفوف أهل هذه المناطق ، كما لعبت دورا أهم في تنظيم الحياة داخلها ، إضافة إلى تولي مسؤوليات أخرى مرتبطة بالظروف التي كانت تمر بها هذه المناطق .
عبد القادر بوباية ، ص 521 :
لقد تحولت الزوايا إلى منابر للتعليم ، وتخرج على أيدي شيوخها الآلاف من الطلبة المجهزين بالعلوم التي يحتاجون إليها في توجيه عامة المسلمين ، كما ساهم شيوخ هذه الزوايا في تنظيم المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي ، ويجمع كل الذين أرخوا للمقاومة الوطنية أن جل الذين قادوا مقاومة المحتلين كانوا من زعماء الطرق الصوفية .
خير الدين شترة ، ص 417 ، 418 :
لعبت الطرق الصوفية دورا هاما وخطيرا ، هذا الدور له اتجاهان :
1 – اتجاه إيجابي بعيد المدى في نشر الإسلام بالقارة الإفريقية .
2 – اتجاه سلبي أو مضاد يتمثل في الالتقاء بالاستعمار وتأييده وتأثيره على العامة للإذعان له .
عبد القادر خليفي : الشيخية والقادرية بين الجنوب الغربي الجزائري وشرقي المغرب ، الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة) ، جامعة أدرار ، أيام 09/10/11 نوفمبر 2008 ، ص 533 :
الطرق الصوفية ظاهرة إسلامية لا تعترف بالحدود السياسية بين الدول والشعوب ولا بالقوميات والإثنيات ، وهي أوسع مجالا من الوطنية الضيقة ، بل هي أفسح ميدان يعبر فيه المريد عن شجونه ويتحرر بها من خصوصياته الضيقة في سبيل خصوصيات جماعية هادفة ، إذ من أهدافها الجمع لا الفرقة والألفة لا التشرذم ، والطرق الصوفية هي إحدى عوامل التوحد بين الشعوب المغاربية التي لن تتأثر بالمسارات السياسية والتغيرات الآنية .
التصوف :
أصوله وعناصره : يوسف فرحات : الفلسفة الإسلامية وأعلامها ، الناشر تراد كسيم والشركة الشرقية للمطبوعات ، جنيف ، سويسرا ، ص 45 .
-        يختلف التصوف عن الكلام والفلسفة في أنه يلتمس الحق عن طريق تطهير النفس .
-        هذه النزعة الزهدية سميت بالصوفية لاشتقاقها من الصفاء لأن أربابها عرفوا بصفاء القلب ، أو أن الكلمة اشتقت من الصّفة وهي السقيفة التي كان فقراء المتعبدين يجتمعون تحتها خارج مسجد المدينة ، أو أن الصوفية من الصوف وهو لباس النساك .
-      وأسس الإيمان في التصوف مصدرها الإسلام ، فعقيدة التوحيد والتصديق بالرسالة والتقيد بالفرائض هي من أصل إسلامي ، ولكن هذا التصوف لم يبق بمعزل عن المؤثرات الخارجية كالتأثير المسيحي في فكرة الحب الإلهي التي دعت غليها رابعة العدوية (ت 186هـ) ، وما في حياة السالكين من شبه بحياة الرهبان ، كما نشير إلى التأثير الهندي في فكرة الفناء وعقيدة الحلول عند غلاة الصوفية ، وإلى بدعة حلقات الذكر وفنون تعذيب الجسد ، ونلفت إلى التأثير اليوناني في فكرة الإشراق والاتصال .
أدوار التصوف : يوسف فرحات : الفلسفة الإسلامية وأعلامها ، الناشر تراد كسيم والشركة الشرقية للمطبوعات ، جنيف ، سويسرا ، ص 46 ، 47 .
نشأ التصوف من أوليات بسيطة ، ثم اتسع وتطور بحكم النمو الطبيعي وبتأثير العوامل الخارجية ، ويمكن القول أنه مرّ بثلاثة أدوار رئيسية ، وكان لكل دور خصائصه :
1 -       دور الزهد العملي : لم يكن التصوف في بدايته مدرسة فكرية مميزة ، بل كان طريقة زهدية اتصفت بالرغبة الشديدة في شؤون الدين والاستهانة بأمور الدنيا والقيام بفرائض الدين على أتم وجه ، وبروز هذه النـزعة يعود إلى تشديد التعليم الإسلامي على الاعتبارات الروحية والفضائل الخلقية والقيم الإنسانية ، وبدأت هذه النزعة تتبلور في تعليم الحسن البصري (ت 110هـ) ومواعظه الدينية في مسجد البصرة ، لذلك عدّه المتصوفون رئيسهم الأول . يوسف فرحات : الفلسفة الإسلامية وأعلامها ، ص 46 .
2 -       دور الفلسفة الصوفية : بدأ التأثير الخارجي يتجلى في النزعة الزهدية التي برزت في خراسان بتأثير التعاليم الهندية البوذية ، ومن حيث الفكرة فإن رابعة العدوية (ت 186هـ) كانت السابقة إلى إقامة فكرة الحب الإلهي مكان الخوف والرهبة ، وذلك بتأثير التعاليم المسيحية ، وعنها اشتهر القول أنها ما عبدت ربها خوفا من جحيمه ولا رغبة في نعيمه ، بل حبا به ليس إلا ، ثم جاء الجنيد البغدادي (ت 298هـ) فنسّق مبادئ التصوف وربطها بالأصول القرآنية وأفرغها في نظام روحي فلسفي . يوسف فرحات : الفلسفة الإسلامية وأعلامها ، ص 46 .
3 -       دور المبادئ المتطرفة : عاصر الجنيد واحدا من أعلام التصوف هو أبو منصور الحلاج (ت 310هـ) ، وكان متأثرا بتعاليم أبي يزيد البسطامي ، فطغى على منهجه الزهدي التأثير الهندي ، وقد غالى الحلاج في فكرة الفناء حتى زعم أن روحه تتحد عند النشوة بالذات الإلهية وتغدو معها ذاتا واحدة ، مما حمله على القول : أنا الحق والحق أنا ، أو سبحاني ما أعظم شاني ، وهذا ما عرف بالشطحات الصوفية ، وقد أثارت مواقف الحلاج استنكار الناس ، فقبض عليه وقُتل صلبا . يوسف فرحات : الفلسفة الإسلامية وأعلامها ، ص 46 ، 47  .
حاول الغزالي أن يحرر التصوف من مثل هذا الغلو ويربط أصوله بالشرع ، ويحببه إلى قلوب الناس . يوسف فرحات : الفلسفة الإسلامية وأعلامها ، ص 47 .
الأدب الصوفي :
الإشارات الصوفية في العبارة الشعرية :
تعد القصيدة قصيدة صوفية أو ذات حمولة ذوقية أو ذات ومضات عرفانية ، والمصطلحات الصوفية مبثوثة في كتب المتصوفة أو مجموعة في معاجم التصوف مثل معاجم عبد الرزاق الكاشاني أو معجم محي الدين بن عربي أو معاجم التصوف الحديثة مثل موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي لرفيق العجم ، ومن المصطلحات الصوفية المشهورة من حرف الحاء : الحال ، الحجاب ، الحدس ، الحرية ، الحق ، الحلول ، فإذا وجد الناقد عددا من هذه المصطلحات الصوفية في قصيدة ما قد يستنتج وجود تجليات صوفية في تلك القصيدة . رفيق العجم : موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ، مكتبة لبنان ناشرون ، بيروت ، ط¹ ، 1999م .
إن الاعتماد على المصطلح الصوفي واتخاذه معيارا لتحديد هوية القصيدة لا يقودنا إلى النتيجة الصحيحة ، إذ قد يستلهم الشاعر الشعر الصوفي في بناء قصيدته ويضمّنها المصطلحات الصوفية دون أن يكون قد مرّ بأية تجربة صوفية مطلقا ودون أن يكون قصْدُ القصيدة أو موضوعها صوفيا ، فهؤلاء سطوا في إنتاجاتهم الأدبية على التراث الصوفي وخطفوا منه مصطلحاته وألفاظه السامية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الدخول في التجربة الذوقية الوجدانية التي عاناها المتصوفة وأثمرت لديهم كشفا وإشراقا .
تحديد الشعر الصوفي :
       تنقسم الدراسات النقدية التي ترمي إلى تحديد الشعر الصوفي إلى قسمين :
الأول : يرمي إلى إبراز تجليات المفاهيم والإشارات الصوفية في العبارة الشعرية .
الثاني : التوسع في مفهوم التصوف ليغطي جميع التجارب الشعرية الوجدانية والرومانسية .
ترك المتصوفون مؤلفات عديدة تناولت العقيدة والنظم والمصطلحات ، وبينت الطرق ، من أهمها كتاب اللمع لأبي نصر السراج وهو يبحث في فلسفة التصوف ، ومنها قوت القلوب لأبي طالب المكي في شرح العقائد والرسالة القشيرية لأبي القاسم الشابي وهو يجمع المبادئ الصوفية والفتوحات المكية لابن عربي وهو من أوسعها وأشملها . يوسف فرحات : الفلسفة الإسلامية وأعلامها ، ص 50 .
            بلغ الموروث الصوفي في الجزائر مرحلة عالية في نتاج المتصوفة كأبي مدين ، وأبز ما يتجلى في هذا الموروث (شعرا ونثرا) فكرة الحب الإلهي ، ولا يفهم هذا الموروث على وجهه المقصود بدون إلمام بالمصطلحات الصوفية كالمقام والحال والوجد والغيبة والحضور والسكر والصحو والذوق والقرب والبعد والحقيقة واليقين .
       وقد بلغ الشعر الصوفي مرحلة عالية في نتاج ابن الفارض وابن عربي ، وأبرز ما يتجلى في الشعر الصوفي فكرة الحب الإلهي ، والشعر لا يُفهم على وجهه المقصود بدون إلمام بالمصطلحات الصوفية ، لذلك رأينا من المناسب أن نشرح منها ما يرد بكثرة في الشعر : يوسف فرحات : الفلسفة الإسلامية وأعلامها ، ص 51 .
1 -       المقام : ما يتحقق به العبد من مقاساة التكلف في القيام بالرياضات
2 -       الحال : معنى يرد على القلب من غير تعمدّ أو اجتلاب ، وهو ما يحل في القلب من طرب أو حزن أو شوق أو هيبة على إثر الرياضة .
3 -       الوجد : انقطاع القلب عن شؤون الدنيا واشتغاله بأمر المحبوب .

4 -       الحب والعشق : الحنين إلى المحبوب الحقيقي ، والرغبة الخالصة فيه عن كل ما في عالم الشهادة .
5 -       الحبيب والحبيبة : المقصود بالحبيب الله ، وبالحبيبة العزة الإلهية ، وهو المحبوب الحقيقي الذي تتوق إليه النفس .
6 -       الغيبة والحضور : الغيبة هي غيبة قلب العبد عن علم ما يجري حوله من شؤون الخلق لاشتغال الحس بما ورد عليه ، والحضور هو حضور قلب العبد بين يدي ربه .
7 -       السكر والصحو : السكر هو غيبة القلب عن مشاهدة الخلق بالاستغراق في تأمل الجمال الحق ، والصحو هو الشعور بالمثول في الحضرة الإلهية ، أو هو الرجوع إلى حالة الحس بعد غيبة السكر .
8 -       الذوق والشرب والري : درجات في القرب من الله وفي مراتب التجلي ، فصاحب الذوق متساكر ، وصاحب الشرب سكران ، وصاحب الري فان في الله .
9 -       القرب والبعد : القرب ملازمة العبادة والاتصاف بالطاعة ، والبعد مفارقة الإثم والمعصية .
10 -    السفر والسلوك : السفر هو السعي للحظوة بالمشاهدة ، والسلوك هو المرور في المقامات المؤدية إلى هذه الغاية .
11 -    السّر : هو ما قام بين العبد والحق من أمر مصون مكتوم .
12 -    الفراق والوصال : الفراق هو الابتعاد عن الله ، والوصال هو الرجوع إليه .
13 -    الحق والحقيقة : الحق هو الذات الإلهية ، والحقيقة هي مشاهدة الربوبية .
14 -    اليقين : هو العلم الذي لا يداخل صاحبه ريب ، وهناك علم اليقين بالبرهان ، وعين اليقين بالبيان ، وحق اليقين بالعيان ، فالأول يكون لأرباب العقول ، والثاني لأصحاب العلوم ، والثالث لذوي المعارف .
15 -    الفناء والبقاء : الأول سقوط الأوصاف المذمومة عن العبد ، والثاني اتصافه بالصفات المحمودة ، أي أن يستولي عليه سلطان الحقيقة حتى لا يشهد من أغيارها لا عينا ولا أثرا ، فيكون قد فني في الخلق وبقي بالحق .
السكر الروحي لابن الفارض (أبو القاسم عمر بن الفارض ت 633هـ) : يوسف فرحات : الفلسفة الإسلامية وأعلامها ، ص 58 .

شربنا على ذكر الحبيب مدامـة         سكرنا بها من قبل أن يُخلـق الكرمُ

يقولون لي صفها فأنت بوصفها          خبير ، أجل عندي بأوصـافها علم
صفاء ولا ماء ، ولطف ولا هوا ،        ونور ولا نـار ، وروح ولا جسم
تقدم كل الكائنات حديثـها            قديما ، ولا شكل هنـاك ولا رسم
وقامت بها الأشياء ، ثم لحكمة            بها احتجبت عن كل مـا له فهم
على نفسه فليبك من ضاع عمره         وليس له فيها نصيـب ولا سهم    
دين لابن عربي : يوسف فرحات : الفلسفة الإسلامية وأعلامها ، ص 52 .
لقد صار قلبي قابلا كل صورة         فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف            وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت          ركايبه ، فالحب ديني وإيماني
فرع وأصل لابن عربي : وسف فرحات : الفلسفة الإسلامية وأعلامها ، ص 52 .

حكم الطبيعة في الأجسام معتبر        لأنها أصلها ، والأصل يعتبر

فانظر إليها إذا طال الزمان بها          تبدد الشمل لا تبقي ولا تذر
إن العذاب لها مثل النعيم بها           وذنبها عند أهل الكشف مغتفر
الله حكمها فينا وأحكمها             فما لها عن نفوذ حكمه وزر
فيها يعذبنا ، فيها ينعمنا               وليس يخلص من أحكامها بشر
سبحان من أوسع الأشياء رحمته       في الخير والشر علما ، هكذا الخبر
جلّ الإله ، فما تحصى عوارفه         فالكل منه ، كما قد شاءه القدر   
اقتباسات حول الحلاج :
الحسين بن منصور الحلاج (244هـ/309هـ) : ديوان الحلاج ، وضع حواشيه وعلق عليه محمد باسل عيون السود ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1998م ، ص 118:
لبيك لبيك يا سـري ونجوائـي       لبيك لبيك يا قصدي ومعنائي
أدعوك بل أنت تدعوني إليك فهل      ناديـتُ إياك أم ناديتَ إيائي ؟
يا عين عين وجودي يا مدى هممي     يا منطقي وعبـاراتي وإيمائـي
يا كل كلي يا سمعـي ويا بصري      يا جملتي وتباعيضـي وأجزائي
يا كل كلي وكل الكـل ملتبس       وكـل كلك ملبوس بمعنـائي 
الحسين بن منصور الحلاج (244هـ/309هـ) : ديوان الحلاج ، وضع حواشيه وعلق عليه محمد باسل عيون السود ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1998م ، ص 123 ، 124 :
رأيت ربـي بعيـن قلبـي              فقلت : مَن أنت ؟ قال : أنت
فليس للأين منـك أيـن                وليـس أيـن بحيـث أنت ؟
أنت الذي حزت كل أين                 بنحو لا أيـن فأيـن أنت ؟
أنت حياتي وسـر قلبـي                فحيثما كنـتُ كنـتَ أنت
أحطت علما بكـل شيء                فكـل شـيء أراه أنـتَ
اقتباسات حول الحلاج : أبو العلاء المعري (ت 449هـ) : رسالة الغفران ، دار صادر ، بيروت ، ص 311 :
" فأما الحسين بن منصور فليس جهله بالمحصور ، وإذا كانت الأمة ربما عبدت الحجر ، فكيف يأمن الحصيف البُجر (الواحدة بجرة وهي العيب) .
أبو العلاء المعري (ت 449هـ) : رسالة الغفران ، دار صادر ، بيروت ، ص 313 :
أبيات للحلاج :
يا سرَّ سرٍّ  يدق حتى           يجِلَّ عن وصف كل حيٍّ
وظاهرا باطنا تبدّى              من كل شيء لكل شيء
يا جملة الكل ، لست غيري      فما اعتذاري إذا إليّ ؟ 
     الكلاباذي : التعرف لمذهب أهل التصوف ، تحقيق محمود النواوي ، مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة ، ط2 ، 1980م ، ص 80 :
تدور معاني الأبيات الآتية كلها حول أن البارئ سبحانه لا يعرفه أهل الله ذوو الانفراد به ، والتبتل له لا بصفته ولا مخلوقاته وإنما يعرفونه بتعريفه سبحانه إياهم ، وهو مسلك يبدو أنه أقوى من مسالك الآخرين ودلت عليه أقوال الصوفية وعباراتهم كقولهم متى غاب حتى يستدل عليه وأمثال ذلك . (محمود أمين النواوي : هامش التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي ، مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة ، ط2 ، 1980م ، ص 80 ) .
قال بعض الكبراء من أهل المعرفة في معرفة الله تعالى :
لم يبق بيني وبين الحق تبياني             ولا دليل ولا آيات برهاني
هذا تجلي طلوع الحق نائرة              قد أزهرت في تلاليها بسلطان
لا يعرف الحق إلا من يعرِّفهُ             لا يعرف القدميَّ إلا المحدث الفاني
لا يستدل على الباري صنعته            رأيتم حدثا ينبي عن أزمان
كان الدليل له منه به وله                حقا وجدناه بل علما بتبيان
هذا وجودي وتشريحي ومعتقدي        هذا توحد توحيدي وإيماني
هذا عبارة أهل الانفراد به                ذوي المعارف في سرّ وإعلان
هذا وجود وجود الواجدين له            بني التجانس أصحابي وخلاني
الكلاباذي : التعرف لمذهب أهل التصوف ، تحقيق محمود النواوي ، مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة ، ط2 ، 1980م ، ص 81 :
وقال بعض الكبراء : إن الله تعالى عرفنا نفسه بنفسه ، ودلنا على معرفة نفسه بنفسه ، فقام شاهد المعرفة من المعرفة بعد تعريف المعرف بها ، ومعناه أن المعرفة لم يكن لها سبب ، غير أن الله تعالى عرّف العارف فعرف بتعريفه .  
 الكلاباذي : التعرف لمذهب أهل التصوف ، تحقيق محمود النواوي ، مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة ، ط2 ، 1980م ، ص 125 :
أنشدونا للنوري :
أريد دوام الذكر من فرط حبّه      فيا عجبا من فرط الذكر في الوجد         
وأعجب منه غيبة الوجد تارة       وغيبة عين الذكر في القرب والبعد
تعريف الطريقة الصوفية :
       هي أسلوب عملي يطلق عليها المذهب والرعاية والسلوك لإرشاد المريد عن طريق اقتفاء أثر طريقة تفكير وشعور وعمل تؤدى من خلال تعاقب مراحل المقامات في ارتباط متكامل مع التجارب السيكولوجية أو النفسية المسماة أحوال إلى معايشة تجربة الحقيقة المقدسة ، وقد كانت الطريقة تعني أولا ببساطة ذلك المنهج التدريجي للتصوف التأملي وتحرير الروح ، وقد بدأت حلقات المريدين في التجمع حول شيخ الطريقة المعترف به طلبا للتدريب خلال الاتصال أو الصحبة . (سبنسر ترمنجهام : الفرق الصوفية في الإسلام ، ص 26) .
       وبتعريف آخر فالطريقة الصوفية سلطة قوية بما تملك من مال وأتباع وسلطة روحية على المجتمع . (محمد الأمين بلغيث : السلطة في الجزائر وتونس في القرن 17م من خلال تاريخ العدواني ، الندوة الفكرية الخامسة للشيخ محمد العدواني ، الزقم / الوادي / 01 ، 02 ، 03 نوفمبر 2000م ، ص 6) .
       وفي الطريقة الصوفية يدين المريد بالولاء التام والإيمان الكامل والانقياد المطلق لشيخ الطريقة ، الذي يعد من الأولياء الصالحين في نظر المؤمنين به ، والذي يستمد نفوذه على أتباعه من القدرة الخارقة للطبيعة ، والإتيان بما يعجز عنه البشر عادة ، والاستمداد من العلم اللدني . (فيلالي مختار الطاهر : نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني ، ص 64) .
نشأتها وتطورها :
منذ العقود الأولى من العصر الإسلامي اجتمع الأتقياء والورعون حول أساتذة وشيوخ روحانيين وتحلقوا حولهم ، ثم إن هؤلاء الورعين أرادوا أن يحافظوا على آثار الشيوخ وأن يجعلوها دائمة ، وهكذا تأسست الرباطات أو حلقات الصوفية وانتشرت في الآفاق ، وتتمايز هذه الجماعات بثلاث خصائص هي :
1 – الشيخ المؤسس الذي يرجع إليه أتباعه كلهم باعتباره رئيسا للجماعة ومنظما للرابطة .
2 – الطريقة التي سنّها أو المذهب .
3 – ونوع العلاقات التي تربط بين أفراد الجماعة وهي علاقات تتوثق أحيانا وتضعف أخرى .
وتركيب هذه الخصائص الثلاثة هو الذي يعطي لكل رباط أو مشيخة أصالتها ووحدتها وقوتها ويمد كل عضو فيها بنوع من الإحساس حتى يطمئن إلى كونه منتميا إلى هذا التنظيم القار المكين . جان شوفليي : التصوف والمتصوفة ، ص 71) .
وكانت هذه الخصائص مطلوبة ، وعلى الخصوص في مناطق وعصور عمّتها الغزوات ومزقتها الحروب وفككتها خلافات الأسر المتنافسة على وراثة الحكم وقطعت أواصر العلاقات بينها الانقسامات الدينية اللاهوتية وفرقت بينها الصراعات الثقافية والحضارية ، كل ذلك ولّد مناخا باعثا على القلق فكان الانتماء إلى جماعة بنت علاقتها على الانسجام الروحي هو الذي يطمع معه أن يخفف من وطأة هذا المناخ الكئيب . (جان شوفليي : التصوف والمتصوفة ، ص 71 ، 72) .
انتشرت الطرق الصوفية عبر البلدان العربية والإسلامية ، كما ضربت جذورها في المجال الاجتماعي فضلا عن المجال الديني ، واهتمت بحاجات الشعوب الدينية وأطلقت الحرية للانفعالات الوجدانية .
وترجع تسمية هذه الطرق إلى أسماء أقطابها ومشائخها البارزين المشهورين ، وقد تخلدت أسماؤهم بنسبتها إليهم ، وربما رجعت تسمية الطرق إلى أقطابها باعتبار اجتهادهم فيها وخدمتهم لها ، فأطلق هذه التسميات مريدوهم وتلاميذهم وأتباعهم ومحبوهم ، وأغلب هذه الطرق بأسانيدها تجتمع عند إمام القوم أبي القاسم الجنيد . وإضافة الطرق إلى أسماء هؤلاء الأقطاب لم تكن بأمرهم وإنما حدثت من غيرهم لأن كل واحد من المشائخ كانت له آثار واضحة في نشاطه واجتهاده في ترتيب أذكار وتوظيف أوراد وإضافة بعض الآداب . (عبد القادر الشطي : حقيقة السلفية الوفية مذهب أهل الحق الصوفية ، مطبعة دار هومة ، الجزائر ، ط 2002م ، ص 333 ، 334) .
ومع ذلك هناك شخصيات تنتحلها معظم الطرق الصوفية وتنتسب إليها ، والاسم الرئيسي لخطوط معظم هذه الطرق هو أبو القاسم الجنيد ، كذلك البسطامي أبو يزيد والذي وجد في سلاسل فرق كثيرة مثل النقشبندية . (سبنسر ترمنجهام : الفرق الصوفية في الإسلام ، ص 37) .
       وقد أسست هذه الطرق زوايا كانت ملاذا وملجأ ومحضن تربية وتعليم  لأتباعها ومريديها ، فالزاوية عبارة عن مؤسسة تعليمية تربوية تهذيبية وثقيفية للنفوس والعقول والأرواح ، أضف إلى ذلك ما قامت به من الخدمات الاجتماعية والأعمال الإنسانية في إيواء العجزة والأرامل والأيتام والفقراء والمعوزين والغرباء وأبناء السبيل ، وبهذا دافعت الزاوية عن القيم الأخلاقية وحافظت على مقومات الهوية الوطنية وصانت عناصر الشخصية العربية في العهدين العثماني والاستعماري ، ووقفت أمام حملات المسخ والتنصير . (عبد القادر الشطي : المصدر نفسه ، ص 310) .
       وقد غدت هذه الزوايا قوى روحية واقتصادية واجتماعية ، حيث يفد إليها الحجاج والزوار ليجدوا المأوى والغطاء ومكانا للعبادة والتأمل ، وليستمعوا  إلى النصيحة والوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  . (جان شوفليي : التصوف والمتصوفة ، ص 73) .
تابع نشأة الطرق الصوفية :
إذا كان التصوف الإسلامي – الذي نشأ منذ القرن الثاني الهجري – في بدئه كان مقصورا على الحياة الزهدية القائمة على الاعتزال والتأمل فقد تطور ليصبح منهجا دينيا محددا ، واتجاها نفسيا وعقليا معينا ، وظل كذلك إلى بداية القرن الثاني عشر حيث ظهر نظام الطريقة فكان هناك الشيخ والمريد أو السالك ، ونشأت بعض الحلقات من كبار الصوفية إما في حياتهم أو بعد مماتهم .
وقد ظهر اهتمام المتصوفة بالسلاسل وخاصة بعد أن ضعف التصوف واحتاج الأمر إلى سند يجلب احترام المريدين وإعجاب الناس ، وهذه السلاسل الكثيرة التي أوردها المتصوفة تنتظم في سندها المتصوفين المعروفين من أول التصوف إلى وقت تنظير الطرق الصوفية . (فيلالي مختار الطاهر : نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني ، ص 33) .
       وقد تميزت هذه الطرق عن التصوف القديم من حيث أنها تبنت طابعا خاصا وأسلوبا معينا ومحددا في الوصول إلى الفناء والشهود ، وإذا كان بعض هذه الطرق قد أسس قبل الغزو المغولي -656هـ/1258م- فإنها تعددت وتشعبت منذ القرن الرابع عشر الميلادي في أنحاء العالم الإسلامي ، وكان أول من نادى بها وأسسها الشيخ عبد القادر الجيلاني في بغداد .
مقلاتي عبد الله : الطرق الصوفية في الجزائر أمام جدلية فاعلية حضورها الاجتماعي والسياسي ، الموقف من الاحتلال الفرنسي نموذجا ، الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة) ، جامعة أدرار ، أيام 09/10/11 نوفمبر 2008 ، ص 511 :
 ناهز عدد الطرق الصوفية في الجزائر ستة وعشرين طريقة ، منها أربعة أنشئت في العهد الاستعماري كالسنوسية والعليوية ، والباقي كان موجودا منذ العهد العثماني ، وبعضها مؤسس بالجزائر كالرحمانية والتجانية ، والبعض الآخر في المغرب كالطيبية والعيسوية والدرقاوية ، ومنها ما هو مؤسس في المشرق كالقادرية ، وأهم الطرق الصوفية التي ذاع صيتها في الجزائر : القادرية ، الشاذلية ، الدرقاوية ، الرحمانية ، التجانية ، السنوسية .
نشأة الطرق الصوفية بالجزائر والمغرب العربي :      
أما بالنسبة للجزائر فقد بدأت تظهر فيها الطرق الصوفية منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي ، ثم أخذت تنمو وتتسع حتى انتشرت على نطاق واسع في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي والربع الأول من القرن التاسع عشر الميلادي ، وأهم هذه الطرق : القادرية ، الرحمانية ، التجانية ، درقاوة الشاذلية .
(فيلالي مختار الطاهر : نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني ، ص 34) .
       يجمع العديد من العارفين بخبايا التصوف أن الحركة الصوفية قد شاعت بالمغرب العربي منذ القرن الخامس الهجري أثناء حكم المرابطين حيث انتشرت آراء أبي حامد الغزالي من خلال كتابه (إحياء علوم الدين) الذي تعرض للحرق والإتلاف بأمر من علي بن يوسف بن تاشفين (477 هـ/537 هـ) ، وبرغم هذا يبدو أن ظاهرة التصوف قد رسخت في صفوف المجتمع المغاربي ، بل ازداد تمتن قوتها أيام الموحدين ، إذ نلاحظ أن كبار صوفيي المغرب العربي عاشوا تقريبا في عهد الموحدين . (محمد الشريف سيدي موسى : جذور التصوف ببلاد المغرب والجزائر ، الندوة الفكرية الخامسة للشيخ محمد العدواني / الزقم / الوادي 01/02/03 نوفمبر 2000م ، ص 3 ، 4) .
       وازدهرت الحركة الصوفية بالجزائر بتأثير الزاهد الأندلسي أبومدين شعيب بن الحسين (520 هـ/594 هـ) الذي يعد شيخ الصوفية دون منازع بكل الأقطار المغاربية والأندلس في القرن 6 هـ/12م وعمدة التصوف السني .
ومن أقطاب التصوف الذين وفدوا على الجزائر بعد أبي مدين شعيب نجد محي الدين بن عربي (560 هـ/638 هـ) الذي يعد قطبا من أقطاب التصوف الفلسفي في عهد الموحدين بل في العالم الإسلامي أجمع ، ومن مدينة بجاية واصل ابن عربي طريقه صوب المشرق حيث دخل مصر في أواخر القرن السادس الهجري ، لكن المصريين نقموا عليه وعملوا على إراقة دمه نظرا لآرائه الفلسفية الصوفية حول وحدة الوجود ، وهناك أقطاب آخرون نذكر منهم علي بن عبد الله الششتري (668 هـ) والصفي عبد الحق بن شعيب (669 هـ) . (محمد الشريف سيدي موسى : المرجع نفسه ، ص 4) .   
       ومع القرن 8 هـ/14 م كانت الحركة الصوفية قد قامت بدور أساس في رسم معالم الحياة الدينية والاجتماعية في الجزائر والأقطار المغاربية ، ولم تعد هذه الحركة منذ ذلك القرن تقتصر على جماعة من الزهاد والمتصوفين بل تغلغلت في التقاليد الشعبية وأصبح المتصوفة يبحثون عن أماكن للخلوة والعبادة في المدن والبوادي والقرى ، وانتشرت ألقاب مثل الولي والغوث والقطب وعلم الحقيقة ، وبدأ الناس ينخرطون في الزوايا ويؤمنون بالأولياء وكراماتهم ويندفعون إلى زيارة المقابر ، وأصبح المتصوفة يمثلون قوة روحية ، وقد صاحب كثرة المتصوفة بالجزائر شيوع الطرق الصوفية . (محمد الشريف سيدي موسى : المرجع نفسه ، ص 4 ، 5) .
       ويبدو أن الطرق الصوفية التي نشأت في العهد العثماني كانت بمثابة حركات مناهضة للسلطة العثمانية ، حيث لمست منها الظلم والاضطهاد والجشع . (فيلالي مختار الطاهر : نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني ، ص 57) .
       والطرق الصوفية كثيرة في الجزائر العثمانية ، وبقيت كثيرة خلال القرن التاسع عشر كله ، وهذه الطرق كانت تنكمش على نفسها عند قوة الدولة ، وتنفتح في نفسها وتنتفش وتعظم عندما تضعف الدولة أو يحدق بالمسلمين خطر الكافر ، فعلت ذلك في العهود السالفة ، وأظهرت نفسها كذلك في عهد بوجو بالذات ، فإلى جانب الفوضى السياسية التي كانت عليها الجزائر في هذا العهد ، كان هناك الظلم والاضطهاد والجور على الدين وعلى العباد ، مما جعل هذه الطرق تسفر عن وجهها كواجهة للدفاع عن الإسلام المهدد والمسلمين المتضررين . سعد الله أبو القاسم : الحركة الوطنية الجزائرية ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، ط1 ، 1992م ، ج1 ، ص298) .
       ومن أكثر المصادر التي نهل منها التصوف بالمغرب العربي كتاب الرعاية لحقوق الله للحارث بن أسد المحاسبي ت 243هـ وقوت القلوب لأبي طالب المكي ، والرسالة القشيرية لأبي القاسم القشيري ت 456هـ وإحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي ت 505هـ ، وهي مصنفات في التصوف السني تطرح الخطوات التي يقطعها السالك بواسطة المجاهدات للوصول إلى النجاة كما حددها المحاسبي وإلى تقويم النفس وتهذيبها عن طريق الإرادة والرياضة لبلوغ مرتبة الأنبياء والصديقين والصلحاء ، ثم النزوع إلى الكشف عن عالم الغيب وهي مرحلة فراغ القلب عما سوى الله كما تبينها الرسالة القشيرية وإحياء علوم الدين ، وقد أصبحت هذه المصنفات منذ النصف الثاني من القرن 5هـ/11م متداولة بين القراء في حلقات الدرس بتلمسان وبجاية وقلعة بني حماد . (الطاهر بونابي : نشأة وتطور الأدب الصوفي في المغرب الأوسط ، حوليات التراث ، مجلة دورية تصدرها كلية الآداب والفنون ، جامعة مستغانم ، العدد 02 ، سبتمبر 2004 ، ص 6) .
عوامل انتشار الطرق الصوفية بالجزائر :
       يعود انتشار هذه الطرق بالجزائر إلى عوامل أهمها :
1 – أن الشعب بدأ ينبذ سلطة المرابطين الذين لم يعودوا يعبرون عن شعور القبيلة ومصلحتها ، بالإضافة لانغماسهم في الترف .
2 – اضطهاد الحكم العثماني للشعب وإرهاقه بالضرائب ، مما جعله يبحث عن قوة جديدة تحميه ويلتف حولها ، فوجدذلك في الطرق الصوفية التي لم يقتصر نشاطها على نطاق القبيلة الواحدة بل اتسع ليشمل عشرات القبائل والعشائر .
3 – غالبا ماكان مؤسسوا الطرق من الأشراف أو ادعوا الشرف مما جعل الناس يتسابقون على الانتماء إليهم واتباع تعاليمهم باعتبارهم من الدوحة النبوية ، وبذلك ازداد أتباعهم بكثرة .
4 – حدوث تطور اجتماعي في عقلية أبناء القبيلة ، فعضو القبيلة لم يعد ينحصر أفقه في نطاق القبيلة فحسب ، وإنما أصبح يشعر ويتحسس – ولو بطريقة بسيطة – الانتماء للوطن لا للموطن ، ومما يوضح ذلك مشاركته في الثورات ضد الحكم العثماني كثورة درقاوة سنة 1805م في الغرب ، وثورة ابن الأحرش سنة 1803م في الشرق ، وثورة التجانية سنة 1825م في الجنـوب الغربي ، ومن ثم فإن الطـرق الصوفية مهدت للوحدة الوطنية التي أخذت شكلها النهائي على يـد الأمير عبد القادر .
 5 – اتخاذ كافة الطرق الوسط الريفي ميدانا لنشاطها - لصلاحيته لنشر الدعوة واكتساب الأتباع بحكم ضعف المستوى العقلي لسكان الريف – ساعد على انتشارها وتوسعها ، وفي الوقت نفسه ضمنت الابتعاد عن أنظار ومراقبة السلطة العثمانية .
6 – اعتماد مؤسسي الطرق وسيلة الإغراء من الكرامات والغفران لكل من تبعهم ، والتي أثرت على العقول وجعلتها تتقبل هذه الطرق وتدافع عنها بكل ثقة وإيمان ، وبذلك حققت هذه الطرق التوسع والانتشار وكسب الأنصار ، وضمنت لنفسها الاستمرار والنفوذ .
       لهذه العوامل توسعت الطرق الصوفية وانتشرت على نطاق واسع وحققت نجاحا كبيرا جعلها تتمتع بالسلطتين الروحية والزمنية في البلاد . (فيلالي مختار الطاهر : نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني ، ص 59 ، 60 ، 61) .
       ومن العوامل الهامة في انتشار الطرق الصوفية بالجزائر أنها (أي الطرق الصوفية) سُميت بأسماء أقطابها ومشائخها البارزين المشهورين ، الذين كانت لهم آثار واضحة في جهادهم واجتهادهم من ترتيب أذكار وتوظيف أوراد وإضافة بعض الآداب ، يقول عبد القادر الشطي : " ولعل هذه التسميات أيضا (الشاذلية أو الخلوتية أو القادرية أو العزوزية أو الطيبية أو الرحمانية أو الهبرية أو التجانية أو الدرقاوية) ترجع إلى أقطابها باعتبار اجتهادهم فيها وخدمتهم لها ، فأطلق هذه الأسماء مريدوهم وتلاميذهم وأتباعهم ومحبوهم . " . (عبد القادر الشطي : المصدر السابق ، ص 334) .
دور الطرق الصوفية في الحفاظ على الهوية الثقافية الوطنية :
       إن الطرق الصوفية التي عرفتها الأقطار المغاربية - وبعضها من أصول مشرقية وأخرى وليدة البيئة المغاربية - طبعت المجتمع والبيئة الجزائرية بصفة خاصة بطبوع الزهد والتقشف والميل إلى الخلوة وترك الدنيا ، ثم مافتئت هذه الطرق أن تحولت إلى زيارة المقابر والكلام في الغيبيات والركون إلى الذكر والتهجد . (محمد الشريف سيدي موسى : جذور التصوف ببلاد المغرب والجزائر ، الندوة الفكرية الخامسة للشيخ محمد العدواني / الزقم / الوادي 01/02/03 نوفمبر 2000م ، ص 7) .
       إن الطرق الصوفية التي عرفتها الجزائر كثير منها تصدى للغزو النصراني والخطر الصليبي منذ القرن 15م وما بعده ، حيث قامت بدور الحامي للديار الإسلامية في غياب السلطة المركزية القوية في تلك الأثناء ، كما استطاعت الطرق الصوفية بفعل زواياها ومريديها أن تحافظ على مقومات الشخصية العربية الإسلامية للأقطار المغاربية عامة وللجزائر بصفة خاصة ، وفي هذا المجال نذكر الرسالة التي وجهها عبد الرحمان الثعالبي إلى العلماء والمريدين بالثغور الجزائرية ببجاية وغيرها يطالبهم فيها بالدفاع عن أراضيهم وأنفسهم . (محمد الشريف سيدي موسى : المرجع نفسه ، ص  6 ،7) .
       لقد قام المتصوفة بدور كبير في حياة الناس وخاصة في العهد العثماني حيث ملؤوا الفراغ الذي كان سائدا في المجتمع الريفي المنعزل عن الحكومة التي أهملت جانبه سواء في ميدان الرعاية أو التعليم والتوجيه ، فكانت الطرق الصوفية هي البديل عن الحكومة حيث عملت على تحقيق الوحدة الوطنية بين أفراد الشعب وهو ما أهمله الأتراك ، كما عملت على تحقيق السلام والأمن والاستقرار بين القبائل ، فكانت تتدخل في حسم الخلاف بين القبائل كلما نشبت حرب بينها ، كما عملت على توفير التعليم وإطعام الفقراء والمعوزين والعجزة ، وهو الدور الذي كان ينتظر في ميدان الرعاية والتعليم من السلطة العثمانية . (فيلالي مختار الطاهر : نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني ، ص 62 ، 63) .
       ويذكر للطريقة الرحمانية التي صعدت سلطتها في منطقة الشرق الجزائري وخاصة الريف القسنطيني ، يذكر لها أنها قامت بدور محوري في نشر التضامن بين سكان المنطقة ونشر العلم والتآخي . (محمد الأمين بلغيث : السلطة في الجزائر وتونس في القرن 17م من خلال تاريخ العدواني ، الندوة الفكرية الخامسة للشيخ محمد العدواني ، الزقم / الوادي / 01 ، 02 ، 03 نوفمبر 2000م ، ص 6 ، 7) .
       ومما يذكر كذلك أن الطريقة الرحمانية تزعمت الثورات في العهد الفرنسي وساندت الطرق الأخرى ، وخاصة في ثورة المقراني 1871م ، وقد تميزت دون الطرق الأخرى باهتمامها الكبير بنشر التعليم في زواياها . (فيلالي مختار الطاهر : المصدر السابق ، ص 45) .
       إن معظم الطرق الصوفية قد تعاونت بين 1830م-1848م على صد العدو المشترك ، وإذا رجعنا إلى الأحداث العسكرية التي ذكرناها وجدنا الطرق الصوفية حاضرة فيها تقريبا . (سعد الله أبو القاسم : الحركة الوطنية الجزائرية ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، ط1 ، 1992م ، ج1 ، ص283) .
       رأينا إذن كيف أن الطرق الصوفية على العموم كانت ما تزال في عنفوانها وكانت في أغلبها تقود حركة الجهاد ضد الفرنسيين كما كانت تقودها ضد القرصنة الأوربية والتهجمات الإسبانية خلال العهد العثماني . (سعد الله أبو القاسم : المصدر نفسه ، ج1 ، ص388) .
       كذلك احتفظت الطريقة التجانية بالتأثير الروحي والسيطرة على القلوب والنفوس إبان الحقبة الاستعمارية ، وقاومت كل المغريات لكي تحافظ على عقيدتها في التصوف . (سعد الله أبو القاسم : الحركة الوطنية الجزائرية ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، ط1 ، 1992م ، ج1 ، ص299) .
كان لمجموع هذه الطرق مواقف مشرفة في خدمة الإسلام والدفاع عن حوزته ضد الاستعمار الأوربي (الديني والسياسي) ولاسيما بأواسط إفرقية وغربها حيث تنتشر الوثنية وتشتد الدعوة إلى التبشير بالمسيحية فكانت هذه الطرق خير وسيلة لنشر الإسلام إلى تلك الأصقاع النائية . (عبد الرحمان الجيلالي : تاريخ الجزائر العام ، ج3 ، ص 252 ) .
وقد تركت الطرق الصوفية كثيرا من المؤلفات والكتب والرسائل التي أبقت على جذوة المبادئ والأفكار التي حملتها في نفوس المريدين ، فبقدر ما سيطرت روح التصوف على الحياة العلمية والاجتماعية في الجزائر خلال العهد العثماني ، بقدر ما كثر إنتاج العلماء في هذا الميدان ، فنحن نجد الكثير من الكتب والرسائل والتقاييد والمنظومات التي تتناول التصوف كالأذكار والأوراد والردود والمناقب والمواعظ والحكم والشروح الخاصة بقصائد صوفية ، والمدائح النبوية التي تنظر إلى النبي عليه السلام وسيرته نظرة صوفية روحانية . (أبو القاسم سعد الله : تاريخ الجزائر الثقافي ، ج2 ، ص117) .
ومن الناحية الأدبية فقد تركت الطرق الصوفية الكثير من الآداب الصوفية متمثلة في المدائح النبوية ، رسائل الشوق إلى الأماكن المقدسة ، الأحزاب والأوراد ، التوسلات ، الحِكـم ، المكاتبات والرسائل ، الحكايات الكرامية ، شعر الزهد ، شعر التصوف السني ، شعر التصوف الفلسفي . (الطاهر بونابي : نشأة وتطور الأدب الصوفي في المغرب الأوسط ، حوليات التراث ، مجلة دورية تصدرها كلية الآداب والفنون ، جامعة مستغانم ، العدد 02 ، سبتمبر 2004 ، ص 1) .
الطريقة القادرية
محمد حوتية : الطرق الصوفية بإقليم توات وغرب إفريقيا خلال القرنين 18/19م ، الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة) ، جامعة أدرار ، أيام 09/10/11 نوفمبر 2008 ، ص 446 ، 447 :
ومن أهم مظاهر وأنشطة الطريقة القادرية الورد القادري ، ويتكون أساسا من عدد معين من الركعات يقرأ في أولها فاتحة الكتاب مع سورة معينة وبعد التسليم من الصلاة يقرأ آيات محددة من القرآن ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو دعاء عاما يخص في نهايته مؤسس الطريقة القادرية عبد القادر الجيلاني وعندها ينتهي الورد ، وأما كيفية أدائه فإنهم يقرؤون في الركعة الأولى سورة الكوثر ستا وفي الثانية سورة الكافرون ستا وفي الثالثة سورة الإخلاص ستا وفي الرابعة سورتي المعوذتين مرة وفي الخامسة (آية الكرسي) مرة وفي السادسة (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل) مرة ، ويذكرون في المسجد قوله تعالى (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري) ثم يقول (اللهم إني أستودعك ديني وإيماني فاحفظهما علي في حياتي وعند وفاتي وبعد مماتي) ، كما سجل أتباع الطريقة القادرية ما حث عليه النبي عليه السلام عمه العباس في صلاة التسبيح وهي أن يصلي أربع ركعات في كل ركعة يقرأ الفاتحة وسورة ، ويقول بعد قراءة السورة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمسة عشرة مرة ، وفي الركوع والرفع منه وبين السجدتين في كل ركعة عشرة ، ومن نسي بعض ذلك جاء به في الركن الذي بعده .
الطريقة القادرية :
خير الدين شترة : الصلات الروحية بين الطرق الصوفية في المغرب العربي (الجزائر وتونس أنوذجا) ، الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة) ، جامعة أدرار ، أيام 09/10/11 نوفمبر 2008 ، ص 405 :
القادرية أساس ومنطلق كل الطرق الصوفية في الجزائر ، فالمدينية (نسبة إلى أبي مدين شعيب بن الحسين) تفرعت عن القادرية ، وتفرعت عن المدينية الطريقة الشاذلية ، وعن الشاذلية تفرعت طرق كثيرة كالدرقاوية والجزولية واليوسيفية والعيساوية والشيخية والطيبية والحنصالية ، وإن كانت الشاذلية قد تفرعت عن القادرية إلا أنها أخذت منحى صوفيا يختلف عن المنحى الصوفي القادري .
خير الدين شترة ، ص 406 :
وشيوخ القادرية في الجزائر كثيرون ، ومن أشهرهم محمد الهاشمي الشريف بن إبراهيم بن أحمد الذي ولد سنة 1853م في نفطة بتونس ، وتلقى تعليمه على يد والده ، وبتوجيه من والده شيخ الطريقة القادرية على منطقة الجريد التونسي انتقل إلى ناحية الوادي واستقر بها سنة 1892م ، وأسس زاوية قادرية واستمر في نضاله إلى أن توفي عام 1923م وهو دفين مدينة البياضة بالوادي ، وكذا ابنه عبد العزيز الشريف (1899-1965م) .
خير الدين شترة ، ص 407 :
وقد سن الهاشمي الشريف سنة حسنة تتمثل في أن على من يتولى من أبنائه بعده شؤون الزاوية أن يكون متخرجا من جامع الزيتونة ، وهذه السنة جديدة على أهل الطرق الصوفية ، وبالفعل كان وريثه ابنه عبد العزيز الشريف متخرجا من الزيتونة .
خير الدين شترة ، ص 406 :
ومعظم زوايا الشرق الجزائري والجنوب ذات صلة بزاوية نفطة والكاف القادريتين ، ومؤسس زاوية نفطة هو أبوبكر بن أحمد الشريف ، وقد تطورت الزاوية بفضل جهود إبراهيم بن أحمد الشريف النفطي ، وقيل إن تأثيره وصل سنة 1897م إلى غدامس وغات والجزائر وعين صالح وتوات وتيديكلت ، وله أتباع في بلاد الطوارق .
خير الدين شترة ، ص 406 :
ترك إبراهيم أولادا تقاسموا بركة والدهم على النحو الآتي : الأكبر منهم وهو محمد تولى الزاوية الأم بنفطة ، وأسس الهاشمي زاوية عميش (البياضة) بوادي سوف ، وأصبح نائبا لأخيه ، ونشط الهاشمي في تجنيد الأتباع ونشر الطريقة إلى أقصى الجنوب وربط علاقات مع السودان وغات .
خير الدين شترة ، ص 406 :
أما في تونس فإن الإخوة أسسوا بالإضافة إلى نفطة زوايا في المدن الآتية : قفصة (محمد العربي) الكاف (محمد الأزهر) قابس (الحاج أحمد) ، وهكذا نرى أن زاوية نفطة القادرية قد تفرعت إلى هذه الفروع الكثيرة والتي ترجع إلى عائلة واحدة ، ولاشك أن انتشار هذه الفروع كان بإذن وترخيص من الفرنسيين ، أما زاوية الكاف فقد أسسها محمد المازوني (الميزوني) ، وقد لعبت دورا متعدد الجوانب .
خير الدين شترة ، ص 406 ، 407 :
وهناك شخصية قادرية غريبة جسدت طبيعة التواصل الروحي الذي كان قائما بين زوايا القطرين ، ونعني بها الضابط ديبورتر الذي أصبح يُدعى المواطن الصحراوي ، والذي عمل سنوات في صحراء الجزائر وتونس سيما في بسكرة ووادي سوف وغرداية وتوزر وقابس وقبلي ، وديبورتر من مواليد فرنسا ، وهو ابن أحد المستوطنين الفرنسيين في قسنطينة ، وتعلم العربية في الوادي وتوزر ، ثم دخل مصلحة الشؤون الأهلية وتولى إدارة المكتب العربي في عدة مناطق كان آخرها في الوادي سنة 1881م ، ومن هناك شارك في الحملة ضد تونس واحتلالها عن طريق الجريد وتمغزة ، وأثناء عمله في الوادي وتوزر ربط علاقات صداقة مع محمد الكبير بن إبراهيم شيخ زاوية نفطة القادرية .
كان تأسيس أول زاوية قادرية في دمشق في مستهل القرن الخامس عشر . سبنسر ترمنجهام : الفرق الصوفية ، ص 82 .    
وتسمى بالطريقة الجيلانية ، وتنتسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي أسسها في القرن 5 هـ في بغداد ، ومن أهم مبادئها توازي التصوف والشريعة فكل حقيقة لا تشهد بصحتها الشريعة فهي زندقة ، وتؤكد على الطهارة بنوعيها الظاهرة والباطنة . (ممدوح الزوبي : الطرق الصوفية ، ظروف النشأة وطبيعة الدور ، الأهالي للتوزيع ، دمشق ، ط1 ، 2004م ، ص 111) .
       إنها أول طريقة دينية صوفية ظهرت في العالم الإسلامي وسميت بالقادرية نسبة إلى مؤسسها الشيخ محي الدين أبي محمد عبد القادر الجيلاني بن أبي موسى الحسني المولود في جيل أو جلان بالقرب من بغداد عام 471هـ/1078م والمتوفى عام 561هـ/1166م ببغداد . (فيلالي مختار الطاهر : نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني ، ص 35) .
التعريف بمؤسس الطريقة :
       هو عبد القادر أبو محمد محي الدين بن أبي صالح عبد الله ، وقيل ابن أبي موسى جنكي دوست الجيلاني ، نسبة إلى مدينة جيلان (وراء طبرستان) ، ولد بجيلان عام 1077م وجاء إلى بغداد عام 488 هـ / 1095م حيث درس الفقه الحنبلي ، ويقال أنه لم يهتم بالصوفية حتى حضر مجلس الشيخ أبو الخير حمد الدباسي .
في عام 521 هـ 1127م أي عندما جاوز الخمسين من العمر أصبح من أشهر علماء بغداد في الفقه الحنبلي ، ثم لبس لباس الصوفية وبنى لنفسه مدرسة عام 528 هـ / 1135م ، ومما يجدر بالذكر أنه لم ينضم أحد إلى طريقته خلال حياته ، وبعد وفاته بدأ الناس يسيرون على نهجه ، وقد أخذ المريدون بنشر الطريقة فكان لها مواقع كثيرة في العالم الإسلامي ومنه شمال إفريقيا . توفي الشيخ عبد القادر سنة 561 هـ ودفن في مدرسته ببغداد . (ممدوح الزوبي : الطرق الصوفية ، ظروف النشأة وطبيعة الدور ، الأهالي للتوزيع ، دمشق ، ط1 ، 2004م ، ص 111 ، 112) .
       كان الجيلاني ملجأ للبؤساء حيث ظل طوال حياته متواضعا ورحيما بالآخرين وسندا للفقراء والمساكين ، لقب بألقاب كثيرة تدل على شعبيته كسلطان الأولياء وسلطان الصالحين والغوث وقطب الأقطاب ، ونسبت إليه بعد مماته كرامات لا تحصى ، وقد ترك عددا من المؤلفات في ميداني التصوف والشريعة ، وكان يفتي في القضايا المختلف فيـها في المذهبين الشافعي والحنبلي ، وقد انتهت إليه الإمامة في العراق . (فيلالي مختار الطاهر : نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني ، ص 35 ، 36) .
       وفي شأنه ألّف أبو عبد الله محمد المكي بن مصطفى بن عزوز الحسني الإدريسي كتابه (السيف الرباني في عنق المعترض على الغوث الجيلاني) ، وفيه ردّ على من نفى اتصال عبد القادر الجيلاني الحسني بالأصل النبوي والشرف المصطفوي ، وعلى من نفى كراماته ، وكتب هذا الكتاب بعد استشارة محمد بن أبي القاسم الشريف ، ومما قال : " أجمع أهل الصدق من أصحاب الخرقة ورجال الطريقة على أن الشيخ عبد القادر رحمه الله من كُمّل صوفية عصره ومن أهل المجاهدات ، إلا أنه ابتلي بجماعة من أحفاده وأتباعه فكدروا مشرب طريقته ودسوا عليه العظائم ونقلوا عنه ما لاينقل من الكلمات المكفرة ، وكل الظن أنه بريء الساحة منها لما شاع عنه من صلاح الحال وصحة المقال . " . (أبو عبد الله محمد المكي بن مصطفى بن عزوز الحسني الإدريسي : السيف الرباني في عنق المعترض على الغوث الجيلاني ، المطبعة الرسمية التونسية ، سنة 1310هـ ، ص 45) .
انتشارها :
       كانت القادرية أول طريقة منظمة دخلت مراكش بواسطة الشيخ أبو مدين الغوث ، الذي قابل عبد القادر الجيلاني في بغداد بعد أداء كل منهما فريضة الحج وأخذ عنه أسس هذه الطريقة .
       وقد سيطرت القادرية عقب دخولها المغرب العربي على الحياة الدينية والاجتماعية مما جعل المنطقة مستعدة لاستقبال أي طريقة جديدة وهذا ما مهد لانتشار الطريقة التجانية التي أسسها الشيخ أحمد التجاني في أواخر القرن 18 م .
       انتشرت القادرية في النيجر على يدي الفقيه محمد الأنصاري وذلك في أوائل القرن 12 هـ ، وبعد وفاته خلفه الشيخ مختار الكنتي (1811م) الذي كان لجهوده ومؤلفاته الأثر الكبير في انتشار القادرية في مناطق غرب إفريقيا والصحراء الكبرى . (ممدوح الزوبي : الطرق الصوفية ، ظروف النشأة وطبيعة الدور ، الأهالي للتوزيع ، دمشق ، ط1 ، 2004م ، ص 113 ، 114) .
أرسل إبراهيم الهاشمي من الجريد التونسي ابنه محمد الهاشمي الشريف (1853/1923م) في الثمانينيات من القرن 19م للقيام بدور الجهاد في الجزائر . وفور وصول الشيخ محمد الهاشمي الشريف قام بدعوة سكان وادي سوف إلى مواجهة الفرنسيين مقتديا بموقف جدّه الشيخ أحمد الشريف الذي ناصر الأمير عبد القادر في محاربته العدو الفرنسي .
كذلك قام الشيخ محمد الهاشمي بهدة اعميش في الوادي عام 1918م .
وبعد وفاة محمد الهاشمي الشريف تولى أمر الجهاد بعده أخوه عبد العزيز الشريف .
ــــــــــــــــــ
1 – عميراوي احميدة : من مصابيح الثورة التحريرية في الصحراء الجزائرية ، مجلة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية ، قسنطينة ، أوت 2003م ، العدد 14 ، ص 107، 108 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تابع انتشار القادرية :
       انتشرت الطريقة في المغرب العربي عن طريقين هما مصر والأندلس ، حيث استقر في مصر أحد أبناء الشيخ عبد القادر وهو الشيخ عيسى مؤلف كتاب (لطائف الأنوار) في التصوف ، أما عن طريق الأندلس فقد قامت ذرية ولديه إبراهيم وعبد العزيز بدور كبير في نشر تعاليم القادرية في المغرب العربي بعد هجرتهم من الأندلس إلى فاس  ، ويذكر أن إبراهيم بن عبد القادر الجيلاني قد جاء من المشرق مباشرة إلى فاس ومنها انتقل إلى منطقة الأوراس بالجزائر لنشر تعاليم الطريقة وهو الذي أسس زاوية المنعة بها . (فيلالي مختار الطاهر : نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني ، ص 37) .
تابع الطريقة القادرية :
تعتبر طريقة عبد القادر الجيلاني من أقدم الطرق الدينية في الجزائر ، وأصل هذا المرابط المقدس في الأقطار الإسلامية من بغداد . (ادوارد دو نوفو : دراسة اثنولوجية حول الجماعات الدينية عند مسلمي الجزائر ، ترجمة وتحقيق كمال فيلالي ، دار الهدى ، عين مليلة ، ط2003م ، ص 29) .
لم يكثر أتباع الطريقة القادرية بمقاطعة الشرق قسنطينة عكس مقاطعة وهران التي تواجد بها عدد كبير من أتباعها . (ادوارد دو نوفو : دراسة اثنولوجية حول الجماعات الدينية عند مسلمي الجزائر ، ص 32 ) .
الطريقة الدرقاوية :
مقلاتي عبد الله : الطرق الصوفية في الجزائر أمام جدلية فاعلية حضورها الاجتماعي والسياسي ، الموقف من الاحتلال الفرنسي نموذجا ، الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة) ، جامعة أدرار ، أيام 09/10/11 نوفمبر 2008 ، ص 512 ، 513 :
أصل الطريقة الدرقاوية شاذلي ومؤسسها محمد العربي الدرقاوي المتوفي عام 1823م ، أعطت دفعا جديدا للشاذلية بفضل حيويتها ، لها عدة فروع منتشرة في الجزائر منها :
- الهبرية : ولدت نتيجة حركة نشطة في الجماعات الصوفية في مناطق غرب الجزائر وخاصة في مدغرة وسعيدة ومعسكر وتيهرت ، ومن منشطيها الأساسيين محمد الهبري المتوفي عام 1901م وصاحب زاوية وادي كيس في بني سناسن .
- المدنية : تأسست في طرابلس ، وأدخلها للجزائر موسى الدرقاوي الذي قاد عدة ثورات ضد الفرنسيين بدء من عام 1833م وإلى غاية استشهاده عام 1849م .
- العليوية : تنسب لأحمد بن مصطفى بن عليوة المستغانمي ، وهي طريقة متأخرة الظهور .
الطريقة التجانية :
شيخ الطريقة :
       أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار التجاني ولد في 1737م/1150هـ في عين ماضي جنوب الجزائر ، أصبح مقدما للخلوتية ، والقصة التالية توضح كيف تلقى الدعوة في تلمسان عام 1782م/1196هـ ليؤسس فرقته المستقلة ، وفيها منحه الرسول عليه السلام الإذن لدخول الطريقة أثناء فترة هروبه من الاحتكاك بالجمهور ، وأُعطي الإذن عندما كان في حالة بين الاستيقاظ والنعاس لتعليم وتدريب المريدين كافة ، كما مُنح الورد الذي كان عليه أن ينقله . سبنسر ترمنجهام : الفرق الصوفية ، ص 173 ، 174 .
بعد هذا الحدث توجه إلى الصحراء ، ويبدو أنه وقع في مشاكل مع السلطات التركية ، واستقر في واحة بو سمعون ، وفي 1787م/1200هـ  استقبل إلهامه النهائي (الفتح) ، وانتقل إلى مراكش ليبدأ دعواه الواسعة في مدينة فاس حيث استقبله بحفاوة السلطان سليمان وظل هناك حتى وفاته في 1815م . سبنسر ترمنجهام : الفرق الصوفية ، ص 173 ، 174 .
لم يفرض التجاني أية عقوبات تكفيرية أو رياضات روحية أو فترات اعتكاف ، ولم تكن الشعائر معقدة ، وقد أكد فوق كل شيء الحاجة إلى وسيط بين الله سبحانه وبين الإنسان ، وأن وسيط العصر هو شخصيا وخلفاؤه من بعده ، أما أتباعه فلم يُمنعوا فقط من إعطاء عهد الولاء لأي شيخ بل مُنعوا كذلك عن القيام بأي توسلات لأي ولي آخر خلافه . سبنسر ترمنجهام : الفرق الصوفية ، ص 175 .
ورغم أن أحمد دفن في فاس حيث أصبح ضريحه مزارا فإن اتجاه الفرقة تحرك إلى مركزين بالجزائر حيث اختار أحمد مقدم زاوية تمهولت (بالقرب من تماسين) علي بن عيسى (ت 1844م) كخليفة له ، وأوصى بأن الخلافة يجب أن تكون متبادلة بين عائلته وعائلة علي بن عيسى ، وقد شجع علي أبناء أحمد على جعل عين ماضي موطنهم عندما توفي . سبنسر ترمنجهام : الفرق الصوفية ، ص 177 .
لم يحدث انشقاق خطير في الفرقة حتى وفاة محمد العيد بن علي بن عيسى عام 1876م حين انفصلت المجموعتان عقب جدال حول الخلافة ، وكانت النتيجة أن هذين المكانين (عين ماضي وتماسين) أصبح لهما سلطة محلية مباشرة ، وقد استقلت المجموعات بنفسها في كل أنحاء إفريقيا ، ولكن توسع الفرقة وانتشارها لم يضعف نتيجة لذلك ، ومع بداية القرن العشرين أصبحت الفرقة التجانية من أهم الفرق الصوفية في مراكش والجزائر . سبنسر ترمنجهام : الفرق الصوفية ، ص 178 .
وانتشرت الفرقة جنوبا في الصحراء الكبرى غربي السودان وبعد ذلك في السودان أعالي النيل ثم في وسط السودان ، واستقر الكثير من المغاربة التجانيين المسافرين إلى الحج في القاهرة والسودان النيلي وأدخلوا فرقتهم ، وكان أي فرد يبدي استعداده لنشر الطريقة يتم تعيينه مقدما ، أما خارج إفريقيا فإن الولاء للتجانية كان قليلا ، ورغم أنها حصلت على زاوية في مكة إلا أنه انضم إليها بعض السودانيين الغربيين المستقرين هناك وكذلك بعض المهاجرين . سبنسر ترمنجهام : الفرق الصوفية ، ص 178 ، 179 .
سعيدة زيزاح : ظاهرة الطرق الصوفية بالجزائر (الطريقة التجانية نموذجا) ، الملتقى الدولي الحادي عشر (التصوف في الإسلام والتحديات المعاصرة) ، جامعة أدرار ، أيام 09/10/11 نوفمبر 2008 ، ص 566 :
وترك رسائل هامة في مختلف المواضيع وشرحا لقصيدة همزية البوصيري ومؤلفين هامين هما : (جواهر المعاني) الذي كتبه تلميذه علي حرازم من إملاء أحمد التجاني ، وثانيهما (الجامع) وقد كتبه تلميذه محمد بن المشري الجزائري ، والكتابان مصدران للطريقة التجانية ، وأوصى أحمد التجاني قبل وفاته بنقل ولديه أحمد الكبير ومحمد الحبيب من فاس إلى عين ماضي ليواصلا مسيرة أبيهم في التعليم والتربية ، وقد نفذت وصيته وانتقل ولداه إلى عين ماضي بمساعدة خليفة أبيهما علي التماسيني .
سعيدة زيزاح ، ص 569 :
ينحدر سكان عين ماضي من قبيلة بني توجين التي سكنت منطقة بني راشد بالونشريس ثم هاجرت إلى عين ماضي لظروف تاريخية ، واشتق اسم التجانية من اسم هذه القبيلة ، ولا يزال يحمله أشراف عين ماضي إلى اليوم .
سعيدة زيزاح ، ص 570 :
لقد كانت الحركة التعليمية في عهد أحمد التجاني تحتضر حيث أصبحت منحصرة في مراحلها القائمة على حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية ومبادئ التصوف لا سيما داخل المؤسسات التابعة للطرق الصوفية ، والتي وإن ساهمت بقسط كبير في تعليم العامة من الناس مبادئ القراءة والكتابة والحفاظ على اللغة العربية والدين الإسلامي إلا أنها ساهمت بقسط في غلق دائرة علم التصوف الذي لم يخرج عن مجال الأوراد والأذكار وعمّت البدع وانتشرت ظاهرة الدروشة .
سعيدة زيزاح ، ص 578 :
التنظيم الهيكلي للطريقة التجانية :
للطريقة التجانية تنظيم هيكلي هرمي بداية بالخليفة العام أو شيخ الطريقة ثم المقاديم ثم الأتباع وكذا الزوار لكل وظيفته .
1 - الخليفة العام : يعرف بشيخ الطريقة وشيخ الزاوية ، فشيخ الطريقة هو المؤسس لها ، والخليفة العام يعين ويكون من أحفاد شيخ الطريقة ، أو يزكى من طرفهم .
وتكون المبايعة في مسجد الزاوية التجانية بعين ماضي ، والذين يتعذر عليهم المجيء لمسقط رأس أحمد التجاني يبعث بالمبايعة كتابيا أو مع ممثليهم .
ووظيفته تتمثل في أنه المشرف العام على جميع أتباع التجانية داخل الوطن وخارجه ، فهو المسؤول المباشر على شؤون الطريقة وشؤون الزاوية التجانية ، وهو صاحب الحل والعقد فيها .  
ويعمل المقاديم والمريدون على استشارة شيخ الطريقة أو الخليفة العام للطريقة في كل أمورهم الاجتماعية أو التربوية ، حيث يقوم بدور القاضي أو الحاكم ، ويلجأ إليه المريدون أو الناس من مختلف الشرائح ويطرحون إليه مشاكلهم عساهم يجدون عنده الحل .
2 – المقدم :    
شيخ الطريقة :
       إنه أبو العباس أحمد بن محمد بن المختار بن أحمد بن محمد بن سالم التجاني المضاوي .
ولد سنة 1150هـ-1737م بقرية عين ماضي ، حفظ القرآن في صغره على يد محمد التجاني ، ثم اشتغل بطلب العلوم الشرعية فقرأ مختصر خليل ومقدمة ابن رشد والأخضري ، ثم مال إلى طريق التصوف ، وكان لرحلاته الكثيرة أثر في سلوكه هذا الطريق ، توفي في شوال سنة 1230هـ-1815م . (موقع الشبكة الإسلامية) .
كيف نشأت الطريقة :
       كان لرحلات التجاني أثر كبير في سلوكه طريق التصوف ، حيث التقى في رحلاته تلك بكثير من أرباب هذا الشأن وأخذ عنهم طرقهم .
       وفي سنة 1196هـ بدا له أن ينشئ طريقة خاصة يستقل بها عمّن سبقه ، ففي قرية أبي سمغون التي أقام بها واستوطن وقع له الفتح وأذن له النبي عليه الصلاة والسلام في تلقين الخلق ، وعيّن له الورد الذي يلقنه .
       هذه أول نشأتها ، ثم انتشرت بعد ذلك على يد الأتباع ، وتتركز هذه الطريقة اليوم في غرب إفريقيا ، في الجزائر والمغرب وموريتانيا والسنغال ونيجيريا ، كما توجد في مصر والسودان وبعض الدول العربية .
عقائد التجانية (موقع الشبكة الإسلامية على الانترنيت) :
1 – يوجد في كتب هذه الطريقة الكثير من النصوص التي تدل على إيمانهم بوحدة الوجود ، فهم يرون كما يذكر صاحب جواهر المعاني أن أعيان الموجودات كسراب بقيعة ، وأن ما في ذوات الوجود إلا الله سبحانه وتعالى تجلى بصورها وأسمائها .
2 – يعتقد كثير من أهل هذه الطريقة بأن صلاة الفاتح أفضل من القرآن ، وصلاة الفاتح صيغتها كالآتي : اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ، ناصر الحق بالحق ، الهادي إلى صراطك المستقيم ، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم .
3 – إيمانهم برؤية شيخ الطريقة رسول الله عليه السلام يقظة وإمداده إياه بالأوراد والأحاديث .
4 – يعتقد التجانيون أن التجاني خاتم الأولياء ، كما أن محمدا عليه السلام خاتم الأنبياء ، ومعنى ذلك أن التجاني أفضل الأولياء ، وقد يأتي بعده أولياء ولكنهم لا يصلون مرتبته .
5 – اعتقاد كثير من أهل هذه الطريقة ضمان الجنة لمؤسس الطريقة وأتباعه الذين أخذوا عنه الأوراد والأذكار وأخذوا عنه الإذن الصحيح في التلقين .
أوراد التجانية وأذكارها (موقع الشبكة الإسلامية على الانترنيت) :
لهذه الطريقة مجموعة كبيرة من الأوراد والأذكار ، منها ما هو لازم لمن دخل الطريق ، ومنها ما هو اختياري ، نجملها فيما يلي :
1 - الأوراد الإجبارية :
أ – الورد : ويقرأ صباحا ومساء وهو : أستغفر الله (مائة مرة) ، والصلاة على النبي عليه السلام بأي صيغة (مائة مرة) ، ولا إله إلا الله (مائة مرة) .
ب – الوظيفة : وتقرأ في اليوم مرة إما صباحا وإما مساء ، فإن قرنت في الوقتين كان أفضل ، وهي : أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم (ثلاثين مرة) ، ثم صلاة الفاتح (خمسين مرة) ، ثم لا إله إلا الله (مائة مرة) ، ثم جوهرة الكمال (اثنتي عشرة مرة) وهي : (اللهم صل وسلم على عين الرحمة الربانية والياقوتة المتحققة الحائطة بمركز الفهوم والمعاني ونور الأكوان المتكونة الآدمي ، صاحب الحق الرباني البرق الأسطع بمزون الأرياح المائلة لكل متعرض من البحور والأواني ونورك اللامع الذي ملأت به كونك الحائط بأمكنة المكاني ، اللهم صل وسلم على عين الحق التي تتجلى منها عروش الحقائق ، عين المعارف الأقوم صراطك التام الأسقم ، اللهم صل على طلعة الحق بالحق الكنز الأعظم ، إفاضتك منك إليك ، إحاطة النور المطلسم صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله صلاة تعرفنا بها إياه) ، ومن شروط قراءة جوهرة الكمال عندهم :
1 – أنها لا تقرأ إلا بالطهارة المائية دون الترابية ، لأن النبي عليه السلام والخلفاء الأربعة – كما يعتقدون – يحضرون عند قراءة السابعة منها ، وينوب عن جوهرة الكمال عشرون من صلاة الفاتح لغير المتوضئ .
2 – وجود الفراش الطاهر الذي يسع ستة أشخاص ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يحضر والخلفاء الأربعة .  
ج – ذكر الجمعة : من الأوراد اللازمة في الطريقة ذكر (لا إله إلا الله) ساعة أو أكثر متصلة بغروب الشمس بعد صلاة العصر يوم الجمعة ، ولا يشترط التقيد بعدد ، فإن لم يتمكن من الذكر ساعة ذكرها من ألف إلى ألف وستمائة ، ولابد من اتصال الذكر بالغروب ، كما يشترط فيها ما يشترط في جوهرة الكمال من أنها لا تصح إلا بالطهارة المائية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يحضرها حسب اعتقادهم .
2 - الأوراد الاختيارية :
       وهي كثيرة جدا نذكر منها :
1 – ياقوتة الحقائق .
2 – الصلاة الغيبية .
3 – الحزب السيفي .
4 – حزب البحر .
5 – الأسماء الإدريسية .
6 – استغفار الخضر .
ويشترط فيها الإذن الخاص من الشيخ أو من يقوم مقامه .
من أعلام الطريقة التجانية :
1 – علي حرازم : أبو الحسن الحاج علي بن العربي المغربي الفاسي ، ويعد من أكبر خلفاء الشيخ التجاني ، توفي سنة 1217هـ .
2 – محمد بن المشري : وكان أول اجتماعه بالتجاني سنة 1188هـ ، اتخذه التجاني إماما في الصلاة حتى سنة 1208هـ ، ولما نبغ أمره التجاني بالخروج إلى الصحراء ، توفي بعين ماضي سنة 1224هـ ، ومن أهم مؤلفاته : كتاب الجامع لما افترق من العلوم ، وكتاب نصرة الشرفاء في الرد على أهل الجفاء .
3 – عمر الفوتي : عمر بن سعيد بن عثمان الفوتي السنغالي الأزهري التجاني ، ولد سنة 1797م ، حفظ القرآن على والده ، تلقى تعليمه في الأزهر ، بعد رجوعه إلى بلدة (بورنو) سنة 1249هـ/1833م بدأ حملة لنشر الإسلام بين الوثنيين هناك وكان له جهاده ضد الوثنيين والمتعاونين مع فرنسا ، اختلف في سنة وفاته بين 1281هـ و 1282هـ و 1283هـ ، من مؤلفاته : كتاب رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم وكتاب سيوف السعيد وكتاب سفينة السعادة .
4 – أحمد سكيرج العياش : ولد بفاس سنة 1259هـ ، وقرأ القرآن على الفقيه محمد بن الهاشمي الكتامي ، ثم التحق بدروس العلم بمسجد القرويين بفاس ، أخذ الإذن بالأوراد عن محمد قنون بمحراب زاوية التجاني ، وقرأ الفتوحات المكية والإنسان الكامل ، كانت بمراكش سنة 1363هـ ، ويعتبر من أكثر أتباع التجاني كتابة وتأليفا إذ بلغت مؤلفاته حوالي 140 مؤلفا ، ومنها : الكوكب الوهاج وقدم الرسوخ فيما لمؤلفه من الشيوخ وقرة القين في الجواب عن الأسئلة المودعة خبيئة الكون .
5 – محمد الحافظ التجاني : وهو محمد عبد اللطيف التجاني بن سالم الشريف الحسني المصري ، ولد سنة 1315هـ بإحدى قرى المنوفية بمصر ، كانت له عناية بالحديث وعلومه ، وكانت وفاته سنة 1398هـ ودفن بالزاوية التجانية بالقاهرة ، ترك كثيرا من المؤلفات ومنها : الحق في الحق والخلق ورسول الإسلام ورسالته الجامعة ، وأصفى مناهل الصفا في مشرب خاتم الأولياء ، وشروط الطريقة التجانية .
خلاصة :
       هذه خلاصة لهذه الطريقة التي انتشرت انتشارا واسعا في شمال إفريقية وفي وسطها وغربها ، وضمت تحت لوائها ملايين من المسلمين ، وهذا جانب يسير من واقعها الفعلي ، وقد جاء من بنى على هذا الواقع وزعم أنه صاحب الفيضة التجانية الذي بشر به التجاني وأن أتباعه يدخلون الجنة بغير حساب ولو كانوا كفارا أو استحلوا المحرمات أو لم يفعلوا شيئا قط من الدين لأن الله اختارهم لذواتهم ، وهذا الشخص هو الحاج إبراهيم السنغالي الذي بسط دعوته في أصقاع كبيرة من القارة الإفريقية . (موقع الشبكة الإسلامية) .
بنيت هذه الطريقة على أساس الذكر والعبادة والانقطاع عن الدنيا وزخارفها ، يقول عبيدة بن محمد الصغير صاحب كتاب (ميزاب الرحمة الربانية في التربية بالطريقة التجانية) : " ومقصد هذه الطريقة التجانية من أولها إلى آخرها العثور على بعض أسرار الحقيقة المحمدية وما يوصل إلى معرفة لائح من لوائحها لما علمت أن لا سبيل إلى سير الأفراد إلا منه ولا ورود على بحر الجمع إلا من بحر برزخيته الصادرة عنه فالمطلوب في مقام الإسلام منها انطباع ظاهر صورته الكريمة في النفس حتى يتمكن من متابعته . " . (عبيدة بن محمد الصغير الشنقيطي : ميزاب الرحمة الربانية في التربية بالطريقة التجانية ، المطبعة الرسمية العربية بحاضرة تونس ، 1329هـ/1911م ، ص 224) .
       ومن أركان هذه الطريقة ذكر صلاة الفاتح ، وهي كما يرى أتباع الطريقة أمر إلهي لا مدخل فيه للعقول ، يقول عبيدة بن محمد الصغير : " فما توجه متوجه إلى الله تعالى بعمل يبلغها وإن كان ما كان ، ولا توجه متوجه إلى الله تعالى بعمل أحبه إليه منها ولا أعظم عند الله حضرة منها إلا مرتبة واحدة مرتبة الاسم العظيم الأعظم لا غير " . (عبيدة بن محمد الصغير الشنقيطي : ميزاب الرحمة الربانية في التربية بالطريقة التجانية ، ص 290) .
       ترجع الطريقة سندها في ترتيب أذكارها وأورادها وكل طقوسها إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول أبو بكر زيد الفوتي : " وأما سيدنا (أي أحمد التجاني) فقال أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأني أنا القطب المكتوم منه إليّ مشافهة لا مناما " (أبو بكر زيد الفوتي الجلوي البروجي : مفتاح السعادة الأبدية في مطالب الأحمدية المشتمل بالأهم من الأوراد والأذكار والأحزاب في الطريقة التجانية ذات المواهب العرفانية ، مطبعة المنار ، تونس ، ص 14) .، ويقول كذلك : " وأما سنده في طريقته الأحمدية التجانية فقد أخذها عن سيد الوجود صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما ، ثم قال له صلى الله عليه وسلم لا منّة لأحد عليك من الأشياخ ، فرتب له صلى الله عليه وسلم كافة أوراده فصار من سيد الوجود جميع استمداده " . (أبو بكر زيد الفوتي الجلوي البروجي : المصدر نفسه ، ص 19) .
التجانية طريقة تنسب لمؤسسها أبي العباس أحمد بن محمد بن المختار بن سالم التجاني (1150/1230) ، والتجاني في قرية عين ماضي ، وظلت هذه القرية معقلا للتجانية بعد إجلائهم عن فاس .
       ولا تختلف شعائر التجانية كثيرا عن شعائر الخلوتية ، ومن مشائخهم علي بن عيسى ومحمد الحافظ بن مختار الملقب بالبدّي وهو الذي نشر الدعوة بالصحراء ، وينتشر التجانية شرقا وغربا إلا أنهم غالبا في إفريقيا الفرنسية ، وأهم المصنفات التي تجمع مذهبهم ورياضاتهم كتاب : (جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض الشيخ التجاني) وهو المعروف كذلك باسم الكناشي ، ويقال إن هذا المصنف من إملاء منشئ الطريقة وهو أهم مرجع عن سيرته ، وهناك معجم (كشف الحجاب عمّن تلقى مع التجاني من الأصحاب) صنفه أبو العباس أحمد بن أحمد العياشي ، ومن التجانية أحمد بن بابا بن عثمان الشنقيطي العلوي (تـ بعد 1260هـ) ، ولد وتعلم بشنقيط وله (نظم منية المريد) في التصوف على الطريقة . (عبد المنعم الحفني : الموسوعة الصوفية ، دار الرشاد ، القاهرة ، ط1 ، 1992م ، ص 77 ، 78) .

التعريف بمؤسس الطريقة (أحمد التجاني) : 1230هـ/1815م :
وتنتسب هذه الطريقة إلى أبي العباس أحمد بن محمد التجاني ، نسبة إلى قبيلة (التواجنة) أو بني توجين عشيرة أخواله ، ولد بعين ماضي جنوب الجزائر سنة 1737م/ 1150هـ ، ونشأ نشأة علمية دينية ، وتلقى العلوم الإسلامية المتداولة يومئذ من علوم القرآن واللغة والفقه ، رحل إلى فاس سنة 1171هـ وحضر مجالس ودروس علمائها ، ثم رجع صوب تلمسان حيث درس وتعلم مدة من الزمن ، ومنها قصد الحجاز لأداء فريضة الحج سنة 1186هـ ، أقام بتونس مدة زمنية ثم عاد ثانية إلى فاس وولى عنايته إلى الناحية الصوفية ، ولئن كان له نشاط هام في فاس فإن أهمية الرجل وطريقته التي أسسها في فاس قد تبرز أكثر في خارج المغرب العربي عندما تخطت حدوده لتستقر في قلب غرب إفريقيا حيث جلبت إليها أعدادا وافرة من الأتباع والمريدين وتصدرت الطرق هنالك بحيث قامت بدور هام دينيا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا .
  توجه إلى جبل العلم لأخذ علم القراءات بالتجويد وهناك ولى عنايته إلى الناحية الصوفية فاجتمع بمشائخ التصوف . (عبد الرحمان الجيلالي : تاريخ الجزائر العام ، ج4 ، ص 51 ، 52) .
       ومما يذكر في حياة التجاني أنه حفظ القرآن في صغره من رواية نافع ، واشتغل بالعلوم الأصولية والفروعية ، وقرأ على المبروك بن بوعافية الماضوي مختصر خليل والرسالة ومقدمة ابن رشد والأخضري ، ثم تمادى في طلب العلم زمانا ببلده حتى حصل من العلوم ما انتفع به ، وكان يدرس ويفتي ، ثم مال إلى طريق الصوفية والمباحثة عن الأسرار الإلهية ، يرفع نسبه إلى محمد الملقب بالنفس الزكية بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي ، توفي بفاس ودفن بها سنة 1230هـ . (علي حرازم بن العربي المغربي الفاسي أحد كبراء خاصة تلامذة الشيخ التجاني : جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض أبو العباس سيدي أحمد التجاني ، ص10 ، 12) .
تعد الطريقة التجانية أحدث الطرق الدينية في الجزائر ، أسسها أحمد التجاني وهو من أهم رجالات عين ماضي ،   (ادوارد دو نوفو : دراسة اثنولوجية حول الجماعات الدينية عند مسلمي الجزائر ، ص 77 ) .
       ومن العلماء الجزائريين في المغرب الذين عاشوا ما بين القرنين 18 و 19م أحمد التجاني بن محمد بن المختار بن أحمد الشريف ، مؤسس الطريقة الصوفية بالمغرب ، من فقهاء المالكية ، عارف بالأدب وعلم الأصول والفروع ، ولد وتعلم ونشأ في عين ماضي بالجنوب الجزائري ، رحل إلى فاس سنة 1171هـ فأخذ منها شيئا من العلوم ، ثم رجع صوب تلمسان حيث درس بها مدة زمنية ، ومنها قصد الحجاز لأداء فريضة الحج سنة 1186هـ فمر بتونس وأقام بها مدة ثم عاد ثانية إلى فاس ، ولئن كان لأحمد التجاني نشاط هام في فاس فإن أهمية الرجل وطريقته التي أسسها في فاس قد تبرز أكثر في خارج المغرب الكبير عندما تخطت حدوده لتستقر في قلب غرب إفريقيا حيث جلبت إليها أعدادا وافرة من الأتباع والمريدين ، وتصدرت الطرق الصوفية هنالك بحيث قامت بدور هام دينيا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا . (عمار هلال : العلماء الجزائريون في البلدان العربية والإسلامية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، طبعة 1995م ، ص 173 ، 174) .
ومن أشهر رجالها وكتّابها :
1 – علي حرازم : أبوالحسن الحاج علي بن العربي برادة المغربي الفاسي ، ويعتبر أكبر خلفاء الشيخ التجاني ، وقد توفي في المدينة سنة 1217هـ .
2 – محمد بن المشري : وكان أول اجتماعه بالتجاني 1188هـ ، اتخذه التجاني إماما في الصلاة حتى سنة 1208هـ ، توفي بعين ماضي سنة 1224هـ .
3 – عمر الفوتي : عمر بن سعيد بن عثمان الفوتي السنغالي الأزهري التجاني ، حفظ القرآن على والده وتلقى تعليمه في الأزهر ، بعد رجوعه إلى بلدة بورنو سنة 1249هـ/1833م بدأ حملة لنشر الإسلام بين الوثنيين ، وكان له جهاده ضد الوثنيين والمتعاونين مع الاستعمار الفرنسي ، توفي سنة 1282هـ .
4 – أحمد سكيرج العياش : ولد بفاس ، وقرأ القرآن على الفقيه محمد بن الهاشمي الكتامي ، ثم التحق بدروس العلم بمسجد القرويين بفاس ، أخذ الإذن بالأوراد عن محمد قنون بمحراب زاوية التجاني ، وقرأ الفتوحات المكية ، والإنسان الكامل لابن عربي ، ويعتبر أحمد سكيرج من أكثر أتباع التجاني كتابة وتأليفا ، إذ بلغت مؤلفاته حوالي 140 مؤلفا ، كانت وفاته بمدينة مراكش سنة 1363هـ .
5 – محمد الحافظ التجاني : محمد عبد اللطيف التجاني بن سالم الشريف الحسني المصري ، ولد بإحدى قرى المنوفية بمصر ، كانت له عناية بالحديث وعلومه ، كانت وفاته عام 1398هـ ،ودفن بالزاوية التجانية بالقاهرة .
ومن المؤلفات المشتهرة بين أبناء الطريقة التجانية :
-     كتاب الجامع لما افترق من العلوم لمحمد بن المشري .
-     كتاب نصرة الشرفاء في الرد على أهل الجفاء لمحمد بن المشري .
-     كتاب رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم .
-     كتاب سفينة السعادة .
-     الكوكب الوهاج لأحمد سكيرج .
-     قدم الرسوخ فيما لمؤلفه من الشيوخ لأحمد سكيرج .
-     الحق في الحق والخلق لمحمد الحافظ التجاني .
-     أصفى مناهل الصفا في مشرب خاتم الأولياء لمحمد الحافظ التجاني .
-     شروط الطريقة التجانية لمحمد الحافظ التجاني .
من الانترنيت / موقع الشبكة الإسلامية .
انتشارها :
       كان لتوسعها وانتشارها في الجنوب ولنفوذها الذي حققته على الصعيدين الديني والسياسي أثر كبير جعل من التجانية قوة حقيقية تسعى كافة القوى في المنطقة إلى التحالف معها وجذبها إلى صفها ، وقد تواجدت مراكزها في الجزائر في العهد العثماني في : عين ماضي وتيماسين والأغواط وتوقرت وورقلة ووادي سوف . (فيلالي مختار الطاهر : نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني ، ص 51) .
دورها :
       أسهمت الطريقة التجانية في نشر الإسلام في غرب إفريقيا في مستهل القرن 19م ، وهي قبل الطريقة المرادية تعد أقوى جماعة سياسية في السنغال حاليا . (مراد هوفمان : الإسلام كبديل ، ترجمة غريب محمد غريب ، مؤسسة بافاريا للنشر والإعلام ، ميونيخ ، ط1 1993م ، ص 90) .


نشأة التصوف :
تزامن نشوء التصوف في الإسلام كعبادة وسلوك وخلق بظهور الإسلام نفسه ،ذلك أن الرعيل الأول من المسلمين رجالا ونساء اتسموا بالتقوى والخوف من الله والتضحية بالمال والنفس في سبيله ، كما اتسموا بطلب الآخرة والسعي لها والزهد فيما في أيدي الناس وإماتة شهوات الجسد (الموت قبل الموت) .
       لكن لم يؤثر عن الجيل الأول في الملة الإسلامية  أنهم تسموا بالصوفية أو المتصوفة ، وإنما عرف هذا المصطلح بعد ذلك ، وصار علَمًا على العلم الذي يرسم الطريق الباطني الموصل إلى المعرفة والكشف وإزالة الحجب عن الحقائق والأسرار والتوسل بالمعرفة إلى القرب من الذات الإلهية .
        إلا أن المتصوفة أخطأوا حين اعتقدوا أنهم أتوا القدرة غير المحدودة للنفاذ إلى معرفة الحقائق اللدنية الإشراقية التي لا تدركها وسائل المعرفة الكسبية المعتادة بحيث تتجلى لهم الحقائق كشفا فيشاهدون عيانا يفضي وشيكا إلى الاغترار بالاصطفاء ، خاصة وأن المعارف المكتسبة عن طريق الحدس لا يمكن التحقق من صدقها أو زيفها ،
 ولاريب في أن هذا اليقين قد أدى في كثير من الأحوال إلى تقديس الأشخاص  . (مراد هوفمان : الإسلام كبديل ، ترجمة غريب محمد ، مؤسسة بافاريا للنشر ، ميونيخ ، ط1 ، 1993 ، ص 87)                
قال القشيري : " لم يتسمّ أفاضلهم (أي المسلمين) بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصرهم بتسمية علم سوى محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا فضيلة فوقها فقيل لهم الصحابة ،ولما أدركهم أهل العصر الثاني سمى من صحب الصحابة التابعين ، ورأى في ذلك أشرف سمة ، ثم قيل لمن بعدهم أتباع التابعين ، ثم اختلف الناس وتباينت المراتب فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين  الزهاد والعباد ، ثم ظهرت البدع وحصل التداعي بين الفرق فكل فريق ادعوا أن فيهم زهادا ، فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفاسهم مع الله تعالى الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف ، واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة " . أبوالقاسم عبد الكريم القشيري ت 465هـ : الرسالة القشيرية ، دار الكتب العلمية بيروت ، ط1 1998م ، ص 21 . _(يضاف في الهامش : كتب القشيري عبد الكريم بن هوازن رسالته المشهورة سنة 437هـ إلى جماعة الصوفية ببلدان الإسلام ، وذلك أنه لما رأى انقراض أكثر شيوخ الصوفية المحققين وفساد حال كثير من الباقين ألف رسالته ، وذكر فيها سيرا من سير شيوخ هذه الطريقة في آدابهم وأخلاقهم ومعاملاتهم وعقائدهم لتكون قوة للصوفية وعونا على صلاح أمرهم [آدم متز : الحضارة الإسلامية ، ج2 ، ص483]) .
إذن ظهر التصوف كسلوك ثم تحول إلى علم ومعرفة ، وصار له أعلام كالحارث بن أسد المحاسبي البغدادي الذي كان من الزهاد المتكلمين على العبادة والزهد في الدنيا والمواعظ ، وكان فقيها متكلما مقدما ، كتب الحديث وعرف مذاهب النساك ، وهو بصري الأصل ، مات ببغداد سنة 243هـ ، وله من الكتب : كتاب التفكر والاعتبار ، وله كتب كثيرة في الزهد وأصول الديانة ، والرد على المعتزلة . (أبو القاسم القشيري : الرسالة القشيرية ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1998م ، ص 32 ، وابن النديم : الفهرست ، دار المعرفة ، بيروت ، ط2 ، 1997م ، ص 230) . وأبي القاسم الجنيد بن محمد الذي ولد ونشأ  بالعراق ، وكان رئيسا من رؤساء المتصوفة وورعا زاهدا ، مات سنة 297هـ . (أبو القاسم القشيري : المصدر نفسه ، ص 50 ، وابن النديم : المصدر نفسه ، ص 229) . والفضيل بن عياض  الذي جاور الحرم المكي حتى مات سنة 187هـ .( أبو القاسم القشيري : المصدر نفسه ، ص 25) .
       وشهد التصوف بعد هؤلاء تطورا على يد أبي حامد الغزالي الذي انقلب من مدرسة المتكلمين إلى المدرسة الصوفية ، وكان كتابه (إحياء علوم الدين) محاولة لتأسيس العلوم الشرعية بصياغة صوفية ، تلاه اعتماد الكثير من الفقهاء أبرزهم عبد القادر الجيلاني للصوفية كطريقة للتربية الإيمانية ، ويبدو أن الجيلاني وتلاميذه الذين انتشروا في كافة بقاع المشرق العربي عادوا بالتصوف إلى جذوره الأولى بالتركيز على تعليم القرآن والحديث مقتدين بأشخاص مثل الحارث المحاسبي ، والدليل على ذلك أن ابن تيمية رغم هجومه الضاري على الصوفية في عصره يمتدح أشخاصا مثل الجيلاني وأحمد الرفاعي ، وينسب بعض المؤرخين لهذه المدارس الصوفية المنتشرة دورا كبيرا في تأسيس الجيش الذي ساند صلاح الدين في حربه ضد الصليبيين . (المصدر : الانترنيت ، موقع ويكيبيديا / صوفية) .
       بعد حكم الأيوبيين مباشرة عادت الصوفية للأفكار الغنوصية (1) التي تأسست أكثر وترسخت ضمن الصوفية على يد الحلاج ثم ابن عربي الذي قام في كتابيه (الفتوح المكية) و (الفتوح المدنية) بتشريع إسلامي كامل لأفكار مثل الحلول ووحدة الوجود ، كما غرقت الصوفية تماما في أفكار الكرامات والأولياء والكثير من الخرافات ميزت مرحلة الجمود والابتعاد عن العلم منذ نهاية القرن 14هـ . (المصدر : الانترنيت ، موقع ويكيبيديا / صوفية) .[1 - الغنوصية : مبدؤها العرفان وهو ليس العلم بواسطة المعاني المجردة والاستدلال كما هو الحال في المعرفة الفلسفية المنطقية ، بل هو المعرفة الحدسية الحاصلة من اتحاد المعارف بموضوع المعرفة ، أما غاية هذه المعرفة فهي الوصول إلى عرفان الله بكل ما في النفس من قوة حدس وعاطفة وخيال ، وتعِد بكشف الأسرار الإلهية وتحقيق النجاة ، وقد تفاعلت مع الوثنية واليهودية والمسيحية في العصر العباسي (محمد علي أبوريان : تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام ، دار النهضة العربية ، بيروت ، ط2 ، ص 79)] .
       وكان من شأن انتظام الصوفية في جماعات أنه قوى اعتقادهم بالأولياء ، حتى صار المتأخرون لا يعرفون ولا يذكرون إلا أولياء الصوفية ، وقد وضِع على رأس هؤلاء الصوفية الحسن البصري ، وهو الرجل الذي كان يستبشع تظاهر الصوفية بلباسهم الخاص . (آدم متز : الحضارة الإسلامية ، ج2 ، ص 491) .
الطريقة الرحمانية :
خير الدين شترة ، ص 408 :
يعتبر محمد بن عزوز البرجي (برج طولقة) شيخ الطريقة الرحمانية الذي ورث عن شيخه مصطفى بن محمد باش تارزي الذي لم يكن مقدما للرحمانية في الجنوب فقط ، ولكن في الجريد التونسي أيضا ، كما أنه ولشهرته وكثرة أتباعه أصبح وكأنه مؤسس لطريقة جديدة تسمى العزوزية – الرحمانية ، كما كان احتلال فرنسا لبسكرة وتطور أحداث الجزائر وتونس سببا آخر في تفريعات الطريقة الرحمانية ، فعند احتلال بسكرة (1843-1844م) هاجر مصطفى بن محمد بن عزوز إلى نفطة وأسس بها زاوية رحمانية أصبحت ذات شهرة واسعة سيما قبل احتلال تونس سنة 1881م ، حيث كان ولاء شيوخ الطريقة في فروع (طولقة ، أولاد جلال ، الأوراس ، خنقة سيدي ناجي ، الهامل ، وادي سوف) لمصطفى بن محمد بن عزوز .
خير الدين شترة ، ص 408 :
وزاوية نفطة التي أنشأها مصطفى بن عزوز والتي انفصلت عن الطريقة الرحمانية بالجزائر ، أنشأها لنشر الطريقة بتونس ، وقد كان صاحب شخصية جذابة بما له من فصاحة وبيان وتمكن في العلم وذوق صوفي وصدق في ممارسة الشعائر .
خير الدين شترة ، ص 409 :
ومن تلامذة بن عزوز عبد الحفيظ الخنقي مقدم الرحمانية في خنقة سيدي ناجي ونواحيها ، عمل على نشر التعليم والأذكار الصوفية ، وبقي على ولائه لفرع الرحمانية بنفطة العزوزية ، وكان لمصطفى بن عزوز أولاد منهم من بقي في الجزائر ومنهم من انتقل إلى تونس وأنشأ بها زوايا ، وهم : الحفناوي الذي خلفه على زاوية نفطة ، ومحمد الذي أسس زاوية بالقيروان ، والمكي الذي اشتهر بالعلم والورع حيث هاجر إلى المشرق وعمل في نطاق الجامعة الإسلامية ، وكان المكي قد تزوج من نواحي بوسعادة .
خير الدين شترة ، ص 409 :
وكان أبناء عبد الحفيظ الخنقي على صلة بزاوية نفطة الرحمانية ، حتى أن الأذكار هنا وهناك واحدة ، وكانت فرنسا تشجع على التفرق بين الزوايا والشيوخ لأجل تسهيل التحكم فيها .
خير الدين شترة ، ص 410 :
وترجع شهرة زاوية نفطة إلى كونها أصبحت مدرسة للتعليم بالإضافة إلى الدور الديني والاجتماعي ، وكان رجالها يكملون تعليمهم بجامع الزيتونة ، ويتولون الوظائف الدينية كالقضاء والتعليم ، ومنهم الجزائريان المكي بن عزوز والخضر بن الحسين ، وذهب إلى هذه الزاوية عدد من طلبة الجزائر للدراسة مثل عاشور الخنقي ، كما هرب إليها بعض الثوار أمثال ناصر بن شهرة وشريف ورقلة ونزل فيها محي الدين بن الأمير عبد القادر سنة (1870-1871م) حين عاد إلى الجهاد ، فأهل بسكرة وتبسة والوادي وتقرت كانوا يقصدون زاوية نفطة للتعلم والتصوف معا .
خير الدين شترة ، ص 410 :
وبعد ثورة 1871م اضطهدت الطريقة الرحمانية ، وهُدمت زواياها الواقعة في المناطق الثائرة وتفرعت إلى فروع وفقدت مركزيتها بعد هدم زاوية (صدوق) التي تزعمها الشيخ الحداد ونفي زعمائها إلى خارج الجزائر .
 خير الدين شترة ، ص 411 :
كما تذكر بعض المصادر أن الجنوب بصفة عامة كان تحت تأثير الزاوية العزوزية خصوصا عن طريق خريجيها أمثال مولود الزريبي المدرس بزاوية الهامل ، وسيدي حامد العبيدي النفطي مدرس التجويد والقراءات ، أو عن طريق معاهدها وزواياها المنتشرة في القطرين مثل زوايا طولقة والهامل والخنقة ووادي سوف .
الطريقة الرحمانية :
       طريقة دينية صوفية تفرعت عن الطريقة الخلوتية ونسبت إلى مؤسسها محمد بن عبد الرحمان القشتولي الجرجري الأزهري المولود حوالي سنة 1720م في قبيلة آيت إسماعيل التي كانت جزءا من حلف قشتولة في قبائل جرجرة ، زاول دراسته الأولى في مسقط رأسه ، ثم واصل تعلمه في الجزائر العاصمة ، في عام 1739م توجه لأداء فريضة الحج ، وفي عودته استقر بالجامع الأزهر فترة طويلة مترددا على العلماء وشيوخ التصوف كمحمد بن سالم الحفناوي ، حيث أصبح محمد بن عبد الرحمان مريدا وتلميذا له حيث أدخله الطريقة الخلوتية . وبعد غياب طويل دام أكثر من ثلاثين سنة عاد إلى الجزائر بعدما تلقى الأمر من شيخه الحفناوي بالعودة إلى بلده ونشر الطريقة الخلوتية ، فأسس زاوية بمسقط رأسه (آيت إسماعيل) وشرع في الوعظ والتعليم ، وقد التف حوله جموع الناس من سكان جرجرة المستقلين عن السلطة العثمانية .(فيلالي مختار الطاهر : نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني ، دار الفن القرافيكي ، باتنة ، ص 40).
       انتقل إلى الحامة إحدى ضواحي العاصمة ، ومن المحتمل أنه فعل ذلك فرارا من خصومه المرابطين الذين عادوه لما حققه من نجاح هدد نفوذهم في المنطقة ، أو لأنه تأكد من رسوخ تعاليمه وانتشارها في المنطقة فرأى أن يستقر بالقرب من العاصمة ليوسع دائرة دعوته ، أسس في الحامة زاوية وأخذ في نشر تعاليم الطريقة الخلوتية ، ولكن سرعان ماأثار سخط المرابطين والعلماء للأسباب التالية :
1 – ابن عبد الرحمان من أبناء الريف ، لذا لابد أن يلقى معارضة من أهل الحضر المرابطين والعلماء خوفا على نفوذهم .
2 – خوف الأتراك منه لأن قبيلته تنتمي إلى حلف قشتولة وبالتالي فهي لا تخضع لحكمهم بل معادية لهم ، ولهذا الغرض أثار الأتراك العلماء والمرابطين ضده .
3 – دعوته الدينية تبعث على إحياء الوحدة الروحية والوطنية التي طالما عمل الأتراك من أجل عدم تحققها طوال حكمهم حتى لا تكون خطرا على سلطانهم .
       رأى ابن عبد الرحمان أن الحكمة تقتضي منه العودة إلى مسقط رأسه فعاد سريعا إلى زاويته ببلدة آيت إسماعيل ، وبعد ستة أشهر من عودته جمع مريديه وأخبرهم بقرب أجله وعين من يخلفه في منصبه وهو علي بن عيسى المغربي .
 (فيلالي مختار الطاهر : المصدر نفسه ، ص 41 ، 42) .
       لم يحصر ابن عبد الرحمان نشاطه في نشر دعوته الدينية الصوفية على منطقة القبائل والعاصمة فحسب ، وإنما مدّ نشاطه أيضا إلى إقليم الشرق الجزائري حيث قام بتعيين خليفة له من أبناء قسنطينة وهو مصطفى بن عبد الرحمان بن الباش تارزي الكرغلي ، فقام هذا الأخير بنشر تعاليم الطريقة في الإقليم الشرقي حيث نصّب عدة مقاديم أشهرهم الشيخ محمد بن عزوز في واحة البرج قرب بلدة طولقة . (فيلالي مختار الطاهر : المصدر نفسه ، ص 43) .
       بعد وفاته (1208هـ/1793م) ازدادت الطريقة نجاحا واتسعت دائرة نفوذها مما زاد في هياج الأتراك وحنقهم ، لذا فقد قاموا بمحاولة لوضع حد لتدفق الزوار من كل مكان على الزاوية الأم بآيت إسماعيل فدفعوا بثلاث مجموعات استطاعت إحداها نقل جثمانه إلى الحامة حيث دفن في احتفال مهيب ، ثم بنوا عليه مسجدا وقبة ، على أن سكان قرية آيت إسماعيل حينما تحققوا أن الجثة لم تفارق قبرها الأصلي – وكانوا قد نبشوا القبر – اعتقدوا أن جثة شيخهم قد ازدوجت ومنذ ذلك الحين لُقب محمد بن عبد الرحمان بـ (بو قبرين) . (فيلالي مختار الطاهر : المصدر نفسه ، ص 43 ، 44) .
       وقد استطاع خليفته – علي بن عيسى – الذي بقي مدة 43 عاما في منصبه 1208هـ/1251هـ أن يدير الزاوية الأم بكل حكمة ونجاح ، مما أكسب الطريقة انتشارا واتساعا في النفوذ سواء في وسط البلاد أو في شرقها وجنوبها ، إلا أن موته أفقد إدارة الزاوية الالتحام والوحدة حيث أن خلفاءه لم يستطيعوا بسط هيمنتهم على مقاديم الزوايا البعيدة التي أعلنت استقلالها عن الزاوية الأم ، وذلك نتيجة لضعف شخصية هؤلاء الخلفاء من جهة ، وسياسة الاحتلال الفرنسي التي عملت على تمزيق وحدتها من جهة أخرى . (فيلالي مختار الطاهر : المصدر نفسه ، ص 44) .
       ومن أهم مراكز الطريقة في العهد العثماني الأخير : الحامّة قرب العاصمة ، وآيت إسماعيل ببلاد القبائل ، وزاوية صدوق بناحية سطيف ، وقسنطينة ، والبرج قرب طولقة ، وأولاد جلال ، وخنقة سيدي ناجي ، وتقع المراكز الثلاثة الأخيرة بالواحات . (فيلالي مختار الطاهر : المصدر نفسه ، ص 44 ، 45) .
الرحمانية في الجزائر وتونس ، أسسها أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمان الجشتولي الجرجري ، وقد حدث تطورها المميز في عهد خليفته علي بن عيسى (ت 1837م) ، ولكن بعد ذلك أصبحت الزوايا المختلفة مستقلة . سبنسر ترمنجهام : الفرق الصوفية ، ص 134 .
الطريقة الشاذلية :
       تنسب إلى نور الدين أبو الحسن الشاذلي ، أصله من المغرب الأقصى حيث ولد عام 593هـ/1196م ، وبعد إقامة فريضة الحج طاف بأقطار المشرق العربي وتلقى على شيوخها شتى الفنون ، ومال إلى التصوف ، وعندما رجع أقام بقرية شاذلة بتونس ورابط هناك وتفرغ لتربية المريدين والأتباع حتى شاع أمره بين الناس في المغرب ومصر . (محمد الشريف سيدي موسى : المرجع نفسه ، ص 5 ، وسبنسر ترمنجهام : الفرق الصوفية ، ص 88) .
       لم يلقن أبو الحسن كشيخ زاهد سائح تلاميذه أية قواعد أو شعائر خاصة ، ولكن تعاليمه حافظ عليها أتباعه ، وأحد هؤلاء الأتباع بصفة خاصة هو أبو العباس المرسي (أحمد بن عمر الأندلسي تـ 686هـ) الذي انضم إلى حلقته بالإسكندرية ، وكان يعتبر كخليفة له . (سبنسر ترمنجهام : المصدر السابق ، ص 90 ، 91) .
       تقوم تعاليم الشاذلية على المبالغة في الذكر والمطالعة والخوف من الله والتسليم لإرادته ، وتعد هذه الطريقة أهم الطرق التي ظهرت بالمغرب الإسلامي حيث تفرعت إلى عدة طرق في المناطق الممتدة بين الحجاز شرقا وإسبانيا غربا ، ففي مصر تفرعت عن الشاذلية الطريقة الوافية ، وفي المغرب الأقصى تفرعت إلى الطريقة الدرقاوية ، وفي ليبيا تفرعت عنها الطريقة المدنية نحو 1450م ، كما تفرعت عن الشاذلية العروسية ومؤسسها أبو العباس أحمد بن عروس الذي كان قبل ذلك مقدما للشاذلية ، أما في الجزائر فقد تفرعت عن الشاذلية الطريقة الزروقية نسبة إلى أبي العباس أحمد زروق البرنسي الفاسي المتوفى سنة 899 هـ/1494م . (محمد الشريف سيدي موسى : المرجع نفسه ، ص 5) .




عند تعريف التصوف/ هل التصوف تأثر بعوامل ومؤثرات أجنبية عن الحضارة العربية الإسلامية ؟ .
الإجابة :
يرجع المستشرق دي بور نشوء التصوف في الإسلام إلى جفاف علم الكلام إذ لم يجد فيه أهل الورع من المسلمين ما تطمئن به نفوسهم . ونزعة التصوف وبذوره كانت موجودة منذ عهد الإسلام الأول ، لكنها قويت كما يرى دي بور بتأثير عوامل ترجع إلى النصرانية وإلى مؤثرات فارسية / هندية ، ونمت وعظم أمرها بتأثير تقدم المدنية والنفور من الانغماس في الدنيا .
ـــــــــــــــــــــــــ
1 – دي بور : تاريخ الفلسفة في الإسلام ، ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريدة ، دار النهضة العربية ، بيروت ، ط5 ، 1981م ، ص 125 .
       وفي الاتجاه نفسه يرى المستشرق أجناس جولد تسيهر أن تعاليم الأفلاطونية الحديثة نفذت إلى نطاق التصوف الإسلامي ، ويفسر هذا النفوذ من حيث أن الزاهد المتصوف الذي نبذ الدنيا واحتقرها واطرحها وسما بروحه إلى الملاذ الأوحد يجد ما يثبت يقينه بمنهج حياته الذي نهجه وما يقوي نزعته الروحية الإلهية التي اتجه إليها في مذهب الفيض عند أفلوطين ونظريته في وحدة الوجود . ـــــــــــــــــــــــــ
1 – أجناس جولد تسيهر : العقيدة والشريعة في الإسلام ، ترجمة محمد يوسف موسى وعبد العزيز عبد الحق وعلي حسن عبد القادر ، دار الرائد العربي ، بيروت ، ص 136 .
       كذلك يخلص المستشرق آدم متز إلى أن التصوف في الإسلام تأثر بالنصرانية من حيث أن الحارث بن أسد المحاسبي المتوفي سنة 243هـ تأثر بالنصرانية في مصنفاته إذ قد بدأ أحد كتبه (وهو كتاب الرعاية لحقوق الله) بمثل الباذر المذكور عن المسيح عليه السلام ، فهو يمثل الهادي بالباذر ، وكلامه بالبذر ، والناس بأرض صالحة مثمرة أو أرض ذات شوك يخنق الزرع أو صخر أملس لا يمكن الزرع من النماء . (آدم متز : الحضارة الإسلامية ، ج2 ، ص 466 ، 467) .
الدراسات السابقة :
جذب التصوف إليه كعلم وسلوك وطرق ، جذب إليه اهتمام وإعجاب المستشرقين فتعددت دراساتهم وأبحاثهم حوله ، وأثارت دهشتهم وولعهم الشخصيات المشتهرة في مجال التصوف مثل رابعة العدوية والحسن البصري والجنيد وأبوحامد الغزالي ومحي الدين بن عربي والحلاج والسهروردي .
ونذكر من هؤلاء المستشرقين :
من المستشرقين الفرنسيين لويس ماسينيون في دراسته عن الحلاج ، وجان شوفلييه في دراسته عن التصوف والمتصوفة لاسيما في المغرب العربي ، وروجيه ارنالديز في كتابه (رسل ثلاثة لإله واحد) ، ومن الانجليز جب هاملتون في كتابه (دراسات في حضارة الإسلام) ، ورينولد نيكلسون في كتابه (تراث الإسلام) ، وسبنسر ترمنجهام في كتابه (الفرق الصوفية في الإسلام) ، ومن الإسبان آسين بلاسيوس في دراسته لشخصيتي ابن عربي وأبي حامد الغزالي  .
وبعد نظر في كتاباتهم وقراءة متمعنة نجدهم تساءلوا هل أن التصوف هو البقعة المشتركة التي تلتقي عندها الديانات الثلاثة (الإسلام واليهودية والمسيحية) ؟ ، وبحثوا عن العلائق أو الصلات النظرية أو العمليـة التي تربط بين التصوف الإسلامي والمسيحي ؟ ، كما تساءلوا هل أن أصول التصوف في الدين الإسلامي أجنبية ، من الرهبانية السريانية أو من الأفلاطونية المحدثة أو من الزرادشتية الفارسية أو الفيدانتا الهندية ، أم أن أصوله نشأت من التعمق في تأمل القرآن واستخراج ما يدعو إلى الزهد والخلوة والانقطاع عن الخلق ؟ .
       وفي هذا الاهتمام يقول المستشرق سبنسر ترمنجهام : " لقد لقي التصوف مزيدا من الانتباه من الباحثين الغربيين إلا أن دراسة تطور الفرق وكتاباتها ومعتقداتها وممارساتها والتي كانت تعبيرا موضوعيا عن التصوف لم يحاولها إلا القلة النادرة ، والتصوف عمليا هو أساسا صوفية تأملية وعاطفية ، وهو كتنمية منظمة للخبرة أو التجربة الدينية .." . (سبنسر ترمنجهام : الفرق الصوفية في الإسلام ، ص 24) .
ومن الباحثين العرب لابد أن أشيد هنا بكتاب (الطرق الصوفية : ظروف النشأة وطبيعة الدور) لممدوح الزوبي الذي تحدث عن الطرق الصوفية بإسهاب إلا أنه لم يستقص كل الطرق لاسيما المتواجدة في منطقة المغرب العربي . وكذلك كتاب نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني لفيلالي مختار الطاهر الذي تحدث عن أهم الطرق الصوفية بالجزائر خلال العهد العثماني نشأة وتطورا ومواقفا وآثارا .















تعريف التصوف من حيث اللغة :
       كثرت الأقوال في اشتقاق التصوف ، فهو من الصوف لأنه غالب لباس المتصوفة ، أو لأن المتصوف كالصوفة المطروحة لا تدبير لها ، أو هو من صوفة القفا للينها فالصوفي هين لين كهي ، أو من الصِّفة أو الصفا إذ جملته (أي التصوف) اتصاف بالمحامد وترك الأوصاف المذمومة ، أو هو منقول من الصُّفة لأن صاحبه تابع لأهلها فيما أثبت الله لهم من الوصف . (أبو العباس الفاسي : قواعد التصوف ، تحقيق عبد المجيد خيالي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 2003م ، ص 24) .
تعريف التصوف من حيث الاصطلاح :
أ - إن التصوف علم أخروي من حيث أنه يحاول إخراج العبادات والمعاملات من حدود الفقه الجامدة وإعطائها مفهومات جديدة ترتكز على الباطن (الوجدان) دون إغفال للظاهر في الدين ليرتقي بالإنسان إلى درجة القرب من الله تعالى والفوز بمعيته والتمتع بالنظر إليه في جنة الخلد في الآخرة فعرف بعلم الباطن .
وهو كذلك علم عملي أخلاقي من حيث إنه يرتبط بالمجاهدة والأحوال والمقامات ، وتربية نفس الإنسان من حيث الذوق والوجدان والقلب والروح ومنها إلى سائر الأعضاء والجوارح  لذلك عدّه بعض الباحثين (علم النفس الإسلامي) .
ـــــــــــــــــ
1 – صالح نعمان : أصالة التصوف الإسلامي وأهميته في الحياة المعاصرة ، مجلة معهد أصول الدين ، جامعة الأمير عبد القادر ، قسنطينة ، السنة الأولى ، العدد الأول ، ديسمبر 1998م ، ص 121 ، 122 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ب – قال العقاد : " التصوف في أمم الغرب المسيحية يشتق من الخفاء أو السر ، ويطلقون عليه اسم (مستسزم) Mysticism أي السرية أو المعاني الخفية ، فخاصته المميزة له عندهم هي البحث في البواطن والتعمق في الأسرار المغيبة وراء الظهور . " . (العقاد : التفكير فريضة إسلامية ، ص 107) .

وأهم ما يلاحظ على تعاريف التصوف أنها :
أولا : إن اختلفت ألفاظها فإن معانيها متقاربة .
ثانيا : إن ما ذكر فيها من أوامر ونواهي ينقسم إلى قسمين :
أ – أعمال قلبية باطنية كالإخلاص والحب والخوف والرجاء والخشوع والزهد وإيثار الآخرة والشوق إلى لقاء الله ، وإنكار الكبر والعجب والرياء والغفلة عن الله تعالى .
ب – أعمال ظاهرية كالذكر والصلاة والصوم والحج ، وهذه الأعمال تبنى على أساس الأعمال القلبية ، وهي من آثارها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – صالح نعمان : المرجع السابق ، ص 124 ، 125 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
فالصوفية يريدون أن يسلكوا طريقا متميزا يتمثل في الطريق الباطني الموصل إلى المعرفة والكشف ، حيث تزول الحجب عن الحقائق والأسرار ويفنى المخلوق في الخالق فتتحقق له الوحدة الصوفية ، ويقين المتصوف أنه أوتي وسائل المعرفة غير المعتادة بحيث تتجلى له الحقائق كشفا ، لكن المعارف المكتسبة عن طريق الحدس لا يمكن التحقق من صدقها أو زيفها وقد يدّعيها أي منتحل أو منتسب للصوفية .
وما تتبناه الطرق الصوفية وما تفهمه عن التصوف علما وسلوكا هو أن  علم التصوف ما دام علم أخلاق وسلوك ، إذ يسميه البعض (علم الأخلاق) والبعض (مقام الإحسان) ، ومادام هدفه تصفية النفس من الرعونات وتنقية القلوب من الأدواء والأمراض الباطنية ، والسير بالنفس من مقام إلى مقام ، والتدرج بها والانتقال من حال إلى حال إلى رتبة السمو والرقي والكمال ، فهو لا يتحقق كما يرى المتصوفة إلا بالاعتماد على شيخ مرشد والاستناد إلى عارف مسلك . (عبد القادر الشطي : حقيقة السلفية الوفية مذهب أهل الحق الصوفية ، مطبعة دار هومة ، الجزائر ، ط 2002م ، ص75) .
ويشترط أهل التصوف في الشيخ الذي يُتبع الشروط الآتية :
1 – أن يكون قبل كل شيء عالما بالشريعة المطهرة وعاملا بها على قدر طاقته ، ولا يشترط في هذا أن يكون متبحرا في الفروع إلا ما تصح به العبادة .
2 – أن يكون قد سلك الطريق قبل ذلك محبا وسالكا وعارفا وواصلا .
3 – أن يكون شاعرا بواقع ما يعظ به الغير على نفسه ومتعظا به .
4 – أن يأخذ عهد الله على الطالب الذي صحت إرادته في سلوك الطريق .
5 – أن يترقب أوقات ضعف المريد في السير فيقويه ، ويترقب أوقات صدقه فلا يخبره به كله بل يصفه بما يشجعه على السلوك فقط .
6 – إذا انقطع المريد بعد البيعة على السلوك أسلم أمره لله تعالى بعد نصحه وتذكيره . (عبد القادر الشطي : المصدر نفسه ، ص141 ، 142) . 
ملاحظة في الهامش : (عند تعريف التصوف)
       هذا المنحى في تعريف التصوف الذي يتبناه ابن خلدون يذهب إليه المستشرق سبنسر ترمنجهام حيث يقول : " أطلق مصطلح صوفي أولا على الزهاد المسلمين الذين ارتدوا الملابس الصوفية الخشنة ومنها جاءت كلمة تصوف ..." ( سبنسر ترمنجهام : الفرق الصوفية في الإسلام ، ص 21 .) .
تفسير ألفاظ تدور بين المتصوفة أو بعض المصطلحات الصوفية :
لكل طائفة من العلماء ألفاظ يستعملونها فيما بينهم انفردوا بها عمن سواهم تواطؤوا وتوافقوا عليها لأغراض لهم فيها من تقريب الفهم على المخاطبين بها أو تسهيل على أهل التصوف في الوقوف على معانيهم ، ويحكى أن أول من تكلم في اصطلاحات الصوفية من صفاء الذكر وجمع الهمّة والمحبة والعشق والقرب والأنس أبا حمزة محمد بن إبراهيم الصدفي البغدادي المتوفي سنة 269هـ ، ولم يسبقه إلى الكلام بهذا على رؤوس المنابر ببغداد أحد ، (آدم متز : الحضارة الإسلامية ، ج2 ، ص 470) ، من هذه الألفاظ :
1 – الوقت : حادث متوهم علق حصوله على حادث متحقق ، فالحادث المتحقق وقت للحادث المتوهم ، تقول : آتيك رأس الشهر ، فالإتيان متوهم ، ورأس الشهر حادث متحقق ، والوقت ما أنت فيه ، أي ما كان هو الغالب على الإنسان (الحزن ، السرور ...) ، فالصوفي لا يهمه ماضي وقته وآتيه بل يهمه وقته الذي هو فيه، وذلك لأن الاشتغال بفوات وقت ماضٍ تضييع وقت ثانٍ . (أبو القاسم القشيري : المصدر نفسه ، ص 89 ، 90) .
2 – المقام :  لغويا الإقامة وموضعها وزمانها ، والمقام ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب ، مما يتوصل إليه بنوع تصرف ويتحقق به بضرب تطلب ومقاساة تكلف ، ولا يمكن الارتقاء من مقام إلى مقام آخر مالم تستوف أحكام ذلك المقام ، فإن من لا قناعة له لا يصح له التوكل ، ومن لا توكل له لا يصح له التسليم لله ، ومن لا توبة له لا تصح له الإنابة والرجوع ، ومن لا ورع له لا يصح له الزهد . (أبو القاسم القشيري : المصدر نفسه ، ص 91) .
3 – الحال : معنى يرد على القلب من غير تعمد ولا اكتساب من حزن أو سرور أو شوق أو انزعاج أو خوف أو رجاء أو أنس ، فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب ، والأحوال نتيجة مواهب الله خاصة كاللوائح والبواده مما لا يدوم ، وأما المقامات فهي نتيجة لما يتوصل إليه بضرب مقاساة ، إنها مكاسب تحصل ببذل المجهود الدائب . (أبو القاسم القشيري : المصدر نفسه ، ص 92 ، واللوائح جمع لائحة وهي ما لاح وظهر ثم استتر ، والبواده جمع بادهة وهي ما يفجأ من الأمر ، أو ما يفجأ القلب من الغيب على سبيل الوهلة والفزعة إما بموجب فرح أو بموجب ترح . [أبو القاسم القشيري : المصدر نفسه ، ص 113 ، 114]) .
4 – المحبة : عند المتصوفة هي ميل القلوب ، أي أن يميل القلب إلى الله وإلى ما لله من غير تكلف ، وهي الموافقة موافقة المحبوب ، وهي الإيثار للمحبوب أي إيثار ما تحب لمن تحب ، أنشدت رابعة العدوية :
أحبـك حبين حبَّ  الهوى          وحـبّا لأنّـك أهـل لذاكا
فأما الذي هـو حبّ الهوى          فشغلي بذكرك  عمّن  سواكا
وأمـا الذي أنت أهـل له          فلست أرى الكون حتّى أراكا
فما الحمد في ذا ولا ذاك لي          ولكن لك الحمد في ذا  وذاكا
 ـــــــــــــــــــــ
1 – الكلاباذي : التعرف لمذهب أهل التصوف ، تحقيق محمود النواوي ، مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة ، ط2 ، 1980م ، ص 130 ، 131 ، 132 .
في الهامش :
المحبة عند الكندي - الفيلسوف- هي مطلوب النفس ومتممة القوة التي هي اجتماع الأشياء ، ويقال هي حال النفس فيما بينها وبين شيء يجذبها إليه ، والعشق إفراط المحبة . (الكندي : الحدود والرسوم ، تحقيق عبد الأمير الأعسم ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، الجزائر ، 1991م ، ص 222 ، 223) .
انحرافات بعض المتصوفة :
       في عصر الترجمة تلون التصوف وتعرج في مجراه ، وقبس بعض المتصوفة الأعاجم والداخلين في الإسلام أقباسا عن المعتقدات الهندية والفارسية وغيرها وأضافوها إلى التصوف في عمومه . (ممدوح الزوبي : الطرق الصوفية ، ظروف النشأة وطبيعة الدور ، الأهالي للتوزيع ، دمشق ، ط1 ، 2004م ، ص 24) .
       يمكن القول أن التصوف في العالم الإسلامي في مختلف العصور قد أدى إلى هبوط الطاقة العقلية للعلماء العرب ، وإلى انحطاط المدارس الفلسفية الإسلامية وبالتالي انحطاط المسلمين وتأخرهم ، كما كانت الطرق الصوفية وركيزتها المتمثلة في المرابطين بؤرة للخرافات والبدع التي ظلت تسيطر على عقول الناس وأفكارهم ، كما ظل التصوف مجالا للخرافات حيث استغله الدجالون والمشعوذون لجلب الناس والاستحواذ على أموالهم فأصبح ذلك التصوف المزيف مصدرا للكسب وليس احتسابا لله . (فيلالي مختار الطاهر : المصدر السابق ، ص62) .
من آثار التصوف التي يرفضها كثير من العلماء مسائل تعد انحرافات انزلق إليها بعض المتصوفة ومن أهمها :
1 – وحدة الوجود :
              من آثار التصوف التي تعد كارثة على المتصوف فكرة وحدة الوجود ، وهذا عندما تضيع معالم الطرق أمامه في حالة من أحواله ، ويفقد فيها الاتزان النفسي ويخلط بين حقيقتين الحقيقة النسبية التي تكنها نفسه في عالم (الأنا) المحدود ، والحقيقة المطلقة التي يكنها ملكوت السموات والأرض في عالم لاحدود له . (ابن نبي : في مهب المعركة ، ص 184 .) .
       وفكرة وحدة الوجود التي نقصدها تعني أن كل ما تراه من المخلوقات ليس شيئا غير الله ، وأن الوجود وخالقه وحدة واحدة  فالكل واحد وهو نفس الذات الإلهية ، فلا تمييز في هذه الفكرة ولا فصل بين الخالق ومخلوقاته (1) .
       هذه الفكرة (بالمعنى المذكور) مرفوضة من الشرع الإسلامي الذي جاء بإثبات وجودين ، وجود الله الواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء ، ووجود المخلوق المفتقر إلى الله خالقه ، وإضافة إلى هذا فإن فكرة وحدة الوجود بهذا المعنى تسوي بين من يعبد الله ومن يعبد المخلوق لأنه صورة للذات الإلهية .
       وقد اهتم الشرع الإسلامي بتجلية حقيقة التوحيد من كل لبس أو غموض وببيان صلة العبد بخالقه ، وهي صلة العبودية التي رددتها جميع رسالات السماء ،  
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 – محمد غازي عرابي :  النصوص في مصطلحات التصوف ، ص 344  ، وابن خلدون : المقدمة ، ص 472  ، وولتر ستيس : التصوف والفلسفة ، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام ، مكتبة مدبولي القاهرة ، طبعة 1999م ، ص 258 . وهناك معنى آخر أضيق للمصطلح يشير إلى العلاقة بين الله وجزء خاص من العالم وهو الذات الفردية للمتصوف عندما تصل إلى حالة الاتحاد (ولتر ستيس : المرجع نفسه ، الصفحة نفسها) .
قال الله تعالى : (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله) (1) .
        أما معنى وحدة الوجود الذي يردده جمهور الصوفية المحققون فهو أن الأشياء موجودة بوجود واحد هو الحق سبحانه لا أنها موجودة بوجود زائد على الوجود الحق سبحانه (2)  ، فلاوجود مستغن بذاته إلا وجود الله ، والعالم ليس وجوده من ذاته ولا بذاته ولا لذاته ، ولا قوام له بذاته ، وإنما هو شأن من شؤون الله أو فعل من أفعاله (3) .
       هذا المعنى نصت عليه العقيدة الإسلامية إذ فيها أن مشيئة الله هي النافذة ، وأن الوجود وما فيه صادر عن الله ، قال الله تعالى : (والله خلقكم وما تعملون) (4) .
ــــــــــــــ
1 –  النحل 36 .  وحول الاعتراض على فكرة وحدة الوجود بالمعنى المذكور آنفا يذكر المؤلف ولتر ستيس أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لعدم الثقة فيها ، وهي:
أولا : يركز التأليه على فكـرة إله شخصي  بينما وحدة الوجود تتجه نحو مطلق غير شخصي ، فماهية العبادة في الإسلام والمسيحية واليـهودية أن يتوجه العابد في صلاته إلى الله  ، لكن أيـمكنه أن يصلي للعالم أو يـسأل الغفران والنعمة  من المطلق ؟ .
ثانيا : إذا كان العالم كما تزعم وحدة الوجود وكل ما يوجد فيه إلـهيا كان الشر الموجود فيه إلـهيا أيضا .
ثالثا : الإنسان لاشيء أمام الله ذرة من الغبار أو الرماد ، وهو موجود آثم  ، مثل هذا الـموجود من التجديف على الله أن يدعى الاتحاد معه . ( ولـتر ستيس : الـمرجع السابق ، ص 301 ، 302 .) .
2 – رفيق العجم : موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ، ص 1034 .
3 – محمد عبد الهادي أبو ريدة : تعليق على (تاريخ الفلسفة في الإسلام) للمستشرق دي بور ، ص 127 .
4 – الصافات 96 .
ــــــــــــــــــــــ
تابع انحرافات بعض المتصوفة :
2 – اعتقاد العصمة للشيخ، حتى أن المريد يصير كالميت الذي يغسل بين يدي شيخه.
3 – التنبؤ بالغيب .
4 – ادعاء السيطرة على الجن .
5 – السحر .
6 – ادعاء بعض المتصوفة سقوط التكاليف الشرعية عنهم ، وهذه النزعة والتي مفادها عدم المبالاة بكل ما في هذه الدنيا حتى بالشريعة أو ما يعرف بسقوط الشريعة إذا كُشفت الحقيقة ، وقد حكى ابن حزم الأندلسي أن من الصوفية من يقول إن من عرف الله سقطت عنه الشرائع . (آدم متز : الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ، ترجمة محمد عبد الهادي أبوريدة ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، الجزائر ، ج2 ، ص 479 ، 480) .
7 – منكرات مصاحبة للذكر ، يقول عبد القادر الشطي : " وقد أفسده (أي الذكر) متصوفة هذا الزمان المقصود من هذه العبادة الجليلة النفع أعني ذكر الله تعالى سرا أو جهرا في انفراد أو في اجتماع فأدخلوا فيه الرقص والتصفيق والغناء والأناشيد والزئير والصراخ الفظيع الذي هو من العبادة بعيد ، فلهذا وشبهه من المنكرات التي تقع منهم في حالة الاجتماع للذكر حذّر الناصحون المحققون من دخول طرق متصوفة هذا الزمان ، وحضوا على التمسك بالكتاب والسنة بطريق الإلقاء والتلقي وطلب الفتح من الله تعالى . " . (الشطي عبد القادر : حقيقة السلفية الوفية مذهب أهل الحق الصوفية ، ص 251) .
8 – التعصب المقيت للطريقة ، يقول عبد القادر الشطي أيضا : " ولكن لا ينبغي أن يؤدي ذلك (الانتساب للطريقة) بالمريدين إذا كانوا فعلا في انتسابهم صادقين وكانوا قاصدين تهذيب النفوس وترقيتها ، ولهم محبة في الطريقة وأقطابها ومشائخها ، ينبغي ألا يؤدي بهم انتسابهم إلى التعصب المقيت برؤية أنفسهم فقط ، وأن طريقتهم هي الصحيحة ، وأن الطرق الأخرى عاطلة أو قاصرة أو باطلة . "  (الشطي عبد القادر : المصدر نفسه ، ص 335) .

أهمية المعرفة التي يعتمدها التصوف :


       يعتمد التصوف على الـمعرفة الوجدانية التي تقوم على الانتقال والتحول من عالم الصور والظواهر والأشكال إلى عالم الروح حيـث الاطمئنان والثبات ، والتي تبُنى على أن يطهر المؤمن نفسه وقلبه حتى تزول الحجب وينتهي إلى الإخلاص والصـفاء  ومـعرفة حقـائق الموجودات . وتكمن أهمية هذه المعرفة في أننا حين ننتهج في تحليلنا القضايا الدينية المنهج العلمي المستند إلى الأدلة النقلية وبديهيات العقل ومسلماته  ، لا ندعو الإنسان إلى أن يجتهد بواسطة ملكاته العقلية مع مراعاة السنن والقوانين الطبيعية لينـتج الأفكار والمعارف فحسب ،  بل ندعوه كذلك إلى الأخذ بالمعرفة الوجدانية وعدم الاكتفاء بيقين العقل وما توصل إليه في تحقيق النهوض والتجديد ، وذلك لأن مكان الإيمان من الإنسان ومن الحضارة عظيم ، إذ الإيمان أساس العمل والمنبع الوحيد للجهد والطاقة .
وبهذا فإن الإنسان يبلغ هذه المعرفة ويحصل عليها بغير طريق العقل ، ويستطيع أن يصدق بالشيء من دون أن تستبين له أسبابه العقلية ، لأن الحكم تابع للإرادة والعاطفة . (جلال الدين سعيد : معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية ، دار الجنوب ، تونس ، ط 2004م ، ص 110) .
       وقد تعددت حدود هذه المعـرفة ومن أهمها : أنها نور يقذفه الله في القلب فينيره بنور المعرفة الخالص ، وحقيقة المعرفة انكشاف يوجب رفع الغطاء عما استتر وتغطى (1) .
       وتنتسب هذه المعرفة إلى الوجدان وهو مستودع إلهي علامته الإحساس الجواني بوجود قوة عليا حاكمة آمرة حكيمة لا يصدر عنها إلا الخيـر ،إليـها يستند الكائن المؤمن بها مستسلما إليها استسلام الوليد لعطف أمه ، والوجدان حالة شعورية متذبذبة صعودا وهبوطا مثل ترمومتر دقيق يدل على حالة الكائن الروحية (2) . 

ـــــــــــــــــ

1 –  رفيق العجم : موسـوعة مصطلحات التصوف الإسلامي ، مكتبة لبنان ناشرون بيروت الطبعة الأولى 1999م ، ص 911 .  ومن المعرفة الوجدانية الوجـد وهو ما صادف القلب من فزع أو غم أو رؤية معنى من أحوال الآخرة أو كشـف حالة بين العبد وبين الله تعالى ، والوجـد مـا صادف القلب وورد بلا تعمد ولا تكلف ولهذا قال مشائخ الصوفية الوجد المصادفة والمواجيد ثمرات الأوراد فكل من ازدادت وظائـفه ازدادت من الله تعالى لطائـفه.( أبوبكر الكلاباذي : التعرف لمذهب أهل التصوف ،  تحقيق محمود أمين النواوي ، مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة ، الطبعة الثانية 1980م  ، ص 134 ،  وأبو القاسم القشيري : الرسالة القشيرية ، دار الكتب العلمية بيروت ، الطبعة الأولى 1998م ، ص 97 . ) .
2 – محمد غازي عرابي : النصوص في مصطلحات التصوف ، دار قتيبة دمشق ، طبعة 1985م ، ص 342 .

           والوجدان بـما له من شعور متدفق فياض ينفعل به المرء فيحتل الجانب الأكبر من تفكيره ويلقى منه الاستجابة والإذعان والقبول  وهو العلة الحقيقية لتكوين العقائد على وجه العموم والدينية منها على وجه الخصوص  (1) .
       لـذا فإن هذه المعرفة شخصية ذاتية  ، إذ الموقف الذي يتخذه الإنسان أمام أي عقيدة  أو مذهب ديني هو مـوقف روحي ذوقي أكثر منه عقلي ، فالذي يعجبه دين مهما كان يجد نفسه منقادا إليه  ومتحيزا إلى تصديقه والإيمان به  دون حاجة إلى دليل عقلي ، بل إنه يؤمن به ولو تعـارضت عقـائده (أي هذا الدين) مع بديهيات العقل ومسلماته كالتثليث في النصرانية .
ــــــــــــــــ
1 – محمد عبد الرحمان بيصار : العقيدة والأخلاق وأثرهما في حياة الفرد والمجتمع  ، المكتبة العصرية بيروت طبعة 1980م ، ص 54 .


















       وبـهذا  فـإن المتصوفة يعتمدون في تغيير الإنسان وما حوله علـى إعـطاء الأولوية للجانب الباطني الروحي(1)  ، لأن هذا الجانب هو أساس التغيير الاجتماعي ، و لا يتوقفون عند ظواهر الأمور والقضايا  وإنـما يسبرون أغوارها ويكتنهون خفاياها .
       وهذا ما يراه كثير من المفكرين المعاصرين أصحاب  النـزعة الوجدانية  في الفكـر العـربي الإسلامي كعباس محمود العقاد (2)  الذي يرى  أنه متى تـفتح للمسلم  طريق الاتصال بالله على شريعة الحب (3)  واستقلال الضمير  فليس في دينه ما يحجبه عن طلب الحكمة الإلهية من هذا الطريق (4)  .
       وأهل المعرفة الوجدانية هم المتصوفة الذين تميزوا بالإرادة القوية والانقـطاع إلى العبـادة وطلب علـوم الأخـلاق والحِـكم ،  ظهـروا منذ عهد الإسـلام الأول
ــــــــــــــ
1 – الجانب الباطني في المعرفة أفاض فيه الفلاسفة الإسلاميون ، فالنفس عند الكندي في حالات التطهر والصـفاء والصقل في هذه الدنيا  وفي حالة ما بعد الموت تتلقى المعرفة وتكتسبها  مع فارق أنها في هذه الحالة تتلقى من العالم الفوقي المجرد من كل مادة وبدرجة أكبر من الصفاء مما هو في حالة تلقيها وتأثرها بالمحسوسات والمعقولات ، فكأن النفس عين مرة تنظر إلى أسفل ومرة  إلى أعلى أو كأنها مرآة ذات وجهين وجـه يعكس الـموجودات العليا  وآخـر الأسفل يعكس المحسوسات ومعقولاتها  .(حسام محي الدين الآلوسي : فلسفة الكندي ، ص 43)  ، أما ابن سينا فالمعرفة عنده تجريد وتذكر وفيض  ، تجريد النفس للمعقول من المحسوس وتذكر للمعاني والمثل التي سبق أن رأتها في عالم المعقولات ، وفيض من واهب الصـور  على النفس  ، والصفة الرئيسية لهذه المعرفة أنها معرفة بالواسطة وليست مباشرة  ، فالنفس بعد أن هبطت إلى العالم الأرضي لم يعد من حقها ولا أصبح في قدرتها أن تدرك المعاني أو الصور القائمة في العالم القدسي ، وإدراكها لهذه المعاني أو  الصور يتوقف على مايفيض به عليها العقل الفعال (واهب الصور) من صور تقشع الحجب التي تكتنفها .(يحي هويدي : دراسات في علم الكلام والفلسفة الإسلامية ، ص 279) .
2 - هو عباس بن محمود بن إبراهيم بن مصطفى العقاد (1889م – 1964م) ، من أعلام مصر ، إمام في الأدب العربي ، من المكثرين كتابة وتصنيفا مع الإبداع (بسام الجابي : معجم الأعلام ، ص 383) .
3 – يذهب العقاد إلى أن الإنسان إذا سما آثر لنفسه الإيمان بالله على الحب لا على الطمع في الثواب  أو الخوف من العقاب ، لأن المحب  يعطي من عنده فوق ما يؤمر به  ولا ينـتظر الطلب ليستجـيب إليه. (عباس محمود العقاد : التفكير فريضة إسلامية ، نهضة مصر للطباعة والنشر القاهرة ، طبعة 2001م ، ص 109 ).
4 - عباس محمود العقاد: المرجع نفسه ،ص 111 .

 مستلهمين آيات القرآن وأحاديث الرسول عليه السلام (1)  ، قويت نزعـتهم بتـأثير التطور الحضاري والترف المادي في المجتمعات العربية الإسلامية .
       والمتصوفة أو الصوفية ينسبون أنفسـهم إلى التصوف من الصوف  وذلك لأنهم كما يعبر ظاهر أحوالهم تركوا الدنيا  وآثروا الخشونة في العيش  ومن مظاهـرها لبس الصوف ،  أو من الصفاء أي صفاء القلب والسـريرة لله تعالى (2)    ، فعندما ينقطع الصوفي عن الدنيا ويعود إلى باطنه فإنه يتطهر من الخفي من شهواته ،ولا تـقوم حياته الروحية إلا  حين يطهر حركاته وسكناته وأفعاله  حتى ينتهـي إلى صـفاء نية القلب مصدر إلزامه الخلقي (3) .
       وعلم التصوف (وهو في الإسلام من العلوم الحادثة في القرن الثاني الهجري) علم يبحث في مجاهدة النفس ومحاسبتها و تهذيب أخلاقها ، ويتكلم حول الأذواق والمواجد العارضـة في طريقـها  ويشـرح أحـوال الـمتصوف  ومشاهـداته وخواطـره  ومكاشـفاته القلبية (4) .
       وبذا يمكن أن نقول إن التصوف علم يبحث عن الحقائق الوجدانية النورانية ،وتصاحب البحث معاناة ومشقة ، وهو تجربة ذاتية يخـتلف وصـفها وآثارها من شخص إلى آخر ، لأن استعداد القلوب لتلقي المعارف والفيوضات الربانية لا يكـون إلا بقدر مراتبها وطاعاتها وما تـتضمنه من الإيـمان والتصديق ،  فاستعداد الأنبياء لتلقي الـمعارف  أقـوى من استـعداد مَن دونـهم
ـــــــــــــــ
1 – كقوله تعالى : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) العنكبوت 69 ، وقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الإحسان : (أن تعبد الله كأنـك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) رواه مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه باب الإيمان ما هو  وبيان خصاله ، دار الفكر بيروت ، ج1  ، ص 30 .  ( الكلاباذي : التعرف لمذهب أهل التصوف ، ص 145 ، 167 ) .
2 - الكلاباذي : المرجع نفسه ، ص 28 ، 29 ، وأبو القاسم القشيري : الرسالة القشيرية ، ص 312 .
3 – جان شوفليي: التصوف والمتصوفة  ، ترجمة عبد القادر قنيني ، دار إفريقيا الشرق بيروت ، طبعة 1999م ، ص 8 ،9 .
4 – الكلاباذي : المرجع السابق ، ص 105 ، وابن خلدون : المـقدمة  ، دار القلم بيروت ، الطبعة السابعة 1989م ، ص 467 ، 469 . 
 مباشرة من الربـانيين والصديقين ، وذلك لما خصوا به من مشاهدة الوحي والحقائق الإلهية .
       وبرغم اتجاه كثير من المصلحين في العالم العربي إلى إحياء الجانب الصوفي الوجداني ، إلا أنهم واجهوا أخلاق الخمول والتواكل والكسل التي تفشت في المجتمعات العربية بسبب سوء فهم للقضاء والقدر وسوء فهم لمعنى العبادة في الإسلام  ، فمحمد عبده ذهب إلى أن مَن فسد مِن المتصوفة بثوا في الحياة الإسلامية منذ عدة قرون أوهاما لا صلة لها بالدين لصقت بالأذهان  مما أدى إلى نشوء الكسل وفشو الجهل (1)  ، كذلك ابن نبي واجه أخلاق التواكل والخمول ووجه نقده إلى المصدر المعرفي الذي يوحي بهذه الأخلاق (2)  .
ــــــــــــــــــــ
1 – محمد عبده : الإسلام والرد على منـتـقديه ، المطبعة الرحمانية مصر ، طبعة 1928م ، ص 38 .
2 – ابن نبي : مشكلة الأفكار ، ص 97 .











هذا النقد نجده كذلك عند المستشرق جب هاملتون(1)   الذي رأى أن التصوف لم يعد يعتمد على تعاليم ومـبادئ ثابتة  بقدر ما يعتمد على أشخاص نصبوا أنفسهم أئمة وشيوخا أو اعتبرهم أتباعهم كذلك ، وأن النـزعات الصـوفية المتأخرة أعادت تقديس الأئمة وجـعلهم واسطة بين الله والإنسان ، وأضمرت روح التفكيـر والنقد والنظر العقلي ودفعت إلى الخمول والجمود (2) .
       وفيما يتعلق بالمعرفة التي يعتمدها التصوف الإسلامي ومقارنتها بالمعرفة التي يعتمدها التصوف في الملل الأخرى ، وما كتبه الأوربيون في هذا الموضوع نجد أن ابن نبي اطلع على الأعمال الغربية التي تناولت التصوف والحياة الـروحية في الإسلام(3)  ، ووجه نقده إلى المفكر الانجليزي ألدوس هكسلي(4)  الذي تناول دراسة التصوف  بوصفه موضوعا علميا وطريقة بحث ومنهجا يتبعه الاجتـهاد العقلي لاكتشاف مجهول من نوع خاص ، أي على أن التصوف علم يبحث عن هذا المجهول،
ــــــــــــــــ
1 – جيب هاملتون (1895م – 1971م) : مـستشرق انكليزي ،  ولد في الاسكندرية (مصر)  ، دخل جامعة ادنبره حيث تخصص في اللغات السامية العربية والعبرية والآرامية ، صار أستاذا للغة العربية بجامعة لندن ثم بـجامعة اكسفورد  ، وعمل مديرا لمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة  ، إنتاجه يتوزع بين الأدب العـربي والتـاريخ الإسلامي والأفكار السياسية في الإسلام . (عبد الرحمان بدوي : موسوعة المستشرقين ،ص 174 ، 175 ،ونجيب العقيقي : المستشرقون ، ج2 ، ص 129 ، 130 ، 131 ) . .
2 – جب هاملتون : دراسـات في حضارة الإسلام ، ترجمـة إحسان عباس ومحمد يوسف نجم ومحمود زايد ، دار العلم للملايين بيروت ، الطبعة الثالثة 1979م ، ص 283 ، 284 .   نشير هنا إلى أن مـحمود قاسم يرى أن المنهج الصـوفي من حيث المبدأ لا يعير أهمـية للنـظر العقـلي الذي يحث عليه القرآن ،  وهو منهج يفوق مستوى الإنسان عادة ، وحصول المعرفة من طريقه نوع من الخوارق والمعجـزات  وهو مـا لا يمكن قبوله في مجال العلم . ( محمود قاسم :  مقدمة (مناهج الأدلة في عقائد الملة)لابن رشد ، ص 23 ، 24 ) .
3 - هذه الأعمال استقصت منابع الـتصوف وتتبعت تطوره ومذاهبه وحققت اصطلاحاته وترجمت لمشاهيره ، ومنها : كتاب (التصوف الإسلامي) لرينولد نيكلسون  ،  وكـتاب (المحاسبي متصوف بغداد) لمرقريت سميث ، وكتاب (العقيدة والأخلاق والتصوف لدى الغزالي) لآسـين بلاسيـوس ،  وكـتاب (آلام الحلاج شهيد التصوف في الإسلام) للويس ماسينيون .(نجيب العقيقي : المستشرقون ، ج3 ص 585 ، 586 ) .
4 – ألدوس هكسلي (1894م – 1963م):  كاتب انـجليزي ، ناقد اجتماعي تميز بأسلوبه الساخر اللاذع ، اشتهر بكتابه (أروع العوالم) في علم الخيال  ، أنذر بخطر الحضارة التقنية وانتقد الهيمنة المتزايدة للعنصر الأمريكي على الغرب ، سافر إلى بلدان عديدة منها الهند ونيبال .
( ENCYCLOPEDIQUE – PARIE – 1995 – p 1404 . LE PETIT  LAROUSSE  - DICTIONNAIRE  )
 (والمنجد في اللغة والأعلام ، دار المشرق بيروت ، ط36 ، 1997م ، ص 596 .)

 لأن كل علم هو في جوهره الجهد الذي يبذله الإنسان من أجل اكتشاف ما يجهل ، والتصوف هو الميدان الذي تقدر فيه الأشياء في نوعيتها وخصوصيـتها ، كل شـيء بميزته وكل شخصية متـصوفة بما يـميزها ،  إلا أن ألدوس هكسلي وضع الأشـياء
والشخصيات المختلفة تحت قانون عام في نطاق منـهج شـامل يحيط بروح التصوف لا بتفاصيله أي يحيط به بوصفه ظاهرة  خاصة بالفكر الإنساني وأغفل تاريخ التصوف الإسلامي الحافل بسير الـمتصوفة والزهاد (1) .
       واقترب من هذا الرأي المستشرق رينولد نيكلسون (2) إذ قال أن التـصوف هو البقعة المشتركة التي تلتقي فيها نصرانية القرون الوسطى بالدين الإسلامي (3)   ، كذلك ذهب جب هاملتون  إلى أن التصوف في الإسلام كنـزعة زهدية فيها تأمل  وسـعي لإدراك التجربة الدينـية كان محـكوما بقـوة الوحدانية المنزهة وبالفرائض القرآنية ، لكنه استمد كثيرا من التجربة المسيحية  وأدرجها في صوره التعبيـرية  بقدر ما يتلاءم ذلك كله مع مواقفه الدينية الأساسية (4) .
       وهذا يعني أن المتصوفة المسلمين اقـتربوا كثيـرا  من رهبان النصارى حيـث اشتركوا في صفات العزلة والاختلاء ونبذ ملذات الحياة الدنيا ومتعها والاتـصال بالله ـــــــــــ
1 - ابن نبي : في مهب المعركة  ، ص 184 ، 185 .
2 – رينولد نيكلسون (1868م – 1945م): مستشرق انكليزي ، يعد بعد ماسينيون أكبر الباحثين في الـتصوف الإسلامي ، درس اللغتين الفارسية والعربية بجامعة كمبردج ، وإنتاجه العلمي يتناول إضـافة إلى الـتصوف الإسلامي الأدب العربي والشعر الفارسي ، له مقالات عديدة نشرها في دائرة معارف الإسلام . (عبد الرحمان بدوي :  موسوعة المستشرقين ، ص 593  ، ونجيب العقيقي : المستشرقون ، ج2 ، ص 91 ، 92) .
3 - رينولد نيكلسون : تراث الإسلام  ،تعريب جرجيس فتح الله ، دار الطليعة بيروت ، الطبعة الثالثة 1978م ،ص 306 .
4 – جب هاملتون : دراسات في حضارة الإسلام  ، ص 275 ، 276 .



بواسطة الإيمان القلبي والمحبة والخوف والرجاء  (1) .
       ولكن برغم هذا الاقتراب  فإن متصوفة الإسلام  يفترقون عن الرهبان بعقائدهم المؤسسة على توحيد الله وتنـزيهه عن مشابهة خلقه فهم (أي متصوفة الإسلام) يجلون الله عن الولد والوالد والنظير وعن أن تجري قدرة البشر عليه ، وينـزهونه  عن التمييز والقياس والإحاطة وإدراك الأبصار ، يقول أبوبكر الكلاباذي(2)   في شـرح قولهم  في التوحيد: "اجتمعت الصوفية على أن الله واحد ، فرد صمد ،قديم عالم ، قادر حي ...   موصوف بكل ما وصف به نفسه من صفاته ، غير مشبه للخلق بوجه من الوجوه ، لا تشبه ذاته الذوات ولا صفته الصفات ، لا يجري عليه شيء من سمات المخلوقين  الدالة على حدثهم ، لم يزل سابقا متقدما للمحدثات ، موجودا قبل كل شيء . " (3) .
       إن محاولات التوفيق بين الأديان  من ناحية الإيمان القلبي والمحبة الربانية والتسليم باتحادها عند التصوف بحجة أن أتباع الأديان يتوجهون إلى الله  ، والقلوب هي منطلق التوجه ومحل العبادة  ،  هذه المحاولات تتعارض مع حقائق كل دين وعقائده ومفاهيمه التي تميزه .
       وإضافة إلى هذا فإن المتصوفة المسلمين  الذين اتصـفوا بالزهد العملي والتقوى والانقطاع إلى العبادة والتوجه إلى الله كانوا أكـثر وضـوحا في تصوفهم وجلاء  في عقائدهم ، وكان تصوفهم استجابة لنداءات القرآن  وثورة على الحياة اللاهية العابثة،
ــــــــــــــــــ
1 – وحـول هذا الاقتراب خاصة في مجال المحبة والإيمان القلبي  يقول المستشرق روجيه ارنلديز :  "  فالقلب إذا هو المحور الذي تتجه نحوه الرسائل الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسـلام) مهما كانت تعارضاتها العقائدية "  ، ويقول " لكن يتفق لكل منهم (اليهودي والمسيحي والمسلم) وهو يعيش قيمه الخاصة أن يتمكن من الانفتاح على قيم الاثـنين الآخرين  فينبثق تشارك أكيد ويتألق على مستوى الاختبار الديني ، اختبار يكون القلب وحده قـادرا عليه " (روجيه ارنلديز : رسل ثلاثة لإله واحد ، ترجمة وديع مبارك ، منشورات عويدات بيروت – باريس ، الطبعة الأولى 1988م ، ص 61 ، 62) .
2 - أبوبكر الكلاباذي : هو محمد بن إبراهيم بن يعقوب الكلاباذي البخاري ، من حفاظ الحـديث ،  توفي سنة 380هـ (الزركلي : الأعـلام ، الطبعة الثالثة ، ج6 ، ص 184) .
3 – أبوبكر الكلاباذي : التعرف لـمذهب أهل التصوف ، ص 47 .



يقول ابن خلدون (1)  : " هذا العلم (أي علم التصوف) من العلوم الشرعية الحادثة  في الـملة  وأصله أن طريقة هؤلاء القوم  لم تزل عند سلف الأمة  وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى  والإعراض عن زخرف الدنيا وزينـتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور  من لذة ومال وجـاه  والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة  وكان ذلك عامّا في الصحابة والسلف ،  فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني ومـا بعده وجـنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة ." (2) .
ــــــــــــــــــــ
1 – ابن خلدون (732هـ- 808هـ): هو عبد الرحمان بن محمد الحضرمي ، الفيلسوف المؤرخ ، أصله من اشبيلية ومولده ومنشؤه بتونس ، رحل إلى فاس وغرناطة وتلمسان والأندلس ، تولى أعمالا واعترضته دسائس ووشايات ، توجه إلى مصر وتوفي فيها ، اشتهر بكتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر) (الزركلي : الأعلام  ، الطبعة الثالثة ، ج4 ، ص 106 ، 107) .
2 – ابن خلدون : الـمقدمة ، ص 467 .
التصوف في المغرب العربي :
لم تقتصر حركة التصوف على المشرق بل شملت المغرب العربي ، وكان طابعها في البدء الزهد والورع أي التصوف كسلوك ، ثم ما لبثت أن تطورت إلى تصوف فلسفي ، وكان من رواد الاتجاه الأول ابن النحوي (ت 513هـ) في العهد الحمادي ، وأبو مدين شعيب (ت 594هـ) ، وأبو زكريا الزواوي (ت 611هـ) وغيرهما في العهد الموحدي .
       أما الاتجاه الثاني (التصوف الفلسفي) فكان من رواده ابن عربي (ت 640هـ) وابن سبعين (ت 669هـ) وأبو الحسن علي الششتري (ت 668هـ) .
وترجع أسباب تطور التصوف في المغرب العربي وخاصة الجزائر إلى عدة مؤثرات أهمها : 
1 – الاتصال بالمشرق وأعلامه في التصوف عن طريق الحج ، والتتلمذ على هؤلاء الأعلام والاطلاع على مذاهبهم واتجاهاتهم وفلسفاتهم في هذا الميدان والتزود بالكتب والمؤلفات المهمة فيه كرسالة القشيري وقوت القلوب للمكي وإحياء علوم الدين للغزالي وغيرها .
3 – التأثر بالمذهب الشيعي الذي تسرب إلى المغرب الأوسط وبفكرة المهدي التي بنيت عليها الدعوة الفاطمية وكذلك الدعوة الموحدية .
4 – الأوضاع المتدهورة ، فمنذ الربع الأخير من القرن 13م بدأت تسود في المغرب الأوسط الاضطرابـات والثورات مما أدى إلى انعدام الأمن والاستقرار وتدهور الحالة الاقتصادية ، وتلاها تناحر دويلات المغرب العربـي فيما بينها إلى مطلع القرن 16م (1)  .
ــــــــــــــــــــــــ
1 - فيلالي مختار الطاهر : نشأة المرابطين والطرق الصوفية وأثرهما في الجزائر خلال العهد العثماني ، دار الفن القرافيكي ، باتنة ، ص 17 ، 18 .





























ليست هناك تعليقات: